الجندي السوري يضع القرار الأميركي تحت نعله، العبارة موجزة لعمل مضني بدأ منذ عام ٢٠٠٣، الأميركي يستثمر ماليا وإيديولوجيا في الحروب، والحرب بهذا المعنى مشروع اقتصادي، إذا، لابد من دراسة الجدوى الاقتصادية والإستراتيجية للحرب، يستبعد بطبيعة الحال من الدراسة الجدوى الأخلاقية لأنها بلا جدوى !! كل مشروع استثماري هو مخاطرة ورأس المال جبان.
بوش وضع في العراق مبلغ ٨٠٠ مليار دولار استرد منها ٤٠٠ مليار، دون احتساب الكلفة البشرية، أراد أن يهين الروس والصينيين في أفغانستان ويحدث ربحا على حسابهم إلا أن أصدقائه تخلو عنه مبكرا، وأدرك أن السوفييت كانوا بارعين في استخدام الرياضيات، إلا أن الرياضيات كما الوقت تتوقف في تورا بورا.
اتجه إلى لبنان للاستثمار هذه المرة عبر وسيط وكشف عن اسم مشروعه الجديد في حفل وضع حجر الأساس "جاز القول هنا أن تدمير لبنان ومحاولة قتل شعب كان احتفالاً كلاسيكياً رتب له بعناية" الأميركي فشل مرة أخرى وتحول "الإسرائيلي" من شريك كبير إلى عبء إضافي ثم تحميله على الجهد الاقتصادي الذي بلغ عجزه ترليوني دولار.
في حرب تموز تدخل رجال حزب الله في المعادلة ولأن تصرفاتهم لا يمكن توقعها تسببوا بإشكالات كبيرة في الحسابات وفرضوا على "الإسرائيلي" العمل والحل بقوانينهم، سأشارككم تفصيلا شخصيا، قبل حرب تموز بمدة كنت قلقلا من منظومة "إسرائيلية" مضادة للصواريخ يجري نشرها في الجليل الأعلى، في إحدى الجلسات الخاصة تكلمت بتفصيل وقلق كبير عن هذه المنظومة، فاجأتني ردة فعل احد الحضور من دولة صديقة، اختصر الجواب بابتسامة صغيرة وبضع كلمات "ماذا لو لم تظهر الصواريخ على شاشات رادارهم" عندما بدأت مرحلة "ما بعد حيفا" فهمت شيئاً، لقد أراد صديقي اطلاعي على سر، في حرب تموز لم يكن "ماكليش" صاحب نظرية القوة الجوية مسرورا وهو الذي كتب في مؤلفه (أتوقع النصر ) أن بمقدور الطائرات تغيير الجغرافيا.
بعد عدوان غزة أصبح وضع السوري مريح وهناك حكمة أميركية بتناقلها حكام البيت الأبيض كقاعدة عمل يبدأون بها أعمالهم اليومية وتؤخذ بعين الاعتبار في أي تخطيط استراتيجي هي ” لا تدع السوري يرتاح أبدا ” حماسة الأب لحرق تل أبيب مازلت ترعبهم، عامان فقط غفلوا عنه فماذا فعل ؟ أقام حربا وأحدث فرقا في الوعي وكسادا في الاقتصاد العالمي وانتصارا على الأرض، الأميركيين تعلموا الدرس جيدا، (راجعوا تاريخ سوريا منذ عام ١٩٧٣) ولأن الولد سر أبيه أدركوا أنهم في مأزق كبير وعليهم القيام بعمل ما، كانت التقارير تصل تباعا لمؤسسات القرار العالمية ” بدءا من ٢٠٠٧ سينتقل السوريون للإنتاج الكثيف بصناعة الصواريخ ” الحكمة الأميركية وكذلك التقارير كانت دقيقة للغاية عندما اكتشفت أن الجيش السوري يعمل بتوقيت ” ساعة صفر ما ” لا اعتقد أني أكشف سرا عندما أخبركم أن الرئيس بشار الأسد طرح مشروعين متناقضين سيقلبان واقع القوى العالمية ومشى بالمشروعين معا بأن واحد :
أحدهما طرحه أمام عدسات الكاميرات وهو نظرية البحار الخمسة والآخر هو تحضير الأرض لعملية جراحية دقيقة ب” الوخز بالإبر الصاروخية “هذا يذكرني بأحد وزرائنا عندما سافر إلى بلد إفريقي للتأسيس لعلاقات اقتصادية كبيرة عشية حرب تشرين . هنا أدركوا أن رحيل الأسد خديعة كبرى، فالذي يواجهه الأميركيون الآن ليس شخصا آخر . أمام هذه الحقيقة أدركوا أن الوقت حان للقرارات الكبرى.
مبدأ ريغان :
خلال عقد الثمانينات ابتكر صانعوا السياسة الأميركية حلا إبداعيا للتعقيد المستجد في أفغانستان بعد دخول السوفييت إليه ودون تكاليف تذكر ” كان هناك أناس متحمسون لخوض حروب التحرير الخاصة بهم ” وعمل دور أميركا تدريبهم وتقديم السلاح والمعلومات الاستخبارية وغيرها من أشكال الدعم وهنا بدأ تشكيل القاعدة .
مبدأ ريغان ومشروع تفكيك الصين :
عناصر المشروع :
١- خلق نزاعات مع الدول المحيطة ونقاط حصار متقدمة ,أعطي مثالين :التدخل الأميركي الوقح في منطقة آسيا الباسيفيك . عزل الصين عن سواحل الخليج العربي باحتلال أفغانستان ووضع الصين في مرمى نيران الجندي الأميركي المباشرة .
٢- مجددا اللعب على الغرائز وإستراتيجية النفاق ولدينا ثلاثة أمثلة: إقليم شنجيانغ ذي الغالبية المسلمة، التيبت، و تايوان .
روسيا :
أيضا الحوش الروسي ليس أفضل حالا، فمن جهة يتم استخدام الوهابية مجددا سواء في الشيشان أو غيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة ومن جهة تطويقها بالأطلسي، عبر مكوناتها العسكرية أو بمحاولة جر جمهوريات سوفيتية سابقة إلى الحلف، وكنا تكلمنا سابقا عن المؤامرة التي تستهدف الغاز الروسي.
" حريق غزة لم يحركهم، لكن حريق قميص يشعل فتنة في مصر"
الإستراتيجية العسكرية الأميركية الجديدة تقوم على "نقل الثقل الاستراتيجي" إلى آسيا , والصينيين كما الروس ليسوا مسرورين بهذا الخبر, الشرق الأوسط الرقعة الأخطر لأن من يسيطر عليها يسيطر على ديناميكية العالم. أميركا طورت مبدأ ستالين "لا يوجد إنسان لا توجد مشكلة" ليصبح .. "لا توجد دول لا توجد مشكلة".
مخططها تدمير القيم الصالحة وضرب مقومات الدولة المؤسساتية لتحويل الشرق الأوسط إلى "حطام جيوبوليتيكي" وتفكيك الدول إلى كيانات طائفية وقبلية شعوبها غرائزية فقط (البارحة وقعت اشتباكات وإحراق بيوت بين مسلمين وأقباط في مصر والسبب – أرجوكم لا تضحكوا أو.. تبكوا – أن مسيحي حرق قميص مسلم أثناء كييه !! بينما تكون إسرائيل الدولة الوحيدة و القادرة ومصب لأنابيب النفط والغاز القادمة من الخليج والعراق وعقدة شبكات الكهرباء الإقليمية وتاجر السلاح الوحيد في المنطقة لتزويد الكنتونات المتناحرة بما تحتاجه لتدمير بعضها ( السودان – جنوب، ليبيا – شرق، العراق –كردستان ..)
أمام هذا الوضع ما هو القرار الصيني الروسي :
العمل بفلسفة روزفلت "الحرب لإنهاء الحرب" سياسة الاسفنجة تصرف ذكي عندما يكون غضب خصمك تعبيرا عن حالة انفعالية, لكنه حسابات خاطئة عندما الغضب منهجية للوصول إلى مكان ما ومن هنا انتقلت سوريا التي تشكل إظهار كامل على الأرض لما يدور في رأس الدول العظمى إلى الإستراتيجية النشطة :
السوريون غاضبون جدا لكن لا تتوقع أن تجدهم يصرخون أو يحطمون أثاث المكان , يقتصدون في ردود أفعالهم , سلوكهم غامض , يقومون بأعمالهم بالحد الأدنى من الضجيج , لا يبادرون , سياستهم دفاعية ينتظرون وقوع الفعل ليبنوا عليه مما يجعل عملية اتخاذ القرار بطيئة لكن بالمقابل هذه السياسة تجعلك قارئ مدهش للأحداث مما يعطيك تفوقا في وضع تصور دقيق للقادم . لكن التنويه مفيد هنا , السياسة الدفاعية لا تعني بالضرورة أن تتلقى اللكمات طيلة الوقت ففي مرحلة ما من القتال يصبح الهجوم أحد أساليب الدفاع المتقدم . عندما تعطي خصمك فرصة للتراجع حتى في مراحل متقدمة من القتال فهذه رباطة جأش وحكمة , وهذا ما نجده في سلوك السوريين مع أعدائهم , لكن ما احتمال أن يفوت الخصم كل الفرص ويوجه اللكمات نحو قلبك مباشرة !
مناطق اشتباك جديدة وتحريك أوراق كبيرة :
الأخبار القادمة من دمشق تقول أن السوريين يجهزون لسيناريو “يوم القيامة ” الصورة التي جمعت القادة الثلاث الأسد-نجاد- نصر الله تكررت في مشهد المناورات الثلاثية التي جرت بتوقيت واحد وافترضت سيناريو هجومي يعتمد على الإغراق الصاروخي والاقتحام , هل يعني هذا شيئا للأميركي !؟ يقولون أن مشهد الأساطيل الروسية التي بدأت تدخل المتوسط قادمة من البلطيق والأسود و الهندي مهيب تقشعر له الأبدان .
لكن ما دلالة سحب قطع عسكرية من المحيط الهندي وهو منطقة اشتباك ساخنة, ومن المتوقع أن يكون مسرح لكباش عسكري دموي بين الحلف الروسي –الصيني الذي بدأ الجولة الأولى بمناورات مشتركة والأميركي وحلفاؤه ,وجولة اوباما للدول المشاطئة له كانت ترتيبات أساسية للاشتباك القادم . الوضع لا يختلف على المقلب الصيني حيث دعا هو جين تاو جنوده إلى الاستعداد للدفاع عن ” الأمن القومي الصيني ” وبدأنا نلاحظ وجود بحري صيني على طول المحيط الهندي وصولا إلى سواحل اليمن , كما تم تحريك حاملة طائراتهم لأول مرة بعيدا عن مياههم الإقليمية .
القاذفات الإستراتيجية الروسية أيضا تدخل في المشهد, هذه المرة اكتفت بالتحليق لمدة أربع ساعات قرب الحدود التركية , لكن ليس بنية الروس تحويل قاذفاتهم إلى حمام زاجل مهمته نقل رسائل فقط! بوتين خبير الفنون القتالية يفاجئ الجميع بخطوة تضع له موطئ قدم بحري في الحوش الأميركي , ففيتنام وافقت على إقامة قاعدة بحرية يشغلها الروس والقرار الكوبي قيد التفاوض على الترتيبات التقنية .
السوريون أعدوا كمينا قاتلا لأردوغان لن ينجو منه, وتدمير مقاتلتيه في المتوسط كما اقتحام كتيبة مدعومة بخمسين مدرعة المنطقة العازلة في الجولان وتمركزها على بعد كيلوميترات قليلة من قرية مسعدة "شدة ادن" وإحراجا لا أكثر, لكن في حال قرر المشي إلى النهايات القاتلة فان الأكراد واللوائيين سيتقاسمون الجغرافيا التركية وأعلام الكردستاني على الحدود إعلان إرادة باتجاه تقسيم تركيا .
فصلنا قليلا في ظرف الحرب العالمية الثالثة , لكن التساؤل لما القتال بالأيدي ؟!
السلاح الكيماوي السوري والذي يعتبر أكبر مخزون في الشرق الأوسط دخل المعادلة الدولية، وهنا نقف مجددا أمام بلاغة ديبلوماسية، السوريون أرادوا التلويح ببعض قدراتهم الغير تقليدية لكن من دون أخطاء، أي دون تقديم ورقة للأميركي يستعملها في مجلس الأمن فجاءت صياغة التهديد على لسان جهاد المقدسي "إن وجد" السلاح سيستعمل لضرب أعدائنا في الخارج .. الأميركي قارئ جيد ويدرك أن منظومة المقاومة إضافة إلى الحلف الصيني الروسي لن يقبلوا بنصف حرب أي، حروب تكتيكية، بل حرب كاملة يكون فيها الإسرائيلي مجرد رهينة تتعرض لكل أشكال التعذيب قبل القتل, أضف أنه أجبن من أن يجازف بحياته وهو يدرك بأن عنقه سيكسر في باب المندب عند أول كباش، ماذا لو قرر السوري أن الوقت قد حان لقتل الأميركي في المنطقة ؟ كما قلت , السوريون غامضون جدا و الزيارة المفاجئة للمعلم إلى طهران وجدول لقاءاته المكثف تثير قلقا كبيرا لدى الأعداء …أختم بما بدأت , القرار الأميركي تحت نعل الجندي السوري.
المصدر: سيريان تلغراف - ويليام الأحمد(بتصرف)