تاريخ النشر2015 1 July ساعة 23:43
رقم : 196843

نفحات حسنية حول التوحيد

تنا
نصوص مختارة من اقوال سبط الرسول الامام الحسن بن علي بذكری مولده (ع) في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك .
نفحات حسنية حول التوحيد
" الحمد لله الذي كان في أوّليّته، وحدانياً في أزليّته، متعظّماً بإلهيته، متكبّراً بكبريائه وجبروته. ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق، على غير مثالٍ كان سبق مما خلق.
ربّنا اللطيف بلطف ربوبيّته، وبعلم خبره فتق، وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق، فلا مبدّل لخلقه، ولا مغيّر لصنعه، ولا معقب لحكمه، ولا رادّ لأمره، ولا مستراح عن دعوته.

خلق جميع ما خلق ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدته، فوق كلّ شيءٍ علا، ومن كلّ شيءٍ دنا، فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى وهو بالمنظر الأعلى.
احتجب بنوره، وسما في علوّه، فاستتر عن خلقه، وبعث إليهم شهيداً عليهم، وبعث فيهم النبيين مبشّرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بيّنةٍ، ويحيا من حيّ عن بيّنةٍ، وليعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروه.

الحمد لله الذي لم يكن له اول معلوم، ولا آخر متناهٍ، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفةٍ فيتناهي، فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها ولا الألباب وأذهانها صفته فيقول: متى؟ ولا بدئ ممّ؟ ولا ظاهر على ممّ؟ ولا باطن ممّ؟ ولا تارك فهلاّ؟ خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلكم الله ربّ العالمين.

الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده. والحمد لله الواحد بغير تشبيهٍ، الدائم بغير تكوينٍ، القائم بغير كلفةٍ، الخالق بغير منصبة، الموصوف بغير غايةٍ المعروف بغير محدوديّةٍ العزيز لم يزل قديماً في القدم، وعنت القلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته، فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصلون منهم لكنه عظمته. ولا تبلغه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير بتدبير أمورها. أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه. يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير، أمّا بعد فإن القبور محلّتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا، وإن عليّاً باب من دخله كان آمناً ، أقول قولي وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

آن أرضى الخالق، لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فقمن ان يسلّط عليه سخط المخلوق، وإنّ الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنّى يوصف الذي تعجز الحواسّ أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به! جلّ عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، قريب وفي قربه بعيد، كيّف الكيف، فلا يقال له: كيف، وأيّن الأين، فلا يقال له: أين، إذ هو مبدع الكيفوفيّة، والأينونيّة.

 كلّ جسمٍ مغذّىً بغذاء، إلا الخالق الرازق، فإنه جسّم الأجسام، وهو ليس بجسمٍ ولا صورةٍ، لم يتجزّأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرّا من ذات ما ركّب في ذات من جسّمه، وهو اللطيف الخبير، الواحد الأحد، الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. منشئ الأشياء، ومجسّم الأجسام، ومصوّر الصور، لو كان كما تقول المشبّهة لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ، لكنه المنشئ، فرّق بين من جسّمه وصوّره، وشيّأه وبيّنه، إذا كان لا يشبهه شيء.

القدر
 فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه، أنّ الله يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر، إنّ الله لم يطع مكرها، ولم يعص مغلوباً، ولم يهمل العباد سدىً من المملكة، بل هو المالك لما ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييراً، ونهاهم تحذيراً، فان ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادّاً، وان انتهوا إلى معصيةٍ فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وان لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً، ولا ألزموها كرهاً، بل منّ عليهم بأن بصّرهم و عرّفهم وحذّرهم، وأمرهم ونهاهم، لا جبلا لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة، ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه، (ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) .
 
لا جبر ولا تفويض
من لم يؤمن بالله قضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربّه فقد فجر. إنّ الله لا يطاع استكراهاً. ولا يعصى لغلبةٍ، لانه المليك لما ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، فإذا لم يفعلوا فليس هو الذي أجبرهم على ذلك، فلو أجبر الله الخلق على الطاعة لاسقط عنهم الثواب، ولو أجبرهم على المعاصي لا سقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن له فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم، فإن عملوا بالطاعات كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجة عليهم. 

عفو الله
إنّ الله ليعفو يوم القيامة، عفواً يحيط على العباد، حتى يقول أهل الشّرك: والله ربّنا ما كنّا مشركين.

 لطف الله
ما فتح الله عزّ وجلّ على أحدٍ باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة، ولا فتح على رجلٍ باب عملٍ فخزن عنه باب القبول، ولا فتح لعبدٍ باب شكرٍ فخزن عنه باب المزيد.
 
القرآن
إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليجل جالٍ بضوئه، وليلجم الصفة قلبه، فإنّ التفكير حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.

ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن، فاتّخذوه إماماً يدلّكم على هداكم. وإنّ أحقّ الناس من عمل به وإن لم يحفظه، وابعدهم من لم يعمل به وإن كان يقرأه.
إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائداً وسائقاً، يقود قوماً إلى الجنة أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوماً إلى النار ضيّعوا حدوده وأحكامه واستحلّوا محارمه. من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.
 

 
https://taghribnews.com/vdcayin6e49noa1.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز