تاريخ النشر2014 20 August ساعة 11:42
رقم : 166469

الشّيخ عمرو لـ"تنا: على العقلاء من العلماء والمسلمين التّحرّك لوأد فتنة التّكفيريين

تنا- بيروت
لماذا يلجأ البعض ـ أفرادًا كانوا أم مجموعات ودولًا ـ إلى تكفير الآخر؟ سؤال ليس بغريب في هذه المرحلة من حياة البشرية؛ والبعض يسأل: هل إنّ التّكفير والتّكفيريين ظاهرة طارئة على المجتمعات الإنسانيّة، لكنّ ثمة جهات محلّيّة وإقليميّة ودولية وظّفت حضورها لتحقيق أغراض خاصّة بها، أم أنّها من أصل المجتمعات الإنسانيّة، سواء في المنطقة أم العالم؟
الشّيخ محمد عمرو
الشّيخ محمد عمرو

سؤال طرحته وكالة "تنا" – مكتب بيروت على مسؤول الإعلام والثّقافة في تجمّع العلماء المسلمين في لبنان الشّيخ محمد عمرو، فقال:  طبعاً إنّ نشوء فكرة التكفير أمر تاريخيّ؛ بدءً من تحولّ الخلافة إلى الملكيّة المغصوبة؛ وفي الفكر الملكيّ يسود فرض الرأي الواحد؛ ولفرض الرأي الواحد لا بدّ للملك أن يستعين بفقيه يعطيه الشّرعيّة. من هنا حصل عبر التّاريخ تحالف بين الملوك والفقهاء، أو من نسمّيهم فقهاء السّلاطين؛ فأصبح الملك يعطي القرار ليأتي دور الفقيه في إيجاد التّبريرات الشّرعيّة هذا القرار؛ حتى ولو تطلّب ذلك إختراع بعض الرّوايات.

وردًّا على سؤال حول ما إذا كانت مسألة التلاعب بالرّوايات جزءً من هذا الإستغلال من أجل توفير الغطاء الشرعيّ للحاكم، قال الشّيخ عمرو: نحن نعلم أنّ العصر الأمويّ حفل بالكثير من الرّوايات المستحدثة،  والّتي أطلق عليها تسمية الإسرائيليّات؛ فقد أُدخلت في ذلك الوقت لإضفاء الشّرعيّة عن النّظام الملكيّ؛ وكلّ ملك يريد أن يأخذ النّاس بمذهبه، مذهبه هو وليس دين الله؛ وبالتالي بات الدّين مجرّد غطاء لمواجهة الآخر؛ وهذا الأمر موجود عبر التّاريخ والأديان الأخرى.

فنحن نجد أنّ فرعون الّذي علا في الأرض، وجعل أهلها شيعا إستخدم العلماء أيضاً؛ وكانوا يسمّون في ذلك الوقت السّحرة والكهنة؛ فقد تحالف فرعون والكاهن الأكبر؛ فما هو دور هذا الكاهن؟ دوره أن يقول للنّاس أنّ فرعون هو الإله، أو أنّ فرعون هو ظلّ الله على الأرض؛ والفقيه في الزّمن الأموي كان يقول أنّ الخليفة هو خليفة الله على الأرض أيضًا، رأيه رأي الله ، والخروج عنه هو خروج عن رأي الله؛  ما يعني أن النّمط الفكريّ هو نفسه؛  وهو النّمط الفكريّ نفسه في العهد اليهوديّ، فالسيّد المسيح أتى وقاتل؛ من قاتل السيّد المسيح ؟ هو لم يقاتل جنودًا؛ بل قاتل كهنة الهيكل؛ ومن هم كهنة الهيكل؟ هم رجال الدّين، يعني الإكليروس؛ وطبقة الإكليروس كانت متحالفة مع القياصرة؛ فسير التّاريخ تُبرز التّحالف الدّائم بين شيء إسمه القياصرة ، والأباطرة، والفراعنة ، والنماردة، والملك والأمير الفلانيّ مع رجال الدين الّذين يردون شراء الدّنيا بدل الأخرة؛ فيشترون  بآيات الله ثمن قليلاً؛ يكتبونها بأيديهم؛ والقرآن  الكريم يقول (يكتبون آيات الله بأيديهم)؛ يشترون، ويبلّغون، ويقولون للنّاس : هذا رأي الله، تمامًا على غرار صكوك الغفران التتي كانت موجودة في القرون الوسطى.

