الانتفاضة أثّرت على الاحتلال نفسياً، واقتصادياً، وسياسياً، وبشرياً. يشعر الاحتلال بعجزه تماماً عن كبح جماح الانتفاضة، لأنها تبدو بلا قيادة واضحة التركيب والتسلسل، فيقتل ويعتقل أو يبعد حتى. فكما يقول أحد المعلّقين الصهاينة فإن الحديث يدور عن جيل كامل من الشباب الفلسطينيين "لا يرى له أية مستقبل"، في ظل الاحتلال.
أحمد الحاج - كاتب فلسطيني
أسفرت عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار مجتمعة عن مقتل 11 صهيونياً وإصابة 257 آخرين، كما قُتل صهيونيان بنيران شرطة الاحتلال، بالإضافة إلى أرتيري، ويضاف للعدد الإجمالي إصابات جراء الحجارة والزجاجات الحارقة.
صعوبة المعالجة هي من دفعت عدداً كبيراً من الإسرائيليين إلى الإحباط من إمكانية القضاء على الانتفاضة، وانعكس ذلك نفسياً على الصهاينة. وقد ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية بأنه وفي ظل أيام الرعب التي يعيشها كيان الاحتلال، فإن هناك ارتفاعاً بنسبة 100% في عدد الذين يتوجهون لمراكز المساعدة والأمراض النفسية.
هذا الخوف انعكس أيضاً أداء أمنياً سيئاً لجنود الاحتلال، من خلال العديد من مقاطع الفيديو والصور التي أظهرت هروب جنود صهاينة بسلاحهم من شباب فلسطيني لا يحمل سوى سكّينا. أو ما أظهرته مقاطع الفيديو تحديداً من هروب للجنود أثناء تنفيذ عملية بئر السبع. الأمر الذي دعا بعض المعلّقين الصهاينة إلى القول إن الجيش الإسرائيلي لا ينفع سوى فرقة عزف.
كما انعكس هذا الخوف في عمليات الطعن والقتل التي نفذها جنود ومستوطنون صهاينة ضد مستوطنين للاشتباه بأنهم عرب، حتى إن صحيفة هآرتس العبرية اعتبرت أن هستيريا الشارع الإسرائيلي أخطر من العمليات نفسها. فيما قال موقع "ويلا" الإخباري العبري إنه ومنذ بدء "موجة العنف" الحالية ازداد التوجه للشرطة بنسبة 60٪ بالمقارنة مع الأيام العادية. وازداد الطلب على السلاح بنسبة 5000%.
أما بنيامين نتنياهو فقد بلغ ذروة الهذيان حين قال إن "المفتي أمين الحسيني هو من أقنع هتلر بحرق اليهود". وبسبب الضغوط الدولية، ومن بينها الألمانية، اضطر إلى التراجع والقول إن "قرار المحرقة أخذه النازيون ولم يتأثر بأي شخص من الخارج". الأمر الذي دفع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني إلى القول إنه (نتنياهو) حوّل "إسرائيل" إلى غيتو ضعيف.
اقتصادياً كانت شركة الطيران الاسكندنافية توقف رحلاتها لـ "إسرائيل" "لانعدام الاستقرار". فيما أعلن موقع صحيفة "معاريف" العبرية، أن الانتفاضة من شأنها أن تكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 10.5 مليار شيكل (الدولار يساوي 3.89 شيكل). ومن جراء الانتفاضة كان80 بالمائة من عمال البناء في الكيان الصهيوني يعزفون عن التوجه إلى أعمالهم خوفاً من عمليات الطعن.
انعكست تلك الأوضاع على الشارع الصهيوني، وآرائه السياسية، وبعد أن كان نتنياهو في المقدّمة، أظهر استطلاع للرأي أن 67% غير راضين من طريقة تعامل نتنياهو مع انتفاضة القدس. كما أظهر أن 66% من اليهود في الكيان الصهييوني يؤيدون انسحاباً من الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة، بينما عارض ذلك 29%.
على صعيد علاقات الكيان الصهييوني الدولية فتحت الانتفاضة الباب أمام رئيس المكتب السياسيي لحركة (حماس) خالد مشعل لزيارة جنوب أفريقيا الأمر الذي أغضب الكيان. في الوقت الذي كان فيه برلمانيون بريطانيون ينتقدون السياسة الخارجية لبلادهم والمنحازة للكيان الصهيوني.
وقد حذّرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، من أن تفاقم الوضع على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 يرتقي إلى جرائم على نطاق واسع، يمكن أن يكون من اختصاص المحكمة.
يشير المحلل السياسي في صحيفة 'هآرتس"، براك رفيد، إلى أن القدرة على معالجة الوضع محدودة، "هناك أدوات أمنية كثيرة، مثل إرسال جنود إلى القدس والعقاب الشديد والحصار والاعتقال وهدم البيوت. وحتى لو أدى ذلك إلى تهدئة الموجة الحالية، فإن الهدوء سيكون مؤقتاً إلى حين اندلاع الموجة الثانية، والتي ستكون أشد"، وهذا ما يضاعف الخوف وعدم الثقة لدى الصهاينة.