نيرون مات .. وروما لم تمت .. بعينيها تقاتل
ادوارد الثامن مات .. ولندن لم تمت ..
ودمشق كذلك .. لم تمت .. بعينيها تقاتل..
درس في التاريخ للدمى المنشقة .. الصيصان لاتعتلي السروج ..
تنا - بيروت
8 Aug 2012 ساعة 15:19
نيرون مات .. وروما لم تمت .. بعينيها تقاتل
ادوارد الثامن مات .. ولندن لم تمت ..
ودمشق كذلك .. لم تمت .. بعينيها تقاتل..
من لايعرف التاريخ يسهل خداعه ..ولمن يريد اللعب بالمفردات ونفخ الأبطال وممارسة الحرب النفسية سنسأله سؤالا بسيطا: من هو أهم تاريخيا .. رياض حجاب الذي كان رئيس وزراء سورية أم ادوارد الثامن الذي كان ملك بريطانيا العظمى التي لاتغيب عنها الشمس ..؟؟ لن أنتظر جوابكم لأننا سنتفق أن الأول لايكاد يظهر في أي مقارنة مع ملك الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس ..أعظم امبراطورية عرفها التاريخ حتى الآن .. ولكن لم هذا السؤال؟؟ ..
هذه المقارنة لكي نعرف أن الشعوب القوية لاتهتز مهما كان حجم الأفراد الذين يتآمرون عليها .. لأن ادوارد الثامن الذي كان ولي العهد البريطاني والملك الذي توّج .. لم يعتل العرش الربيطاني الا لربع ساعة وتخلى عنه عام ١٩٣٦ بحجة أنه لايستطيع انجاز مهامه من دون مساندة المرأة التي يحب والتي سيحرمه العرش من الزواج بها (السيدة سيمبسون).. ولكن القصة لم تنته هنا لأن التفاصيل ظهرت لاحقا فالسيدة سيمبسون التي ضحى الملك بالعرش من أجلها كانت على علاقة بالنازيين واستطاعت استمالة الملك العاشق حتى التقى بأدولف هتلر عشية الحرب العالمية الثانية .. هتلر الذي وعده باعادته الى عرش بريطانيا ملكا اذا سانده ضد الحكم البريطاني الذي يحاربه الألمان ..
وتبين للبريطانيين ولونستون تشرشل أن من كان ملكا صار (بحكم المنشقّ) وأن حجم المعلومات بحكم موقعه الملكي والتي يمكنه الوصول اليها مع السيدة سيمبسون تمر بسهولة الى النازيين .. وأن السيدة التي كانت على أعتاب أن تكون زوجة ملك بريطانيا ودوقة وندسور كانت عميلة للنازيين .. فتم ارغام ادوارد على الابتعاد عن أوروبة الى جزر الباهاما .. والابتعاد عن هتلر .. ومنذ ذلك اليوم يطلق عليه في التاريخ البريطاني اسم (ادوارد الدمية) ..وقد مات ادوارد الدمية منسيا .. بالطبع بعد أن تخلصت منه السيدة سيمبسون وطلقته .. فخسر العرش ..وخسر نفسه .. ووطنيته .. في لحظة حماقة وانفعال..
رياض حجاب الدمية لم يعتل منصبه الا لشهرين (كما فعل تقريبا ادوارد الثامن) .. وقرر التخلي عن (العرش) لأنه لايستطيع انجاز مهامه من دون مساندة المرأة التي أحبها (قطر أو موزة أو الثورة) .. وقد خرج للقاء أعداء بلده مكررا مشهد لقاء ادوارد الثامن بعدو البريطانيين هتلر (أردوغان حمد وغيرهما) .. لكنه سينتهي منبوذا في جزر الباهاما (قطر) كما انتهى ادوارد الدمية .. وسيتخلى عنه وطنه وامرأته الجديدة (موزة) كما تخلت السيدة سيمبسون عن العاشق الوله وطلقته ..
وعلينا أن نعرف أيضا أنه أثناء الحرب العالمية الثانية لم يكن فقط ملك بريطانيا ادوارد الثامن (الهارب) هو فقط من تستميله الدعوة النازية الواسعة بل كان هناك تيار بين الشباب واللوردات الانكليز تستميله الدعوات النازية والرغبة في الانفلات من السياسات التقليدية للامبراطورية .. وكان هؤلاء يرون في التمرد النازي مايلبي نزقهم تماما كما يرى البعض في الربيع العربي في هذه الفوضى مايلبي نزقهم ..
