تاريخ النشر2015 8 June ساعة 15:43
رقم : 194181
القسم الاول

المناهج والآليات النظرية والميدانية لحركة التقريب في العالم الاسلامي

تنا - خاص
إن مكافحة الفتن الطائفية والسعي إلى التقريب والتفاهم والتضامن والتعاون بين المسلمين من ثوابتنا السياسية والحضارية والاقتصادية. وتدخل في تكوين الأمة الإسلامية الواحدة. ومن دونه لا تتحقّق الأمة الواحدة التي جعلها الله أمة وسطاً، وشاهدة على سائر الأمم.ويتوقف عليها انتصارنا في المعترك السياسي والحضاري والثقافي والعسكري ومن دونها لا يتحقق النصر الذي نسعى إليه في مسيرتنا السياسية والثقافية.وتتوقف عليها حركتنا الثقافية والعلمية..
اية الله الفقيد الشيخ محمد مهدي الاصفي
اية الله الفقيد الشيخ محمد مهدي الاصفي
 
الشيخ الفقيد محمد مهدي الآصفي
 
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}
الأنبياء: 92
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}
 المؤمنون: 52

علاج الفتنة

 
فان التقاطع الطائفي والعزلة والانكفاء على الذات يؤدي بالضرورة إلى الضمور الثقافي والعلمي، وبعكس ذلك التواصل واللقاء والحوار الإيجابي يؤدي إلى التكامل العلمي والثقافي في حوزاتنا وجامعاتنا العلمية.
وهذه النقاط الثلاثة تتوقّف على التفاهم واللقاء والحوار والتواصل بين المسلمين ومكافحة الفتن الطائفية.

إنّ هناك ثلاث قضايا رئيسية، لابد فيها من الوعي والوضوح:
ولابد من السعي لنشر وعي سياسي ـ ثقافي، تجاه هذه النقاط في أوساط الجمهور.
وهذه النقاط هي:
1 ـ وعي الأمة الواحدة.
2 ـ الصراع الحضاري الذي تخوضه هذه الأمة.
3 ـ وعي ضرورة الترافد الثقافي والعلمي في حياة هذه الأمة.

واليك إيضاحا سريعاً لهذه النقاط الثلاثة:

1 ـ الأمة الواحدة
هذه الأمة أمة واحدة، وليست أمماً شتى.
وقد ورد هذا المعنى بصراحة في آيتين من القرآن يقول تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وليس معنى وحدة الأمة التطابق الكامل في الرأي والاجتهاد، فان ذلك مما لا يكون.. وإنما معنى ذلك الاتفاق والتفاهم على الأصول والانسجام والتفاهم والتعاون على المواقف السياسية، وتوحيد الولاء والبراءة والطاعة والنصرة.

2 ـ الصراع الحضاري
سواءًا أردنا أم لم نرد نحن ندخل اليوم في صراع حضاري عسير... والمواجهة العسكرية شكل من أشكال التعبير عن هذا الصراع.
وهذا الصراع صراع شرس.. وخصومنا في هذا الصرع جبهة واحدة، مهما تعددت توجهاتهم.

وليس من الصدفة أن تتفق أمريكا والاتحاد الأوربي على دعم إسرائيل في كل أعمالها العدوانية تجاه المسلمين، وان تقف إلى جانبها من غير أن تأخذ بنظر الاعتبار حاجتها إلى المسلمين وعلاقاتها الاقتصادية الواسعة بالعالم الإسلامي.

نحن نواجه اليوم صراعاً حضارياً، سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً، من أشرس ما يكون الصراع، وإذا خسرنا الحرب في هذه المعركة المصيرية، فسوف نعود مرة أخرى إلى دورة جديدة من التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية للغرب التي طالتنا من بعد سقوط الدولة العثمانية إلى اليوم.

والانتصار والهزيمة في هذا الصراع ـ في كل أبعاده ـ قضية مصيرية في حضارتنا وتاريخنا. ولا نشك إننا نكسب هذا الصراع إذا واجهنا خصمنا أمة واحد، وصفاً واحداً، وموقفاً واحداً، وذلك إن يد الله تعالى مع الجماعة وعلى الجماعة، وإذا كانت يد الله معنا فلا يتخطانا النصر بإذن الله.

ولا نشك أنّا إذا واجهنا خصومنا مقتسمين على أنفسنا، متقاطعين في مواقفنا وإرادتنا، متخالفين في توجهاتنا، فلا نكسب هذا المعترك الحضاري الصعب.

 3 ـ الترافد الثقافي
الترافد الثقافي من نتائج التقريب بين المذاهب الإسلامية ومن عوامله في نفس الوقت...
وقد كان علماء المسلمين وطلبة العلم يتوافدون على مدارس فقهية من مذاهب واتجاهات مختلفة، وكانوا يتبادلون الإجازات في رواية الحديث. فكان طلبة العلم من العراق، ومعظمهم من الشيعة يفدون إلى الحجاز ومصر والشام ومعظمهم من أهل السُنة، وكان يفد إلى العراق، على مدرسة الحلة، وهي حوزة شيعية عريقة طلبه من الحجاز ومصر والشام والمغرب العربي للدراسة، كما كان لعلماء المسلمين زيارات للأقاليم الإسلامية وكان طلبة العلوم الدينية يلتمسون منهم أن يلقوا عليهم دوساً في الفقه والأصولَين (اصول الفقه واصول العقائد).

واليوم تحتضن الحوزة العلمية في قم، وهي حوزة علمية عريقة تابعة لمدرسة أهل البيت طلبه العلوم الدينية من أكثر من مائة قطرة في العالم من القارات الخمسة، وجملة من هؤلاء الطلبة الوافدين إلى هذه الجامعة من أهل السنة، ولا يجدون حرجاً في الدراسة في حوزة شيعية، كما لا تجد هذه الحوزة حرجاً أن تحتضن طلبة من المداس والاتجاهات الفقهية الأخرى، وتجري دراسة فقه المذاهب الإسلامية الأربعة في هذه الحوزة كما تجري دراسة الفقه الإمامي.

ولهذا الترافد الثقافي والعلمي أثر بالغ في التكامل العلمي والثقافي في المراكز العلمية الإسلامية.
فان الجهود العلمية والثقافية المختلفة عندما تلتقي مع بعض على صعيد موضوعي علمي، غير متشنّج يكون هذا اللقاء سبباً للإثراء والتكامل العلمي والثقافي لكل من هذه الروافد العلمية والثقافية. ويؤدي هذا الترافد إلى التقارب والتعارف بين المذاهب المختلفة، كما أن التقارب والتعارف بين هذه المذاهب يؤدي بالضرورة إلى الترافد العلمي والثقافي.

إن ظاهرة الترافد تؤدي إلى مكافحة وإبطال الفتن الطائفية.. والعكس أيضا صحيح، فأن الفتن الطائفية تقلل من فرص الترافد الثقافي، وتحوّل الثقافة والعلم إلى دوائر مغلقة غير مترابطة، وهذه الحالة من أسباب ضمور العلم والمعرفة دائماً.
وعلى كل حال ظاهرة الترافد الثقافي ظاهرة مباركة في حياة هذه الأمة يجب أن نستعيدها ونجدّدها ونشجعها وندعمها، وهي من أفضل وسائل علاج الفتنة.
وفيما يلي سوف نتحدث عن أبرز النقاط التي تساهم في علاج الفتنة الطائفية وإخمادها. وهذه النقاط الثلاثة هي:
1 ـ الوعي والخطاب
2 ـ اللقاء والحوار
3 ـ العمل المشترك
وإليك تفصيل هذه النقاط:
 
أولاً: الوعي والخطاب
الفتنة الطائفية، كأية فتنة أخرى، تنشأ وتنمو في غياهب الجهل والجهالة.. والفتن في حياة الناس كثيرة، وكلها تتكون وتظهر وتنمو في ظلمات الجهل.
وأفضل العلاج لها ولأمثالها من الفتن هو المعرفة والوعي، فأن النور يكسح الظلمة، والمعرفة والوعي نور يزيل ما يعترضه من الظلمات،والفتن تراكم من الظلمات بعضها فوق بعض.

الوعي والتقوى
إن تحصين المجتمع من الفتن يتم بعاملين اثنين مع بعض، وهما عامل التقوى والمعرفة، فإذا اجتمعتا فأنهما يحصّنان المجتمع من أمثال هذه الفتن.
ومهما واجهنا فتنة من هذه الفتن التي تمحق دين الناس، وتثير الشغب والفوضى، وتحرق الأخضر واليابس فلابد أن يكون من وراء هذه الفتنة عجز في (التقوى) أو (الوعي) أو فيهما معاً.
فهما يحصّنان المجتمع من كل فتنة، ويمنحان صاحبهما بصيرة وفرقاناً، إذا ادلهمت الخطوب والظلمات على الناس.

