تاريخ النشر2017 28 May ساعة 15:40
رقم : 269191

المقاومة ومحورها بعد17 عام على التحرير...قوة وارتقاء

تنا-بيروت
لقد كان العام 1982 عاما مفصليا في تاريخ إسرائيل والمنطقة، قد يوازي بأهميته العام 1948 تاريخ قيام إسرائيل عل الأرض التي اغتصبتها في فلسطين، لا بل قد يكون متقدما عليه في الأهمية والخطورة،ففي العام 1982 ظهرت إسرائيل بانها نهائية الوجود في المنطقة وان جبهة الرافضين لوجودها تتفكك وان القدرة والإرادة على مواجهتها تتراجع. واتجه اغلبية من في لبنان والمنطقة والعالم للتسليم بهذا الواقع، لان رفضه على حد قولهم جنون او انتحار.
المقاومة ومحورها بعد17 عام على التحرير...قوة وارتقاء
العميد د. امين محمد حطيط
في العام 1982 و بعد ان نفذت إسرائيل اتفاقية كامب دافيد و شطبت مصر  من لائحة التهديدات العسكرية و اقفلت تاليا ملف الخطر المتأتي من الجيوش التقليدية العربية تطبيقا لقاعدة كانت سارية يومها تقول "لا حرب بدون مصر و لا سلام بدون سورية " بعد هذا الإنجاز الاستراتيجي الكبير توجهت إسرائيل الى لبنان بهدف الاجهاز على المقاومة الفلسطينية و اقفال ملف التهديدات العسكرية نهائيا بوجهيها التقليدي و غير و التقليدي لتثبت وجودها بشكل  نهائي و تسقط الخطر الوجودي و تنتقل مباشرة الى مرحلة جديدة عنوانها توسيع الفضاء الحيوي الإسرائيلي و قيادة "الشرق الأوسط الكبير" الذي اطلقت نظريته على لسان شمعون بيرس الذي كانت دعوته الى العرب " منكم المال و العمال و منا العقل و الخبراء " وبهذا  نملك الشرق الأوسط القوي و نحكم العالم .

لقد كان العام 1982 عاما مفصليا في تاريخ إسرائيل والمنطقة، قد يوازي بأهميته العام 1948 تاريخ قيام إسرائيل عل الأرض التي اغتصبتها في فلسطين، لا بل قد يكون متقدما عليه في الأهمية والخطورة،ففي العام 1982 ظهرت إسرائيل بانها نهائية الوجود في المنطقة وان جبهة الرافضين لوجودها تتفكك وان القدرة والإرادة على مواجهتها تتراجع. واتجه اغلبية من في لبنان والمنطقة والعالم للتسليم بهذا الواقع، لان رفضه على حد قولهم جنون او انتحار.

رغم ذلك و رغم احتلال إسرائيل لنصف لبنان مع عاصمته و رغم خروج كافة مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان الى تونس لإبعادهم عن فلسطين و تصفية المقاومة الفلسطينية رغم كل ذلك ولدت المقاومة ضد الاحتلال على يد لبنانيين وحدهم الهدف ( طرد المحتل ) رغم ان منطلقاتهم الفكرية و الدينية و العقائدية و الفلسفية كانت متنوعة حتى التعارض فكان منهم الإسلامي و الوطني و القومي و الاممي و اليساري الخ ....لكنهم كانوا جميعا يؤمنون بحق لبنان بحريته و سيادته و يريدون طرد العدو الإسرائيلي من الأرض المحتلة فيه، و عملوا جميعا كل في حدود قدراته و إمكاناته في الميدان حيث بدأ العدو يترنح في احتلاله و كان خروجه من بيروت أولا ثم تدرج الانسحاب الى ان استعصى المحتل في العام 1985 في شريط حدودي من الناقورة الى جزين رسم خريطته ليكون حزاما امنيا لإسرائيل وجهز "جيشا" اسماه "جيش لبنان الحر" ثم "جيش لبنان الجنوبي" لينوب عنه في حراسته و الدفاع عنه لساعات قليلة يستلزمها تدخل الجيش الإسرائيلي الذي يكون مستريحا في الخلف.

لم تكن مهمة المقاومة بعد العام 1985 سهلة في مواجهة العدو الذي تحصن في مواقع احتلاله النهائية ، و قد فرض الواقع الجديد على المقاومة ان تبتكر الوسائل و الأساليب للمواجهة بما يؤذي العدو و كان عليها ان تتطور لتواكب المتغيرات وطبيعة المهمات الجديدة و لهذا وجدنا كثيرا من القوى التي كانت في صلب المقاومة في بداية انطلاقتها انكفأت و تراجعت الى حدود يكاد يقال فيها انها انسحبت من الميدان رغم تمسكها القاطع بالفكر المقاوم و نهج المقاومة و خيارها و في هذه الفترة و تحديدا بعد متغيرات العام 1989 و إرساء  ما اسمي "الوفاق او المصالحة الوطنية"  في لبنان اثر اتفاق الطائف ، تميزت المقاومة التي ينظمها و يقودها حزب الله تحت عنوان "المقاومة الإسلامية"و التي انصرفت بعد العام 1990 الى تطوير قدراتها و ووسائل قتالها بشكل علمي و منهجي مدروس مستفيدة من الاحتضان و الدعم الذي تؤمنه سورية و ايران لها . واستمر العمل المقاوم من قبلها تصاعديا وفقا لاستراتيجيات متلاحقة الى ان تمكنت في العام 2000 من طرد العدو الإسرائيلي من الجنوب الا بعضه حيث بقيت مزارع شبعا ومناطق ثلاث تحفظ لبنان عليها بقيت تحت الاحتلال.

