تاريخ النشر2014 18 April ساعة 09:44
رقم : 156678
حاورته في ذكرى "عناقيد الغضب" الصّهيونيّة

الشيخ هشام خليفة لـ "تنا" : مواجهة الارهاب التكفيري بحاجة الى قرار سياسي كبير

تنا- بيروت
سجّل عدوان نيسان في العام ١٩٩٦ ما لا يقلّ عن ٨٨٣ غارة جويّة، وآلاف عمليّات القصف المدفعيّ، وإستشهد بنتيجته حوالي مئتي شهيد وجرح المئات؛ هذا العدوان مجرّد حلقة من مسلسل محاولات العدوّ الصّهيونيّ الفاشلة لسحق المقاومة .
الشيخ هشام خليفة لـ "تنا" : مواجهة الارهاب التكفيري بحاجة الى قرار سياسي كبير

المقاومة شكّلت الصّخرة الّتي تحطّمت عليها طموحات العدو الصهيوني الإستعماريّة؛ وأطلق على عمليّته العدوانيّة يومها "عناقيد الغضب" علّه يحدث الرّعب في قلوب المجاهدين والصّابرين من أهل المقاومة.

وكالة "تنا" كعادتها تتوقّف عند الذّكرى من جديد، لكن هذه المرّة أخذت في الإعتبار العدوّ الجديد الّذي برز في وجه الأمّة ليخدم الهدف نفسه الّذي سعى العدوّ بكلّ ما أوتي من إمكانيّات لتحقيقه؛ ومنها حربه الهمجيّة قبل ١٨ عامًا، وخاب؛ أيّ الإرهاب التّكفيريّ.

من هنا كان الخيار لقاء مدير عام الأوقاف الإسلاميّة في دار الفتوى فضيلة الشّيخ هشام خليفة، هذه الشّخصّية الجامعة للبعدين السّياسيّ والدّينيّ، والمواكبة لأحداث لبنان؛ ومن المعلوم أنّه تعرّض للكثير من الإعتداءات والمضايقات من قبل التّكفيريّين والظّلاميّين نتيجة مواقفه ومبادئه الّتي لن يبدّلها أو يحيد عنها كما صرّح خلال الّلقاء. لذلك قرّر "أنّ يبتعد عن الإعلام حتّى يعود عقل الرّحمان إلى رؤوس شياطين الإنس"، "ليجنّب نفسه "أذى العصبيّة العمياء" كما عبّر.

وفي ما يلي نصّ المقابلة:
س: أراد العدو من عدوان نيسان ١٩٩٦ القضاء على المقاومة فكانت بداية نهايته، كيف ترى المقاومة اليوم مع ظهور عدوّ أخطر من الأوّل الإ وهو التّكفيريّون؟
ج: المقاومة دليل على الشّعب الحيّ، وفعل الشّرفاء، وهي تكتسب شرفها بلحاظ مَنْ تقاوم ؛ خاصّة أنّ العدو كان قد أوصل الفكر العربيّ في مرحلة سابقة إلى قناعة مفادها أنّه الجيش الّذي لا يقهر ولا يهزم. والمقاومة تجرأت وبشجاعة كبيرة على مواجهته؛ وخرقت الوهم المسيطر على فكر الأمّة وعقلها، بدليل الحروب الّتي خاضتها الجيوش العربيّة وإنهزمت فيها، فيما إسترجعت المقاومة مواقع وأراضٍ جديدة، وغيّرت المعادلة الّتي سادت من أنّ الجيش الإسرائيلي
لا يُهزم إلى معادلة أنّ المقاومة لا تهزم، فإستحوذت على الحبّ والإحترام على إمتداد الوطن العربيّ والعالم الإسلاميّ .

س: ما الّذي تغيّر اليوم لتطلّ الفتنة برأسها من باب المقاومة نفسها الّتي هي رمز الشّرف والعزّة؟
ج: إستشعر المتضرّرون الخطر الكبير جرّاء إنتصارات المقاومة والإلتفاف العربي والإسلاميّ، مّما هدّد مشاريعهم ، فبدأوا يعدّون العدّة، ويضعون الخطط لضربها وإضعافها، وتجريدها من هذا الدّعم؛ ولبنان يختلف عن باقي محيطه، فلا إجماع فيه على شيء نتيجة التنوّع وبالتاّلي الإرتباط بالأطراف الخارجيّة، لذا كان من السّهل إستخدام هذه الثّغرة للإنقضاض على المقاومة. وفي الفترة الأخيرة بدأ الوهج يخفّ قليلًا نتيجة إعتبارات معيّنة، وهي في شقّين:

أوّلًا: مصلحة العدوّ الصّهيونيّ في ضرب المقاومة، وهو جَهِد عسكريًّا وإجتماعيًّا ونفسيًّا ومعنويًّا، مباشرة وعبر عملائه، أو عبر من يدورون في فلك حلفائه الغربيّين.

ثانيّا: ما بدأ يظهر في الفترة الأخيرة من العصبيّة والتّشدّد المذهبيّ، ووضع المقاومة في إطار مذهبيّ خاصّ، وبمختلف الوسائل، من الإعلام إلى السّياسة والمشايخ والمنابر المفتوحة، مستغلّين بعض الأخطاء، أو قد يفهمها الطّرف الآخر أنّها أخطاء ، مثل ٧ أيّار والإعتصام في بيروت أو الدّخول إلى سوريا، وذلك من خلال التركيز على هذه الأحداث وإظهار سلبيّاتها بشكل كبير ويوميّ ، مع أنّ لهذه الأحداث إيجابيّات كثيرة وكبيرة؛ وقد شرحت المقاومة أسباب تدخّلها في سوريا .وبصراحة كون المقاومة شيعيّة فهذا يعطي التّدخّل بعداً أخر ، خاصة أنّ الحملة ضدّها معدّ لها سلفاً ومنذ أكثر من سبع أو ثماني سنوات وليست وليدة اليوم؛ وعلينا أخذ هذا بعين الإعتبار ، وقد وصل الإمر إلى العالم العربيّ .

لكن لا شكّ أنّ مواجهة الإرهاب التّكفيريّ واجب، وضرر هؤلاء لن يقتصر على سنيّ أو شيعيّ؛ بل على الجميع؛ حتّى أنّهم يقتلون بعضهم بعضًا، لأنّ كل تصرفاتهم مبنيّة على ضلال وخطأ.

س: كيف يجوز لأميركا والغرب كلّه والدّول الإسلاميّة أنّ تواجه هؤلاء وتعتبرهم خطرّا عليها؟ ويُمنع ذلك على المقاومة في لبنان؟
ج: التّجييش ضدّ المقاومة في لبنان بدأ قبل الدّخول إلى سوريا والحرب على الإرهاب، ووصل إلى مراحل متقدمة فأصبح السّنيّ الّذي يدافع عن المقاومة متّهماً، وهذه الحالة أوجدها المتضرّر من المقاومة لأنّه
لم يجد طريقة أفضل من الفتنة لضرب المقاومة؛ لذا كانت الحملة الكبيرة عليها بأنّها شيعيّة وأنّها تقاتل السّنة. فجاء التّدخل في سوريا لمواجهة الإرهاب ليشكّل الوقت المناسب للمتضرّر من المقاومة ويبدأ بحملته الكبيرة ضدّها، ويعمد إلى تجريدها من الدّعم العربي والإسلاميّ الّذي حظيت به نتيجة إنتصاراتها على العدوّ الصّهيونيّ.

ونتيجة الدّعم الكبير أصبح هذا الصوت مسموعاً وله مكان كبير في الشّارع السنيّ، امّا الصوت الدّاعي إلى الوحدة فهو مرفوض ، وعميل وغير ذلك من التّهم، من هنا تَشَكَّل الخطر الكبير؛ لكن ـ وبحمد الله ـ فصمود المقاومة وصبرها وتغيّر الوقائع في سوريا إنعكس على لبنان، فبدأ صوت الفتنة يخفت بعدما تأكّد مطلقوه أنّ الفكر التّكفيريّ الإرهابيّ خطر عليهم قبل غيرهم.

هذا كلّه له ثمن، وطبيعي أنّ هذا الثّمن دفعته وستدفعه المقاومة، لذلك رأينا السيارات المفخّخة والإنتحاريين لمعاقبة المقاومة على دورها في القضاء على الإرهاب. ولو أنّ المقاومة لم تتدخّل في سوريا لأوجدوا مبررات إضعافها وتجريدها من الدّعم العربيّ والإسلاميّ.

س: هل تعتقد أنّ إغتيال الرئيس الحريري كان في هذا السّياق بعدما علموا أنّه يوشك على التّوصل إلى إتفاق إستراتيجيّ معها حول الخيارات ؟
ج: للمرء أنّ يفكر، وأنا فكّرت في هذا الأمر منذ أيّام اثناء محاضرة للمؤرّخ الّلبنانيّ د. حسّان حلّاق حول إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رياض الصلح ، وإتُّهم حينها الحزب القوميّ السّوريّ؛ وأكّد د. حلّاق أنّه ثبت بالمعلومات والوثائق ضلوع الموساد الصّهيونيّ في الإغتيال عبر فرع الحزب في الأردن من خلال عميل بريطانيّ؛ أمّا الأسباب فهي أنّ الرئيس الصلح كان يعمل على عقد لقاء بين ملك الأردن آنذاك والعراق لإعلان الوحدة بين البلدين؛ علم الصّهاينة فعملوا على وقف هذه المساعي لأنّهم كانوا يخشون الجيش العراقي، فكيف اذا تمّت الوحدة مع الأردن؟ من هنا نعلم كيف يفكّر العدو وكيف يركّز على تفتيت الأمّة والوطن العربيّ؛ ويقف في وجه أيّ تقارب خشية على كيانه الغاصب؟ وإذا ما عدنا إلى إغتيال الرّئيس الحريري الّذي كان على تواصل كبير مع قيادة المقاومة ، لذلك ليس من المستبعد أن تكون إسرائيل وراء الإغتيال؛ ومن الواجب وضع عمليّة إغتياله ضمن هذا الإطار لمن أراد الحقيقة.
س: تأسيسًا على هذا لو نعود إلى عدوان نيسان ١٩٩٦، ودور الرئيس الحريري آنذاك.

رفيق الحريري لا يمكن الّإ أن يكون مع المقاومة وفق تربيته وتاريخه، بالإضافة إلى حجمه السياسيّ وعلاقاته
الدّوليّة وثروته الكبيرة يجعله يتميّز عن الجميع ممّن أتوا بعده أنّه كان متبوعًا في حين أنّ الأخرين تابعين، كان حرّاً بقراراته ، ومن كان متابعا لتلك المرحلة يعرف ماذا فعل الرئيس الحريري الّذي فرض على المجتمع الدولي الإعتراف بحقّ المقاومة، ولأوّل مرة في تاريخه يوقّع الكيان الغاصب إتّفاقا مع حركة يعتبرها إرهابيّة وفق تصنيفه.

س: ولو بقي المسار كما كان مخطّطًا له من العلاقة بين الرّئيس رفيق الحريري والمقاومة..؟
ج: بالتّأكيد كان سيقف في وجه المؤامرات على المقاومة على قدر حجمه الدّوليّ والعربيّ لأنّ خياره مقاومة، ولكان ساهم بتغير كثير من الصّور السّلبيّة عنها، ولم يكن ليسمح لنّوابه ووزرائه أن يصلوا بخطاباتهم ضدّها إلى ما وصلوا إليه، ولم يكن ليترك المبرّرات المسوّقة ضدّها باطلًا، ولإسترشدت به المقاومة في كثير من قرارتها.

وعلى من أتوا بعده أن يعرفوا حقيقة الأمر الخطر المحدق بنا، أوّلًا الخطر الصّهيونيّ؛ وثانيًا الخطر التّكفيريّ والّذي يتهدّد الجميع؛ سأروي حادثة حصلت مع إبني قبل أيّام قليلة؛ فقد تعرّف على شخص بدا من مظهره أنّه مسلم ومؤمن؛ وبعد حديث التّعارف، سأله هذا الرّجل عن رأيه بالجيش الّلبنانيّ، فقال إبني إنّه جيشنا الّلبناني والوطنيّ والّذي يحارب الإرهاب، فردّ: لا بل هو جيش كافر، ويجب مقاتلته؛ حتى المسلمين في الجيش الّلبناني هم كفّار؛ سأله إبني: من هو الجيش المسلم إذا؟ فقال: أنا وأميري والجماعة الّتي أنتمي لها؛ سأله إبني: كم عددكم؟ فقال: نحن ٢٠٠ شخص، وباقي الناس فهم جميعاً كفّار مالم يكونوا معنا. فهذا فكرهم وهذه عقيدتهم وعلى هذا الأساس يتصرفون لذلك فإنّ الخطر سيمسّ السّنيّ قبل الشّيعي؛ ولبنان محكوم بالإتفاق؛ لذلك ندعو إلى تحمّل بعضنا البعض، وأن نبقي خلافاتنا داخل غرف الحوار ، ونزيح أبواق الفتنة من الواجهة، ونبرّز عقلاء المسلمين لمعالجة الإختلافات. ومجمّع التّقريب هو أحدى هذه المؤسّسات الصّالحة للقيام بهذا الدّور، وهو يقوم بدوره وندعوه لمواصلة عمله وجهده.

س: حتى ٢٠٠٥ لم تكن الفتنة موجودة ، لماذا لا تتمّ الإضاءة على حقيقة الفتنة أنّها وهابية ضدّ الإسلام؟
لا أحد اليوم لا يعرف حقيقة هذا الأمر ، لكن هناك إعتبارات وهي أنّ
الجسم السّني مرتبط بالسّعوديّة، ولأنّ فكرها ودينها هو الوهابيّة؛ وأمام ما زرعوه في أذهان النّاس حول الخطر الشّيعي، هم يحاولون حماية أنفسهم من هذا الوهم، والشّارع السّنيّ هنا، لأنّه يسمع ويتأثّر فقد تشكّل الرأي العام شئنا أم أبينا عبر الإعلام والصحافة والسياسة والمنابر والمساجد.

س: أنت تعتقد أنّ تيّار المستقبل بعد الرّئيس رفيق الحريري نقل الحالة السّنيّة في لبنان إلى المكان الخطأ؟
ج: لا شكّ في ذلك، لأنّهم ركّزوا على رفض الأخر، وأغلب من إعتدوا علينا هم من هؤلاء؛ والفكر الوهّابيّ المتطرّف يدعم الفكر التّعصّبيّ والفتنويّ، والفكر السّياسيّ الحاكم على الشّارع السنيّ هو المستقبل، والأقدر على التّأثير، لذا فإنّ مواجهة هذا الخطر يحتاج إلى قرار سياسيّ كبير لأنّه لن يتوقّف عند حدّ، ولن يتوقّف طالما أنّ المقاومة تشكّل خطرًا على العدوّ الصّهيونيّ.

س: وماذا تفعل دار الفتوى للمواجهة، بإعتبارها مرجعيّة دينيّة سنيّة؟
ج: إنّ منهج ومسلكها وخطابها دار الفتوى واضح؛ وتربية علمائنا هي تربية الأزهر الّذي يعترف بالتّشيّع مذهبًا خامسًا؛ ومواقفنا واضحة حول الوحدة والدّعوة إليها ، لكن الدّار لا تملك سوى سلطة معنويّة.

س: كيف تنأى الدّار بنفسها وتترك السّاحة للتّكفيريّين؟
ج: هناك إعتبارات عدّة، بينها عدم توفّر الإمكانيّات لوضع إطار لتجمّع علمائيّ كبير يتبنّى موقف الدّار الوحدويّ الجامع، وقادر على تشكيل حالة كبيرة مقابل الطّرف الأخر لإخفات صوته الشّاذّ، وأنا طرحت هذا الأمر على سماحة المفتي قبل سنتين لكنّ إنشغالاته الكثيرة، والحملة الّتي تعرّض لها أثّرت كثيرًا وأخّرت الموضوع . وإنكفاء الدّار ترك المجال للآخرين، والآن بقي لسماحته فترة ٥ أشهر ولا أظنه يستطيع تدارك كلّ شيء.

س: أين دار الفتوى من الّلقاءات العلمائيّة في المناطق؟
ج: لا يمكنني الحديث عن تفاصيل العلاقات بين الدّار والآخرين أيًّا كانوا، أمّا عن إدارة الأوقاف الإسلاميّة الّتي أرأسها، فنحن نلبّي ونشارك ونسعى إلى عقد هذه الّلقاءات.

س:هل تعتقد أنّ الخشية من الشّارع السّنيّ فرض الإنكفاء؟؟
ج:كلا، لو عمل سماحة المفتي حساب للشّارع لما وصل إلى هنا، لكنّه يتصرّف وفق مبادئه وقناعاته، وهو يدفع ثمن ذلك، وإذا أردت أن تحطّم أحداً، قل فقط إنّه قريب من الشّيعة وإيران أو يتواصل معها؛وهم يسوّقونها عبر الصّفحات الصفراء والنّشرات الّتي توزّع مجّانا على أبواب المساجد، وقد إعتدوا عليّ أكثر من مرّة ولم أغيّر رأيي وموقفي وقناعاتي. لكن نعم أقول أنّني أتجنّب الشّارع ولا أصطدم به، لأنّه يمكن أن تتوقّع من المتعصّب أيّ شيء من قتل وإعتداءات .
https://taghribnews.com/vdccmeqs42bqpe8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز