حسن سلامة
في ظل النتائج التي خرج بها اجتماع بعض اطراف ما يسمى المعارضة السورية الذي انعقد قبل ايام في العاصمة السعودية الرياض، تطرح تساؤلات وعلامات استفهام حول جدية هذه المعارضة ورعاتهم في السعودية في اطلاق مباحثات فعلية مع الحكومة السورية للوصول الى مقاربات مشتركة تفتح الطريق امام حل الازمة في سوريا؟
من الواضح بحسب مصادر ديبلوماسية مطلعة على اجواء ما سبق اجتماع الرياض من تحضيرات ومن تكليف للسعودية بالاعداد لهذا اللقاء وانتهاء بما افضى اليه الاجتماع، فان العديد من الاسئلة استجدت بعد الذي حصل في هذه المحطات الثلاث تلخص ابرزها المصادر بالاتي:
- اولاً: ان معظم الدعوات التي وجهت الى بعض اطراف المعارضة جاءت وفق المصالح السعودية اولاً التركية - القطرية ثانياً، من حيث استبعاد بعض القوى المؤثرة داخل هذه المعارضة من الاتحاد الوطني الكردي الى تيار هيثم المناع الى اخرين، خاصة في معارضة الداخل.
- ثانياً: لقد جرى تمثيل ما يسمى «بالائتلاف الوطني» المعارض بالجزء الاكبر من الذين جرت دعوتهم لحضور الاجتماع، بما ان دعوة عدد من التنظيمات المسلحة التي تنتمي بفكرها وادائها الى تنظيم القاعدة - احرار الشام - جيش الاسلام - جيش الفتح - سيف الاسلام وغيرهم (حوالى ثلث المدعوين) يؤكد ان السعودية ومعها تركيا وقطر لا زالت تراهن على المجموعات المسلحة التي تنتمي الى «القاعدة» لاجراء تغيير في موازين القوى على الارض وبالتالي استمرار دعم هذه الدول عسكرياً ودولياً لتنظيمات ارهابية.
- ثالثا: لقد مارست السعودية على مؤتمر الرياض ضغوطاً كبيرة، ووصل الأمر الى قطع التواصل مع الخارج، بهدف منع انفراط المؤتمر بعد ظهور خلافات كبيرة بين المشاركين، ما يتناقض مع المهمة المكلفة بها الرياض من مؤتمر فيينا، وهي الاعداد لاجتماع المعارضة وليس فرض رؤيتها عليهم. وتقول المصادر ان هذا السلوك من قبل المسؤولين السعوديين خلال اجتماع الرياض، جاء على خلفية ادراك السعودية ان فشل الاجتماع وانفراطه سيؤدي الى خسارة ما تبقى من اوراق بيدها ليكون لها دور ومكانة في تقرير التسوية في سوريا، والا الاستمرار في دعم المنظمات المسلحة الارهابية.
لذلك، ماذا عن البيان الذي خرج به اجتماع الرياض وما هي تداعياته على امكان اطلاق المفاوضات بين الحكومة السورية وهذه المعارضة؟
وفق المصادر الديبلوماسية، فالبيان يتضمن العديد من القضايا الاساسية التي تجاوزتها الاحداث السورية، وبالتالي بات الحديث عن هذه القضايا نوعاً من الرهانات الساقطة سلفاً، ولذلك تتوقف المصادر عند خطايا جوهرية تضمنها البيان:
1- لقد تحدث البيان عن حلول للازمة السورية غير ممكنة، بل هي نوع من الاوهام، على مستوى التوازنات الميدانية في الداخل السوري وعلى مستوى التحولات الدولية.
2- اراد البيان اعادة تعويم «بيان جنيف 1» من حيث مقاربة الفترة الانتقالية وبالاخص ما يتعلق بموقع الرئيس السوري بشار الاسد وبالتالي محاولة القفز فوق ما تضمنه «بيان فيينا» مؤخراً حول هذه المسألة تحديداً، والاعتراف الغربي بأن لا بحث في دور الرئيس الاسد خلال هذه المرحلة، وتقول المصادر ان مضمون البيان ليست سوى محاولة للقول ان المفاوضات بين الحكومة وهذه المعارضة هدفها الوحيد ان تكون حفلة تسلم وتسليم السلطة للمعارضة.
3- بالاضافة الى ذلك قفز البيان فوق مسائل اساسية اخرى، بدءا من بنية الدولة الى تجاهل محاربة التنظيمات الارهابية.
لذلك، ما هي المدلولات من وراء مضمون البيان وتداعياته؟
في تقدير المصادر الديبلوماسية ان لا قيمة جدية لهذا البيان وبالتالي لا يمكن البناء عليه لاطلاق مفاوضات لاحقة بين الحكومة السورية والمعارضة للاسباب الاتية:
- السبب الاول، ما تضمنه عن المرحلة الانتقالية والعودة لرفع شعارات واهية تتعلق باخراج الرئيس الأسد من موقعه في رئاسة الدولة السورية، بعد ان تجاوزت الاحداث والتطورات هذه المسألة، وجرى اعتراف غربي بالدور الذي لا بديل عنه للرئيس الاسد في هذه المرحلة. وتوضح المصادر ان طلب وزير الخارجية الاميركية جون كيري تعديل بيان مؤتمر الرياض - رغم عدم كشفه عن هذه التعديلات - الا ان المقصود بذلك قبل اي شيء اخر تعديل ما تضمنه البيان عن اخراج الاسد من بداية المرحلة الانتقالية فالأميركي بات يقر بضرورة الاسد خلال المرحلة الانتقالية.
ولاحظت المصادر ان زج الرئىس الاسد في مضمون البيان كانت خلفه السعودية اولاً وممثلو التنظيمات المسلحة ثانياً، وقد عبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن ذلك صراحة بادعائه «ان الاسد امام خيارين اما الخروج من السلطة عبر المفاوضات او من خلال القتال»!
ـ السبب الثاني: حضور ممثلين لتنظيمات ارهابية لاجتماع الرياض، ما يؤشر الى محاولات سعودية مسبقة لتبييض «صفحة هذه التنظيمات»، لكن الرد جاء سريعاً من جانب الرئىس الاسد بتأكيده ان سوريا ترفض التحاور مع هذه المجموعات، كما ان الكلام الذي خرج من الكرملين بتأكيده انه لا زال هناك خلافات مع الغرب في تحديد التنظيمات الارهابية مؤشر ايضاً على اعتراض روسيا على مشاركة هذه التنظيمات في اجتماع الرياض.
ولذلك تؤكد المصادر الديبلوماسية ان ما خرج به مؤتمر الرياض لا يمكن البناء عليه لاطلاق المفاوضات مع الحكومة السورية رغم بعض العبارات العامة في البيان، ولهذا تقول المصادر ان ما انتهى اليه الاجتماع المذكور عطّل اي امكانية لاطلاق المفاوضات مجدداً حول الازمة السورية. وتضيف انه بعد الدخول الروسي في الحرب السورية قلب الموازين وغيّر الكثير من المعادلات التي كان يسعى لها الغرب وحلفاؤه في السعودية وتركيا، وبالتالي فعدم الاخذ بالمعادلات الجديدة، يعني استمرار الرهان على الحرب وعلى التنظيمات الارهابية لاحداث تغييرات معاكسة في الموازين العسكرية، وهو الامر الذي لم يعد ممكناً، بل فمعطيات التطورات الميدانية اكدت في الاسابيع الاخيرة بعد التدخل الروسي ان الاحداث الميدانية تتغير باستمرار لمصلحة الدولة السورية وحلفائها.