لقد ظن البعض ان التحرير يعني انهاء المقاومة ، لكن المقاومة ابتكرت مفهوما اخر و أساسا اخر لوجودها و بقائها ، و انتقلت من مفهوم " المقاومة مرتبطة بالاحتلال وجودا او عدما " الى مفهوم " المقاومة التي حررت مرتبطة بالخطر و التهديد وجودا او عدما "و كانت المقاومة في فلسفتها هذه على حق في ما ذهبت اليه تؤكده الوقائع و التاريخ و هنا يحضرني ما دار من نزاع وجدل بيننا و بين العدو الإسرائيلي في العام 2000 عندما كنت رئيسا للجنة العسكرية اللبنانية للتحقق من الاندحار الإسرائيلي ، حيث تمسك العدو بأمتارفي راس تلة في يارون و اصريت انا على وجوب خروجه منها ، فتقدم مني يومها رئيس اللجنة الدولية قائلا لماذا تتمسك بهذه الأمتار و هي ارض صخرية لا شيء فيها ، فقلت انها ارضنا و لكن لماذا يتمسك بها العدو و هي ليست له ، اذهب فأساله ، و بعد حين عاد الي بالجواب الإسرائيلي و فيه " انها ارض مهمة لإسرائيل في معركتها في الحرب المقبلة" كونها راس تلة.

لقد احسنت المقاومة في تقدير الواقع واتخاذ القرار في الاستمرار وكان ذلك برأينا وعيا وإنجازا يعادل انجاز التحرير بذاته اذ ليس المهم ان ننتصر فحسب بل الأهم ان نعرف كيف نحمي الانتصار ونصونه صيانة تصاغ بمختلف الوسائل والأساليب المادية والفكرية والمعنوية وهذا ما قامت به المقاومة التي يقودها حزب الله في لبنان،والتي يجسدها محور المقاومة القائم من لبنان الى إيران وقلعته الوسطى سورية.

لقد عرفت المقاومة كيف تصوغ استراتيجيات البقاء و الاستمرار و تعاظم القوة و نجحت في ما خططت رغم عظيم المصاعب و التحديات و المخاطر ، و رغم التحشد المحلي و الإقليمي و الدولي ضدها ، و رغم الحرب الكونية التي شنت عليها منذ سبع سنوات على الأرض السورية ، حتى ان اميركا التي عجزت عن ترويض المقاومة و تفكيكها مستعملة كل ما لديها من طاقات و قدرات و هيمنة على الأمم المتحدة و سيطرة على قرار الدول وصولا مؤخرا الى تحشيد دولي في الرياض لانشاء حلف مهمته مواجهة المقاومة التي رغم كل ما ذكر استطاعت ان ترسم مشهدا يقوم على ما يلي :
  1. المقاومة قوة إقليمية مؤثرة في المعادلة الإقليمية والدولية تتصدى لمشاريع الاستعمار الاحتلالي وتجهضها، الى الحد الذي جعل ترامب يقول في السعودية ان الإرهاب (ويعني به المقاومة) لم يسقط المشاريع الغربية فحسب بل أجهضاحلامهم.

    المقاومة قوة مقتدرة فرضت على إسرائيل ولأول مرة في تاريخها حققت مع العدو الصهيوني معادلة توازن الردع ثم فرضت عليه التحول من استراتيجية عسكرية هجومية مضمونة النتائج الى استراتيجية دفاعية يشوبها القلق ولحذر.وبعد ان كانت إسرائيل تذهب الى الميدان متى شاءت وتعود بالنصر الذي تريد، باتت مغلولة اليد في اتخاذ قرار الحرب أولا ثم باتت تستشعر خطر انتقال الحرب الى أراضي فلسطين المحتلة ما الزمها بالتوجه الى بناء الجدران الدفاعية التي تقيها خطر التسلل والهجوم البري الذي قد تلجأ اليه المقاومة.

    المقاومة في لبنان عامل توازن واستقرار أمنىوسياسي،وقد جعلت لبنان وبالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية المعنية المختصة واحة امن مستقرة رغم ان النار تلهب المنطقة.وهنا قدمت المقاومة نموذجا وعبرة مفادها ان القوة والاقتدار والإرادة هي من يصنع الامن وليس الوعودوالتطمينات الخارجية.

    المقاومة ومحورها هم من سيرسم خريطة المنطقة والسيطرة فيها،منطقة رغم كل ما ذكر من تحشيد وعدوان لن تكون مستباحة للعدوان الصهيواميركي المستعمل لأدوات إقليمية خليجية واسلاموية. وان ثبات المقاومة ومحورها في الميدان سبع سنوات في مواجهة العدوان رغم ضراوته واتساعه، يؤكد ان محور المقاومة لا بد منتصر وانه يخوض الان معاركه الاخيرة على الحدود السورية العراقية معارك ستحسم نتائج المواجهة.
 
 
https://taghribnews.com/vdchwwniz23n-zd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز