كانت معركة دمشق لصيد الأرانب البرية فان معركة حلب ستكون لصيد الثعالب.
صيد الثعالب في حلب.. انتظروا الانسحاب التكتيكي..
تنا - بيروت
31 Jul 2012 ساعة 14:41
كانت معركة دمشق لصيد الأرانب البرية فان معركة حلب ستكون لصيد الثعالب.
لا أدري كيف سأكتب لكم عن حلب.. حلب ليست دمشق.. وربما كانت أعصاب الدنيا معلقة الآن في حلب.. وكذلك أعصاب القرن الواحد والعشرين مشدودة الى حلب.. تكاد حلب تخطف الأضواء من دمشق، وتكاد تنتزع من عنق دمشق قلادة العاصمة وتضعها على جيدها.. وربما تأخذ منها رداءها الطويل المقدّس وتخلع عنها عباءتها الأموية لتضع على كتفيها عباءة سيف الدولة.. هل من المعقول أنّ الدنيا كلها تقف من جديد تنتظر على أعتاب «سيف الدولة» كما انتظرته جيوش الروم قلقة.. وما هو السرّ الذي تخفيه حلب عنا؟؟
هل لأنّ حلب أجمل امرأة في الشرق وأكثر أنوثة من غيرها؟ هل لأنها المرأة التي كانت تمرّ على خصرها قوافل الحرير.. والحرير؟ هل لأنه لا توجد مدينة في الدنيا تضاهي حلب في الوجدان العربي حيث حيكت أجمل قصائد العرب على الإطلاق وحيث نسجت كسوة قلعتها كما لو كانت كسوة الكعبة من حكايات الوفاء والحبّ والفخر وحكايا الخيل والليل والبيداء.. وحيث قصَص الحسد والعتاب والفراق بين الأصدقاء والأحبّة.. فهناك سكب المتنبّي أجمل المسبوكات الذهبية العربية بلا ريب.. وهناك لا يزال المتنبي في ضمائرنا يقف حارساً في شوارعها، ولا يزال يعانق سيف الدولة، وهناك لا يزال صوت نشيج أبي فراس وشكواه الى حمامة طليقة..
قلت لكم انّ حلب ليست دمشق.. وكنت أعني ما أقول.. فدمشق التي قاتلت منذ أيام كانت تدافع عن نفسها وعن حلب وعن بقية المدن السورية.. أما تميّز حلب فلأنها اليوم تمسك بيدها كلّ مصائر المدن الكبرى في الشرق الأوسط.. هذه المدينة البيضاء.. تمسك بيديها ظلام وسواد وليل وخوف المدن الشرقية الكبرى.. هناك مدن ترتجف في الشرق شمال حلب وجنوب دمشق.. تخشى أن تشدّ حلب بيدها السلاسل الممتدّة تحت الأرض منها الى المدن البعيدة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً فتهتز وقد تنهار المدائن الكبيرة.. ولعلّ من أجمل توصيفات حلب هو أنّ قدرها اليوم أن تكون مدينة تمسك بأقدار العواصم الأخرى مثل أنقرة وتل أبيب والرياض والدوحة وربما أبعد.. وهي التي ستقرّر مصائر سياسيين وقادة في المنطقة وأسر عتيقة حاكمة..
معركة أردوغان الأخيرة
لا ألوم أردوغان وهو متوتر من معركة حلب وكأنه سيخسر القسطنطينية (استانبول) ويرسل بطاريات الصواريخ والعسكر.. لأنها معركة مصيره السياسي.. وربّما من حلب تتشقق كلّ تركيا ويتشقق رأس أردوغان وحزب العدالة والتنمية كله.. إن لم ينتصر أردوغان في حلب هُزم في تركيا نفسها وربما تحاصره المحاكم التي ستنتظره وتقلبات مزاج العسكر.. وكذلك إن لم ينتصر في حلب وجد نفسه أمام فم واسع وبلعوم لكلّ الأزمات التي نهضت من انفلات حزب العمّال الى تفاقم الأزمة الاقتصادية الى التململ من تذبذباته.. وربما من حلب سيخرج عبد الله أوجلان من جزيرة مرمرة.. وهذا ما قيل عن أحد الشروط السورية في إحدى جولات المفاوضات مع أوغلو.. السوريون يريدون عبد الله أوجلان طليقاً تقديراً لاخلاصه لهم!! وهدية للأكراد في علاقة تفاهم وانسجام معهم.. ولا مبالغة إن قيل بأنّ معركة حلب ليست معركة الرئيس بشار الأسد بل معركة أردوغان الأخيرة..
العربان في الخليج وهم ليسوا بقوم محاربين يحسّون بتلاطم مياه الخليج من هدير الدبابات السورية حول حلب، ويبدو أنّ الحرّ الذي يحرقهم هذا الصيف ليس حرّ الطقس والرمال اللاهبة، بل حرّ التوتر والانفعال وحبس الأنفاس وحرارة الحمى.. ربما حمى الخوف.. صارت كلّ الأرواح معلقة في قلعة حلب وتتدلى منها.. لأنّ انتصار الجيش السوري في معركة حلب سيغيّر كلّ اتجاه الأزمة السورية التي لن تنتهي نهائياً لكنها ستدخل مرحلة قبول الأمر الواقع المتمثل في استحالة إسقاط الرئيس الأسد.. والبقاء على العداء معه.. لكن الآن إن تمكن الرئيس الأسد من إخماد أنفاس المتمرّدين في حلب، فهذا سيسبّب عملياً إحباطاً لكلّ المقاتلين الذين انضمّوا للقتال الى جانب المعارضة.. والذين سيسيطر عليهم شعور باللاجدوى واللاأمل.. شعور سيشبه ما تلا سحق تمرّد مدينة حماة في الثمانينات.. فالتمرّد آنذاك لم يمت لكنه فقد زخمه نفسياً وهاجر المقاتلون ولم يعودوا.. الا بعد ثلاثين سنة، وعبر هذه الأزمة..
قلق الدوحة والرياض
وهناك قلق خاص لدى الدوحة والرياض من أنّ العداء مع الأسد دخل مرحلة خطيرة للغاية، خصوصاً اذا ما اعتبر الرئيس الأسد انّ للقطريين والسعوديين دوراً رئيسياً في مساعدة المخابرات الغربية في اغتيال قادته الأربعة وبالذات العماد آصف شوكت.. فالعماد آصف شوكت تربطه قرابة عائلية بالرئيس الأسد واستهدافه استهداف لدم الرئيس الأسد نفسه.. الذي شكل فقدانه لشوكت جرحاً لا يندمل، فهذه أول مرة في تاريخ عائلة الرئيس الأسد التي تفقد أحد أفرادها اغتيالاً.. ولذلك فإنّ العقلية البدوية الخليجية تنظر للأمر بمنطق بدوي صحراوي
على أنّ نجاة الرئيس الأسد من الهزيمة في معركة دمشق وبعدها في حلب واستقراره بحكم الأمر الواقع..
سيجعله يستدير استخباراتياً.. ليثأر من قتلة قادته.. ويتحوّل الى اصطياد الذئاب.. وعبرت رسالة قطرية غامضة الى المملكة العربية السعودية سرّبت الى إحدى السفارات العربية ووصلت الى بعض الديبلوماسيين مؤخراً من خشيتها أنّ إفلات الرئيس الأسد من الهزيمة سيعقبه عملية ثأر شرسة.. من بندر بن سلطان وبعض رجال الحكم السعودي، لأنّ الرئيس الأسد حسب زعم الرسالة ربّما سيرى أنّ دم شوكت لن يهدأ إلا بدم بندر.. وتقول الرسالة إنها لا تستبعد أن يخصّص الأسد وحدة للاستخبارات الشرسة لا مهمة لها الا اصطياد الرؤوس المتورّطة بدم قادته (من دون أن يلومه أحد).. بندر بن سلطان.. وحمد بن جاسم.. تحديداً.. ولذلك فإنّ معركة حلب فاصلة لهذه الرؤوس.
على كل حال.. كيف نعرف ما الذي يحدث في حلب؟ علينا أن ندخل عقل الخصم.. والخصم ليس المعارضة السورية المسلحة، فهؤلاء لا عقول لهم بل ينفذون تعليمات الخصم حيث العبقرية الشيطانية.. الخصم هو الغرب و»الناتو» بما فيه تركيا.. والخصم في حروبه يركز على شيئين.. القوة الجوية والقوة النفسية.. لا شك انّ القوة الجوية الغربية لا يستهان بها، لكن هذه القوة لديها مؤشرات على أنّ الروس قد بنوا للسوريين حائط الصواريخ الذي يريدونه.. والطائرات التي تقترب من الحائط لن تعود بنسبة ٩٠% ودرس الطائرة التركية دليل قويّ على ذلك.. والمعادلة الجديدة هي أنّ الدفاعات الجوية السورية قد ألغت قيمة التفوق الجوي الغربي أو على الأقل قللت كثيراً من أهميته.. ولذلك تلكأ «الناتو» في تفويض الأتراك بالتدخل..
أما القوة النفسية العاتية فهي الحرب النفسية التي بالتجربة حطمت عدة جيوش، ومنها الجيش العراقي الكبير، عبر ما كانت تبثه قناة «الجزيرة» والتي حاولت تكرار الأسلوب في حرب تموز ٢٠٠٦ بالترويج لعنف القصف الجوي «الإسرائيلي» بنشر صور الدمار وصور الموت بحجة فضح الجيش «الاسرائيلي».. لكن الحقيقة أنّ ذلك كان لإرهاب جمهور حزب الله وترويعه والضغط نفسياً على مقاتليه وقيادته..
من المركز إلى المحيط
وتحاول القوى الغربية عند مهاجمة الخصم ضرب عاصمته فوراً من دون إضاعة الوقت في الاجتياح من المحيط نحو المركز.. بل من الغريب أنّ أسلوب قتل الخصم هو تجنب المحيط واصطياد المركز لتوفير حرب ومعارك المحيط.. وهذا ما حدث بالضبط في العراق.. فالأميركيون لم يبذلوا الكثير لاحتلال أم القصر أو البصرة أو الناصرية.. بل انّ أم القصر تلك المدينة الصغيرة قاومتهم ثلاثة أسابيع، ولم تخل من المقاتلين نهائياً إلا بعد سقوط بغداد.. وما فعله الأميركيون هوالقاعدة التالية: اتجهوا نحو المدن الرئيسية ولا تدخلوها بل طوّقوها وامنعوها عن تقديم الدعم للعاصمة.. أما العاصمة فأسقطوها تلفزيونياً وسينمائياً وحطموا أرواح أهلها نفسياً واسحقوا معنويات مقاتليها ثم ادخلوها.. إنه الاجتياح من المركز نحو المحيط بعكس كلّ حروب التاريخ حيث تقاتل الأطراف وتتآكل تدريجياً الى حين الوصول الى رأس الدولة.ز العاصمة.. حيث المعركة الفاصلة..
كيف سقطت بغداد؟
وحتى هذه اللحظة لا أحد يعرف على وجه الضبط كيف سقطت بغداد.. فلا يزال سقوط مدينة محصنة فيها ٥ ملايين نسمة يثير الحيرة، خصوصاً أنّ الكثير من السياسيّين الغربيّين والمراقبين الغربيّين كانوا قلقين جداً من دخول بغداد أو البصرة، ويتوقعون مذبحة بحق القوات المقتحمة.. لكن المهمة تحققت بسرعة قياسية وبلا خسائر.. البعض روّج لخيانة فرطت الجيش العراقي، والبعض روّج بأنّ الأميركان استعملوا القنبلة العجيبة في مطار بغداد فانفرط الجيش العراقي.. وذهب آخرون الى أنّ الاميركيين لم يدخلوا إلا ممراً وشريطاً ضيقاً نحو ساحة الفردوس لتصوير سقوط التمثال مع مجموعة من الممثلين الكومبارس المستقدمين من المعارضة العراقية والكويت، فصدّق المحاربون الموالون للجيش العراقي السقوط وامتنعوا عن القتال الذي صار بلا جدوى.. فيما قال آخرون انّ ساحة الفردوس كلها التي ظهرت كانت ساحة مزيفة ومشهد سقوط التمثال كان سينمائياً لكنه أعطى الانطباع أن الأميركيين دخلوا بغداد..
المهم أنّ سقوط العاصمة شتت انتباه الجيش العراقي وتمّ الترويج بشكل واسع لموت صدام حسين في قصف مطعم الساعة، وبالطبع تمّ شلّ الإعلام العراقي بالكامل، وتقطعت أوصال الاتصالات بين القيادات التي كان من الممكن التثبت من كلّ الشائعات ونفيها بسرعة.. ولم يكن الأمريكان يحتاجون أكثر من هذه السويعات من الدهشة والتوهان والغيبوبة.. وما هي إلا ساعات قليلة حتى بدأت فرق النخبة المحاربة العراقية تعلن استسلامها.. أقوى المحاربين وأصلب الفرق رفعت الراية البيضاء.. وكان القادة الأميركيون يمرّون على الدبابات العراقية المصطفة بالعشرات وقد تدلت سبطاناتها نحو الأسفل في إشارة إلى الاستسلام.. ورأيت أحد قادة الفيالق الأميركيين سعيداً وهو يربّت على مدفع إحدى الدبابات الحديثة وهو يقول: رائع.. رائع.. دبابات رائعة وشرسة.. كان من الممكن أن تقاتلنا أشهراً في محيط المدن..
واليوم كان يراد إحداث نفس السيناريو في سورية من دمشق.. أي اجتياح من المركز نحو المحيط بإسقاط العاصمة نفسياً وإعلامياً لساعات عبر اغتيال القادة الكبار الذي يتزامن مع خروج آلاف المقاتلين من مكامنهم فور إعطائهم الإشارة ويتمّ تصوير استيلائهم على نقاط حيوية رمزية في دمشق.. وإشاعة اصابة الرئيس.. كلّ هذا لتسود البلبلة بين المقاتلين وانفراط الجيش السوري في دمشق أثناء الساعات التالية للصدمة.. ومن الممكن اقتتال القطع العسكرية بسبب اختلاف قادتها في تفسير الموقف والتعامل معه في غياب توجيهات القيادات المذهولة وغياب التوجيهات الرئاسية التي ستتفاجأ بزخم التحرك.. وهول الخسارة.. وهنا تعمّ الفوضى غالباً في المدن المحيطة فتتهاوى تباعاً..
لكن هذه الخطة كانت تفتقد إلى عنصرين هامّين هما الدعم الجوي للمقاتلين والقدرة على شلّ شبكة الاتصالات القيادية السورية.. حيث أنّ المقاتلات الجوية الغربية كانت ستعيق تحرك الجيش السوري وتسمح بتمدّد التمرّد.. كما أنّ غياب الاتصالات سيلقي مزيداً من الريبة على مصير الرئيس لدى القادة الميدانيين والشعب، تماماً كما حدث في بغداد بعد قصف مطعم الساعة في حي المنصور.. لكن الرئيس الأسد بقيَ على اتصال مع الجميع، وفي فترة وجيزة أعلن عن سدّ الثغرة القيادية في شخص وزير دفاع يوصف في التقارير الغربية بالشرس جداً..
