يبدو أنّ داعش والتنظيمات المتطرفة بدأت بالحرب المضادة، ولكن لم تطلق إشارة حربها في ساحة أعدائها الذين رفعوا الغطاء عنها، تركيا والسعودية، ربما لم تنضج الظروف بعد، بل اختارت البدء بالساحة التي أجبرت السعودية على إجراء تهدئة فيها، أي الساحة اللبنانية.
محاولة إقليمية – دولية تهدف لضرب تنظيم داعش في سورية
تنا
5 Feb 2014 ساعة 15:43
يبدو أنّ داعش والتنظيمات المتطرفة بدأت بالحرب المضادة، ولكن لم تطلق إشارة حربها في ساحة أعدائها الذين رفعوا الغطاء عنها، تركيا والسعودية، ربما لم تنضج الظروف بعد، بل اختارت البدء بالساحة التي أجبرت السعودية على إجراء تهدئة فيها، أي الساحة اللبنانية.
أحمد عبد السلام مرعي
لم يعد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش وجبهة النصرة، القادمان من خلف الحدود، قادرين على تحقيق «الحرية» للشعب السوري في نظر تركيا، وكذلك السعودية، بعدما قامت هذه الدول على مدى ثلاث سنوات بتمويل وتسليح وتسهيل عبور عناصر هذه التنظيمات وغيرها إلى سورية.
متغيّرات وتطورات مفاجئة حدثت منذ بدء الاقتتال المميت بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وبين قوات تحالف «الجبهة الإسلامية» و»الجيش الحر»، لم ينته هذا الاقتتال حتى هذه اللحظة، على الرغم من كفة ميزان هذا التناحر العسكري راجحة لصالح تنظيم داعش. وما زالت الجبهة الإسلامية والجيش الحرّ مستمرّين في القتال على الرغم من الخسائر التي يلحقها بها داعش، علّها تحقق الأهداف المطلوبة منها.
يلاحظ المراقب لمجريات الاقتتال الدائر ما بين داعش والتنظميات الأخرى، أن ثمة محاولة إقليمية – دولية تهدف لضرب تنظيم داعش في سورية أولاً، وفي المرحلة التالية يأتي دور جبهة النصرة، بعدما بات هذا التنظيم خطراً يهدّد الجميع، فتركيا لا تحتمل تبعات أعمال إرهابية تنفذها مجموعات تكفيرية على وزن داعش والنصرة، في ظلّ ما تعانيه من وضع داخلي سيّئ، وبعدما أثبتت التقارير تأثر آلاف الشباب التركي بهذه التنظيمات، التي تضمن لمن يقاتل في صفوفها الحصول على ٧٠ حورية والعيش المؤبد في الجنة بعد موته .
تزداد المخاوف التركية من أن ينتقل عمل هذه المجموعات المتطرفة إلى العمق التركي، ولا سيما في ظل ما تتداول به الصحافة التركية كلّ يوم من أخبار، نقلاً عن مصادر استخباراتية أن «داعش» سوف ينفذ هجمات في الداخل التركي. عملية ضرب القوات التركية قوة تابعة لداعش، الأسبوع الماضي، عند مركز «كوبان بيك» الحدودي من قبل مقاتلين تابعين للدولة. لم تنته، بل لها تبعات، وهذا ما جعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يطلب من الأجهزة الأمنية أن تأخذ كلّ المعلومات حول تحركات داعش على محمل الجدّ. سيطرة داعش على مدينتين رئيسيتين تقعان بمحاذاة الحدود التركية هي جرابلس وأعزاز، وقرى وبلدات أخرى قريبة من هذه المدن الثلاثة هي منبج وقراها، والباب وتادف وكلّ ما يتبعها من قرى، تثير قلق تركيا بشكل كبير جعلها تتخذ إجراءات مشدّدة على الحدود، ويبدو أنّ الحرب التي أطلقها أردوغان على داعش ستواجَه بحرب مضادة من الأخير.
السعودية أيضاً شنّت حرباً على داعش، خوفاً من خطرها عليها، فاخترق داود الشريان، الصحافي السعودي المعروف كلّ الممنوعات في السعودية، عندما هاجم في برنامجه «الثامنة» الدعاة السعوديين الذين يصدرون الفتاوى الدينية التي تشجع الشباب السعودي على الذهاب إلى القتال والموت في سورية، وفي مقدمة هؤلاء الدعاة: الشيخ محمد العريفي، وسلمان العودة، وهذا الهجوم الذي قام به الشريان لم يكن ليتمّ لولا توافر غطاء من السلطات السعودية.
أول من أمس، الاثنين ٣ ٠٢ ٢٠١٤ أصدر العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز أمراً ملكياً يعاقب بموجبه بالسجن كلّ من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة أو الانتماء للتيارات أو الجماعات الدينية والفكرية المتطرفة مدة تتراوح بين ٣ أعوام وعشرين عاماً، ويأتي صدور الأمر الملكي السعودي بعد يومين فقط من بدء تطبيق نظام مكافحة الإرهاب وتمويله، الذي سبق وأقرّه مجلس الوزراء في ١٦ كانون الأول الماضي، ويعدّ هذا الأمر الملكي بداية ضرب كلّ من ينتمي إلى داعش أو يتبنّى أفكارها، خوفاً من أن ينتفل هؤلاء إلى تنفيذ أعمال إرهابية في السعودية، أو أن ينشئ في المناطق التي يقاتلون فيها ولاية يشنون من خلالها الهجوم على النظام السعودي.
لم تقف الإجراءات السعودية عند هذا الحدّ، بل أوعزت الممكلة العربية السعودية لتنظيم القاعدة الذي يحظى برعايتها أن تصدر الأمانة العامة لهذا التنظيم أنّ داعش تنظيم غريب عن القاعدة، كلّ هذه الأحداث تأتي متتالية كسلسلة متلاحقة لا تنفصل عن بعضها البعض.
وتفيد معلومات، أنه بعد الطلاق الذي حصل بين الدول الراعية للتنظيمات الإسلامية المتطرفة، واحتمال تطوّر الحرب بينها، جعل الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تدريب ١٥٠٠ مقاتل في أحد المعسكرات الأردنية، وذلك بهدف التسريع في القضاء على هذا التنظيم، بعد أن طالت المعركة بين داعش والجبهة الإسلامية والجيش الحر.
في المقابل، يبدو أنّ داعش والتنظيمات المتطرفة بدأت بالحرب المضادة، ولكن لم تطلق إشارة حربها في ساحة أعدائها الذين رفعوا الغطاء عنها، تركيا والسعودية، ربما لم تنضج الظروف بعد، بل اختارت البدء بالساحة التي أجبرت السعودية على إجراء تهدئة فيها، أي الساحة اللبنانية.
كانت الإشارة عند إعلان أبو سياف الأنصاري في تسجيل صوتي عن تشكيل تنظيمه في لبنان، فالتفجير الذي ضرب منذ بضعة أيام منطقة الهرمل في لبنان، والتفجير الآخر الذي ضرب منطقة الشويفات، واللذين يفصل بينهما يوم واحد فقط من تنفيذ تفجير الهرمل، يشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة وكتائب عبدالله عزام بدأت تنفذ مخططها وخرجت تماماً عن طوع السعودية، وانقلب السحر على الساحر، وللدلالة على الانفصال التام ما بين هذا التنظيم وبين رعاته السابقين، قُدّمت منذ بضعة أيام مبادرة للهدنة ما بين الجبهة الإسلامية وداعش في ريف حلب، اشترطت داعش لقبول الهدنة إعلان الجبهة الإسلامية أنها تتبرّأ من قطر وتركيا والسعودية، إلا أن الجبهة رفضت ذلك نتيجة لما تحظى به من دعم من قبل السعودية وتركيا.
وتشير المعلومات إلى أنّ لبنان دخل مرحلة الخطر الحقيقي، ما يستوجب من الحكومة اللبنانية، أن تحذو حذو تركيا والسعودية في اتخاذ ما أمكن من إجراءات تجنّباً لوقوع أعمال إرهابية من داعش وغيرها، قد تسهم في الحدّ مما يتعرّض له لبنان من إرهاب، ويبدو أنّ فريق ١٤ آذار بات مطالباً بإعادة النظر في حساباته وقراءته لما يجري في المنطقة.
كاتب وباحث في الشؤؤن الدولية
رقم: 152043