ضربة قاسية وجّهتها إسرائيل للمقاومة في فلسطين. تصفية القائد الجهادي البارز أحمد الجعبري ضربة لئيمة جداً، سوف تترك آثاراً متنوعة: مباشرة على صعيد إدارة قطاعات واسعة من الجهاز العسكري لحماس، ومتوسطة الأجل على صعيد العقل القيادي للجهاز العسكري، لأن القائد الأعلى للجهاز محمد ضيف كان يتّكل بقوة كبيرة على مساعده الجعبري. أما تأثيرها البعيد المدى، فهو المتصل بالموقع الذي شغله الجعبري داخل قيادة حماس، ومن سوف يتولاه، وعلى أي خلفية، ووفق أي رؤية؟
وبمعزل عن طبيعة الرد الميداني من جانب قوى المقاومة، وبإنتظار تبيان حقيقة إعلان إسرائيل تدمير معظم البنية الصاروخية الإستراتيجية لقوى المقاومة في القطاع، فإن السؤال الفلسطيني اليوم ليس سؤالاً فلسطينياً، بل هو سؤال مصري بإمتياز.
وكل محاولة للتعمية على هذه الوجهة لن تفيد في كبح جماح الأسئلة المتوالدة حول الإستراتيجية الفعلية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والفرعين المصري والفلسطيني، حيث يمسك الأول قيادة الدولة في مصر، ويمسك الثاني قيادة القطاع.
لدى حكومة العدو، ولدى المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين ما يكفي من المحفزات للقيام بكل أنواع العدوان على غزة. لكن السؤال يبرز حول جرأة إسرائيل في إتخاذ القرار وإختيار هدف بوزن الشهيد الجعبري؟
ميدانياً، يتضح أن العدو يراهن على قدرات إستخبارية وعملياتية في مواجهة نموّ القدرات العسكرية للمقاومة في فلسطين. والإعلان عن ضرب نحو عشرين مستودعاً مركزياً للقوة الصاروخية الإستراتيجية يحمل في حد ذاته تحدياً خاصاً، ولا سيما أن إسرائيل جربت الأمر نفسه في لبنان عام ٢٠٠٦، لكنها وقعت في فخ جعل عملية "الوزن النوعي" يومها من دون نتيجة.
وعندما ينجح العدو في الوصول إلى الشهيد الجعبري، وإلى آخرين من القادة العسكريين، فهذا يعني أنه يمارس تفوقاً جدياً على الصعيد الإستخباراتي، وهذا بحد ذاته عامل مساعد للقيادة السياسية التي قررت توجيه هذه الضربة. تفوّق يجعلها _ على الأقل الآن _ في مأمن من تدحرج المواجهة نحو حرب واسعة، علماً بأنه لا شيء يضمن عدم حصول ذلك، ذلك أن العدو إستند في خطوته إلى مسائل أخرى، لها علاقة بالميدان، حتى قرر خوض هذه المغامرة.
هذا يقود إلى السؤال الأهم: هل تمتلك إسرائيل تقديرات دقيقة، مستندة إلى معطيات ومعلومات تجعلها مطمئنة إلى نقص فادح في الحافزية وفي الجهوزية لدى مصر، بشكل رئيسي، ولدى قيادة الإخوان المسملين، يمنع ذهابهما نحو مواقف جذرية قابلة للترجمة العملية، ونحو خلق وقائع جديدة في فلسطين والمنطقة؟
الواضح أن المطلوب اليوم مصارحة فريق الإخوان بالأسئلة الوجودية، وخصوصاً أن ما يتسرب من مداولات، يمكن وصفها بالأهم لدى قيادات الإخوان في العالم، يشير إلى قرار بإعتبار الأولوية الحاسمة الآن هي لتثبيت حكم الإسلاميين في عدد من الدول، وتمكين آخرين من الإمساك بالحكم في دول أخرى، وتحقيق توازن داخلي يسمح بقيادة هذه الدول بطريقة لا تفرض عليها إلتزامات محرجة أمام الخارج.
وهذا التفكير يعني ببساطة أن هذا العقل يحتاج إلى سنوات طويلة لإنجاز ما يريده في هذا السياق. وعلى ما قال كثيرون، فإن الإخوان المسلمين يريدون إمرار ولاية حكم كاملة، يعني بين ٤ و٦ سنوات، من دون أي عملية إشغال لهم في ملفات أخرى. وفي حالة فلسطين، تعني الترجمة لهذه الخيارات أن مقترح الهدنة الطويلة أو الهدنة المفتوحة هو الأقرب إلى التحقق.
السؤال المصري هنا يعني ببساطة أن دولة الإخوان الأولى، وأن تنظيم الإخوان المسلمين، وأن حركة حماس المفجوعة، أمام الإختبار الأصعب. هو بالتأكيد ليس الإختبار الأخير، لكنه الإختبار الأصعب.
فإما أن تكون نتيجة الربيع العربي نسيان فلسطين وترك إسرائيل تعبث بها كيفما تريد من دون رادع. وإما أن يلمس الشارع العربي عموماً، والفلسطيني على وجه الخصوص، إيجابية التغيير الذي حصل.
وإذا كان البعض يعتقد أن الأمر يقتصر على سحب سفير أو بيان إدانة قاسٍ، أو حتى دعوة الجامعة العربية أو مجلس الأمن إلى جلسات، فهذا لا يعني شيئاً.
إن حسني مبارك لو واجه تظاهرة كبيرة في ميدان التحرير لكان فعل ذلك. إن السؤال المرمي على طاولة هذا الفريق اليوم هو ببساطة: هل أنتم في قلب المعركة في وجه إسرائيل أم لا؟
وإذا كان في مصر من يقدر على القول بهذا أو ذاك من الخيارات، فإن الحكم هناك سوف يواجه معضلة أخلاقية تُضعِفُهُ بأكثر مما يعتقد كثيرون.
لكنّ التّحدي هو أمام قيادة حماس؛ إذا قررت الركون إلى التوجه الإخواني العالمي، فهي تدعو إلى إنفجار داخلها، وهو أمر حقيقي، بعدما تبيّن أن المناقشات الداخلية في الحركة قد لامست هذه العناوين، وتبيّن أن التباين ليس شكلياً بين التيارات داخلها، وأن الجناح العسكري، والشهيد الجعبري على وجه الخصوص، كان في موقع الرفض لأي مهادنة مع العدو.
وهو ما يجعل المخاطر تكبر، ويفتح الباب أمام تعريض المقاومة في فلسطين لأزمة كبيرة، لكنها تعرف، بحسّ أبناء البلد، أن من يرخي يده قليلاً يجد من يأخذ منه الراية ويمضي بها إلى حيث المصير!
صحيفة الأخبار - إبراهيم الأمين