تاريخ النشر2014 19 April ساعة 13:42
رقم : 156450

الشّيخ محمد جواد مغنيّة علَمٌ من أعلام التّقريب

تنا ـ بيروت
من جبل عامل معقل العظماء والأبطال، وفي قرّية طير دبّا الجنوبيّة شعّ نور العطاء والفكر بولادة الشّيخ محمد جواد مغنيّة في العام ١٩٠٤ م أحد أبرز روّاد الوحدة والتّقريب بين المذاهب الإسلاميّة في لبنان .
الشّيخ محمد جواد مغنيّة علَمٌ من أعلام التّقريب

وقد جسّد الشّيخ مغنيّة عمليًّا مقولة أنّ العظماء يولدون من رحم المصاعب والتّحدّيات ، فهو كان على موعد مع المعاناة منذ نعومة أظافره؛ فقد حرمته يد المنون حنان الأمّ وهو دون سن الرابعة من عمره ، فأضحى والده الشّيخ محمود مغنيّة سنده وأمله في الحياة . لكنّ معاناة اليتم لم تتوقف عند هذا الحدّ ، فما لبث أن فارق والده الحياة عام ١٩١٦ ، فحمل هموم الحياة، وواجه آلامها ومصاعبها بمفرده؛ مّما أثقل شخصيّته بإرادة وعزم فولاذيّين، وحسًّا إنسانيّاً مرهفاً . 

وبما أوتي من إرادة صلبة ، إنطلق الشّيخ مغنيّة في مشواره العلميّ من لبنان ، حيث درس كتاب " الآجروميّة "، وشطراً من كتاب "قطر النّدى "، ثمّ رحل إلى النّجف الأشرف لإستئناف مشوار طلب العلم في جوار قبّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "ع"؛ وتتلمذ هناك على يد كبار العلماء، منهم السيّد "أبو القاسم الخوئي(قده)" و"السيّد محمد حسين سعيد فضل الله"؛و"السيّد حسين الحماميّ" و"الشّيخ محمد حسين الكربلائيّ". 

وفي العام ١٩٣٦ ـ بعد رحلة علميّة دامت أحد عشر عاماً، حيث إنكبّ على النّهل من معين العلم الإسلاميّ في النجف ـ عاد الشّيخ مغنيّة إلى لبنان ليشارك في مراسم دفن أخيه الأكبر الشّيخ عبد الكريم مغنيّة، الّذي كان يؤدّي مهمّة الدّعوة والإرشاد في قرية معركة في جنوب لبنان؛ وبناء على طلب أهالي المنطقة عيّن الشّيخ مغنيّة خلفاً لأخيه، فراح يكبّ عليهم من معرفته العلميّة، ويدرّسهم القرآن والدّين ، ويلقي عليهم المواعظ والإرشادات إلى جانب إقامة صلاة الجماعة .
وقد شغل عددًا من المناصب، حيث عهد إليه منصب قضائيّ في العام ١٩٤٨ في المحكمة الجعفريّة، ثمّ عيّن مستشاراً فيها ، ليتسلّم رئاستها من العام ١٩٥١ ولغاية العام ١٩٥٦. 

لم يدخل مغنيّة عالم الرّئاسة والمناصب طمعاً بالدّنيا وحطامها ، بل كان ينشد خدمة النّاس، وتحقيق العدالة ، وهذا ما تجلّى بموقفه التّاريخيّ عندما وقف بصلابة أمام مطلب وزير الزراعة آنذاك كاظم الخليل حين طلب منه إصدار حكماً وفقاً لما يريده هو ، حتّى أنّه قال له : إستجب لطلبي ، فإنّي سأثبّتك في الرئاسة "، فإمتنع الشّيخ مغنيّة عن ذلك قائلاً له : " إنّي أهتمّ أوّلاً بتثبيت ديني قبل تثبيتي في الوظيفة ،أمّا الكرسيّ فظلٌّ زائل ". وعلى خلفيّة هذه الحادثة الّتي حصلت في العام ١٩٦٨ إعتزل مغنيّة مسؤوليّاته ، وإشتغل بالبحث والتّأليف . 

كان ذا همّة عالية، محبًّا للدّرس والتّأليف، فأمضى جلّ وقته بين الكتب بحثًا وتأليفًا أغنى المكتبة الإسلاميّة بكلّ أنواع العلوم الإسلاميّة والفقهيّة؛ ومن مؤلّفاته:
ـ الفقه على المذاهب الخمسة".
ـ "فقه الإمام الصادق(ع)".
ـ "علم أصول الفقه".
ـ "في ظلال نهج البلاغة".
ـ التفسير المشهور للقرآن الكريم "تفسير الكاشف".
ـ "مذاهب ومصطلحات فلسفيّة".
ـ "فضائل الإمام عليّ(ع)".
ـ "فلسفات إسّلاميّة" .
ـ"عقليّات إسّلاميّة" وغيرها الكثير، بالإضافة إلى الكثير من النّدوات والمحاضرات والدّروس.
ولم تقتصر كتاباته على العلوم الإسلاميّة والفقهيّة ، بل أخذت بعداً سياسيًّا جهاديًّا إستنشقه من نهج وفكر الإمام الخمينيّ "قده" ، فرسم نهجاً في مواجهة الإستكبار الأميركيّ والعدوّ الصّهيونيّ، مناشداً العلماء للوقوف معاً، والقيام بدورهم الإرشاديّ والتّوعويّ بين النّاس حول موقف الإسلام الحقيقيّ في ما يرتبط بمواجهة الإستعمار . 

هذا النّهج الجهاديّ أثار حفيظة الأميركيّ ـ لما له من بالغ الأثر آنذاك ـ مّما حمل السّفارة الأميركيّة على تهديده، وتحذيره من مغبّة مواقفه ضدها؛ حتّى أنّها طلبت منه أن يلتقي الرّئيس الأميركيّ حينها روزفلت، فما كان من شيّخنا المجاهد إلّا أن يقول : " إسمع يا هذا ، إنّ أميركا ألدّ عدوّة للإسلام والأمّة العربيّة؛ أميركا أوجدت إسرائيل؛ وقتلت شعبنا في فلسطين، وشرّدته من دياره . إنّ دماء أبنائنا ما زالت تنزف في دير ياسين وعلى أرض فلسطين ، وأخوتنا يُقتلون بسلاح أميركا الّذي تغدقه على إسرائيل ... وبعد هذا تدعوني إلى زيارة الأسطول السادس !. 

هذا غيض من فيض المواقف البطوليّة الّتي أطلقها الشّيخ مغنيّة لتكون تلك الصّرخة المدوّية في أرجاء العالم العربيّ والإسلامي ، علّها توقظ الضّمائر النّائمة عن ما يحصل في فلسطين ، محطّ الدّيانات وأرض المقدّسات . 

وفي سبيل هذا النّهج الجهاديّ ، نظر سماحته إلى الوحدة والتّقريب بين المذاهب كنواة أساسيّة في الحرب ضدّ العدوّ ومواجهته؛ لذا بذل جهوداً حثيثة في سبيل تحكيم الوحدة الإسّلاميّة؛ فكان يستغلّ الفرص المتاحة للإنفتاح على علماء أهل السنّة والتّحاور معهم، ولقائهم في مختلف أصقاع الأرض لتحديد السبل والآليّات الّتي تكفل تحقيقها، حتّى قال فيه رئيس مجلس الشّيعيّ الأعلى الشّيخ محمد مهدي شمس الدين "رحمه الله": "كان هاجس الشّيخ محمّد جواد مغنيّة ـ في سني الفتنة هذه، الّتي تجرّر فينا ونجرّر فيها ـ الوحدة الوطنيّة والوحدة الإسلاميّة والجنوب ". 

وكأحد سبل تحكيم الوحدة والتّقارب بين المذاهب دأب الشّيخ مغنيّة في الدّفاع عن التشيّع، وردّ الإتّهامات والأباطيل الّتي تُكال إلى الشّيعة؛ فكان أوّل من تصدّى للردّ على كتاب " الخطوط العريضة " لمؤلّفه محبّ الدين الخطيب الّذي تضمّن مجموعة من الأفكار المغلوطة والمعادية للتّشيّع ، ليظهر حقيقة مغايرة لما ورد في الكتاب ، وأنّ الشيعة بريئون من كلّ تلك الشّبهات والخرافات . 

هذه الجهود الخيّرة في سبيل إعلاء كلمة الإسلام ، والتّقريب بين المذاهب الّتي حرص سماحته عليها طوال حياته لم تتوقف بوفاته في العام ١٤٠٠ه عن عمر يناهز السّادسة ؛ فهوخلّف إرثاً علميًّا ناصعًا ورصينًا لا يزال من أبرز وأبدع ما كتب في الوحدة والتّقريب . وإستحقّ عن كثب بأن يدفن إلى جانب أمير المؤمنين "ع" في إحدى حجرات العلويّة المطهّرة ، بعد أن صلىّ على جثمانه الطاهر السيّد أبو القاسم الخوئيّ ، كأحد أعلام وروّاد الوحدة الإسلاميّة .
https://taghribnews.com/vdcamin6w49nmy1.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز