علي ضاحي
يعرف الأميركيّون والأوروبيّون حقيقة المعرفة الكاملة لأسباب تشظّي هذا الإرهاب وتمدّده نحو بلادهم، وهم نُصحوا بعدم اللّعب مع الأفعى، لكنّهم لم يصغوا. إحدى الشَّخصيّات الفاعلة الّتي التقاها موفدون غربيّون أخيراً، سألوها عن أسباب تمدّد الإرهاب ومدى علاقة الدّين الإسلاميّ والبعد العقائديّ الّذي يدفع انتحاريّاً مثلاً إلى تفجير نفسه بمسجد خلال الصَّلاة، أو يدفع مسلماً إلى ذبح مسلمٍ آخر.
لا تتردَّد هذه الشَّخصيَّة في الإجابة عن كثيرٍ من الأسئلة. وتحمّل أسباب انتشار الإرهاب وتمدّده للتّسهيلات الّتي قدَّمتها أميركا وإسرائيل وحلفاؤهما في المنطقة للإرهاب، وحاولوا استخدامه لتنفيذ مخطّطاتهم إلى أقصى الحدود.
تقول هذه الشَّخصيّة إنَّ أيَّ مخطّط أميركيّ يحتوي على أمرين؛ البداية والنهاية، والعقدة والحلّ، لكن في أيّامنا هذه، المشكلة صارت أكبر من الجميع، وانفجار المنطقة بات وشيكاً، وقاب قوسين أو أدنى، فالهلع من تمدّد الإرهاب إلى عمقها الاستراتيجي، والّذي أصاب بعض الدول العربيّة والخليجيّة الدائرة في فلك إسرائيل وأميركا وبعض الدول الأوروبية، جعل الأميركيين يعيدون حساباتهم، ويتيقّنون أنَّ الأمور تخرج رويداً رويداً من بين أيديهم، فالوحش الإرهابي التكفيري المنحرف يخرج عن السيطرة، وبات يؤدّي وظائف غير مرسومة له. وتعتبر الشّخصيّة المذكورة أنَّ الأميركيّين باتوا على قناعة تامّة بأنَّ الحوار بين إيران والسعوديّة هو أقصر الطّرق لتطويق الإرهاب ومنع تمدّده، فمن دون جهود هاتين الدّولتين، لا يمكن وقف الإرهاب وتمدّده.
"الدّهاء" الأميركي و"البراعة" في تقسيم المقسَّم وتجزئة المجزّأ، كان العلاّمة الرّاحل المرجع السيّد محمد حسين فضل الله أوَّل من قرأه وتمعَّن في بحره، وهو لطالما حذَّر خلال حياته من هذا المرض العضال واسمه أميركا، وغدّته السّرطانيَّة واسمها إسرائيل. فكان أن دفع أوّل أثمان تحذيره من خطورة المشروعين الأميركي والصهيوني في مذبحة بئر العبد في آذار من العام 1985، ونجا من محاولة الاغتيال الأميركيّة ـ الإسرائيليّة الشّهيرة، وبعدها استمرّت المحاولات بإعدامه معنويّاً وفكريّاً وجسديّاً، وكثيرة هي الأخبار الّتي تحيط بالعلاّمة الرّاحل ومحاولات الاختراق والتّصفية الّتي تعرّض لها من بعض المدسوسين حوله.
ووفق العلاّمة الرّاحل، تجسَّد المشروع الأميركيّ العميق والمزمن لتفتيت المنطقة بصورٍ ومشاهد كثيرة: من الحرب الأهليَّة الّتي يؤكِّد أنها من صنع وزير الخارجيّة الأميركيّ الأسبق هنري كيسنجر، لإسقاط القضيّة الفلسطينيّة وإخراج بندقيَّتها في لبنان، إلى مشروع الشَّرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاّقة الّتي حذَّر من خطورتها بعدما تشدَّق بها جورج بوش الابن، إلى اتّفاق "الطائف" الّذي يصفه بأنَّه اتفاق أميركي بطربوشٍ لبنانيّ وعقالٍ عربيّ، والّذي كان لإيقاف الحرب، وليس لصنع دولة متوازنة.
في السّياسة، كما في الفكر الاستراتيجيّ، قرأ السيِّد في كتاب تطويق الفتنة السنيَّة ـ الشيعيَّة، ومحاولة تجسيد المشاريع الأميركيَّة، فكان أحد المجدِّدين الإسلاميّين الكبار في العصر الحالي، ومن المؤمنين بضرورة انفتاح الإسلام في إطار النّصّ القرآني، وسحب كلِّ الذّرائع من النّصوص الّتي تعزِّز الفتنة والطَّائفيّة والغلوّ والتعصّب، ومن أبرز الدّعاة إلى الوحدة الإسلاميَّة، والحوار بين مختلف المكوّنات الإسلاميَّة، والحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ.
من تفجير مسجد الحشوش في اليمن، الَّذي كان سبب اندلاع الأحداث الدَّامية واستجلاب العدوان السّعودي عليه، إلى تفجيرات المساجد في السّعوديّة والكويت لأتباع المذهب الإحقاقي، إلى اغتيال أئمَّة المساجد، كما حدث أمس في مسجد التلّ بسورية، إلى التّفجيرات الإرهابيّة المتنقّلة في العراق، إلى الإرهاب الّذي يمارسه منحرفون وعملاء يخدمون الأجندة الأميركيَّة والصّهيونيَّة، ثمّة حاجة إلى صوت العقل من جهة، لتطويق الإرهاب، وتجفيف منابع مده بالرِّجال والمال والعتاد، وتحصين البيئات الإسلاميَّة والمسيحيَّة من إمكانيَّة تغلغله فيها بأيِّ وسيلة كانت، ومن جهة ثانية، مواجهته بالأمن والعسكر والسَّلام، فلا يمكن التفاهم مع منحرفٍ يريد أن يفجِّر نفسه، أو أن يقتل أيَّ آخر مختلف عنه بالفكر السّياسيّ أو الانتماء الدّينيّ أو المذهبيّ.
المنطقة على مفترق طرق اليوم، فإمَّا أن تقوم هبَّة رجلٍ واحدٍ لمواجهة التَّكفير والإرهاب، وكلّ أوجه مشاريع الفتنة الأميركيّة والصهيونيّة، وإمّا أن يقع الانفجار الكبير، ولا يتوهّمنَّ أحد أنّه سيسلم منه من المحيط إلى الخليج، حتى إلى مجاهل الأمازون ونهري السّين والرّين.
في زمن التَّكفير والإرهاب، ما أحوجنا إلى فكر العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله وحضوره!