بين إيران و العرب.. علاقة تضاد أم علاقة تكامل!!
لعل أهم قاسم مشترك بين العرب و الإيرانيين هو الإسلام الذي صهرهم في بوتقة حضارية واحدة و مزج بينهم و جعلهم أهم جناحين للمشروع النهضوي الإسلامي، ولم يكن الخلاف و الصراع بين العرب والإيرانيين صراعا دينيا و على أساس ديني بل كانت السياسة و المصالح الضيقة و تراكم الولاءات للإرادات الدولية هو الذي فرقّ بين الطرفين في مرحلة الخلافة العثمانية و الصفوية ولا حقا في عهود الشاهنشاهية الإيرانية.
الكاتب: يحي أبو زكريا
لم ينعكس التقارب الديني و اللغوي و الجغرافي و الحضاري الذي يعود لأكثر من سبعة عشر قرنا على العلاقات السياسية بين إيران و العالم العربي قبل إنتصار الثورة الإسلامية على يد الإمام الخميني , فقد كان شاه إيران بالنسبة لبعض الدول العربية مجرد أمبراطور مدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و الذي كان في نظرها يتحرك لزعزعة إستقرار بعض الدول العربية بل ويطمع فيها خصوصا وأنّ الشاه كان يدعي أن البحرين إيرانية و غير ذلك من الأطماع الأخرى.
و حتى علاقة إيران الشاه بالدول العربية التي كانت محسوبة على المحور الأمريكي لم ترق إلى مستوى العلاقة الإستراتيجية بسبب القلق المتشعّب الذي كان يحكم هذه العلاقات.
و المشتركات بين إيران والعرب كثيرة للغاية فاللغة الفارسية تعتبر من أقرب اللغات إلى لغة العرب و تستخدم فيها كل الأحرف الأبجدية العربية وتضاف إليها أربعة حروف خاصة باللغة الفارسية.
ولا يمكن لأي عربي أن ينكر الفضل الذي قدمّه الإيرانيون للحضارة الإسلامية على مدى القرون فقد أنتجت بلاد فارس أعاظم الفقهاء والأصوليين و المفسرين واللغويين و النحاة والمناطقة والفلاسفة و علماء الكيمياء والطب , و أضاف الإيرانيون الذين إنفتحوا على الإسلام والثقافة العربية إضافات بالغة للحضارة الإسلامية، بل كانوا من أهم صنّاع الحضارة الإسلامية، و ساهم الإيرانيون في إثراء علمي النحو و الصرف وعلم البلاغة و برعوا في هذه الفنون إلى أن أصبحوا من أهم المراجع المعرفية والإبستمولوجية في هذا المجال , و لم يكونوا مطلقا يحتكرون هذه العلوم و المعارف بل كانوا يعتبرون أنفسهم مساهمين في صناعة الحضارة الإسلامية و تراكم مخزونها الفكري وأنّ ما ينتجونه هو للعرب والمسلمين و حسب الشهيد مرتضى مطهري صاحب كتاب الإسلام وإيران فإنّ الفرس تناسوا خصوصيتهم الفارسية و ذابوا في الإسلام الذي صاغ حياتهم و توجهاتهم، و أنهم منذ قبلوا بالإسلام دينا وتركوا ما كانوا عليه من معتقدات إنصهروا في الكل الإسلامي و قدموا للحضارة الإسلامية خدمات جليلة ما زالت قائمة إلى يومنا هذا.
كما أنّ إهتمام العرب بالثقافة الفارسية لم يكن وليد العهود الأخيرة فقد سبق للفتح بن علي البنداري في العقد الثالث من القرن السابع الهجري أن ترجم الملحمة الفارسية المعروفة بالشاهنامة التي كتبها الفردوسي , و نقل إلى اللغة العربية الكثير من النتاج المعرفي المكتوب باللغة الفارسية.
وقد ترجم أدباء عرب شعر عمر الخيام إلى اللغة العربية و أعتنوا برباعياته إلى أبعد الحدود ولم يكتف العرب بترجمة واحدة بل إضطلع بهذه الترجمة مجموعة كبيرة من الأدباء والشعراء مثل أحمد رامي و محمد السباعي وأحمد الصافي النجفي وغيرهم.