لكن النازية هزمت وتمكن الشعب البريطاني المتماسك والجيش البريطاني القوي من تجنب الوقوع في الفخ النفسي الذي أبدع فيه غوبلز وشائعاته النازية من تخلخل الجبهة الداخلية البريطانية ووجود موالين كثر للنازية (منشقين بلغة الجزيرة) .. وبالرغم من أن البريطانيين كانوا ينظرون الى من كان “ملكهم” يوما كرمز لايمكن التشكيك به فاذا بهم يجدونه يتحالف مع معسكر العدو آملا منه أن يعيده ملكا على العرش الذي خسره .. ومع ذلك فان ذلك لم يغير من ايمان البريطانيين أنهم على حق ..وأن مابنوه من استقلال وتجربة انسانية فريدة لايحق لملك عاشق أن يلهو بها .. وأنهم على حق حتى وان خرج ملكهم عنهم .. الملك ضاع وضاع تاجه .. ولكن البلاد العظيمة بقيت .. وانتصر البريطانيون على هتلر وكل من انشق اليه..حتى انشقاق الملك لايضعف شعبا مؤمنا ببلده..
هذا مثال للمقارنة لأن الشعوب القوية تتعرض لطعنات ممن قد تثق بهم ولاتفكر أنهم (دمى) ..لكن نهاية القصص تضعها الشعوب القوية وليست الدمى..
رياض حجاب الهارب ليس ادوارد الثامن بالتأكيد -الذي رغم انسجامه مع طروحات عدو بلده لم يفر الى المانيا بعد اعلان الحرب بل بقي في مكان محايد احتراما لمشاعر شعبه- ولأنه بقي فيه شيء من احترام النفس أمام شعبه .. ولكن هروب رياض الدمية الى معسكر العدو يفقده ثوريته ويدخله في مزرعة (الانشقاق) حيث سيحلب ضرعه وسيحرث عليه وسيربط من قرنيه قبل أن يقدم قربانا على مذبح السياسة الخليجية ..شاء أم أبى.. ففي هذه المزرعة القول فيها للراعي وليس لذوي القرون..
أصداء هروب الدمية في الاعلام المعارض جعلتني أمضي يوما كاملا أستمع الى قصص ونبوءات وتهويلات المعارضة ومواليها حتى يخيل للسامع أن رياض حجاب (الدمية) هرب وبيده الحقيبة النووية ومفاتيحها وأنه بكبسة زر سيوقع قصر الشعب من فوق قاسيون كما لو كان على قمة جبل ثلجي ينهار .. وبالطبع بالرغم من أنني أطلقت العنان لخيالي عن مدى ماسأسمع من احتفالات وزغاريد النصر فان الاحتفالات والمهرجانات فاقت كل تصوراتي وسمعت من جديد كل الحديث القديم الممل وبنفس العبارات مثل بدأت النهاية .. أيام الأسد المعدودة .. مرحلة مابعد الأسد .. النظام يتآكل .. وكل مايخطر على بال من ذاك الكلام الذي يشرف عليه خبراء نفسيون عن حجم الضربة الهائلة التي دوّخت النظام السوري ..
ولأنني اكاديمي العقل فقد قررت العودة الى أكاديميتي التي أنقذتني في أبحاثي وفي عملي على الدوام .. فمن النصائح الثمينة والمقدسة في العلوم الأكاديمية المحترمة أنك ان كنت تريد معرفة حقيقة علمية بالتجربة فعليك أن تبتعد عن “الانحياز” في التجربة ..أي يجب أن يقوم بها أو بتفسير نتائجها من ليست له مصلحة في طبيعة النتيجة سواء الايجابية منها أو السلبية … ولأنني كنت ميالا لعدم اعطاء رياض حجاب ووظيفته دورا مهما في النظام السوري الا كقوة تنفيذية كبيرة ليست تتمتع بصلاحيات كبيرة وفق الدستور .. فانني اعتبرت هذا الميل سببا في عدم حصولي على تفسير علمي وحقيقي يرضي الحقيقة .. بل سيرضيني أنا كمعارض للثورة ..وهذا ماسيقلل من أهمية قراءتي وموضوعيتها ويلقي عليها تهمة الانحياز الواضح ضد فعل (الثورة)..
ولذلك فضلت الحصول على تقييم “هروب الدمية” وأهميته من وجهة نظر محايدة تماما من أكاديميين غربيين وزملاء قدماء متابعين للشأن السياسي الشرق أوسطي بحكم اختصاصهم فيه ولهم رسائل بحث مهمة في التيارات الاسلامية والديمقراطية في المجتمعات الشرقية وسيكولوجيا المجتمع .. وهؤلاء ليست لهم علاقة بالبي بي سي ولا فرانس ٢٤ ولاالجزيرة ولاالعربية ولايعملون مع أية وسائل اعلامية ..هؤلاء باحثون محايدون متابعون ويقدمون وجهات نظر محايدة بشكل مطلق وهم يجيبون كما لو كانوا أجهزة كومبيوتر وفق معطيات علمية واجتماعية ولايهمهم ان أرضتك الاجابة أم لم ترضيك..
أمضيت كل الساعات الماضية في التحدث اليهم وعبر كل أجهزة الاتصال وعقدنا عدة لقاءات على السكايب ووصلنا الى النتائج التالية:
١- ان رئيس الوزراء السوري يشكل بهروبه مادة اعلامية غنية للغاية سيستفيد منها الخصم الى أبعد مدى..وهو ضربة موفقة للمعارضة ..وفوز في الجولة الراهنة بالنقاط .. ولكنه من الناحية العملية قنبلة صوتية لاأكثر لاعتبارات كثيرة .. منها أن رياض حجاب الدمية لايشكل ثقلا تاريخيا أو وجها معروفا في السلطة وهو ليس أحد اعمدتها الكبيرة العتيقة ذات الجذور مثل العملاق وليد المعلم أو فاروق الشرع أو ماهر الأسد .. وليست له جذوره في مؤسسات الدولة لحداثة عهده فيها .. فالرجل لايزال فعلا مبنيا للمجهول ومجهولا .. ولم يمض عليه سوى شهرين في وظيفته وقبلها كان مجرد وزير لأشهر ..
بل ان خروجه المتسرع فيه ضرر شديد لايقدر بثمن للمعارضة فهذا الرجل كان يمكن أن يبقى في موقعه أشهرا طويلة ويتسبب بكوارث عبر اتصالاته العديدة وتسريبه لمعلومات فائقة الحساسية اقتصادية وسياسية وبعض العسكرية بحكم موقعه الموثوق .. وكان يمكن أن يكون على اطلاع ببعض الاتصالات الهامة مع القيادات المتحالفة مع السوريين الروسية والايرانية والصينية وتسريب الأسرار الكبرى في أحلك الظروف .. وبخروجه المتسرع تم اخراج هذا الاحتمال تماما بسبب الحيطة التي سيتسبب بها هروبه .. ان العمل التجسسي لصالح المعارضة والغرب كان أهم بكثير من هذه المفرقعات والاستعراضات ..
٢- تبقى عملية تجنيد الرجل تحتاج تفسيرا لأن هذا الكشف السريع عن كنز ثمين الذي أخرج من موقع حصين للغاية قد يكون بسبب عملية ابتزاز قاسية تعرض لها الرجل اما بتهديده أو باغرائه الشديد ماليا وربما بالكشف عن أسرار شديدة الخصوصية لايقدر على الافصاح بها أو بوثائق تثبت تورطه في عملية ذات طابع يهدد الأمن الوطني السوري ويعرضه لحكم بالاعدام وفق القانون السوري.. وهذا الاخراج السريع للرجل يلقي بمزيد من الظلال والشكوك على ميوله الثورية والمعارضة ويفتح المجال أمام تفسير التجنيد الاستخباراتي عبر الابتزاز الشخصي بلوثة مهينة أو خطأ سابق قاتل..
وعن سبب هذا التسرع باخراج (رياض الدمية) من موقعه قبل استثماره في موقعه الحصين يرى الباحثون أن ذلك قد يكون بسبب ملاحظة توجس أجهزة الامن السورية من أمر ما ورصد تحركات فهمت أنها لرصده والايقاع به فقررت المعارضة اخراجه بسرعة واستثماره قبل احتراقه و قبل أن يقع في المصيدة.. وهو في هذه المرحلة يستطيع تلفيق أي اتهام وفبركة عن عنف النظام أو تداعيات أركانه وخلافاتهم..
وفي تفسير آخر لهذا التسرع في اخراج “الجوكر” في هذه اللعبة النفسية هو أن المعارضة لديها مشكلة حقيقية في الشعبية والجماهيرية التي انقلبت كثيرا بعد العنف الشديد الذي مارسته وتدني الثقة بها ميدانيا بعد فشلها العسكري والاخفاقات المتلاحقة ميدانيا من بابا عمرو الى ادلب الى محرقة دمشق واخيرا المحرقة القادمة في حلب ..
والخسارة المرتقبة المؤكدة في معركة حلب تحتاج زخما نفسيا قويا لاضعاف همة المقاتلين في الجيش السوري والتقليل من حجم الثقة بقياداتهم .. اضافة الى الحاجة للدفع النفسي الضروري لمقاتلي المعارضة المنهكين ..علاوة على ذلك فان محور المعارضة والغرب يريد ضربات معنوية ونفسية بعد فشل تأثير ضربة تفجير الأمن القومي وامتصاص النظام لها بسرعة وتمكنه من تحويلها الى حادثة نسيها السوريون وتابعوا حياتهم وكأن شيئا لم يكن ..
٣- يلاحظ أن الانشقاقات لم تعلن دفعة واحدة بل مرتبة بالتتابع لتحدث على دفعات لاحداث صدمات نفسية متتالية تفقد الجمهور الوطني ثقته بنفسه وبقيادته ويتهيأ نفسيا لتوقع الأخبار السيئة .. حتى اذا جاء وقت اعلان خبر سيء جدا سيصدق الناس ذلك الاعلان لأن سلسلة من الاعلانات السيئة السابقة تبين صحتها ولذلك سيتم الدفع بالخبر (الفخ) السيء جدا لتمرير مشروع قذر .. وعلى الشعب السوري الانتباه لهذه اللعبة النفسية .. وهي لعبة استخبارية قديمة تقضي بتقسيط الأخبار لخلق نوع من الثقة بأي خبر سيء ويصبح الخبر المفبرك يشبه الخبر الصحيح لانضوائه تحت عائلة من الأخبار المتتالية الصحيحة ..
ولذلك تتم عملية اعلان الانشقاق بالتتالي نواف الفارس .. مناف طلاس .. محمد فارس .. رياض الدمية وتفجير التلفزيون ..وربما آخرون استعدادا لضربة نفسية كاذبة لكنها ستشكل ممرا نفسيا لتنفيذ مخطط اختراق على الأرض .. خاصة أن المعارضين أعلنوا (بالوكالة) أن منتصف رمضان ومابعده هو توقيت هام .. ولفت البعض النظر لزيارة هيلاري كلينتون الى تركيا قريبا خلال أيام .. زيارة تشبه زيارة ويليام هيغ وزير خارجية بريطانيا الى الأردن قبل يوم واحد من اغتيال خلية الأزمة وعملية البركان التي فشلت في الاستيلاء على دمشق..والتي كان من المقرر لها أن تنهي النظام بسرعة..وربما يتهيأ محور الشر لاطلاق آخر طلقة في جعبتهم بزيارة هيلاري الى تركيا ..والتي لاشك يتابعها الروس والسوريون بدقة ويحضرون خطتهم أيضا..
٤- ولكن الأهم في هذه الانشقاقات هو احياء الشعور المذهبي واظهار أن الانشقاقات متوقعة فقط من السوريين (السنة) وذلك لايجاد حالة من التوجس تجاه القياديين السوريين السنة والتعامل معهم بمنطق اللاثقة مما سيدفع بعضهم للابتعاد عن النظام الذي سينظرون اليه على أنه يحرمهم الثقة الوطنية ..
وهذا خطأ لايجب الوقوع فيه لأن قوة النظام راسخة بقواه الوطنية السنية العتيقة والتقليدية وهي التي من يقرر مستوى الوطنية لأي مسؤول لأنها كتلة معروفة تاريخيا أنها حاضنة تقليدية لفكرة الوطنية في بلاد الشام والراعية للمعارك التحررية الكبرى والمحطات الحاسمة تاريخيا (عين جالوت وحطين).. وهي التي وجدت منسوب الوطنية العالي لدى الرئيس الأسد ولم تجدها في كل شخصيات المعارضة التي تستمد ذكورتها وفحولتها الوطنية من عواصم لاوطنية ومن شخصيات مشبوهة جدا..وهي التي حشدت الملايين في الساحات دعما للرجل الذي تراه وطنيا صرفا دون تحيز ..
٥- بسبب كل هذه الاعتبارات أخرجت المعارضة من قبعاتها الأرانب الصغيرة -كما يخرج الساحر الأرانب البيضاء والصيصان من قبعته – لابهار الناس ولخلخلة جمهور الدولة الوطنية .. فأخرجت محمد فارس .. وتلته خلال أيام برياض حجاب الدمية .. أرنبان صغيران .. واحد منسي في زوايا الذاكرة ومتاحف الطيران والآخر لم يدخل حتى عتبة الذاكرة .. واخراج هذه الارانب وغيرها من القبعات سيصفق له الجمهور .. ولكن الساحر بعد ذلك سيعيد هذه الارانب الصغيرة والصيصان البيضاء الى الأقفاص .. ليستعملها في عروض أخرى من قبعات الجزيرة وفي استانبول ..
٦- من الناحية المعنوية فان الوصول الى تجنيد رياض الدمية ومحمد فارس عمل يستحق الثناء وهو عمل استخباري بامتياز ولايمكن الاقتناع بأن عملية التهريب والتجنيد والاتصالات وتغطية الانسحاب والهروب قام بها مشعوذو المعارضة وقبضايات الجيش الحر ولحاهم المنفوشة .. هذه عملية تجنيد معقدة للغاية وتدل على أن المعركة الاستخبارية شرسة للغاية ..
وأن هذا النوع من خسارة النقاط لصالح الخصم متوقعة في خضم معركة كبرى لكل أدمغة المخابرات في العالم التي تتصارع على الأرض السورية .. ولابد من الاعتراف أن عملية الاستكانة للاتراك خلال سنوات شهر العسل مع أردوغان وفتح الحدود لهم كان فخا تسللت منه كل مخابرات الغرب واسرائيل تدريجيا برعاية تركية والتي قامت بزرع عملاء كثيرين يجندون ويتواصلون مع العديد من الفعاليات الداخلية في ظل معادلة أمنية سورية جديدة قوامها .. النكوص عن العقلية الأمنية القديمة التقليدية (للحرس القديم) المتوجسة من كل الغرباء والنوايا والمبادرات الطيبة لحكومات متحالفة مع الغرب تحالفا تلاحميا .. وهذه العقلية لابد من احيائها بعد هذه التجربة ..
٦- من ناحية أخرى فان هذه الانشقاقات الاستعراضية وبالونات العرض تجب قراءتها بتروّ وهي من الناحية المنطقية تبرز حقيقة أن الثورة في عجلة من أمرها لأنها ترى مالايراه جمهورها وهو أن ألد أعدائها هو الزمن المتطاول من غير انجازات مرموقة ..وأن الثورة تنكمش جماهيريا داخليا وخارجيا .. ولذلك لم تعد تستطيع الاحتفاظ بهذا الكنز الثمين الجاسوسي .. واطلاق مسرح العرائس الجديد بالدمى الجديدة يقول أن المسرحية شارفت على أهم احداثها وأعقد حبكاتها .. ولكنها أيضا تعكس حقيقة أن النظام قد تخلى عن حذره القديم وعن اعتماده على ماكان يسمى الحرس القديم التقليدي وطريقته وعقليته الكلاسيكية الصارمة في انتقاء رجالاته ..
واعتمد منطق الثقة بالنفس والثقة الأعلى بمواطنية كل السوريين دون اعتبار للهواجس الأمنية المعقدة لأن مرحلة الاصلاح تقتضي أن يتم التعامل مع القادة الجدد للمرحلة الجديدة بانفتاح وثقة .. وهذا مايجب انتقاده دون تردد لأن عملية انتقاء رئيس الوزراء يجب اخضاعها دوما للقيم الدستورية والقيم الوطنية العليا تحت حراسة المصلحة العليا للأمن القومي والوطني قبل كل شيء كأي دولة محاطة بالخصوم والأعداء .. دون الالتفات للانتقادات .. خاصة في هذه الظروف الحساسة ..ودون التفريط طبعا بمكاسب الاصلاح التي أنجزناها معا ..
ويرى هؤلاء الباحثون والأكاديميون المتابعون لأبحاث سيكولوجية المجتمعات وعلاقتها بالقهر التاريخي عبر الثقافة الموروثة أن المجتمعات العربية وبسبب مرورها عبر قهر سياسي عمره قرون من العنف السياسي والاحتلال ستفرز غالبا نوعا من السلوك المضلل والمشوش ومن ذلك عدم القدرة على التمييز بين الثورة الداخلية والتثوير الخارجي ..ولن تتخلص العقلية الشرقية من ذلك الا بعد انطلاق معارضات وطنية شرسة وطنيا من الداخل ومستقلة عن الخارج .. وهذا ماأخطأت به كل الأنظمة العربية التقليدية فمنعت تنمية ثقافة المعارضة الوطنية الداخلية فبقيت المعارضات العربية رثة ومعتمدة كليا على الوطن المستورد من الخارج وليس المصنع محليا وذاتيا ..وتحول الغرب الى مزرعة للمعارضات العربية التي تم تدجينها حتى امتلأت بالأرانب والصيصان والأبقار والخرفان وكل مايمكن تربيته..في المزارع
ولذلك فان طبيعة هذه الانشقاقات غريبة للغاية ولاتفسير لها الا أنها غير عفوية بالمطلق .. لأن منطق الثورة الطبيعية التي تأتي ردا على ديكتاتورية هو أن تحدث الانشقاقات في بداياتها كنوع من الانفعال الجمعي وبتتال متسارع وقد تسبقها معلنة اطلاق الثورة لأن الثورة هي فعل جماهيري عارم يولد ويطلق المبادرات خلال أسابيع بحيث تتمدد الثورة من (تحت) أي من الجمهور الى (فوق) أي نحو النخب القيادية بسرعة حيث تعود الثورة مرتدة من فوق على شكل انشقاقات متسارعة عند اجتياح الثورة لجغرافيا واسعة وديموغرافيا متمادية ..
ولكن ماحدث في الثورة السورية هو العكس وهو ان الثورة تطاولت كثيرا ومرت بلحظات كان الانشقاق المبكر فيها مهما جدا لاضفاء شرعية على مقاتلي ومتظاهري الحارات الشعبية في عيون الدنيا وفي عيون السوريين .. لكنها انتظرت زمنا خاطئا تماما وهو التوقيت الذي ينتصر فيه الجيش النظامي عسكريا وتتآكل بؤر التمرد ويقضم الجيش آلتها العسكرية وذراعها العنيف .. ولن تضيف هذه الانشقاقات الى مسيرة الأحداث بعد اليوم سوى اللمسة الدرامية والسينمائية للرواية الاعلامية .. لكن اللمسة التاريخية والقدرية للأحداث انتهت منذ زمن ..وبات أمرها محسوما..
ولعل أهم ميزة في هذه الانشقاقات أنها لاتحدث على الأرض السورية بل كلها تتوجه الى الحدود والى بلدان معروفة سلفا أنها أعشاش للمخابرات الغربية (قطر وعمان واستانبول) .. وهذا راجع لحقيقة قاسية جدا لاتريد المعارضة أن يلتفت أحد اليها ولا أن يجادلها بها وهي أن المعارضة ليس لها جمهور واسع ولاأرضية شعبية طاغية يعتد بها تحتضن هذه الانشقاقات بشكل شعبي وتذود عنها .. ويمكن أن تكون حصنا جماهيريا يحميها ..
وهنا لايمكن القبول بحجة أن النظام سيقوم بالتعامل مع الانشقاقات بقسوة متناهية تصل حتى التصفية الجسدية .. لأن من المعروف ان الناس الآن يقولون مايريدون ودون حدود ولايتم اعتقالهم مالم يحملوا السلاح .. وهناك معارضون شرسون معروفون يدخلون البلاد ويخرجون دون اعتراض ..
لكن لامجال للشك بأن الغاية من الظهور الدرامي خارج الحدود هي اعلامية ونفسية وربما كان أهم شيء هو أن الهارب خارج الحدود لن يتعرض الى تحد ومناظرة مع شخصيات داخلية وطنية ولن يسأل عن وثائق ومستندات تثبت دعاواه وان أظهرها لن يسأله أحد أن يخضعها للتدقيق والفحص للتأكد من عدم تزويرها .. انه مسرح البطل الواحد .. والدمية الواحدة ..
وهنا يحق لكل مواطن أن يتوجه بالسؤال الى هؤلاء الذين لاتأتيهم الشجاعة ورباطة الجأش والعنترية الا بعد عبور الحدود وفي الأعشاش الامريكية .. كم سيكون لموقف شخص مثل “محمد فارس” كأول رائد فضاء سوري و”رياض الدمية” كرئيس وزراء من تأثير قوي للغاية اذا أعلنا في بيان مشترك أو بيانين منفصلين انهما معارضان للنظام السوري وهما على الأرض السورية؟؟!!
أو في احدى الساحات الكبيرة أو من مكان اقامتهما ودون هذه المسرحية الاستعراضية الاعلانية الرديئة في الخارج .. بل كان لرياض الدمية القدرة على ان يكون زعيما وطنيا سيحرجنا جميعا وهو يواجه كل النظام اذا دعا الى مؤتمر صحفي في رئاسة الوزراء أو دعا صحفيين غربيين وعربا الى مكتبه -ولو سرا- وأعلن استقالته على الملأ وتحدى النظام السوري أن يناظره علنا في ما يراه ممارسات خاطئة .. أستطيع ان أقول عندها أن رياض سيدفعنا جميعا للتفكير في شجاعته واحترام وجهة نظره وسيكون بقامة فارس الخوري مهما اختلفنا معه وبقامة الكبار جدا في الشرق وسيناطح رؤساء وزراء التاريخ العربي جميعا .. وكان سيكتسح الشارع السوري والعربي لشجاعته في ذوده عن قيمه العليا في الحرية والثورة.. وكان على النظام أن يقارعه علنا بالحجة والبرهان والوثائق والا سيخسر .. ولن يجرؤ أحد في النظام على المساس به وعيون العالم عليه .. وسيكون احدى أقوى الشخصيات السورية المؤثرة على الاطلاق .. وسيكون كل مجلس استانبول أولادا صغارا يضعهم في جيبه الجماهيري الكبير وهالة الوقار والاحترام التي سينالها من الجميع معارضين ومؤيدين .. وستكون الرسالة قوية للغاية للثوار ومقاتليهم ومفادها: لستم وحدكم من يتجشم العناء ويركب المخاطر ويستعذب التضحية ..أنا معكم سأموت وسأستعذب الموت ..
لكن هؤلاء المنشقين الى حيث عالم الرفاه والمال والأعشاش الامريكية والثروة لن يموتوا الا كما يموت أي بعير في قطر أو السعودية .. وهؤلاء لايستطيعون أن يقدموا أكثر من ذلك ..موقف للبيع والسمسرة ..وراتب ضخم من قطر .. وأحلام بالعودة من تحت عباءات شيوخ النفط والمال..أما المقاتلون البسطاء فهم سيدخلون المحرقة ويرحلون ..
هؤلاء الدمى ليسوا فرسانا .. فالفرسان يقاتلون على صهوات الجياد ويمسكون بالسيوف وهم في ساحة النزال .. ولكن الصيصان في قبعات الساحر لاتعرف الا أن تسكن القبعات .. ولاتعرف الا أن تطلق الصيحات ..والصيصان لاتعتلي الصهوات كما نعرف .. ولاترتدي القمصان المسرودة من الحديد كما نعرف .. والصيصان السورية تجلس على العقالات والشماغات الخليجية وتغتسل بالنفط .. وهي تعتقد انها تقنعنا أنها تقف على صهوات الخيول .. وتغتسل في رأس نبع بردى..
من جديد كل هذه المظاهر تدل على أن الثورة فقيرة برجالات الثورة الكبار والأبطال .. وأن الانشقاقات التي تذهب الى حيث النفط والعدو ليست انشقاقات الثوار بل انشقاقات تجذبها بقع السكر الذائب وبقع الزيت أينما كانت .. وهي انشقاقات الفراش الساذج الذي يهيم بالضوء ويدور حوله .. معتقدا أنه نور الشمس ..
هذا الأرنب الصغير رياض الدمية يعتقد أنه رقم صعب .. وستذكرونني عندما يموت في منافي الذاكرة الوطنية خلف حجاب من النسيان الكثيف .. كما تموت الصيصان في مزارع النفط ..
وكما يقال:
نيرون مات .. وروما لم تمت .. بعينيها تقاتل
فاننا نقول للدمية رياض:
ادوارد الثامن مات .. ولندن لم تمت ..
ودمشق كذلك .. لم تمت .. بعينيها تقاتل..
المصدر: سيريان تلغراف - نارام سرجون
رقم: 105147