الوعي السياسي
ومن أهم وجوه الوعي اليوم الوعي السياسي، فان عامل الاستكبار العالمي والمخابرات والمنظمات الجاسوسية العالمية تكمن خلف هذه الفتن.
 والمؤسسات الإعلامية (الصحف والفضائيات ودور النشر) تبثّ هذه الفتن بين الناس، وتقوم بتأجيج حرائق الفتنة الطائفية بين المسلمين.
وتجد أنظمة الاستكبار العالمي في هذه الفتن الطائفية فرصة ذهبية لبسط نفوذها في العالم الإسلامي، وتمكّنها من أسواق المسلمين ومصادر الثروة النفطية والمعدنية والمائية والزراعية في العالم الإسلامي... وسوف نبسط الحديث في هذا الجانب إن شاء الله.
والأداة المفضّلة لمواجهة هذه الفتن هي الوعي السياسي الذي يمكن الناس من معرفة خلفيات هذه الفتن وجذورها، والمنظمات الجاسوسية التي تخطط لها هناك في الغرب عبر المحيطات.
ومن واجب العلماء والخطباء والمثقفين الإسلاميين نشر الوعي السياسي بين الناس، وتمكين الناس من اختراق الغطاء الإعلامي وتمكينهم من الدرك الصحيح لما يحصل في الساحة العالمية من فنون اللعبة السياسية، وتحذير الناس من أن يكونوا ضحايا هذه اللعب والخطط التي تنتجها باستمرار العقلية الغربية تجاه العالم الإسلامي.

وعي الجمهور
ولست اعني بـ (الوعي السياسي) هنا وعي النخبة، ولست أنفي ضرورة الوعي السياسي عند النخبة، وأهميتها، ولكن وعي النخبة لا يغني عن وعي الجمهور، وإذا حلّ الوعي في الشارع الذي يتحرك فيه الجمهور وتسلّح الجمهور بالوعي، لم تعد هذه اللعب السياسية والفضائيات المضللة قادرة على تضليل الناس، وتفجير الفتن في وسط الناس، كالذي يحصل اليوم في العراق وفي بعض الأقطار الإسلامية.

فان الوعي عندما ينزل إلى مستوى الشارع ويثقف الجمهور يحصّنه من أمثال هذه الفتن... والجمهور الذي يمتلك درجة عالية من الوعي السياسي يمتلك درجة عالية من الحصانة تجاه العوامل الإعلامية والسياسية المضللة، ولا تحتوشه الفتن.

والجمهور غير الموجّه، وغير الراشد، هو الوسط الخصب، والتربة الصالحة لأمثال هذه الفتن. وعن طريق التوعية والتثقيف السياسي يمكننا أن نحافظ على سلامة الجمهور ورشده.

والجمهور كما هو تربة صالحة للفتن والضوضاء كذلك، هو وعاء صالح للوعي والعقل والسداد والتقوى.. ويمتلك أعماقا سليمة من الفطرة لم ينفذ إليها الفساد، والقادة الحقيقيون هم الذين يدركون هذا العمق الفطري السليم للجمهور، ويقودون الجمهور إلى صراط الله المستقيم والتقوى، ويحذرونه من مغبّة الوقوع في أمثال هذه الفتن،ويفلحون في ذلك.

إن الثقة بالجمهور، وكفاءاته الكثيرة، وسلامة فطرته، هو رأس مال أولئك القادة الذين يعرفون كيف يخاطبون الجمهور، وكيف يكسبونه.. بعد الثقة بالله تعالى والاعتماد عليه والاطمئنان إلى وعده بالنصر وتأييده للقلّة المؤمنة في مواجهة أمثال هذه الفتن والتحديات.
 
الوعي والخطاب
ولابد للوعي من خطاب، كما أن للتضليل السياسي خطاب، ولإثارة الفتنة بين الناس خطاب، ولتغرير الناس وتجهيلهم خطاب، كذلك للوعي خطاب.
ولغة هذا الخطاب لغة العقل، وهي اللغة المفضّلة في خطاب الوعي... إن العاطفة جزء ضروري من خطاب الجمهور لاشك في ذلك، ولكن من الخطأ الاقتصار على العاطفة في خطاب الجمهور.. ولابد من استخدام لغة العقل في خطاب الناس، إلى جانب لغة العاطفة، ولابد أن تكون لغة العقل هي الحاكمة وهي الأصل، ولغة العاطفة تأتي في امتداد لغة العقل، ولإسناد العقل عندئذ يكون الخطاب العاطفي خطاباً صالحاً للجمهور... وأمّا عندما يتمحّض خطاب الجمهور في الخطاب العاطفي فلا يكون مثل هذا الخطاب خطاباً راشداً أميناً غالباً، ولا يكون قادراً على توجيه الجمهور إلى الوجهة الصحيحة...

إن مشكلة الخطاب الإسلامي المعاصر لدى أصحاب التوجهات الطائفية المعاصرة هي الحالة العاطفية الطاغية على هذا الخطاب والحالة الشعارية، ورفض لغة العقل، وحالة الانغلاق على الرأي الآخر، ورفض الطرف الآخر، رفضاً مطلقاً إلى حدود التكفير واستباحة الدماء التي حرّمها الله تعالى إلا بحقها، وقد يكون استجابة الجمهور أحيانا إلى الخطاب الشعاري والعاطفي أسرع من استجابتهم للخطاب العقلاني الرافض للعاطفة.. ولكن يبقى استخدام لغة العاطفة والشعار محضاً وحصراً في خطاب الجمهور ـ خيانة للجمهور مهما كانت استجابتهم لهذا الخطاب، واستخدام لغة العقل ومحكمات الدين في خطاب الجمهور هو الموقف الناصح الأمين من الجمهور، وان واجهه الجمهور أحيانا بالرفض.

وعلى علماء المسلمين أن يتقوا الله في الخطاب، ولا يبتغوا مرضاة الناس في ذلك، فقد يكون في الناس من يستجيب للشعار والعاطفة، وقد يكون الخطاب العاطفي والشعاري أسرع قبولاً في وسط الجمهور.. ولكنه على كل حال خيانة يجب أن يحذرها العلماء الراشدون.

والجمهور الذي يتثقف من خلال الخطاب العقلائي اكثر ثباتاً وصلابة في الموقف، والجمهور الذي يتلقى الخطاب العاطفي الشعاري جمهور متقلب في الرأي، لا يثبت على موقف ورأي، ومسؤولية هذه الحالة المتقلّبة على عهدة الخطاب العاطفي والشعاري الذي يتلقاه هذا الجمهور من حملة الخطاب الطائفي المتشنّج.

مصدر الخطاب
وكما يجب الاهتمام بلغة الخطاب في حياتنا الثقافية والسياسية المعاصرة، كذلك يجب الاهتمام بمصدر الخطاب... هناك خطابات سياسية وثقافية كثيرة معاصرة صادرة من (الولاءات) المنتحلة الوهمية، كالولاء للقوم والوطن والعشيرة، وهي ولاءات منتحلة كاذبة في مقابل الولاء لله ولرسوله ولائمة المسلمين وللمؤمنين، وهو الولاء الراشد الصحيح الذي جاء به الوحي من عند الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}... وهذا هو الولاء الحق الذي جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من عند الله، وهو الولاء الذي يوحّد صف المسلمين، ويجعل منهم أمة واحدة في صف مرصوص، مقابل أعداء هذه الأمة.

وللقضاء على هذا الولاء بادر أعداء هذا الدين إلى طرح ولاءات أخرى في مقابل الولاء لله ولرسوله ولأولياء الأمور وللمؤمنين، كالولاء للقوم والوطن والعشيرة، وبذلوا أموالاً طائلة لتثبيت هذه الولاءات في ثقافة المسلمين المعاصرة، من خلال المدرسة، والصحافة، والإذاعة، والتلفاز، وإحياء المآثر الفرعونية والبابلية والكسروية والفينيقية.. إلى غير ذلك.
من خلال هذه الثقافات عملوا على زرع ولاءات وهمية، قومية ووطنيه.. مقابل الولاء لله ولرسوله.
ونحن عندما نتحدث عن الخطاب السياسي الذي يجب أن نلقيه إلى جمهورنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار مصدر هذا الخطاب... هذا الخطاب يجب أن يكون صادراً عن الولاء لله ولرسوله في قوله تعالى:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}.
وقوله تعالى:
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.
وقوله تعالى:
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وقوله تعالى:
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
وقوله تعالى:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.
وقوله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
وقوله تعالى:
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}.
وقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.

أمّة واحدة، وطاعة واحدة، وولاء واحد.
إن لكل ولاء خطاب، وخطاب كل ولاء يختلف عن الخطاب الآخر، ونحن ولاؤنا لله ولرسوله ولأولياء الأمر وللمؤمنين وليس للوطن والقوم والعشيرة.. ولهذا الولاء خطاب يختلف عن خطاب الولاء للقوم والوطن.

ونحن لا نرفض الارتباط بالقوم والوطن إلا أن هذا الارتباط من الانتماء وليس من الولاة والولاء يحكم الانتماء.. فقد حارب المسلمون صدر الإسلام أهلهم وآباءهم وإخوانهم من مكة في الله.

وخطابنا إلى جمهور أمتنا ـ في السراء والضراء ـ يجب أن ينطلق من هذا المصدر، وهو الخطاب الذي يجمع الشمل، ويزرع المحبة والمودة في القلوب، ويؤسس التفاهم والتعاون في الأفكار والأعمال.

الصدق والنصح في الخطاب
ويجب أن يكون الخطاب صادقاً ناصحاًً.. وفي خطابنا المذهبي الطائفي المعاصر الكثير من الكذب والافتراء.. ومن يقرأ بعض أدبيات الفتنة الطائفية المعاصرة يجد نماذج كثيرة من هذا الافتراء والكذب، ومن أمثلة هذا الافتراء: الافتراء على الشيعة الإمامية بأنهم يقولون بتحريف القرآن، وهم ينفون عن أنفسهم هذه التهمة، ويصرحون ويكتبون عن صيانة القرآن عن التحريف.

ولو أنك سبرت بلاد المسلمين في كل العالم لا تجد غير هذا القرآن قرآناً يتلوه الناس ويتعبدون به في مشارق الأرض ومغاربها.
وكم يتبادل المسلمون من المذاهب المختلفة الافتراءات فيما بينهم من غير هدى ولا بيّنة.

ولا تختصّ هذه الافتراءات بين الشيعة والسنة، وإنما يتم بين الشيعة أنفسهم، والسنة أنفسهم بما لا يقلّ عما يجري بين الشيعة والسنة...
وهذا الخطاب الطائفي ينقصه الصدق والنصح..
ينقصه الصدق لأن علماء المسلمين من جميع المذاهب يكتبون ويعلنون ويصرحون أن ليس لله على وجه الأرض كله قرآن غير هذا القرآن، الذي يتلوه المسلمون صباحاً ومساءً.

وينقصه النصح لأن المسلم الذي يهمه أمر وحدة المسلمين وانسجامهم، والذي يأمر الله تعالى به ورسوله لا ينال مذاهب المسلمين بهذا اللون القاسي من الجرح والتشهير والتسقيط، من دون تثبت علمي، بل مع إعلانهم البراءة عما ينسب إليهم من الافتراء.

الشجاعة والصراحة في الخطاب
إن مواجهة ظروف الفتنة الطائفية اليوم تستدعي شجاعة وصراحة في الخطاب وما لم يمتلك حَمَلَةُ الخطاب الإسلامي هذه الشجاعة والصراحة لا يتمكنون من مواجهة الفتنة الطائفية المعاصرة واستئصالها.

إن الحالة التكفيرية المعاصرة واستباحة دماء المسلمين بغير الحق عودة للحالة الخارجية التي ظهرت صدر الإسلام في حرب صفين والنهروان في أيام خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) ،وولادة جديدة لنفس الحالة.

وهذه الحالة آخذة بالتوسع والنفوذ إلى داخل الحركة الإسلامية المعاصرة.. ولابد أن يمتلك تجاه هذه الحالة علماء المسلمين الجرأة والشجاعة والصراحة الكافية في بيان موقف الإسلام من هذه الجماعة ومن هذه الحالة التي تُعدّ انزلاقاً خطيراً للحركة الإسلامية المعاصرة.