وقد اشار أحد التقارير انّ المخططين الغربيين كانوا يعرفون أنّ فجوة غياب الغطاء الجوي ليست في صالح المعارضة، لكن الفكرة البديلة عند فشل إسقاط الرئيس الأسد في الساعات الأولى كانت تعتمد أساساً على الوقت وعلى «بسالة» المعارضة التي ستصمد أسبوعين على أقل تقدير، حيث يضطر النظام لأن يحشد كلّ قوته الضاربة في نزق وعصبية لاستعادة دمشق.. وعندها تنهض معركة حلب في الأسبوع الثاني والنظام قد تمّ امتصاص قوته إلى دمشق.. فيزداد تخبّطه وعليه عندها أن يخسر إحدى عاصمتيه لإنقاذ واحدة منهما.. فتكثر الأمم المتحدة الضجيج لإدخال قوات فصل و(قبعات زرق).. وتبدأ الحكاية الطويلة في مناطق للمعارضة تتقوى وتزداد مناعة، ويرد إليها المزيد من المقاتلين والمنشقين والعتاد، وتصبح أمراً واقعاً في مواجهة المناطق الخاضعة للسلطة التي تلقت ضربة معنوية قاسية، وهنا تبدأ مرحلة التخلخل البنيوي للجيش السوري وجمهور الدولة الوطنية.. وعلى طرفي خطوط التماس وعلى ضفاف منطقة القبعات الزرق سينشأ الانفصال النفسي والاجتماعي، وربما جدار برلين.. وحكومتان.. ودولتان.. على غرار برلين الشرقية وبرلين الغربية.. دمشق الشرقية ودمشق الغربية!!! فكلّ حكومات المنافي لا تساوي حكومة على الأرض وفي الميدان.. ومن هنا يتمّ الانطلاق..
مفاجأة دمشق..
ما حدث كان مفاجأة، وهو أنّ معركة دمشق امتدّت لساعات فقط، وكانت حاسمة على غير توقع من جميع الخبراء الذين تنبّأوا بهزيمة المعارضة في غياب الضغط الجوي والاسناد الناري من الخارج، لكن بعد أن يصمد المقاتلون لأسبوعين على الأقل.. والبعض قال ربما لن تتمكن الدولة من هزيمتهم إلا بعد شهر كامل بعد أن تدفع آلاف القتلى من جنودها ثمناً للنصر في حرب الشوارع.. وقد تبيّن «أن الجيش السوري كان في حفلة صيد.. «حفلة صيد الأرانب البرية».. على حدّ تعبير صحيفة إيطالية..
وفجأة وجد الحلفاء أنفسهم أمام خيار (حلب تقاتل وحيدة) التي كانت بانتظار صمود معارضي دمشق.. فإذا بها تنتهي وحيدة يسمّيها المراقبون العسكريون انها تشبه عملية (الكاميكاز) أي العمليات الانتحارية.. أي انّ قتال حلب من دون دمشق المرهقة هو عملية كاميكاز، حيث سيُلقى بمجموعة المقاتلين في حلب في مواجهة جيش سوري مدرّب قد انتهى كلياً من صيد الأرانب البرية في دمشق.. ليتفرغ لاصطيادهم..
يسعى الغربيون في معركة حلب الانتحارية، كما كشفت اتصالات تمّ اعتراضها الكترونياً، الى جعل المعارضة تقاتل عبر أمواج متلاحقة يتواصل تدفقها من تركيا للاستيلاء على الأطراف.. هذه هي الخطة الاحتياط لمدينة حلب ـ وهي الخطة التي كانت دوماً في الأدراج لحين حلول الوقت المناسب ـ هذه الخطة تقول لا يجب تكرار خطأ التلكؤ في درعا وبانياس وحمص وادلب.. كان يجب إمداد المقاتلين في هذه المدن المحيطة بشكل أكثر فعالية واكثر «وقاحة وتحدّياً» .. لا يجب تكرار خطأ بابا عمرو بالذات عندما تمّ الاعتماد على المقاتلين من دون استدراج مجلس الأمن بسبب الروس..
في حلب هذه المرة سينتظر المقاتلون مجلس الأمن و»الناتو» الذي سيأتي من غير تفويض رسمي.. مجلس أمن ثائر يشبه عمله عمل جيمس بوند.. والمقصود بذلك إقامة غرف عمليات من قبل «الناتو» على حدود حلب.. بحيث تشارك الأقمار الصناعية الغربية في توجيه المقاتلين وتحذيرهم من حشود الدبابات وتحرك المروحيات.. فحلب مدينة على حدود «الناتو»، ويجب أن تغامر تركيا ببعض التحرك مثل الدخول الصامت والبارد في الحرب، لكن من دون إعلانها.. أي الدخول بالرادارات وطائرات التجسّس وقيادة العمليات واختيار الأهداف والخواصر الرخوة للقوات السورية، وتوجيه المقاتلين مباشرة بناء على معطيات الاستطلاع والرادارات لإنقاذهم من إطباق محاولات الحصار وإرشادهم لإحكام حصار الوحدات المعزولة.. وبالطبع مع بهارات أردوغان وتوابله الحارة في تصريحاته ليصبح للمشهد مذاق الحرب الساخنة الملتهبة من دون نيران.. لإطالة المعارك ما أمكن..
ويبدو للكثيرين أنّ معركة حلب أهم من دمشق، لأنه سيتمّ فيها تدارك كلّ أخطاء المدن التي سقطت بيد الجيش السوري.. وتبدو حلب اليوم في عيون المعارضة هي مجموع كلّ المدن المهزومة فهي: حمص (بابا عمرو) وادلب وحماة ودرعا وبانياس ودمشق ـ الميدان.. وكلّ الأخطاء التي أسقطت هذه المدن سيتمّ تداركها وستكون حلب هي أول مدينة قد لا تخرج عن سيطرة النظام بالكامل، لكنها ستشكل أول تعثر للنظام وأول عملية مكلفة ونازفة لقواته.. وحلب هي التي ستبقى أمواج المقاتلين تتلاحق اليها من تركيا لإطالة أمد المعركة وكسر هيبة الجيش السوري بعدم قدرته على الحسم..
«خوذة القلعة»
ولكن في المقابل لا يعرف الكثير عن خطة الجيش السوري الذي تتحرك الوحدات الخاصة منه داخل المدينة وحولها وفق تكتيك لا تكشف عنه القيادة السورية، ويقال ان الخطة الموضوعة منذ أشهر وسمّيت «خوذة القلعة» هي التي ستعتمد لأنّ السوريين، ومنذ عنتريات أردوغان، وضعوا في حسبانهم ذلك واستعدّوا له.. فيما على الحدود تتمّ عملية خاصة ربما ستشكل مفاجأة المعركة.. والملفت للنظر أنّ الخبراء الغربيين على العموم، والواقعيّين منهم على الخصوص، لا يعولون على معركة حلب الا من حيث إمكانية إنزال خسائر كبيرة بالجيش السوري لغهانته وتصوير آلياته المحترقة وأسر بعض الجنود، وبالتالي الانتقال لمرحلة إعلان حلب معقل المعارضة.. فلا هي بنغازي ولا هي كوسوفو، بل مدينة رمادية بلا سيطرة لأحد.. وهي مدينة الطرفين.. أي انها ستكون روما التي حاصرها هانيبعل القرطاجي عدة سنوات وتردّد في اجتياحها عدة مرات فاجتاحته..
لكن من يتحدث الى القادة السوريين الميدانيّين ويسألهم عن إمكانية تكرار عملية صيد الأرانب البرية التي كانت في دمشق يأتي الجواب بأنهم يعتقدون بأنه ان كانت معركة دمشق لصيد الأرانب البرية فان معركة حلب ستكون لصيد الثعالب.. لأنّ صيد الأرانب البرية عملية ليس فيها إثارة ولا ابتكار، بل دقة تسديد وهدوء أعصاب وسرعة إطلاق النار على هدف لا يهدأ.. بينما صيد الثعالب مطاردة يتمتع فيها الصياد.. ويمارس هواية المطاردة للثعالب المراوغة.. وفي النهاية يفوز بالفراء غالي الثمن..
لقد امتلأت حلب بالثعالب.. ولكنها أيضاً امتلأت بصيادي الثعالب.. فانتظروا انسحاباً تكتيكياً.. للثعالب.. قبل أن تعود القوات السورية تجرّ عربات مليئة بفراء الثعالب.. والأقفاص المليئة بالثعالب..
المصدر: البناء - نارام سرجون
رقم: 104110