ويذهب الشيخ عمرو إلى تبيان خطورة هذا التّحالف بالقول: إنّ هذا التّحالف هو الّذي أدّى إلى هذه الجرائم عبر التّاريخ ، بدٍ من نمط القتل، وتكفير الآخر بتهمة أنّ هذا الآخر ضدّ الله، أنّ الآخر كافر، أنّ الآخر مشرك ؛ إنّ أيّ صياغة من هذه الصيغ أتت نتيجة تحالف الملكيّة مع فقه السّلاطين وفقهائهم الّذين باتوا من أصحاب الدّنيا ضدّ الأنبياء، وخطّهم عبر التّاريخ؛ فالنّبيّ إبراهيم(ع) جاء لمواجهة النّمرود الّذين كان متسلّحًا مع الكهنة؛ والنّبيّ موسى(ع) جاء لمواجهة فرعون ومن معه من الكهنة والسّحرة؛  وهناك أيضًا النّبي عيسى(ع) الّذي  تصدّى للقياصرة وجشع رجال الدّين والكهنة آنذاك؛ وقاتلهم وطردهم من الهيكل كما يقال.

والأمر نفسه نجده مع النّبيّ محمد(ص)، الّذي قاتل قريش وكهنتها؛ وفيما بعد إنقلبوا إلى الملكيّة؛ وأعادت قريش مجدها الملكيّ؛ وفي الأموييّين نجد أنّهم إستخدموا التّكفير والتّكفيريّين في مقابل آل البيت(ع)؛ ثمّ جاء العباسيّون وإستخدموا التّكفير والتّكفريين في مقابل الأمويّين.

أصبح  التكفير دين الملوك، وليس دين الله؛بغضّ النّظر عن إسمه؛ فالتّغيير في سياسة الملوك تأتي على مستوى العنوان العامّ فقط؛ لكن النّتيجة تبقى نفسها: التّكفير.

وردًّا على سؤال حول الأساليب، قال الشّيخ عمرو:  القتل بإسم الدين وبأبشع صوره والتّفاخر به هو أبرز أساليب التّكفيريّين قديمًا وحديثًا؛  ففي القرون الوسطى كانوا يقتلون بإسم الله، أيّ أنّ الكنيسة كانت تقتل بإسم الله؛ الإكليروس كانت تقتل بإسم الله؛ والأسلوب نفسه لدى الملكيّين ؛ وبالتّالي فإنّ تحالف الكنيسة والملكيّة عبر التّاريخ في العصور الوسطى أنتج مجازر وسفك دماء  ملايين الضّحايا تحت عنوان فرض الرأي، فرض الفكر الواحد.

وهذا هو السّياق الّذي نراه اليوم؛ مجازر، وقتل، وإغتصاب، وإنتهاك كلّ الحرمات، والحدود الدّينيّة بعنوان الجهاد؛ وللأسف هذا ليس من الفكر الإسلامي بشيء؛ فالإسلام دين الرحمة؛ دين الخروج بالنّاس من الظّلامات إلى النّور بالعلم والمعرفة؛ ففي كتابه الكريم: (نون و القلم وما يسطرون)، و(إقراء باسم ربك)؛ فإذا بالقلم والقراءة يخرج النّاس من الظّلامات.

لكن عن أيّ نوع من الظّلامات نتحدّث هنا؟
يقول الشّيخ عمرو في هذا المجال: هي ظلامات الجهل،والظلم،والتّعدّي على الآخرين، وهذه كلّها هل تتوافق مع جاء به الرّسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ بالتّأكيد لا تّتفق معها؛ يقول الباري عزّ وجلّ في كتابه العزيز "وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين"؛ والملاحظ هنا هو كلمة رحمة للعالمين؛ أيّ أنّه رحمة للعالمين، وليس للمسلمين فقط؛ وكلمة العالمين تشمل كلّ النّاس حتّى الكافر الملحد غيرالمؤمن بوجود الله. وما نراه اليوم ـ في زمننا الحاضر الّذي يشكّل زمن رسول الله (صلّى الله  عليه وعلى آله) الممتد ـ يفترق بالكامل عن رسول الرّحمة؛ فهو لم يكفّر أحدًا؛ بل إستوعب النّاس، وسامحهم ، وعفّ عنهم؛ رسول الله فتح آفاق الفكر للنّاس، وهداهم إلى الصراط المستقيم على قاعدة لا إكراه في الدّين؛ وهذه القاعدة الفكريّة لا  تُبيح لك أن تُكره الآخر على فكر معيّن، حتّى ولا على الدّين الإسلاميّ؛ فالله عزّ وجلّ يقول لا إكراه في الدّين؛ فكيف يأتي ذاك ويقول: لا يجب أن تؤمن.. يجب أن تُسلم وإلا أقتلك؛ بأيّ حقّ؟ بأيّ سلطان؟