والتردد والتريث في مثل هذا البيان يؤدّي إلى استشراء هذه الحالة وتوسعها، والى حدوث انزلاقات خطيرة في الحركة الإسلامية المعاصرة بهذا الاتجاه.
وقد حرّم الإسلام دم المسلم وماله إذا كان يشهد بالتوحيد لله والنبوة لرسول الله قولاً واحداً بين فقهاء المسلمين.
روى مسلم في الصحيح في فضائل علي(عليه السلام): عندما دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) علياً في فتح خيبر فأعطاه الراية وقال له: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، قال: فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ:
يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟
قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم.
وفي الصحيحين بالإسناد إلى مقداد بن عمرو: أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار، فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، فأقتله يا رسول الله بعد أن قالها، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): لا تقتله، فان قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وانك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال.

واخرج البخاري في بعث علي(عليه السلام) وخالد إلى اليمن: أن رجلاً قام فقال يا رسول الله: اتق الله، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله، فقال خالد يا رسول الله ألا أضرب عنقه، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): لا، لعله أن يكون يصلي.

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماءهم وأموالهم».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) أنه قال: «الإسلام يُحقن به الدم».
وعنه(عليه السلام) أنه قال: «شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) به حُقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث».

وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «من وحّد الله وكف بما يعبد من دونه حَرُم ماله ودمه وحسابه على الله».
وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) أيضاً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «أيها الناس إنّي أمرت أن أقاتلكم حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، فإذا فعلتم ذلك حقنتم بها أموالكم ودماءكم إلا بحقّها وكان حسابكم على الله».

وروي الدارمي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إنّي أمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله».

عن أبي سعيد الخدري قال: وجد قتيل على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج مغضباً حتى رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يقتل رجل من المسلمين لا يُدرى من قتله، والذي نفسي بيده لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مؤمن أو رضوا به لأدخلهم الله في النار».

وروى مسلم بن الحجاح في (الصحيح) روايتين عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نعرف منهما عظيم حرمة «لا إله إلا الله» وحرمة القائل بها، ولو كان القائل بها قد تظاهر بها ليحمي نفسه من القتل، وأنّ هذه الكلمة تعطي قائلها وحاملها من الحرمة ما لا يجوز لأحد انتهاكها إلا بحقه.

روى مسلم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلاً من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنا نحدّث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله فقتله، فجاء البشير إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فسأله فأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله قال: لِمَ قتلته؟ قال: يا رسول الله اوجع في المسلمين وقتل فلاناً وفلاناً وسمّى له نفراً، وإنّي حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أقتلته؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال: يا رسول الله استغفر لي، قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال: فجعل لا يزيد على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة.

وروى مسلم أيضا عن أسامة بن زيد أنه قال:
«بعثنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أقال لا إله إلا الله وقتلته! قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فمازال يكررها عليَّ حتى تمنّيت أني أسلمت يومئذ».

ورغم أن القتيل كان مقاتلاً يقاتل المسلمين في صفوف الكافرين حتى اللحظة الأخيرة، ونطق بكلمة التوحيد في اللحظة الأخيرة عندما وجد السيف على رأسه، وواضح من كل القرائن أن الرجل شهد بـ لا إله إلا الله خوفاً من القتل وليس عن إيمان، كما قال أسامة بن زيد.. إلا أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) غضب غضباً ظاهراً، وأنكر على أسامة بشدة وقوة، وكرّر إنكاره على أسامة حتى تمنى أسامة أن يكون قد أسلم في ذلك اليوم حتى يكون الإسلام قد جب من ذنوبه ما سبق.

خطبة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى
وهذه الخطبة ألقاها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في جموع المسلمين الغفيرة بيوم النحر بمنى، وقد روى هذه الخطبة ثقاة المحدثين بألفاظ متقاربة ونحن ننقل الخطبة برواية الإمام أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) ونشير إلى جملة من المصادر التي تروي هذه الخطبة:
عن زيد الشحّام عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) أنه قال:
«إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع فقال: أيها الناس اسمعوا ما أقوال لكم واعقلوه عني فإني لا أدرى لعليّ لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا، ثم قال: أيُّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم، قال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟ قالوا هذا الشهر، قال: فأيّ بلد اعظم حرمة؟ قالوا هذا البلد، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم، قال: اللّهم اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفّاراً».
 
https://taghribnews.com/vdcdjo0ffyt0nf6.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز