السعودية منزعجة من مواقف لبنان الاخيرة في جامعة الدول العربية وكذلك اجتماع منظمة التعاون الاسلامي ، بسبب امتناعها عن التصويت لقرار يدين ايران بالتدخل في الشؤون السعودية والعربية التزاما منها بالحفاظ على الوحدة الداخلية في لبنان .
لماذا تودّ السعودية اجبار لبنان على معاداة ايران؟
تنا
26 Jan 2016 ساعة 14:14
السعودية منزعجة من مواقف لبنان الاخيرة في جامعة الدول العربية وكذلك اجتماع منظمة التعاون الاسلامي ، بسبب امتناعها عن التصويت لقرار يدين ايران بالتدخل في الشؤون السعودية والعربية التزاما منها بالحفاظ على الوحدة الداخلية في لبنان .
دوللي بشعلاني
انتقدت السعودية موقف وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي يُمثّل موقف الحكومة اللبنانية في جامعة الدول العربية لأنّه امتنع عن التصويت لقرار يدين إيران بالتدخّل بالشؤون السعودية الداخلية، بعد اعتراضها على إعدام المملكة للشيخ المعارض نمر باقر النمر. كما تكراره لموقفه في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدّة حيث امتنع لبنان عن التصويت التزاماً منه بسياسة «النأي بالنفس» التي تتبعها حكومته، والتي لا تخلّ بأي إجماع عربي إنّما تحفظ الوحدة الداخلية.
كما أصرّت في اللقاء التشاوري المغلق لوزراء الخارجية العرب الذي عُقد أمس الإثنين في أبو ظبي على تغيير لبنان لموقفه وإدانة إيران. علماً أنّه دان في اجتماع الجامعة الإعتداءات على البعثات الديبلوماسية للملكة في إيران، وكرّر هذه الإدانة في اجتماعي جدّة وأبو ظبي. فما الذي تريده السعودية تحديداً من لبنان، إذا ما اتخذ القرار المناسب لحفظ وحدته الداخلية، وهل يُناسبها أن يُعادي أو يوتّر علاقته مع إيران في هذه الفترة الذي عقدت فيها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية اتفاقاً نووياً معها وألغت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها؟!
في الواقع، يُشكّل «حزب الله» الموالي لإيران في لبنان بمفرده نصف المسلمين تقريباً المتعايشين مع المسيحيين منذ نشأة هذا البلد. ولا تأخذ السعودية أو سواها من الدول الخليجية هذا الأمر المهمّ بالاعتبار كونه غير قائم إلاّ في هذا البلد النموذجي للتعايش بين الأديان، بل تودّ المملكة معاقبة لبنان على موقفه الذي تكرّر في الإجتماعات العربية الأخيرة، على ما تقول أوساط ديبلوماسية، كونها لم تعتد على أن تقول لها أي دولة عضو في الجامعة العربية «كلا»، على موقف تودّ اتخاذه بالإجماع لتُظهر للعالم أحقية هذا القرار. ولهذا لم تتوانَ عن التعبير عن سخطها واستيائها من الموقف اللبناني، مبدية عدم اقتناعها بما تحجّج به لبنان على لسان وزير خارجيته أي «الحفاظ على الوحدة الداخلية دون الإخلال أو المسّ بالإجماع العربي». غير أنّ هذا الموقف هو الذي يحفظ فعلاً هذه الوحدة، فيما يُدخل أي موقف آخر البلاد في صراع جديد هو بغنى عنه، في الوقت الذي يُحاول فيه كلّ من «حزب الله» و«تيّار المستقبل» استكمال الحوار بينهما رغم كلّ ما حصل من مواقف علنية متشدّدة بين السعودية وإيران بعد إعدام النمر.
كذلك فمن حقّ لبنان الطبيعي، على ما تضيف الاوساط، الامتناع عن التصويت على أي قرار أو التحفّظ أو الإعتراض، وقد فضّل الامتناع انطلاقاً من حفاظه على سياسة «النأي بالنفس» عن صراعات المنطقة، إذ يكفيه ما يعاني منه منذ سنوات نظراً لتداعيات عدد من قضايا المنطقة على وضعه الداخلي والاجتماعي والاقتصادي والمعيشي.
وفي رأي الاوساط، أنّه لا يُمكن للبنان المهدّد اليوم من الإرهاب الرابض على حدوده وفي جرود بلدة عرسال، كما من إسرائيل التي تريد شنّ حرب جديدة عليه، أن يُزعج شريكه في الوطن أي «حزب الله»، والذي يردّ عنه كلّ الهجمات الإرهابية والاعتداءات الاسرائيلية الى جانب الجيش اللبناني. «فمن يده بالنار، ليس كمن يده بالماء»، تقول، وعلى السعودية أن تُدرك ذلك، لأنّها ليست هي التي تحمي لبنان من «داعش» أو من إسرائيل عندما يتعرّض للهجمات والاعتداءات، بل الحزب والجيش، ولهذا ليس عليها أن تُزايد، وتضغط على لبنان أو تُجبره على أن يُعادي إيران لأنّها «تجرّأت»، من وجهة النظر السعودية، وانتقدت قراراً اتخذته ونفّذته يخصّ شيخاً سعودياً، وإن كان من الطائفة الشيعية.
يريد لبنان في الواقع تحييد نفسه عن هذه الصراعات، على ما ترى الأوساط ذاتها، إذ يكفيه ما يتلقّاه، وما تتسبّب له أزمات الجوار من خلافات إضافية داخلية. فالحكومة تقف على شفير الهاوية، والكرسي الرئاسي شاغر منذ سنة وثمانية أشهر، ولم تقم السعودية أو سواها من الدول العربية، أو الخارجية، بمساعدته على حلّ مشاكله، بل نجدها تتفرّج عليه وتضعه في خانة الانتظار الى حين معرفة الى أين تتجه الأمور وما ستكون عليه حصّتها في المنطقة.
كذلك فليس على لبنان أن يُمتحن في عروبته، تشدّد الأوساط ذاتها، على ما تودّ السعودية الترويج له انطلاقاً من سؤالها: «هل لبنان بلد عربي أم لا، ولم لا يُثبت ذلك»؟ فتاريخ هذا البلد يدلّ على عروبته ولا داعٍ لإيقاظ حماسة العرب حول هذا الموضوع، فأين هم العرب من أزمات المنطقة، وأولّها القضية الفلسطينية، وهل تمكّنوا من حلّ إحداها على مرّ السنوات، أو من حماية إحدى الدول الصغيرة أو الضعيفة التي تنتمي الى الجامعة؟
ليس الوقت وقت عتاب، ولكن ثمّة سؤال لا بدّ من طرحه: لماذا لا تقبل السعودية بمواقف دول الجامعة وتحترم خصوصية كلّ منها، ولا سيما لبنان، البلد النموذجي في منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلّق بالعيش المشترك وملتقى الحضارات. ولماذ تودّ دائماً الضغط على الدول وإخضاعها لما يصبّ في مصلحتها دون سواها؟
لبنان لا يريد معاداة السعودية، ولا إيران، ولا أي بلد، باستثناء إسرائيل، على ما أكّدت الأوساط، لأنّه بحاجة الى علاقات مميزة مع جميع الدول بما يخدم مستقبله، وهو لا يُراوغ من أجل مصلحة أي بلد، بل يودّ الحفاظ على وحدته الداخلية غير الثابتة والمتأرجحة بين الارتهان لهذه الدول الكبرى أو تلك.
وأشارت الى أنّه على الدول العربية تفهّم مواقف لبنان بكلّ حرية، فهو لا يتخذها بشكل سلبي إنّما لحماية نفسه، من دون أن يوثّر ذلك على علاقته بأي دولة أكانت عضواً أو غير عضو في جامعة الدول العربية. كذلك فإنّ التقارب الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران، على ما لفتت الأوساط الديبلوماسية، يجب أن ينعكس تفاهماً بين السعودية وإيران أيضاً، لما فيه خير دول المنطقة، وليس العكس، وإن كان لا يزال للمملكة شكوك في نوايا إيران. كما أنّه على البلدين اتخاذ لبنان كنموذج جدّي لتعايشٍ مستقبلي بينهما.
رقم: 219687