ظاهرة التّكفير طارئة على مجتمعاتنا الإسلاميّة أم أصيلة
تعدّدت وجهات النّظر الّتي حاولت الوقوف على طبيعة ظاهرة التّكفير، وأسبابها، وبينها وجهة تقول بأنّها ظاهرة طارئة على مجتمعاتنا الإسلامية، لكنّ جهات إقليمية ودوليّة استغلّت وجودها لتحقيق مآربها الخاصّة، لاسيما تجذير سياسة فرّق تسد؛ حول هذه النّقطة قال الش يخ عمرو: إنّ منشأ حركة التّكفريّين الموجودة الآن في العالم ظروف تاريخية، ومشكلات حقيقيّ يعيشها عالمنا الإسلاميّ والعربيّ، سواء في السّياسة، أم الإقتصاد وافجتماع والفكر، وغير ذلك.  لكن علاجها بهذه الطّريقة أقصد بالذّهاب إلى التّطرّف ليس صحيحًا؛ فما يحصل  خطير جداً على الفكر الإسلاميّ؛ فالغرب تحالف مع ما يُسمّى الإسلام المتشدد، أو كما قلت مع طبقة فقهاء السّلاطين، من أمثال إبن تيميّة الّذي أنتج الفكر القائم على تكفير الآخر كمذهب، فهو جاء بتفسير جديد للقرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشّريفة، وأفتى بجواز قتل كلّ من يخالف رأيه الفقهيّ وإبادته؛ وحرّض ضدّ المذاهب الأخرى الّتي صنّفها خارجة عن الدّين، لاسيّما مذهب "الرّافضة "، كما سمّاه.

وجاء من بعده محمد عبد الوهاب الّذي تحالف مع الإنكليز بقيادة الملك عبد العزيز، فأنتج الفكر الوهابيّ، الّذي هو أصل هذه المعتقدات؛ مدعومًا بالدّولة والعسكر والمقاتلين؛ فهو أنتج السّعوديّة  دولة الفكر الوهابيّ القائم على تكفير الآخر، ورفضه .

طبعًا التّحالف الملكيّ مع فقيه من الفقهاء أنتج ما وصلنا إليه؛ وبالتّحالف السّعوديّ الأميركيّ أنتجت القاعدة بذريعة الجهاد في أفغانستان لتحريرها من الإتحاد السوفياتي الشّيوعيّ؛ وما بين السّعودية  وأفغانستان هناك أكثر من ألف وخمسمئة كيلو متر، وما بين السّعوديّة  وفلسطين هناك مئة كيلو متر ، فلماذا تحويل الأنظار بعيدًا عن قضيّة المسلمين المركزيّة؟ هل لأنّها توحّدهم، وتجمع كلمتهم؟ أم لأنّ الإستكبار العالميّ الأميركيّ يريد ذلك حماية إسرائيل فأنتجوا هذا الفكر؟  فأوجد طبعاً القاعدة،  وذهب الشّباب وتحمّس لقتال الشيوعية، وبعدما أسقطت الشّيوعيّة وجدوا أنّه يمكن استخدامهم ضدّ  إيران الصّاعدة.

فتحوّل الأمر إلى معركة جديدة في وجه الشّيعة الرّوافض، بالإضافة إلى  إستخدامات أخرى، بينها وأهمّها إبعاد الشّباب خصوصًا، والمسلمين عمومًا عن القضيّة الفلسطينيّة، وإلهائهم، وإضعافهم خدمة لإسرائيل وأميركا وحلفائها؛ فالتّكفيريّون تربّوا في أحضان الوهابيّة ومدارسها، وباتوا أدوات فتنة في المنطقة، والمراد منها تقسيم العالم الاسلاميّ خدمة للمشروع الإميركيّ الصّهيونيّ.

ويختم الشّيخ عمرو بالقول : " على العقلاء من العلماء المسلمين، وبعض قيادات العالم الإسلاميّ والمسلمين التّحرّك، والنّهوض لوأد الفتنة، ومحاصرتها قبل أن تتمكّن الدّولارات الدّاعمة، السّعوديّة منها والخليجيّة، وغيرها من توسيع رقعة الحريق على كامل جغرافيا العالم العربيّ والإسلاميّ ."
 
حاورته : خديجة حطيط


https://taghribnews.com/vdcb00b89rhb0ap.kuur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز