تاريخ النشر2013 4 February ساعة 15:41
رقم : 122591

مفهوم الاستبداد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر

تنا
العلاقة غير السوية بين السلطة السياسية والرعية تحولت بمرور الوقت إلى صراع أدى إلى وجود حالة من التدافع السياسي بين من يتخذ من سيطرته على الواقع حجة للتمسك بالسلطة الفعلية وإضفاء الشرعية عليها من جهة، وبين من يفرض الاحتكام إلى الشرعية وقوة المنطق والواجب .
مفهوم الاستبداد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر

فإذا كانت السلطة ضرورية لتحقيق أمن الجماعة الداخلي والخارجي، فإن عليها أن تحافظ على حريات الأفراد الذين جاءت لحمايتهم، إلا في نطاق خضوعهم للمساءلة والمحاسبة والرقابة، العلاقة غير السوية بين السلطة السياسية والرعية تحولت بمرور الوقت إلى صراع أدى إلى وجود حالة من التدافع السياسي بين من يتخذ من سيطرته على الواقع حجة للتمسك بالسلطة الفعلية وإضفاء الشرعية عليها من جهة، وبين من يفرض الاحتكام إلى الشرعية وقوة المنطق والواجب والقدرات الوظيفية من جهة أخرى، وهي مشكلة تبدأ عندما يغيب القانون أو ينتهك، تحت شعارات شتى تهدف إلى تكريس السلطة المستبدة من أجل التشريع للاستبداد المطلق، وتسييس السياسي وتأليهه، وتمجيد قيم الطاعة والخضوع، مع تدعيم مؤسسات التسلط والقهر والجبروت، وتظهر الإشكالية عندما تغيب الشورى ويُلغى العقل ويرفض الرأي الآخر، فصاحب الحق لا يهاب النقاش، ولا يكتم الرأي الآخر، ولكن المستبد يخمد الآراء ويكتم صوت المنطق، ويغتال الفكر، ويستخف بالحريات العامة، ويهدر كرامة الشعوب، ولهذا يكون الاستبداد بصفة عامة، والاستبداد السياسي بصفة خاصة، معوقا للتقدم والارتقاء .

وفي هذا الإطار عمدت الدكتورة هناء البيضاني إلى معالجة قضية "مفهوم الاستبداد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر" في أحدث كتبها الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية في ٥٥٠ صفحة من القطع الكبير، وبتقديم للدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، يلفت من خلاله إلى أن تطور الحياة الفكرية في التاريخ الإسلامي مثَّل الفكر السياسي العامل الأهم فيه، بل إن بعض العلوم ساعدت قنوات الفكر السياسي الإسلامي على نموها وتطورها كعلم الكلام الذي تلون في نشأته ونموه بالمواقف السياسية للجماعات والفرق، وأن قضية"الاستبداد" من بين الموضوعات التي أنتجتها بيئة الفكر السياسي في فترات مختلفة في التاريخ الإسلامي وفي العصر الحديث، وقد حفلت بها المؤلفات والمشاركات العلمية للمفكرين الإسلاميين المعاصرين سواء عند السنة أو عند الشيعة، في محاولة لكشف أوجه التشابه والتباين بينهما، والتصدي لظواهر ومفاهيم أساسية في كل منهما لمحاولة التقريب بينهما كأهم رافدين في بنية هذا الفكر، وهو ما نجح الكتاب في الوقوف على ملامحه .

الكتاب في أصله أطروحة دكتوراه قدمتها الباحثة ابنة الدكتور عبد الرحمن البيضاني نائب رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق, لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة, قبل أن تقوم بإعدادها للنشر في صورة كتاب يتناول ظاهرة الاستبداد، من خلال فكر أربعة من أقطاب الفكر السياسي وهم الشيخ محمد الغزالي "١٩١٧-١٩٩٦" . والمفكر عبد الرحمن الكواكبي "١٨٥٤-١٩٠٢"، ممثلين للفكر السياسي السني ، والإمام النائيني "١٨٦٠ - ١٩٣٦ " والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، المولود عام ١٩٤٣، ممثلين للفكر السياسي الشيعي، وإذا كان مصطلح (الاستبداد) قد ارتبط بالنظام الإمبراطوري البيزنطي عام ٢٧ قبل الميلاد، فإن الكتاب يرى أن الاستبداد السياسي ناتج عن استبداد عام يبدأ من سلطة الأب ويصل إلى الحاكم، ويشمل استبداد الرجل ضد المرأة والاستبداد في التربية والتعليم "والاستبداد الديني والثقافي، كما أن الاستبداد الديني المفجع في العالمين العربي والإسلامي ليس جديدا، وأن النظم المستبدة تقوم بعدة خطوات فكرية، تبدأ بأخذ السلطة بالقوة واحتكارها داخل أسرة واحدة، ومركزيتها، وظهور طبقة نخبة أو جماعة حاكمة تساعد السلطة المتسلطة في القيام بعملية الاستبداد، ويعقب ذلك خطوة ثانية تتجلى في ربط العلاقات الاقتصادية بالسياسة ثم بالوجاهة الاجتماعية، فيما تركز الخطوة الثالثة على إضعاف دور القضاء، وتقضي الخطوة الرابعة والأخيرة على الأخضر واليابس بتأسيس نظام إداري بيروقراطي جديد للقضاء على الأهداف المؤسسية السابقة .

وتخلص المؤلفة إلى اهتداء الكواكبي والنائيني مبكرا وفي لحظة واعية لالتباس النظرية السياسية الإسلامية، بأن شعبة الاستبداد الديني تأتي على رأس القوى الملعونة التي ينبثق عنها الاستبداد، ففي الوقت الذي حاول فيه النائيني اقتراح رؤية علاجية لمنابع الاستبداد وقواه، فإنه أبدى ترددا بإزاء الاستبداد الديني الذي رآه أصعب تلك القوى الملعونة وأخطرها وأنه يصعب علاجه إلى حد الامتناع، وهذه الرؤية الدقيقة توافر عليها قبله الكواكبي، الذي يرى مع الغزالي أن الاستبداد بأشكاله المختلفة الديني والسياسي والاقتصادي أساس جميع الفساد وأن عاقبته لا تكون إلا الأسوأ، وقد أكمل الغزالي وخاتمي ما قدمه السابقون من تشخيص الاستبداد ومواجهته فلم يخرجا من عباءة الكواكبي والنائيني في الفهم عند بعض علماء الدين، فأقاما وشيدا فكرا سياسيا إسلاميا حديثا، يلفت إلى أن الفكر السليم متصل وممتد بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويعد الغزالي قائدا فكريا إصلاحيا ناطقا باسم الأغلبية الصامتة، وأديبا وداعية مزج بين التوهج العاطفي والاتزان الفكري، ساعيا إلى تحقيق النهوض السياسي، فيما يعد خاتمي من أبرز العلامات التي ستبقى في تاريخ الثورة الإسلامية، ومن أكثر الشخصيات جدلا على الساحة السياسية الفكرية، كمجدد للفكر السياسي الشيعي في العصر الحديث، بدأ بتغييرات إصلاحية كانت بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة من أجل تحقيق تحديات، لكنه لم يستطع تحقيق مشروعه الإصلاحي نتيجة تدخل الفقيه وتدخل مجلس صيانة الدستور، وقام كل من الغزالي وخاتمي برفض الاستبداد العالمي، وربطاه بالموقع الجغرافي الممتد للوطن العربي والإسلامي ، والثروات العظيمة الكامنة فيهما، مما جعلهما عرضة للمطامع والاحتلال، وعلى هذا يبقى الخلاص في التوحد والتحالف وعدم انتزاع السيادة من الشعوب.
https://taghribnews.com/vdcjh8evvuqe8iz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز