الكاتب: حلمي موسى
وجمعت إسرائيل بهذا الكشف كل قوى «محور الشر» القريبة والبعيدة، والتي إذا ما ربطت بعملية الجولان السوري المحتل أمس، فإنها تظهر كل «أطراف المؤامرة» دفعة واحدة أثناء خوض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو معركة العلاقات العامة الحاسمة في واشنطن، بشأن خطر إيران و«الإرهاب» والتسوية السلمية. وكان من اللافت اعلان واشنطن مشاركتها في مراقبة السفينة، وتبنيها للاتهام الاسرائيلي لايران، فيما نفى مصدر ايراني لـ «السفير» الاتهام الاسرائيلي قائلاً إنه يشكل «صناعة لقنبلة خبرية يصبّ في مصلحة تعزيز حالة إيران فوبيا».
وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن بداية العملية كانت بمعلومات استخباراتية حساسة حول تهريب أسلحة نوعية إلى قطاع غزة يمكنها أن تكسر التوازن في المنطقة. ويقف خلف عملية التهريب هذه عناصر «الحرس الثوري» الإيراني الذين عملوا على تمويه الصواريخ في صناديق لتبدو بريئة ومدنية. وبعد ذلك نقل الحاويات إلى العراق بتمويه مسار شحن السلاح، حيث حملت على سفينة مدنية متجهة إلى بورسودان.
وبدت الرواية الإسرائيلية غير متماسكة في بعض جوانبها، حينما أشارت إلى أن السفينة، التي تحمل علم بنما وتنقل شحنة أسمنت كتب عليها «صنع في ايران»، ضبطت على بعد ١٥٠٠ كيلومتر عن شاطئ إيلات، (في المياه الدولية بين السودان واريتريا) وقبل دخولها ميناء سودانياً أمس الأول حيناً وفجر أمس حيناً آخر. كما أن المعطيات تبدو غير منطقية، حين تنشر صور قائد سلاح البحرية الإسرائيلي رام روتنبرغ في إحدى الحاويات عند الإعلان عن ضبط السفينة، فيما تمّت عملية الضبط تحت إشراف وزير الدفاع موشي يعلون ورئيس الأركان بني غانتس اللذين كانا في مقر سلاح البحرية. ولا يقلّ أهمية عن ذلك ما أشيع أن نتنياهو فكر في إلغاء زيارته إلى واشنطن بسبب العملية ما يوحي بأنها ذات طبيعة استراتيجية.
وبعد ذلك تأتي الصواريخ السورية التي تحتاج إلى أن تحملها الطائرات إلى إيران قبل أن تشحن من مرفأ بندر عباس إلى الخليج، لتحملها من هناك سفينة «كلوس سي» التي تحمل علم بنما أولاً إلى العراق ومن هناك إلى ميناء في السودان. ثم من أين تعلم إسرائيل أن شحنة السفينة من الصواريخ موجهة إلى قطاع غزة إذا كانت ستفرغ في السودان، أو حتى إذا واصلت السفينة طريقها وعبرت قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط؟ ولهذا ليس صدفة أن حركة حماس اعتبرت الإعلان الإسرائيلي نوعاً من المزحة الثقيلة لتبرير استمرار فرض الحصار على غزة. كما نفت طهران إرسالها اسلحة.
وفي المعلومات أن وحدة الكوماندوس البحري «شييطت ١٣»، هي التي سيطرت على السفينة، التي كان على متنها طاقم من ١٧ شخصاً في عملية اسمها «الكشف التام». وادعت إسرائيل أن تفتيش السفينة أظهر ١٥٠ حاوية، فيها عشرات صواريخ «إم ٣٠٢» التي يصل مداها ١٠٠ كيلومتر والتي استخدمها «حزب الله» في حرب لبنان الثانية لقصف حيفا ومحيطها.
وأعلن ضابط إسرائيلي رفيع المستوى أن لدى الجيش الإسرائيلي «قرائن قاطعة بوجود صواريخ على السفينة، ونحن نقول بشكل مؤكد إن إيران تقف خلف هذه العملية». وقال إن السفينة خرجت من ميناء إيراني تحمل الشحنة قبل عشرة أيام، وبهدف الوصول إلى ميناء بورسودان، ومن هناك كانت الصواريخ ستنقل براً عبر الأراضي المصرية وسيناء إلى غزة. وأشار إلى أن عملية تمويه الصواريخ تمت في مرفأ أم قصر العراقي عبر تغطيتها بأكياس اسمنت. كما أن طاقم السفينة، الذي يخضع لتحقيقات موسعة، يبدو أنه لا يعلم شيئاً عن الشحنة. وأوضح الضابط أنه ليس معلوماً بعد إن كانت هناك أنواع أسلحة أخرى غير الصواريخ على السفينة.
غير أن يعلون أعلن أنه «تمّ اكتشاف أسلحة ذات طبيعة استراتيجية على متن السفينة، بينها صواريخ مختلفة لمديات مختلفة معدة، لأن تصل إلى منظمات إرهابية في قطاع غزة عبر السودان. وبذلك منع الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات محاولة تهريب سلاح تهدف للمساس بمواطني إسرائيل وتشويش روتين الحياة في الدولة».
وحمل يعلون على إيران التي تواصل كونها «مصدرة الإرهاب الأكبر في العالم، والتي تدرّب وتموّن وتسلّح منظمات الإرهاب في المنطقة والعالم». واعتبر أن «محاولة إيران نقل سلاح إلى غزة يشكل برهاناً إضافياً على أن قطاع غزة كيان إرهابي برعاية إيرانية، يُعد نفسه لضرب العمق الإسرائيلي».
من جانبه، رأى نتنياهو أنه «فيما تتحدث إيران مع القوى العظمى، تبتسم وتتكلم بلطافة، تقوم بإرسال أسلحة فتاكة لمنظمات الإرهاب، بشبكة متشعبة من العمليات السرية في أنحاء العالم، بهدف ضخ صواريخ وأسلحة فتاكة أخرى للمساس بمدنيين أبرياء. هذه إيران الحقيقية ومحظور أن تمتلك هذه الدولة سلاحاً نووياً».
وأشار قائد سلاح البحرية الإسرائيلي رام روتنبرغ إلى أنه «طالما أنت تنفذ عمليات مركزة، فإن بوسعك استنفاذ فضاءات الفعل»، أي العمل بشكل أوسع. واعتبر أن نمط العمليات هذه أفضل من العمليات التي تنطوي على ضربات واسعة وتكون أقل فاعلية.
وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية الأميركية تعاونت مع إسرائيل من أجل رصد السفينة واعتراضها. وقال «طلب الرئيس باراك أوباما من قيادته العسكرية إعداد خطط طارئة في حال استدعى الأمر اعتراض السفينة». وتابع «طيلة هذا الوقت، كان يتم تنسيق النشاطات العسكرية والاستخباراتية بشكل وثيق مع نظرائنا الإسرائيليين الذين قرروا في نهاية المطاف منع السفينة التي تنقل أسلحة غير مشروعة من العبور. سنظل على موقفنا المعارض للدعم الذي تقدمه إيران من اجل زعزعة الاستقرار في المنطقة، وذلك بالتنسيق مع شركائنا وحلفائنا». وقال إن «هذه النشاطات غير المشروعة غير مقبولة لدى الأسرة الدولية وتشكل انتهاكاً صارخاً لالتزامات إيران إزاء مجلس الأمن الدولي».
وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها ستتقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي ولجنة العقوبات في الأمم المتحدة ضد إيران بتهمة الانتهاك المتكرر للقرارين ١٧٤٧ و١٩٢٩ اللذين يحظران عليها تصدير الأسلحة، كما أنها بتهريب السلاح إلى غزة تنتهك قراري مجلس الأمن ١٣٧٣ و١٨٦٠.
وقال مصدر إيراني، لـ«السفير»، إن «إعلان خبر توقيف سفينة إيرانية من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي هو استمرار للسيناريو الذي بدأ منذ أسبوع من قبل اللوبي الصهيوني في أميركا (إيباك)، إضافة إلى التحركات داخل كيان الاحتلال». وأضاف «هذا الخبر هو صناعة لقنبلة خبرية يصب في مصلحة تعزيز حالة «إيران فوبيا»، لكي يتخذها اللوبي الصهيوني مطية في الكونغرس الأميركي للاستمرار في فرض عقوبات ضد طهران متذرعين بدعم إيران لما يسمونه الإرهاب». وتابع إن «تاريخ كيان الاحتلال الصهيوني في تطبيق الأكاذيب من أجل خدع المجتمع الدولي معروف، وهو سيختلق الكثير من الأكاذيب المشابهة من أجل دعم التهديدات ضد إيران».
وقال نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان إن المعلومات «حول ارسال سفينة تنقل اسلحة ايرانية الى غزة خاطئة. إنها اكاذيب لا أساس لها تكررها وسائل الاعلام الصهيونية».
وتركز وسائل الإعلام الإسرائيلية على العمليات السابقة التي تمّ فيها ضبط سفن أسلحة من «فيكتوريا» في آذار العام ٢٠١١ في البحر المتوسط وسفينة «فرانكوب» في العام ٢٠٠٩ و«كارين إي» في العام ٢٠٠٢.