QR codeQR code

الوحدة في فكر قادة المقاومة الاسلاميّة في لبنان

تنا ـ بيروت

3 Mar 2014 ساعة 13:51

السيد عباس الموسوي : الحل ّالوحيد الّذي يخرجنا من الفتن الدّاخليّة هو أن يتكاتف النّاس جميعًا في مواجهة العدو الخارجي .



السّيد عباس الموسوي (٢-٢)

بقلم : منال عبد الله
تناولنا في المقالة الأولى الوحدة الإسلاميّة في حرمة شيخ شهداء المقاومة الاسلاميّة الشّيخ راغب حرب، وفي مقالتنا الثّانية نعرض للوحدة في حركة السّيد عباس الموسوي، ومواقفه. 

في السّادس عشر من شباط العام ١٩٩٢ كانت جبشيت على موعد مع الشّهادة في يوم الشّهادة؛ ففي ذكرى استشهاد شيخ الشّهداء راغب حرب خطب السّيد الشّهيد خطبة الوداع الّتي أودعها وصيّته الأساس "حفظ المقاومة الإسلاميّة"؛ وقال سماحته: "سيعلم العالم أننا كما كنّا السبّاقين الى مقاومة الاحتلال، سنكون السبّاقين الى مقاومة الإهمال والحرمان والاستضعاف، إننا نعلن هذا الموقف بوجه الدولة اللبنانية، ونقول لها بصراحة: إذا لم تتحملي مسؤولياتك تجاه المناطق المستضعفة، وخصوصاً تجاه هذا الجبل جبل عامل، فسنحملها نحن من خلال هذه الجماهير، لأنّ هذا العصر هو عصر الشّعوب.. وبالشعب الّذي أسقط إتّفاق ١٧ أيار، وأخرج إسرائيل ذليلة من لبنان سنحمل مسؤوليّاتنا وسنحمل راية الجّهاد والمواجهة وليكن ما يكون، لأنّ كرامتنا فوق كلّ كرامة، وعزّتنا فوق كلّ عزة"....‏‏ وكأنّه أدرك لحظة وداع هذه الدّنيا الفانية بالطّريقة الّتي طلبها هو نفسه من ربّه عزّ وجلّ؛ وتجلّت في دعاء ردّد فيه "إِلهي....إِنْ أَنْتَ أَصْرَرْتَ على مُعَامَلَتي بِعَدَالَتِكْ....وَمُحَاسَبَتِي على مَا اقْتَرَفَتْهُ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِي... 

فَأُطَالِبُك أَن تَرزُقَني شَهَادَةً مُطَهِّرَةً...أنا اختَرتُها بِنَفسي...كفارةً عن ذنبي...شَهَادَةً قلَّ نظيرُها...يَتَفَتَّتُ فيها جسدي وتنالُ كلُّ جارحةٍ من جوارحي ما تستحقّه من القصاص والعقوبة...وبعدها يصبح حتماً أن تُسكِنني بجوارك وجوار أوليائك.."؛ ومضى السّيد عباس الموسوي مع زوجه وطفله حسين شهداء. 

ولد السّيد عباس الموسوي في بيت من بيوت الإيمان والالتزام الدّينيّ، حيث إكتسب منه الفضائل ... وشبّ على حبّ أهل البيت "ع"؛ وارتباطه ببيت النّبوّة لم يكن مجرد إرتباط قسريّ، بل إرتباط مزج بين العلم والعمل؛ وهو نهل من معين الثّورة الإسلاميةّ في إيران الّتي انتصرت للضّعفاء؛ وتتلمذ على يد الشّهيد السّيد محمد باقر الصّدر الّذي قارع نظام صدام حسين الاستبداديّ، وسرى في دمه حبّ فلسطين ومقاومة العدو الصّهيونيّ. 

الوحدة بالنّسبة إليه واجب شرعيّ إسلاميّ، فـ" المجتمع الّذي يكون بأكمله على قلب وهدف واحد، لا يمكن أن إختراقه، وهذا ما ينبغي أن نسعى اليه؛ أمّا أن يبقى جسمنا الإسلاميّ متنافرًا وممزّقًا، فهذا أمر محرّم شرعًا" ... والاسلام قائم على كلمتين :" كلمة التّوحيد ، وتوحيد الكلمة ، وبالتّالي فإنّ كلّ من يسعى إلى تمزيق صفّ المسلمين يتحدّى رسول الله "ص" . 

آمن السّيد عباس بأنّ المقاومة هي ضدّ عدو الأمّة التّاريخيّ، وأنّ إزالته من الوجود تتطلّب وحدة الصّف والكلمة؛ إذ " لا يمكن أن نتصوّر وحدة المسلمين الحقيقيّة إلّا عندما يتوحّدون حول البندقية المخلصة" ؛ وكلّ معركة أخرى هي ملهاة، أو تآمر، وفي الحدّ الأدنى يريدها الأعداء لإغراق المقاومة في وحول الفتن الدّاخليّة ومستنقعات الزّواريب. 

من هنا كان يرى "أنّ الحل ّالوحيد الّذي يخرجنا من الفتن الدّاخليّة هو أن يتكاتف النّاس جميعًا في مواجهة العدو  الخارجيّ" ؛ ولطالما كرّر في مواقفه أن " لا قيمة للقتال الطّائفيّ، ولا القتال الحزبيّ، ولا القتال الّذي يتوخّى بعض الحقوق الجّزئية هنا وهناك، لأنّ المسألة هي مسألة أمّة بكاملها" . 

وإنطلاقاً من أهميّة الوحدة في فكره وعقيدته، فقد عمل سيد شهداء المقاومة جاهدًا لرفض الفتن الطّائفيةّ؛ وحرص على عدم تفويت أيّ فرصة لمقاومتها؛ فأخطر "مسافة قائمة بيننا هي القسمة الطّائفيّة الّتي جعلتنا سنّة وشيعة ، ولا يمكن لهذه المسافات أن تُسدّ إلّا بنعمة الاسلام ورسول الله محمد "ص" ؛ فبهذه الوحدة "وحدها نستطيع أن نبني جسدنا الاسلاميّ المتكامل والمتماسك؛ وعندئذ لن يتجرّأ "مورفي " على أن يمرّ في سمائنا ضمن جولاته المكوكيّة، لكي يعجّل بالمفاوضات ، وأن يسرع في تسليم رقابنا وأعناقنا لإسرائيل" . 

وقد وضع الشّهيد السّيد عباس الموسوي جملة من الأسّس على طريق تحقيق الوحدة؛ وفي مقدّمتها تأسيس "تجمّع العلماء المسلمين" في العام ١٩٧٩، أوّل تجمّع علمائيّ في لبنان ليكون المنبر الأساس والمنطلق لتجسيد الوحدة، وتعزيز ثقافتها ونشرها في المجتمع؛ ذلك أنّ السّيد الموسوي آمن بأنّ الوحدة تبدأ بوحدة العلماء، لذا عُرف عنه أنّه كان شديد الترّكيز على التّواصل معهم؛ مبيّنّا لهم أنّ "الكلمة أصعب من الرّصاصة ، ... وليس من يرمي رصاصته على الطّوائف والفئات الأخرى وحده صاحب الجّريمة، فالّذي يتكلّم من على المنابر، ويشجّع على الأجواء الطّائفيّة هو من يخلق البندقيّة الطّائفيّة ويشجّع على وجود المسلّح الطّائفيّ" . 

ولعلّ المعلم الأبرز الّذي يُجسّد عمليّة الوحدة في حركة السّيد عباس هو حمله هموم الأمّة الاسلاميّة في كلّ مكان، وعلى قضيّة الشّعب الفلسطينيّ، فقد عاش مأساته مذ كان يافعًا؛ و"شارك في محاولة إزاحة كابوس الاحتلال... وآخى بين جرح أهل الجنوب وجرح أهل الدّاخل الفلسطينيّ.. عاش أيامهم.. وانتفاضاتهم بكلّ كيانه.. ومشاعره المرهفة.. وإحساسه بوحدة الإنسان والمصير بين الشّعبين الأخوين" ؛ فجعل من القضيّة الفلسطينيّة البوصلة ونواة الوحدة الأولى، لهذا كان يدعو دائمًا إلى أن "نجعل من وحدتنا صخرة صلبة ، وجبلًا كبيرًا، لنتمكّن من مواجهة أيّ عدوان محتمل يقوم به العدو الإسرائيليّ؛ ويجب على الإنسان المؤمن أن يكون يقظًا وحذرًا من أعداء الله، خصوصًا عدو الأمّة الاسلاميّة التّاريخيّ والعقائديّ، وهو اسرائيل " . 

ولم تتوقّف دعوته إلى الوحدة عند حدود السّنّة والشّيعة؛ بل كان يتطلّع الى "الوحدة الوطنيّة الحاضنة للمسلمين والمسيحيّين في بلد متنوّع الطّوائف والمذاهب"؛ على قاعدة أنّ الوحدة تتجاوز حدود الوطن "ولو سار المسلمون والمسيحيّون على مبادىء محمد "ص"، وعيسى "ع" لعاشوا متعاونين متفاهمين في وطن واحد" . 

وكما أسلفنا فإنّ اهتمامات الشّهيد السّيد لم تقتصر على شؤون لبنان ومقاومة العدو في الجنوب؛ كما لم تتوقّف عند حدود انتفاضة الشّعب الفلسطينيّ في الدّاخل، بل سعى إلى توسعة مروحة المقاومة، وحمايتها من خطر تأطيرها بالطّائفيّة، أو المناطقيّة، لذا جهد لإيجاد وحدة بقيادة العلماء المسلمين في العالم، تشمل القوى الّتي تؤمن بقتال الاستكبار؛ فعندما يقف " المسلم الأفغانيّ، والإيرانيّ، والّلبنانيّ، والمصريّ، والسّودانيّ صفًّا واحدًاً كالبنيان المرصوص فلن يستطيع الأميركي ولا السّوفياتيّ شدّ أزر إسرائيل، أو إيقافها على قدميها" . 

وفي هذا المجال قال مؤسّس حركة الجّهاد الإسلاميّ في فلسطين وأمينها العام الشّهيد فتحي الشقاقي في السّيد عباس: "ما قابلته يومًا إلّا ورأيته يحمل همّ فلسطين، والانتفاضة، والأطفال الفقراء ، وهمّ الوحدة والجّهاد والعمل؛ تستغرقه أدقّ التّفاصيل في فلسطين كأنّه ذاهب إليها، وهو الرّاحل دومًا إلى الجنوب على الرّغم من كلّ التّحذيرات... لم يكن همّه لبنانيًّا، أو فلسطينيًّا فقط، فالعالم قريته، والوطن الإسلاميّ كلّه مجاله الحيويّ؛ ذهب حتّى كشمير وقال لي معاتبًا: لماذا لم تذهب معنا؟ لم أر مثله من يهتمّ بما يدور في الجزائر، أو تونس، أو السودان، أو مصر، أو الأردن، أو أيّ مكان في هذا الوطن يُسمع فيه عن اضطهاد مسلم أو نهوضه.." 

من هنا شارك رضوان الله عليه في مؤتمرات إسلاميّة كثيرة في دمشق وطهران وإسلام آباد وألمانيا، وأقام علاقات مع قادة حركات التّحرّر، فلبّى السّيد الشّهيد دعوة "حركة تنفيذ الفقه الجعفريّ" في باكستان ليمثّل حزب الله في مؤتمر كشمير الدّوليّ في إسلام أباد، ألقى خلاله كلمة تناول فيها أهمّ قضايا الإسلام والمسلمين، مؤكداً أنّه على الشّعوب المسلمة في كلّ مكان أن تقرّر مصيرها بحريّة ومن دون الخضوع لأيّ ضغط ومساومة وابتزاز. 

في باكستان لم يكتف بالمشاركة في مؤتمر كشمير الدّوليّ، بل قصد منطقة كشمير ، فتفقّد مخيّمات المهاجرين في مظفّر آباد؛ إطلّع على أوضاعهم؛ وحثّهم على السّير في دروب الله ومتابعة الجّهاد: "لأنّ أحدًا لا يحرّر لكم أرضكم سوى البندقية والدّم.. ونحن بإذن الله معكم حتّى آخر أنفاسنا" ؛ هناك قدّم السّيد الشهيد الدّعم وعقد مجموعة من الّلقاءات مع الجّماعات الاسلاميةّ، وتمحورتحول قضايا الوحدة الاسلاميّة؛ وكيف نترفّع عن إثارة المواضيع المذهبيّة" ؛ ثم انتقل رضوان الله عليه ـ بعد كشميرـ إلى أفغانستان،حيث إلتقى زعماء المقاومة وقادة فصائلها المجاهدة في وجه الاحتلال السّوفياتيّ، ودعاهم إلى توحيد صفوفهم ليحقّقوا اهدافهم . 

وسط كلّ الواقع السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصادي المتردّي ـ الّذي آلم الشّهيد السّيد عباس الموسويّ ـ كان الجّهل هو السّبب؛ لذا حثّ على تحصيل العلم والمعرفة إذا أردنا إنقاذ الأمّة وفي هذا السّياق نقتبس قوله "..نحن أمّة تسعى على إمتداد الوطن الإسلاميّ لأجل نهضتها والقيام من كبوتها، لذا ينبغي أن نتعرّف أوّلاً على أسّس وسبل النّهوض الّتي يأتي العلم في طليعتها وأهمّ مرتكزاتها، فالعلم سلاح من يمتلكه يمتلك مقدّرات الحياة...ولا يمكننا النهوض من وهدة التّخلف الّذي بذره المستعمر في أرضنا إلّا إذا اتّخذنا العلم وسيلة ونبراساً يضيء ليالي أيامنا... والبلاد الإسلاميّة كانت منبع العلم والاختصاص في كافّة المجالات، في وقت كانت فيه أوروبا تغرق في جهل وظلام دامس، ولا زالت الى الآن كتب المسلمين تدرَّس في الجّامعات الأوروبية، وحضارة أوروبا بدأت بعد غزو الصّليبيّين للعالم الإسلاميّ، واستفادتهم من العلوم والجّامعات الإسلاميّة الّتي وضعت لهم معالم حضارتهم..".‏‏ 

وقد تميّز خطابه بالتّعبئة ضدّ الخطر الّذي يتهدّد عشرات الملايين من مصر، الى الاردن، الى سوريا ،الى العراق، الى لبنان ،مضافا الى ما يتهدّد المناطق الاخرى في العالم الاسلاميّ ... فإمّا أن تُقتلع هذه المناطق، يُقتلع إنسانها بالكامل؛ وإمّا أن تختار خيار الانتفاضة والمواجهة ... مستلهمًا من تجارب الماضي والحاضر حتّى نستطيع اأن نحدّد هذا الخيار بشكل أدق وأعمق .

وفي سياق التّعبئة كان يحثّ على العودة إلى إقرأوا القرآن، إقرأوا التاريخ، إقرأوا تواريخ الصّراع بين المستضعفين والمستكبرين ستجدون شيئًا واحدً: الاستكبار يعتمد في قوّته على تمزيق النّاس، وشرذمة النّاس.."؛ ويحذّر من تداعيات الفرقة على مواجهة " أميركا كقوّة طاغية في الأرض تشكّل أخطر عامل لزعزعة الاستقرار في العالم، بما تحمله من نيّات عدوانيّة بالنّسبة إلى الشّعوب ومصالحها وخيراتها؛ ... كيف يمكن أن نتصوّر استقرارًا وسلامًا وعدالة طالما أنّ البشريّة ـ على امتداد العالم ـ تعيش الظّلم والعدوان والّلااستقرار والّلاسلام؛ والّذين يشكّلون أركان الّلااستقرار وأسبابه هم القوى المستكبرة أميركا واسرائيل... من هنا عندما إنطلق الامام الخميني رضوان الله عليه بثورته المباركة عبّر عن ولادة جديدة للاسلام المحمديّ الأصيل؛ فالاسلام قبل الامام الخميني أصبح جزءا من معادلة الاستكبار العالميّ والظّلم الاستكباريّ
وبما أنّه حرص على قرن علمه بالعمل لم يكتف بالتّحريض على الاستفادة من تجارب الماضي والحاضر، وجدنا السّيد عباس الموسويّ يقرأ، ويتابع، ويقتدي نهج الامام الخميني (قده)" الثّائر في الجّمهورية الاسلاميّة... الثّائر في وجه الشّاه، المقاتل في وجه صدام ، المقاوم في وجه أميركا... ثائر في ايران كان يشحذ همّته وعزيمته من كربلاء .

هكذا كان السّيد الشّهيد ينظر الى الثّورة الاسلاميّة في ايران ، على انّها الملهم والروّح الّتي بثّت على مستوى العالم المستضعف كلّع روح مواجهة أميركا والكيان الغاصب عبر نهج المقاومة الّذي أرساه الامام الخميني (قده) لتكون من أهم عناصر الوحدة الاسلاميّة ، لذلك نراه يردّد "لا يتوقع منّا أحد إلّا المزيد من مواصلة المقاومة في سبيل الله ، هذا طريقنا ، هذه آخرتنا ، هذا جوازنا لعلي وأبناء علي ، هذا أقلّ الوفاء لغدير خم، هذا أقلّ الوفاء لإمامنا الخميني رضوان الله عليه ، هذا أقلّ الالتزامات بين يدي قائدنا آية الله الخامنئي ، هذه دنيانا وآخرتنا ، عزّنا في الدّنيا وعزّنا في الآخرة هي المقاومة " .
هكذا كان مشروع السّيد عباس مشروع أمّة ،جوهره الوحدة في وجه العدو الصّهيونيّ والظّلم أينما وجد؛ مشروع تجاوز الجغرافيّة ليشمل كلّ المسلمين في مختلف بقاع الارض ؛ وما أحوجنا اليوم إلى قادة يرتقون بحمل الهمّ والوعي إلى مستوى وعي الشّهداء القادة ،وثقافتهم الوحدويّة في زمن أصبحت الفتن المذهبيّة والطّائفيةّ الخبز اليوميّ الّذي يتغلغل في العالمين العربيّ والاسلاميّ لتمزيق الأمّة والقضاء عليها .


رقم: 153576

رابط العنوان :
https://www.taghribnews.com/ar/article/153576/الوحدة-في-فكر-قادة-المقاومة-الاسلامي-ة-لبنان

وكالة أنباء التقريب (TNA)
  https://www.taghribnews.com