QR codeQR code

لا وطنـيـة خـارج الوحـدة اللبـنانيـة

تنا - بيروت

4 Aug 2012 ساعة 20:19


لا نظن مهمة وطنية تسمو أو تضاهي مهمة الحفاظ على لبنان وحدة وكياناً ومقومات ومشروعاً إنسانياً. فلطالما يجمع اللبنانيون على أن لبنان هو النموذج النقيض لإسرائيل والتحدي الواقعي لوجودها. مضى زمن يمكن فيه ان يتطلع اللبنانيون خارج حدودهم شوقاً للاندماج في كيان أوسع. فلقد صارت المنطقة من حولنا تبحث عن طريق نجاة لكياناتها الوطنية وليس عن متحدات سياسية قومية أو إقليمية. 

جرّب اللبنانيون أشكالاً عدّة من السعي للانضواء في مشروع سياسي أكبر من حجم بلادهم شرقاً وغرباً ولم ينجحوا، ولم يحفظوا لوطنهم ميزات كان يراها الآخرون من العرب محل طموحهم وقبلة أنظارهم. فما كان محل شكوى الناس وتذمراتهم صار أكثر قبولاً لديهم أمام الأوضاع المزرية والمأساوية التي تفجرت وتتفجر في محيطهم. 

انطوى عهد الدول والكيانات التي تقوم على تماسك مفتعل يلغي حيوية المكونات الاجتماعية ويصادرها في خدمة أنظمة تسلطية وشمولية. فما بال اللبنانيين ينزعون اليوم لربط مصائرهم كجماعات فيما هو صراع إرادات دولية وإقليمية وطائفية أشد خطراً على كيانهم ووجودهم ودورهم. على الأقل لن ينجز اللبنانيون شيئاً يستحق المغامرة ببلدهم ليجعلوه معلق الوجود على رهانات سياسية لا تجلب لهم أية مكتسبات ولا أية ميزات كيفما ذهبت اتجاهاتها. فلا يعقل لبلد غارق في مديونية عالية، نتيجة فاتورة إعادة الإعمار، أن يتلهّى عن مهمة النهوض باقتصاده وبإنتاجه واستكمال بنياته الأساسية من جهة وأن يندفع بخيارات تفاقم هذه التحديات. 

وعلى حد ما صار معروفاً أن ليس من اقتصاد تنفرد في إدارته الطوائف، وليس من دولة لها مقومات الحياة في دوائر الجغرافيا الطائفية. بل ان مشكلات السياسة بين الجماعات هي على الخطوط المشتركة التي يصعب اقتسامها أو الانفراد في معالجتها. 

من حقنا، والحالة هذه، أن نرى الانتحار الجماعي يظلل كل المشاريع التي لا تكون الدولة الواحدة هدفها. ففي خارج الدولة «لبنانات» لا تقوى على توفير الأمن والاستقرار وبالتأكيد لا تقوى على توفير مقومات التقدم الاجتماعي. كأننا، على اختلاف ما يقال ويطرح من مشاريع على اللبنانيين، نلتقي في مساحة واحدة لاستكمال تدمير التجربة اللبنانية وإلغائها. فليس عبثاً ان ينطلق نداء مجلس المطارنة الموارنة ليتقاطع مع حديث رئيس المجلس النيابي فلا نجد إلا خطر انفراط الاجتماع السياسي تحت وطأة الإفلاس السياسي والإفلاس الاقتصادي. وعلى عادة المسؤولين اللبنانيين، في أية مرجعية كانوا، ان يحذروا من أخطار ومن سياسات هم شركاء في صناعتها حيث لا يتشبثون بالمخارج الفعلية لها. 

انطوى بيان المطارنة الموارنة على إقرار «بفشل الميثاق الوطني ـ الاجتماعي»، وبالدعوة إلى تجديده. هذا ليس بالكلام المتعجّل أو بالتحذير المبالغ. فقد لحظ البيان ـ النداء إلى المسؤولين والرأي العام ما آلت إليه أوضاع مؤسسات الدولة والتنازع عليها، وهو تنازع طائفي موصوف. فإذا كانت صيغة الطائف قد ضاقت عما تبعها من معطيات وتطورات سوسيولوجية فمن غير الممكن تزويجها أو تعليبها في «المناصفة» في السلطة والإدارة وفي قانون الانتخاب. 

لكن قلق الموارنة، والمسيحيين عموماً، لا يلاقيه طرح سياسي صريح لأن ما بات لدى الإسلام السياسي من آفاق أكبر من أن تحتويه تسويات وتوازنات في هذه اللحظة من المخاض الإقليمي. فلقد صار طرح المسيحيين الدفاعي عن «صيغة طائفية ما» طرحاً سلبياً على مصيرهم وليس فقط على دورهم وموقعهم. ففي مكان ما يسأل المسيحيون عن تقصيرهم في تطوير الصيغة اللبنانية وعن حجزها في هذا البعد الطائفي حيث تجاوزهم الإسلام السياسي من الحركات الطائفية إلى الحركات الدينية. 

أما وقد لاحت احتمالات تظهير الكيانات السياسية الطائفية في المشرق العربي، من لبنان إلى العراق مروراً بسوريا، فإن المسيحيين ليسوا الطرف الذي يمكن ان يستثمر على هذه التحولات كياناً مستقلاً ومستقراً. بل إن بعض الأقليات ستدفع أكثر من ذي قبل ثمن مغامرات الخروج من الهوية العربية الجامعة ومن التوافقات الوطنية المعلنة والضمنية أمام توتر الكيانات الاجتماعية الكبرى. فلأول مرَّة في التاريخ يتحول الجسم الاجتماعي السني إلى ما يشبه الكيان الإثني المستنفر بوجه عصبيات الأقليات وأصولياتها المذهبية، بصرف النظر عن حجم تلك الأقليات وأدوارها. 

ومن نافل القول إن المشكلة تحتاج دائماً إلى طرفين، وفي الغالب الأعم ترتبط المشكلات بأزمة العلاقات في الحاضر ولو استحضرت ثقافة تاريخية. ولأن المنطقة من حولنا كلها في مخاض للتغيير ليس حجة ان يستسلم اللبنانيون لتداعياتها. فما زالت للبنان خصوصيات يمكن بناء توازنات قوى وأفكار عليها لكي نجنب هذا البلد الفوضى والتفكك. فهل يقف أصحاب الهم اللبناني بعناد لاستنقاذ هذه التجربة وتجاوز أخطائها أم يسجلون مواقف للتاريخ تذهب هباء تحت سنابك الخيول الجامحة!؟ 

المصدر: السفير - سليمان تقي الدين


رقم: 104590

رابط العنوان :
https://www.taghribnews.com/ar/article/104590/لا-وطن-ي-ة-خ-ارج-الوح-دة-اللب-ناني

وكالة أنباء التقريب (TNA)
  https://www.taghribnews.com