بين طهران و الرياض ، بين السماء و الأرض .
أحمد الحباسى
و لا شك أيضا أن هناك من لا تعجبه السياسة الإيرانية و من تعجبه و مع ذلك فطهران تستقبل يوميا كلا الطرفين بنفس الحفاوة و نفس الخجل السياسي المفرط فيه ، فالمسألة تتعلق بمبادئ السياسة الإيرانية و ليس بطريقة طرح هذه المبادئ ، المبادئ لا تتغير بالتقادم و لا بالضغوط، ما يتغير هو النهج الهادئ و الكلام الرصين و الابتعاد عن العبارات الرنانة الجوفاء ، فطرح الأفكار الإيرانية يتم بهدوء تام و بكامل المسؤولية السياسية ، الابتسامة هي نفسها لدى كل المفاوضين و السياسيين الإيرانيين لكن الحرفية في التعامل مع الأعداء مطلوبة و هذه الميزة "صناعة " إيرانية بامتياز .
"تتحدث" الرياض مع الجيران العرب بلغة الطبل الفارغ ، كثير من الضوضاء يقابلها كثير من الفشل ، كثير من العنتريات لإنتاج كثير من الكراهية ، كثير من السقوط السياسي يقابله كثير من النفور الدولي ، لغة الرياض في العراق مثلا هي لغة التفجيرات اليومية لقتل و حصد مزيد من الأرواح ، تدعى هذه التفجيرات أنها تفجيرات "ذكية" تصيب الشيعة فقط ، لكن الشظايا تصيب الجميع بما فيهم السنة ، في سوريا ، تعاملت الرياض مع الشام بنفس سياسة الطبل الفارغ ، ، استعانت "بأصدقاء سوريا" المعروفون بكثرة تصريحاتهم الاستعمارية و كثرة ضجيج منظومة إعلامهم المضلل ، النتيجة أن خسرت الرياض كل شيء ، أن "خسرت" أمريكا موقع القطب الواحد في المنطقة لتتيح الفرصة لروسيا لتقاسمها نفس الكرسي و تفرض عليها ابتلاع قرص بقاء الرئيس بشار الأسد بما يعنى ذلك من ارتدادات على وضع الرئيس و حزب الرئيس الأمريكي في الانتخابات القادمة ، أن أصبحت التفجيرات الإرهابية خبز الشعب التركي اليومي ، و حتى إسرائيل فهي تدرك أن "تمرس" حزب الله في سوريا و في معارك حرب العصابات سيقوى ساعده العسكري في أية مواجهة قادمة .
حين ذهبت إيران إلى محادثات النووي ، ذهبت بنفس الهدوء و بنفس الانضباط السياسي المعهود ، جهز الغرب المتآمر كل ترسانته التفاوضية و استعان ببنك معلوماته الصهيوني و السعودي و التركي ، فعلت المخابرات الغربية كل شيء لتخترق العقل الإيراني المفاوض ، حققت و دققت و صورت و استنتجت و قدمت خبرتها للمفاوض الغربي ، ما حدث في مفاوضات النووي معركة عقول و معركة إرادات و معركة انتزاع أوراق ، انتهت المفاوضات ، كانت نتيجة الفشل الغربي واضحة على وجوه المفاوضين ، كانت نتيجة الانتصار الإيراني واضحة على جوه المفاوضين ، بالنهاية رفع الحصار و انتهى الاشتباك بين الإرادات و زاد المفاوض الغربي إعجابا بصلابة الموقف الإيراني و هدوء أعصابه ، تنفس العالم الصعداء ، ارتفعت أسهم إيران في بورصة السياسة الإستراتيجية العالمية و لم يبق للناعقين في الخليج إلا الحسرة و مزيد من الإحباط .
حيث "ذهبت " الرياض إلى عاصفة الحزم ضد الشعب اليمنى ، استلقى الكاتب المصري محمد حسنين هيكل ضحكا و سخرية من رعونة ملك الفشل السعودي ، صحيح ، كان زبد الملك متطايرا و كان ولى عهده متجهما و ناطقه الرسمي باسم "الجيش" السعودي عابسا ، صحيح كان هناك صلف و غرور يسبق مرور الطائرات السعودية فوق اليمن و كان هناك وهم بالقوة و بالقدرة على هدم اليمن بمن فيه على من فيه نكالا في الثورة اليمنية و في تلك الجموع الشعبية الهادرة التي تجاوزت الفقر و البطالة و التهميش لتصنع فرحة اليمن السعيد ، لكن وهم القوة وحده لا يصنع الانتصارات العسكرية على الشعوب الحرة ، لكن ملك الفشل الأرعن الذي قتل الآلاف في موسم الحج و فشل في "بناء" مواسير و قنوات الصرف الصحي لم يكن في ذهنه أن يقنع بعدم قدرته على فرض انتصار القوة العسكرية على قوة الرفض الجماهيري اليمنى ، الفكر الخردة لا يصنع الانتصارات و لا يغير المعادلات الدولية و لا يفرض حلولا ، و الاستنجاد ب”أصدقاء اليمن” من مصر و السودان و الإمارات و إسرائيل لا يؤدى إلا لنفس النتائج الهزيلة في سوريا ، الفشل يولد الفشل و الفاشل يبقى فاشلا فالصفر لن يتحول إلى عشرة مهما حصل و القائد الصفر مكعب يبقى مجرد صفر على الشمال .
لقد تحدث بعض المتآمرين الخليجيين عن تخلى طهران عن الرئيس السوري ، ضربوا الودع و استعانوا بترسانة مجوقلة من المحللين الخائبين لقراءة بعض "القرائن" و الأدلة الزائفة ، عددوا الساعات و الأيام و السنوات و ضربوا كالعادة المواعيد و الأخماس في الأسداس ، أرسلوا كبير "مفاوضيهم" و كبير خونتهم و رئيس مخابراتهم الأمير بندر بن سلطان لمغازلة الرئيس الروسي ، وضعوا تحت يده و سلطته كل خزائنهم ، شيك سياسي على بياض ، في المقابل ، كان الطلب "بسيطا " بساطة عقولهم ، التخلي عن الرئيس بشار الأسد ، و كالعادة ، كان هناك فشل معلن و خيبة معلنة ، فالسعودية ليس لها دور في عقول الكبار ، و الاستعانة بالإرهاب كبديل لإقناع روسيا كان قراءة سياسية سعودية فاشلة أغضبت الكرملين و دفعت طائراته إلى السماء السورية في تحد واضح و مباشر للدور السعودي اللقيط في المنطقة ، اليوم ، يتحدث عادل الجبير عن وجوب البحث عن حل سياسي مع طهران و الكرملين ، و رغم اغتيال الشهيد باقر النمر فستظل طهران هادئة و ستبقى الرياض غارقة في كذبة الانتصارات الوهمية على "أعدائها" العرب .
المصدر : بانوراما الشرق الاوسط