ولعل أهم قاسم مشترك بين العرب و الإيرانيين هو الإسلام الذي صهرهم في بوتقة حضارية واحدة و مزج بينهم و جعلهم أهم جناحين للمشروع النهضوي الإسلامي، ولم يكن الخلاف و الصراع بين العرب والإيرانيين صراعا دينيا و على أساس ديني بل كانت السياسة و المصالح الضيقة و تراكم الولاءات للإرادات الدولية هو الذي فرقّ بين الطرفين في مرحلة الخلافة العثمانية و الصفوية ولا حقا في عهود الشاهنشاهية الإيرانية.
وعندما إنتصرت الثورة الإسلامية في إيران على يد الإمام الخميني بدأ التقارب يتحقّق بين إيران وجوارها العربي والإسلامي , صحيح أنّ العديد من الدول العربية توجسّت خيفة من المشروع الإسلامي الإيراني و قد ساهم في بلورة هذه الخيفة الدوائر الغربية وعلى رأسها واشنطن على وجه التحديد، و معروف أنّ أمريكا لعبت أكبر الأدوار في إنتاج الحرب العراقية – الإيرانية كما كانت السبب وراء الجفاف الذي ميزّ العلاقات بين طهران وبعض الدول العربية، غير أنّ هذه المخاوف سرعان ما تبددت بعد إتضاح حقيقة المشروع الإسلامي في إيران والتي نجحت في ترميم بل وتمتين علاقاتها الديبلوماسية بمعظم الدول العربية بما في ذلك الدول المغاربية التي أصبح بينها وبين إيران علاقات متميزة تزداد نموا في مختلف المجالات من يوم إلى آخر .
و مثلما قدمّ الإيرانيون خدمة للحضارة الإسلامية , فإيران الثورة الإسلامية لم تبخل على العالم العربي والإسلامي و أبدت إستعدادها لتقديم تجربتها النهضوية من الزراعة و إلى صناعة الدواء وتكرير النفط و حتى المشروع النووي السلمي وضع في خدمة من يطلب في العالم العربي والإسلامي.
وقد أدركت إيران منذ إنتصار ثورتها الإسلامية أهمية العمق العربي الذي تعتبره إمتدادا إستراتيجيا وجيوسياسيا و سعت لإقامة علاقات طبيعية مع كل الدول العربية , غير أنّ الولايات المتحدة الأمريكية التي تيقنت أنّها خسرت مصالحها في إيران الشاه والتي كانت تعول عليها كثيرا بعد أن إتخذتها قاعدة لمراقبة الإتحاد السوفياتي السابق سعت للإنتقام من هذه الثورة عبر محاولات خنقها وعزلها في محيطها الجغرافي .
و تحركت الإدارة الأمريكية كما تقول مذكرات رجال السياسة و الأمن الأمريكيين الذين عايشوا مرحلة إنتصار الثورة الإٍسلامية في إيران بإتجاه العالم العربي في محاولة لتضخيم الخطر الإسلامي الإيراني والخمينية الزاحفة و الثورة المهددّة التي ستصل إلى كل العواصم العربية ولأنّ موجة الحركات الإسلامية كانت عارمة في العالم العربي فإنّ الدوائر الأمريكية لم تجد عناء كثيرا في إقناع الرسميين العرب بأنّ الخطر الإيراني حقيقي وبالتالي قد يؤدي إلى تقديم الدعم للحركات الإسلامية و يتكررّ سيناريو سقوط الشاه في إيران في أكثر من عاصمة عربية.
و مثلما إستخدمت الإدارة الأمريكية قنبلة الأسلمة قبل عقدين ها هي اليوم تستخدم القنبلة النووية الإيرانية لتخويف العالم من إيران، لكن اليوم أصبح العالم العربي أكثر إنفتاحا على إيران خصوصا بعد أن أدرك العالم العربي أنّ إيران ليست خطرا عيه بل الخطر الحقيقي يكمن في إسرائيل و السياسات الغربية التي تسعى لنهب ثروات العالم العربي والإسلامي , كما أنّ إيران باتت أكثر إنفتاحا على العالم العربي ونجحت في نسج علقات متميزة مع الدول المغاربية و المشرقية أيضا.