تاريخ النشر2014 1 October ساعة 11:31
رقم : 170192

الشيخ نصار لـ"تنا": الحج تربية على الحوار

تنا – بيروت
رئيس الرابطة الإسلامية السنية في لبنان، ومفتي صيدا وأقضيتها الشيخ أحمد نصار ، في حواره مع وكالة انباء التقريب اكد ان الحج يذيب مختلف العوائق في سبيل وحدة المسلمين والدين .
الشيخ أحمد النصار
الشيخ أحمد النصار

قال تعالى في سورة الحج  بسم الله الرّحمن الرّحيم

"وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ".( الآيتين: ٢٧-٢٩)

وفي سورة البقرة (الآية ١٩٧) "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ"؛

يتحدث الباري في آياته الكريمة عن منافع، وذكر، وإيفاء النّذور والطواف في البيت العتيق؛ والعتق يعني الحرية؛ أي التحرر؛ بحيث تكون فريضة الحج التي فرضها الإسلام على المسلمين فرصة للإنسان المسلم تفتح أمامه باب التوبة، والتبرؤ من الآثام  فيولد من جديد كيوم ولدته أمه.

فرجم الشيطان بالحصى في أرض منى، ومسيرة البراءة من المشركين، تحمل الإنسان المسلم على استحضار حالة مجاهدة النفس، ومقاومة الشيطان والظلم متكاتفين متحدين؛ فالمقصد الأهم من هذه الفريضة تعكسه صورة الحجاج ـ الذين أْتوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ـ أثناء إجتماعهم في مناسك الحج تجسيدًا للآية الكريمة "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" .

وما أحوجنا اليوم إلى استعادة عملية لهذه الوحدة اليت تشهد أقسى وأعنف محولات تفكيكها والقضاء عليها؛ لاسيما في ظلّ ممارسات المجاميع التكفيرية الإرهابية التي تقدم صورة مناقضة تمامًا لما أمر به الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في حجة الوداع حيث قال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"؛ وهو ما استباحته تلك المجموعات.

في موسم الحج، ولما تحمله هذه الفريضة من أهمية في حياة المسلمين دنيويًا وآخرويًا، وتوافدهم من كل حدب وصوب لإداء مناسكها، التي تجمع المسلمين ولا تفرقهم، سؤال، أو مجموعة من التساؤلات تطرح نفسها في ضوء الواقع الراهن الذي يتخبط فيه المسلمون في المنطقة والعالم أجمع، هل يمكن يجري توظيف هذه الفريضة في تحقيق وحدة المسلمين والتقريب بينهم، خاصة اﻻن مع كل هذ الكم من الفتاوى والخطاب التحريضي؛ وما هو دور العلماء في شرح معاني الحج وأبعاده ووظيفته في حياة المسلم، وكيفية توظيفه في مواجهة التكفير والتكفيريين.

هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على رئيس الرابطة الإسلامية السنية في لبنان، ومفتي صيدا وأقضيتها الشيخ أحمد نصار؛ وفي ما يلي نص الحوار:

س: بداية من المسلم به أن أي فريضة فرضها الإسلام تحمل منافع ومقاصد على المستويين الفردي والمجتمعي، فما الأهمية التي تمثلها فريضة الحج في حياة الإنسان المسلم والمجتمع، لاسيما في المرحلة الراهنة؟
ج: يمثل الحج أكبر تجمع إنساني عالمي على الإطلاق، وأوحدها عظمة ونجاحاً على طول التاريخ؛ إذ يجتمع المسلمون تلبية لنداء واحد، ويطوفون حول محور واحد؛ وهو الكعبة المشرفة التي أخذت منزلاً في قلب كل مسلم أسلم لربه بالولاء والخضوع والخشوع المطلق.

يجتمع  المسلمون في هذا المؤتمر الكبير تحت عنوان قرآني هو قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا". فالحج عبادة يتمحض فيها الإخلاص التام لله، ونزع كل الأغلال الفردية والأنانية والشهوانية؛ حيث يذوب الإنسان ـ بكافة خصائصه وتشكلاته وطبقاته ـ في بوتقة المجتمع الإسلامي الكبير، موحداً فيه غاياته وأفكاره وتطلعاته بالعبودية المطلقة والإخلاص النقي لله سبحانه وتعالى.

وقد شرع الله سبحانه الحج ليحصّل الناس المنافع والفوائد، فقال تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، ومن هذه المنافع:

١-  الحج طريق للتعارف والإنسجام، وتذويب الفوارق اللغوية، والقومية، والطبقية، وحتى الجغرافية التي تشكل عائقاً في سبيل وحدة المسلمين ووحدة الدين، لأنه يؤدي إلى تحقيق التواصل الفكري والتنظيمي بين المسلمين ورفع الرواسب التي قد تحصل نتيجة لبعد المسافات الزمانية والمكانية والتلاقح الفكري.

٢-  الحج هو الطريق لتجمّع المسلمين لتوحيد الكلمة، وتحقيق الشريعة التي تقود نحو رقي الأمة وسعادتها، فإذا كانت الحدود الجغرافية قد فرقت بين المسلمين، فإن الحج يزيل كل هذه الحواجز المصطنعة، ويصهر الناس كلهم في أمة واحدة لا تعرف التمايز القومي والإقليمي.

٣-  الحج هو الطريق الأمثل لمعرفة الأهداف التي قامت عليها حركة رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وصحبه ـ وبشّر بها  كقيم سامية؛ مثل الحرية التي يتغلب فيها المسلم على طغيان الأهواء والشهوات، ويقضي على روح الإستبداد في ذاته، ويقضي على استبداد وطغيان الآخرين. ومثل الأخوة التي تلغي التمايز بين الفقير والغني، بين الأبيض والأسودـ  بين العربي والأعجمي؛ فالكل يتحد ويتلاحم في طريق واحد ملبين لرب واحد وهدف واحد. فتسقط العصبيات المذهبية، وتذوب في الإنتماء إلى الإسلام العام. وهناك مثل الأمة الواحدة والشورى والسلام، ومن ثم الإلتزام بها كمنهج ثابت في حركة الأمة الإسلامية.

٤- الحج عندما يتحقق فيه المضمون الواقعي يتحول إلى عملية تكامل سياسي وفكري واجتماعي، واندماج حضاري تتوحد فيه أطراف المسلمين، فالحج يحقق التواصل الإقتصادي والتعاون التجاري بين البلاد الإسلامية التي يمكنها من التخلص من التبعية الإستعمارية. والحج هو التواصل السياسي الذي يوفر المعلومات الواقعية عن كل بلد من البلاد الإسلامية للبلاد الأخرى لمعرفة ما يجري فيها ومن ثم تحقيق التعاون لرفع مشكلاته.

٥- الحج هو الطريق لنشر الوعي بين الناس، والمعرفة والبصيرة بحقائق الأمور التي لا يمكن للمسلم أن يحصل عليها في بلاده، خصوصاً مع التشويش الإعلامي الذي يستخدمه إعلام السلطات والمال لحجب المعلومات الواقعية.

٦- الحج تربية على الحوار؛ فكثير من المؤتمرات تفشل لعدم تحقق الحوار الموضوعي الهادف فيها، إذ تسيطر عليها حالات الجدل والنقاشات الهامشية والمراء، فتقود المؤتمر إلى خلافات جزئية تقضي عليه. أما في الحج فإنها تحقق المقصود ، وهو الحوار البناء للوصول للغايات المرضية لله والمحققة لمصلحة العباد؛ ذلك أنه يحرم على الحاج الجدال والفسوق والمراء، (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب

س: أصبح ما الذي يحول دون وحدة المسلمين وتقاربهم؟ هل هو عدم توظيف الحج ومعانيه ومقاصده في حياتنا العملية؟
ج: إن المسلمين اليوم ـ وبالإضافة إلى العوامل الخارجية الضاغطة عليهم في إحداث الفتوق والصدوع في بنيانهم وصفوفهم ـ سجنوا أنفسهم في سجن التدمير الذاتي، يصنعون بأنفسهم ما يريده أعداؤهم، فينبشون عورات التراث السلبي، ويقيدون بأغلاله أفكارهم، فيضمر العقل، ويسقم الفهم، وتعظم الفتن، وتسفك الدماء ويشتدّ التدمير، كل ذلك بإسم الإسلام، وبإسم الفكر والعقيدة، وبأيدٍ أنشأها العدو، أو أنها من نبت المسلمين وزرعهم وحصادهم.

لقد كانت الخلافات الكلامية في الماضي محصورة تقريبًا في الجدل بين كبار المتجادلين من علماء العقائد، ومفكري الكلام وفلاسفته، وكان الكتاب أهم وسيلة لنشر ما يدور، وهو وسيلة محدودة النطاق في النشر والتوزيع. أما اليوم، فقد حولت الفضائيات علم الكلام والجدل إلى مادة حقد يتناوله الناس كقوت يومي للخاصة والعامة؛ ثمّ وُظّفت هذه الإختلافات بين أهل القبلة في إحداث المزيد من التمزيق والتفتيت والصراعات الباردة والساخنة.

ومع تراكم السنين أمست الصورة المختصرة لواقع العالم الإسلامي هي حالة نفسية مشحونة بالبغضاء والضغن والحقد والكراهية، وحالة إعلامية سمتها الإسفاف والانحطاط واثارة الفتن والغرائز، وحالة سياسية عنوانها صراع يزداد فوَرانا ولا يهدأ، وحالة أمنية مخترقة ومتزعزعة محتقنة بالتهديد الأمني المتبادل، وظلم واعتقالات وإعدامات، وفقر وتجهيل وفساد خلقي وتشويه ديني، وعلماء سوء وحالة الاحتراب مع الكفير والإرهاب تزداد اتساعا باطراد ولا تضيق، كل ذلك يؤكد الانفصال المعيب بين عبادة الحج وسلوك المسلمين.

س: ما هو السبيل في رأيك إلى الخروج من شرنقة الفرقة، والإستفادة من شعائرنا، لاسيما شعيرة الحج التي تحياها الأمة هذه الأيام؟
ج: إن حلّ هذه المعضلة يكمن في العودة إلى الإسلام النقي الصادق، والذي يظهر بدره في مقاصد الحج؛ وبالإضافة إلى ما ذكرناه سالفاً يمكن الإشارة إلى الآتي:

١- تأمين المناخ الآمن الذي يتمتع فيه الجميع بالطمأنينة والسكينة والهدوء والسلامة، والمحافظة عليه، كما أشار القرآن: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا).

٢- توطين النفس على صيانة الدم المسلم، استجابة لوصية الرّسول الأكرم ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ في حجة الوداع: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض). أي كفارًا بنعمة الأخوة والوحدة الإسلامية، كما هو وقع في العالم الإسلامي اليوم.

٣- الفهم العميق لمعاني العبادات التي يؤدونها، فالعبادة في الإسلام ليست مجرد هيئة شكلية تؤدى لأجل إسقاط الفريضة، بل إن العبادة في حقيقتها معنى ينطبع به الشعور والسلوك انطباعًا يثمر تساميًا مطردًا بهما.

س: وما هو دور العلماء في هذا المضمار؟
ج:  كل ما تقدم لا يتحقق إلا بالعلماء، والدعاة الصالحين المصلحين الواقفين على الحدود، أصحاب البعد الاستراتيجي، والفهم النبوي الذين يركزون على هذا الجانب؛ وهم يرشدون المسلمين ويوجهونهم.

وختامًا أقول: الحجّ ثورة موظّفة لمعنى يتجلّى فهمه من وراء شعائره وبالسلوكيات والشكليات والرمزيات التي شرّعت فيه؛ الحج ثورة ضد التقليد الذي يسير عليه الإنسان بجميع أشكاله ليعيش نمطاً جديداً من الحياة في أيام، فيحمل من إيحاءاتها ما يثقل وزنه في سلوكه ووجدانه. الحج ثورة على الطغيان والفرقة وعدم قبول الآخر؛ الحج استسلام لله طواعية قبل الاستسلام له كراهية عند الموت؛ الحج إقبال على الله بفتح صفحة جديدة من العمل محفوفة بالأمل؛ اللهم احفظ بلادنا، واحفظ أمنها، وارزقها الإستقرار، وبارك في جهود المصلحين فيها والناصرين لقضايا المسلمين، ووحد صفوفنا، ومقاصدنا إلى ما يحرر مقدساتنا وفلسطيننا. وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حاوره: عادل حاموش

https://taghribnews.com/vdcjhyev8uqeavz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز