تاريخ النشر2014 1 September ساعة 15:33
رقم : 167768

"استراتيجية التحالف الدولي" المزعوم ضد "داعش" : لخدمتها ام لاجتثاثها ؟

تنا
ان "داعش" تنظيم ارهابي يمثل خطرا على منطقة الشرق الاوسط برمتها ، و هو بات اليوم بيد اميركا بمثابة السكين الذي يقطع اوصال المنطقة و يهدم ما بين دولها من حدود و يشيع الفوضى و الرعب استجابة لنظرية "الفوضى الخلاقة " التي اطلقتها اميركا في العقد الماضي .
امين حطيط
امين حطيط
 
بقلم :  امين محمد حطيط

لا شك بأن تنظيم "داعش " بات يشكل خطراً في اكثر من اتجاه و عنوان ، و مهما كابر البعض و حاولوا اختلاق الذرائع و الاسباب التخفيية لنشأة هذا التنظيم وتصرفاته و ما يشكله من تهديد لشعوب و طوائف و دول في المنطقة و خارجها ، فان الوقائع تدحض المحاولات و تثبت بانه تنظيم ابتدع لنشر الفتن الطائفية والاجهاز على الاقليات و تشويه الاسلام استجابة لما قاله رئيس المخابرات الاميركي بعد هزيمة اسرائيل في جنوب لبنان ٢٠٠٦ و يأسه من نجاح الغرب في اخضاع المقاومة ضد اسرائيل ، فقال" علينا ان نصنع لهم اسلاما يناسبنا ليقتتلوا به و حوله " ، و كان "اسلام داعش" و امّها و اخواتها هو الاسلام الاميركي الارهابي المنشود . وبه اضحت "داعش" مصدر خطر شديد على المنطقة ، و ساهمت الحرب النفسية و الاعلام في تضخيمه حتى بات الذهن يستعيد ما صنعه الاعلام الغربي للجيش الصهيوني من صورة بوصفه " جيش لا يقهر" .... قام بذلك الاميركيون انفسهم الذين يدعون اليوم الى قتال "داعش" و وضع استراتيجيات لقتالها و انشاء تحالف دولي لحصر خطرها.. فما هي حقيقة هذا الخطر و كيف يواجه صدقا ؟ 

ان مقتضى البحث العلمي عن حقيقة خطر "داعش " يقود الى البدء بتحديد قوتها ، التي رغم ما قيل و يقال عنها و رغم الضجة الدولية حول مخاطرها ، فانها في الواقع لم تصل كما نعتقد الى امتلاك القدرات التي تمكنها من بلوغ الاهداف الاستراتيجية الكبرى التي حددتها لنفسها اذا تمت مواجهتها من قبل المستهدفين بخطرها بالطريقة الملائمة ، لا بل نستطيع القول بأن مقارنة متطلبات اهداف "داعش " مع ما هو متوفر حقيقة لها من قدرات ، تكاد تقود الى القول بانه من السخف و الهراء قبول فكرة احتمال تمكنها من الوصول الى اهدافها المعلنة او تنفيذ ما تهدد به. 

و هنا و بالوقوف عند قدرات "داعش " المنظورة و غير المنظورة ، نجد ان هذا التنظيم الارهابي يستند في قوته الى ٦٥ الف مسلح ينتشرون حاليا على مساحة تصل تقريبا الى ٣٥ الف كلم٢ من اراضي كل من العراق وسورية و لبنان، و يتحركون في بيئة شعبية متقلبة منها ما يشكل بيئة حاضنة و مؤيدة لها ، و منها ما كان كذلك ثم انقلب على "داعش" و بات عدوا لها او عارضها في الاصل و لم يقبل بوجودها يوما ، و منها ما يعتبر زئبقيا يتردد بين نصرة "داعش " او عدائها او تجاهلها . 

اما الاخطر من الاوراق التي تمسك بها "داعش" فهو سيف الارهاب الوحشي الذي استعارته من الفكر التلمودي الصهيوني و ادعت زورا نسبته للاسلام ، ورقة تترجم باسلوب "داعش" في التعاطي مع الاعداء و الخصوم في الميدان عبر رفع شعار " جئناكم بالذبح لاحياء سنة الحبيب " و نشر ثقافة الذبح و قطع الرؤوس من اجل بث الرعب الذي يقود الى الانهيار المعنوي لدى الخصوم بما يجعلهم يفرون من الميدان امام "داعش". و بالتالي بات الذبح الوحشي جزءا رئيسيا من استراتيجية داعش في الحرب . اما في القدرات المالية فقد كانت داعش تتكل في نشأتها الاولى بنسبة ٩٥ % من احتياجاتها على المال الخليجي ، اما اليوم فقد باتت تمتلك مصادر هامة للتمويل خاصة بعد ان وضعت يدها على حقول نفط في العراق و سورية ، و فتحت تركيا الباب لها لتهريبه و بيعه في السوق السوداء بواسطة تجار اتراك و اروييين . 

اما المستتر غير المعلن من قدرات "داعش " فانه يشكل من حيث اهميته اضعاف ما يشكله المنظور منها ،و يتمثل بالدعم الذي تتلقاه من دول اقليمية و غير اقليمية يبدو انها لا زالت على مواقفها الحاضنة ل"داعش " رغم انها تدعي اعلاميا عكس ذلك . و هنا نذكّر بان "داعش " هي منتج اميركي ، تم استخراجه من التنظيم الام "القاعدة" ليخصص للعمل تحديدا في العراق مباشرة بعد احتلال اميركا له ، ثم نقل نشاطاته الى سورية بعد ما تبين لاميركا ان الفرع من القاعدة الذي انشأته لها تحت اسم "جبهة النصرة" عجز عن القيام بما كلف به لاسقاط النظام و وضع اليد الاميركية على البلاد . و مع هذا الاحتضان الاميركي لـ "داعش " كان الدعم الكبير الذي يقدم لها من دول اقليمية تدور في الفلك الاميركي و تنفذ السياسة الاميركية ، فبرز دور تركيا و الدول العربية الخليجية و في طليعتها السعودية و قطر ، و لم تكن الدول الاروبية بعيدة عن تقديم الدعم لهذا التنظيم الارهابي و بصور مختلفة . 

لقد عملت "داعش " في سورية لمدة تجاوزت السنتين و كانت في البدء احدى الفصائل المسلحة غير الاساسية فيها ، حيث كانت فصائل غيرها تتقدم عليها في الاهمية و الخطورة ، لكن الوضع تغير مع تغيير في الخطط الاميركية المعدة لسورية . فتطورت "داعش " بشكل مفاجئ يكاد يكون غير مفهوم او غير واقعي ، حيث تضخمت من ٣٠٠٠ مسلح لدى دخولها الى سورية ، الى ٨٠٠٠ مسلح بعد ستة اشهر من بدء عملها هناك ،ثم الى ١٥٠٠٠ بعد سنة من ذلك والى ٣٥٠٠٠ عشية تحولها مجددا الى العراق لتنفيذ "مسرحية الموصل " ، و بلغت الـ ٦٥ الف بعد شهرين على هذه المسرحية . نمو ترافق مع اعلان "دولة الخلافة " و تحديد خريطتها التي تجعل من ست دول عربية ارضا لها .

هذه هي قدرات داعش التي لا تتعدى في العمق الـ ٦٥ الف مسلح ، و التي لا تملك منفذا بحريا و التي تنتشر على مساحة فيها اكثر من مليوني رجل امن و جيش و قوى غير رسمية تناهض وجودها و ترفض قيام دولتها المزعومة . و مع موازين القوى هذه نطرح السؤال : هل ان هالة الرعب التي تريد انتاجها دوائر الاستخبارت الغربية و الاعلام الدائر في فلكها و احاطة داعش بها ، امر مبرر ام ان وراء الاكمة ما وراءها ؟ 

نعود فنقول ان "داعش" تنظيم ارهابي يمثل خطرا على منطقة الشرق الاوسط برمتها ، و هو بات اليوم بيد اميركا بمثابة السكين الذي يقطع اوصال المنطقة و يهدم ما بين دولها من حدود و يشيع الفوضى و الرعب استجابة لنظرية "الفوضى الخلاقة " التي اطلقتها اميركا في العقد الماضي . و ان "داعش" مع اسرائيل تشكل امل اميركا شبه الوحيد لاعادة وضع اليد على كامل المنطقة ، و لهذا تساهم اميركا في مواقفها المعلنة في تظخيم الحرب النفسية و نشر الرعب بين صفوف شعوب المنطقة و دولها سعيا منها لامتلاك قرار هذه الدول و الشعوب و امتلاك القيادة في التعامل مع "داعش" حتى تحافظ عليها. 

لكن اميركا و بمواقف مقصودة او غير محسوبة تفضح نفسها بنفسها و تؤكد بانها لن تكون في حرب ضد "داعش" للقضاء عليها ، بل ان مواجهتها لداعش تدخل تحت عنوان "الضبط و تركيز الجهد " و حصره في الميدان الذي تستهدفه اميركا بعدوانها ، و لاجل ذلك قال اوباما " ان ليس لاميركا استراتيجية الان لمحاربة "داعش" و ان حربها بحاجة لاستراتيجية طويلة المدى يجب البحث عنها مع الحلفاء" ، في موقف يكاد يقول فيه اتركوا امر "داعش" لنا و نحن نتدبره وفقا لمصالحنا ، كما يفصح كيري بان جل ما تريده اميركا الان " منع تمدد داعش الى دول اخرى " ، اي قبول اميركي بارهاب "داعش" حيث هي ، و رفض دخولها الى مناطق قد تهدد المصالح الاميركية كما هو الحال في اربيل مثلا .
 
ان الغرب و على رأسه اميركا منخرط في الحرب النفسية لنشر الرعب من "داعش" ، و من الخطأ بمكان ان نصدق الغرب في ادعائه انه يريد محاربتها ، و هاكم الرئيس الفرنسي هولاند في هذا السياق يحاول ان يسبغ على "داعش" ما ليس في حقيقتها و يدعي بانها " ليست تنظيما عاديا بل انه كيان يملك كافة مقومات الدولة و لديه الاموال و الثروات التي تمكنه من الاكتفاء الذاتي كما و لديه القاعدة الشعبية و البيئة الحاضنة التي تمكنه من النمو و ايجاد المقاتلين باستمرار" . و يؤازره رئيس الوزراء البريطاني في حملة التخويف و الترويع عندما يقول " بان داعش ستتمدد قريبا الى لبنان و الاردن و ان لديها القدرات لذلك ".

اننا على قناعة مطلقة بان الغرب رأى في "داعش" كنزا ثمينا ابتدعه و لمس جدواه ، حتى بات يتقدم اليوم في الاهمية على "اسرائيل" خدمة للاهداف الغربية ، و من الخطأ الظن بان الغرب يريد ان يجتث "داعش" ، ان جل ما سيقوم الغرب به هو اللجوء الى حقنات تخديرية من اجل تمكين الارهاب من الفتك بجسم المقاومة . و لو كان الغرب صادقا في حرب "داعش" لكان بامكانه اعتماد استراتيجية ناجعة لهذه الحرب وهي لا تحتاج لفكر كبار الاستراتيجيين و عظماؤهم ، فالامر واضح حتى لدى العاديين ، استراتيجية شاملة السياسة و الاعلام و و المال و اخيرا الميدان و نراها تقوم على :

١. قرار دولي حازم باعتبار داعش و امها و اخواتها تنظيمات ارهابية يجب اجتثاثها ، اما القول بحصر الخطر او منع تمدده فهو خبث يخفي النوايا سيئة .

٢. قرار بالتوقف عن خدمة "داعش" اعلاميا في الحرب النفسية التي تقودها من اجل الترويع و الرعب ، ومنع تداول اي شيء يتصل بارهابها عبر اي وسيلة اعلامية بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي .

٣. اقامة تحالف اقليمي دولي جدي يشارك فيه جميع المعنيين بالمواجهة ، و انشاء منظومة تنسيق ميداني شاملة لهم لتبادل المعلومات و توجيه العمليات العسكرية ، اما القول باستثناء هذا او ذاك من المتضررين فيعني عدم الجدية في الحرب .

٤. العمل في الميدان انطلاقا من مبدأ احترام سيادة الدول ، حتى لا تقع الفوضى و تضيع المسؤولية بل وتكون كل دولة مسؤولة عن اقليمها و تستعين بقوى التحالف الدولي من اجل الدعم و المؤازرة ، اي ان يقدم لها التحالف ما تتطلبه حربها من دعم لوجستي و استخباري .

٥. القرار الصارم بتجريم اي نوع من انواع المساعدة او الدعم او الترويج لداعش ، و اعتبار الدول التي تستمر في دعم داعش و اخواتها باي شكل من الاشكال الاعلامية و المالية و السياسية و التسليحية دول راعية للارهاب تستحق عقوبات دولية تفرض بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة .

فاذا كان الغرب صادقا في محاربة داعش فان استراتيجة مواجهتها واضحة ولا نعتقد ان عاقلا يناقش بها ، و لكننا لا نعتقد مطلقا بجدية الغرب و على رأسه اميركا في هذه المواجهة و اننا ننظر الى المواقف التي صدرت عنهم فنراها من اجل التخدير لحمل المستهدف بارهاب داعش على الاسترخاء و تمكين صاحب المشروع الصهيواميركي من تحقيق اهدافه التي عجز عنها خلال السنوات الاربع الماضية .

https://taghribnews.com/vdcepf8zvjh8pfi.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز