اختار العدو ما يسميه الخاصرة الضعيفة في محور المقاومة. المقاومة هي مقاومة امة وشعوب وليست مقاومة افراد ومتزعمين.
العميد أمين حطيط
بعد انتصار المقاومة ومحورها في غزة: ماذا عن المستقبل؟
تنا - بيروت
27 Nov 2012 ساعة 14:35
اختار العدو ما يسميه الخاصرة الضعيفة في محور المقاومة. المقاومة هي مقاومة امة وشعوب وليست مقاومة افراد ومتزعمين.
والآن وقد حصل وقف اطلاق النار في غزة وبالشروط المعلنة، فان السؤال الاساسي الذي يطرح يدور حول طبيعة المشهد والنتائج المحققة وماذا عن المستقبل؟
بداية نذكر ان عدوان غزة لم ينطلق الا ضد محور المقاومة واختار العدو ما يسميه الخاصرة الضعيفة فيه، حيث ان المعتدي كان يمني النفس بتكرار تجربة الضفة الغربية، اي دفع السلطة التي تتولى الامر في غزة ،الى تقييد المقاومة و تجميدها في مرحلة اولى، تمهيدا الى الغائها و اجتثاثها في مرحلة لاحقة ما يمكنه من تصفية القضية على هواه، و لذلك نجد ان اهم الشروط التي طرحها العدو الاسرائيلي في مفاوضات "التهدئة" كانت:
شرط تجميد العمل المقاوم لمدة طويلة ( تحدث البعض عن وصولها الى ٢٠ سنة ) وشرط منع التسلح في القطاع و لاي جهة كانت و شرط نزع السلاح الموجود اي باختصار بسيط الاجهاز على المقاومة.
لكن مواجهات الايام الثمانية افضت الى مشهد لم تكن الجهة المعتدية تتصور حصوله حيث اننا وفي دراسة متأنية لما اعلن ولما سجل في الميدان وفي غرف التفاوض نجد ان اسرائيل اخفقت في تحقيق ما تريد. رغم انها استندت الى الدعم الاميركي ومحور "النعاج العربية" ولجأت الى النار التدميرية، والى الحرب النفسية عبر التهويل بالمعركة البرية الساحقة معلنة انها حشدت لها اكثر من مئة الف عسكري ( ٣٠ الفاً كانو جاهزين قبل الانطلاق في الحرب، و ٧٥ الفاً تم استدعاؤهم من الاحتياط ).
هذا وقد قام بعض العرب بدورهم في الخطة ضد المقاومة عبر اشاعة اليأس وتثبيت العزائم حيث تفشى ذلك في جامعة الاعراب التي تداعت للانعقاد ظاهرا لتدعم غزة فاذا بها تعلن بلسان النافذين فيها بانها "جامعة نعاج" لا تقوى على قتال اسرائيل في اشارة الى الفلسطنيين تقول لهم "لا تعولو على دعم عربي ان شئتم المقاومة والقتال "، لان العرب حاضرون فقط لدفع ثمن الاستسلام وهم جاهزون للامداد بالاموال مقابل التخلي عن المقاومة (فمال نفط الخليج هو لتدمير من يزعج اميركا و اسرائيل كما يحصل ضد سورية اليوم ).
والاسوأ من كل هذا هو ذاك الاستفزاز الذي صدر عن مسؤول سياسي لبعض فصائل المقاومة الفلسطنية حيث تجاهل محور المقاومة ودوره في تسليح ودعم مقاومة غزة لا بل توجه بالشكر والمديح لمن يطالب بالقاء سلاح المقاومة فشكر مثلث السعي لتصفية القضية الفلسطنية بالشروط الاسرائيلية ( قطر مصر و تركيا ) وقد كان يبغي كما يبدو،
حمل مكونات محور المقاومة على ردة فعل غاضبة من شأنها الاستنكاف عن دعم المقاومة الفلسطنية وصولاً الى القطيعة معها (كما سبق و فعل مع سورية في ابشع موقف جحود و نكران جميل ) ومع القطيعة المتصورة يكون حبل الاعدام قد احكم ربطه حول عنق المقاومة، ما يقود بشكل حتمي الى اسقاطها والقول وداعا لخيار المقاومة في فلسطين، وعندها تكون سلطة القطاع جاهزة للعب دور سلطة الضفة و استعادة اساليبها في التنسيق الامني و ملاحقة المقاوميين لتصفية المقاومة.
بيد ان بيدر المقاومة وخنادقها كذبت حقول المخططين والمتآمرين وفنادقهم ، ولم تؤثر النار الاسرائيلية على المقاومون في الميدان الذين لم ترهبهم النار او الحرب النفسية ، كما لم يقعوا في فخ التثبيط و التيئييس النعجوي العربي، بل مارسوا في خنادقهم القتالية ارادة فولاذية في المواجهة وكان استعدادهم للتضحية في مستوى لم يستطع نزلاء الفنادق من القيادة السياسية ان يؤثروا فيه .
اما محور المقاومة الذي حاولوا استعداءه بالجحود العلني ، فقد اظهر اصرارا على احتضان القضية الفلسطينية و لم يؤثر فيه استفزاز الجاحدين و تعامل مع المسألة على اساس انه هو "ام الصبي " و انه لن يتخلى عن مسؤولياته في الشأن ، سلوك مارسته ايران و سورية و حزب الله في لبنان كل في موقعه و وفقاً لظروفه و بشكل اذهل المراقبين.
أ. حيال هذا المشهد، تيقن الاطراف المشاركون في حوارات القاهرة و مفاوضاتها، تيقنوا ان المقاومين لن يغادروا الخنادق ويسلموا راس مقاومتهم، و ان اي اتفاق لا يحفظ المقاومة لن يكون نافذا على الارض والميدان، وفي الوقت ذاته تيقنت اسرائيل من استعدادات المقاومة للمعركة البرية وفقا لخطة طبقات القتال المتتابع ( اسسمتها اسرائيل خطة قشرة البصل ) و لان ظرف اسرائيل لا يسمح لها في ظل هذا الواقع الذي فاجأها و في هذا التوقيت بالدخول في حرب برية و تحمل الخسائر فها لكل ذلك سعت لاهثة طلبا لوقف النار فكانت التفاهمات التي تذكر بتفاهم نيسان ١٩٩٦ ، و بشكل يؤكد على ما يلي :
١) ان المقاومة الفلسطينية باقية ، و لا مجال للبحث في مصيرها او الجدوى منها و هي اكدت مرة اخرى انها الخيار الجدي و الاساسي على صعيد الصراع مع اسرائيل . و في هذا انتصار استراتيجي لمحور المقاومة الذي يتبنى هذا الخيار ، المحور الذي استمر على اتصال وثيق و مباشر بالقضية الفلسطنية عبر المقاومين في غزة الذين مارسوا المقاومة في الميدان و رفضوا التنازل عنها تحت اي ضغط و ظرف.
٢) ان المقاومة الفلسطينية استمرت في انتمائها الى محور المقاومة، و اعترف الاحرار الصادقون فيها بفضل هذا المحور و شكروا مكوناته ما يؤكد فشل السعي الى قطيعة بين غزة و مقاومتها من جهة و بين باقي مكونات محور المقاومة من جهة اخرى .
٣) ان المقاومة الفلسطينية كسرت الحصار بعد ان فرضت فتح المعابر الى غزة و تسهيل حركة الاشخاص منها و اليها ،دون ان ينص على مسألة التسليح و تهريب السلاح سلبا او ايجابا و هذا نصر بذاته ، و نذكر بان كل دبلوماسية العالم لم تستطع ان تفك الحصار الظالم المفروض على غزة ، لكن بضعة مئات من الصواريخ صنعت في ايران و نقلت عبر سورية ، و ساهم خبراء حزب الله في التدريب عليها و و ركبت و اطلقت بقرار و ارادة و يد فلسطينية ملتزمة بصدق خيار المقاومة يد لم تتلوث باموال محور النعاج و فنادقه و مآدبه، صواريخ فكت الحصار الذي اعلن نعاج العرب عن عجزهم المطبق حياله .
٤) ان الساحة الفسطينية شهدت اعادة تشكيل المواقع القيادية فيها حيث تقدمت قيادات من الفصائل المقاومة الى خطوط الصف الاول في المشهد الفلسيطني و بشكل ينشيء شيئا من الضمانة المستقبلية للمقاومة التي تعرقل الصفقات الاستسلامية او تمنعها ما قد يخلق طمأنينة في النفوس بان اوسلو لن تكرر .
ب. ومع هذا و دون افراط او وهم وفي نظرة على المستقبل ولما ترتب وسيترتب على ماحصل نستطيع القول بان التهدئة هي ظرف عابر مؤقت لا يمكن ان يستمر، بل ان انها ستكون محطة للانتقال الى واحد مما يلي:
١) استثمار المقاومة في غزة لنصرها، و البناء عليه بالمزيد من التسليح و تراكم القوة و ثبات الطرف المتمسك بالمقاومة خاصة في حركة حماس في مواقعه الفعالة ، الامر الذي سيدفع اسرائيل بعد الفراغ من الانتخابات و تشكيل الحكومة الجديدة الى الخيار بين واحد من امرين : التسليم بالامر الوقع و الدخول في حل جدي للقضية او الدخول في حرب ضد غزة ( حرب لا نعتقد انها ستحقق لاسرائيل ما تريد ) .
٢) اعتبار النصر ورقة تفاوضية و استجابة السلطة في القطاع لخيارات المستوى السياسي في حركة حماس المقيم خارج القطاع ، الذي بات متحضرا لفكرة لتخلي عن المقاومة واعتماد التفاوض سبيلا لاقامة دولة فلسطينية على الجزء الذي تقبل اسرائيل بالتراجع عنه في الضفة الغربية اضافة الى غزة، وهنا سيكون الخطر جديا للمواجهة بين المقاومة في غزة و رافضيها و تتكرر تجربة الضفة الغربية .
لذلك ورغم الانتصار الاكيد الذي تحقق للمقاومة في غزة و رغم ما نسجله من ايجابيات عالية للمقاوميين في غزة وتفوقهم على نزلاء الفنادق في الدوحة وقطر واستنبول الذين انخرطوا بشكل او باخر في الخطة التي هدفت لاقتلاع المقاومة من غزة الخطة التي نفذت بنار اسرائيلية و حاضنة عربية واقليمية ودولية، فاننا ندعو الى الحذر بعد ان خسرت الخطة جولتها الاخيرة واخفقت في تحقيق الاهداف التي رمى اليها المخطط .
لكننا ومع هذا الحذر تبقى الثقة و الطمأنينة للنتائج المستندة الى قوة المقاومة و محورها و ترسانة السلاح الجاهزة بايديهم.
وهنا لا بد من التذكير و استعادة الشريط التاريخي للصراع مع الصهيونية حيث ان خروج مصر من الصراع لم يسقط القضية الفلسطينية بل ظهر من يتمسك بها اكثر ، و اخراج المقاومة الفلسطنية من لبنان و ابعادها الى تونس بعد احتلال نصف لبنان تسبب في انشاء المقاومة اللبنانية ، و تنظيم مقاومة في الداخل الفلسطيني ، وان تنازل منظمة التحرير الفلسطنية عن خيار المقاومة في اوسلو لم يؤد الى اسقاط المقاومة الفلسطنية التي وجدت حاضنة عربية و اسلامية حفظت للقضية الفلسطنية وهجهها ، وان تقيدد المقاومة في الضفة الغربية لم يصف القضية و اليوم تثبت المقاومة و محورها ان تصفية القضية امر مستحيل و ان استهداف هذا المكون او ذاك من مكونات محور المقاومة لن يغير في الواقع من شيء لان المقاومة هي مقاومة امة و شعوب و ليست مقاومة افراد و متزعمين .
ولهذا نقول للغرب الذي يستهدف سورية بصفتها ركن في المحور المقاوم اتعظ مما جرى من مواجهات والتي لن تكون مواجهات غزة اخرها من الهزائم لك.
المصدر: "الثورة" السورية - أمين حطيط
رقم: 116596