وكالة انباء التقريب (تنا) :
تتراكم أزمات ومشكلات الأمة العربية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ولا نعتقد ان تاريخ البشرية قد شهد نموذجاً شبيهاً بالتكوين المركب المعقد لامتنا فالانعطافات الكثيرة التي مرت بها لم تمكنها من الاستجابة للعوامل التي توحد صفوفها بالرغم من توفر التماثلات بين شعوبها وأقطارها والقائمة على مقاربات الهوية والمصالح والتاريخ المشترك.. كما ساهمت في استفحال اوضاعها بتقاعسها عن الاجتهاد في بناء اطر العمل التوحيدية على اختلاف صيغها ومستوياتها التي تحقق التطور والتكامل والتجمع العربي وفشلت في تعزيز ما هو قائم منها أو تطوير واغناء ما يمكن ان يسهم في تعزيز كيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتأسيس مقومات وجودها المادي وقدرتها على الدفاع عن ثوابتها والتعامل مع التحديات لذلك اتسمت مسيرة النظام العربي بالضعف والتشرذم وعدم الفاعلية وغياب الحضور والعجز عن مواجهة الأزمات والمشكلات الداخلية والخارجية.
وفي المقابل نجد الكيان الصهيوني الذي دأب على استغلال كافة العوامل خاصة الدينية وتوظيفها لمصلحة مشروعه السياسي والاقتصادي الذي شكل بحد ذاته مشروع حرب تدميري على الأمة وكيانها ورسالتها الحضارية بهدف تحقيق اغراضه وغاياته الشيطانية عبر تزاوج المصالح الامريكية والصهيونية من خلال السيطرة والهيمنة علي الأمة العربية والإسلامية تارة باسم التطبيع والسلام وتارة أخرى باسم تغيرات العصر والعولمة واخيراً بالاقدام على استخدام القوة العسكرية واحتلال الدول والاعلان عن ادماج المنطقة ضمن مشاريع الشرق أوسطية وغيرها من مخططات الهيمنة.
ومن هنا يكون مفهوم السر وراء استمرار الخلافات العربية وتصاعدها واحتدام تأزم القضايا العربية واتخاذها ابعاداً جديدة غير معهودة من قبل فالصراع في الصومال انتقل من مستوى المحاكم الإسلامية المناهضة للتدخل الاثيوبي المدعوم خارجياً إلى مستوى الفصائل المختلفة للمحاكم الإسلامية ذاتها والازمة السودانية اسلمت النظام السوداني إلى تطور بلا سابقة من خلال صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف رئيس الدولة بل واضافة تهمة الابادة الجماعية إلي لائحة الاتهام في قضية دارفور وبالنسبة للقضية اللبنانية برزت بصورة أكثر حدة حالة الاستقطاب الاقليمي والتدخل الدولي بذريعة المحكمة الجنائية الدولية ايضاً الأمر الذي وضع لبنان على شفا حرب أهلية جديدة وتعريضه للتدخل الدولي ناهيك عن تصاعد العمليات الارهابية في اليمن وعودة الحديث عن انفصال الجنوب.. أضف إلى ذلك انتشار عمليات القرصنة وتزايد الوجود العسكري المكثف في جنوب البحر الاحمر بهدف تدويل مياه البحر الاحمر واخيراً تفجر ازمتي مياه النيل ومثلث حلايب بين مصر والسودان.
التغلغل الدولي
وأكد الخبراء ان المشكلة تكمن في عدم وجود إدراك لماهية الأمن القومي العربي ومقوماته ومصادر تهديده وكيفية مواجهتها وغياب القدرة على الاستفادة من الفرص المتاحة التي تفرزها التغيرات الدولية وارتباط بعض الدول العربية عضويا بالدول الكبرى لتحقيق أمنها الوطني على حساب الأمن القومي العربي وعدم تفعيل مؤسسة القمة العربية ومجلس السلم والأمن العربي والسماح بتغلغل التدخل الخارجي في شئون دول المنطقة الأمر الذي ادي إلي زيادة النفوذ الاقليمي داخل الوطن العربي لدول اقليمية غير عربية مثل إيران وتركيا.
والواقع ان التدخل الخارجي نجح في تأجيج الخلافات والتجاذبات وتزايد حدتها داخل النظام العربي وهي خلافات وتجاذبات ثبت انها ذات طبيعة ضاغطة على الأمن الاقليمي العربي بل وناسفة له هذا في ظل حقيقة ان الفكر السياسي العربي لم ينته بعد إلي صياغة محددة لمفهوم الأمن القومي العربي يواكب تحولات المناخ الاقليمي والدولي وتوازناته وانعكاسها على تصور وابعاد هذا الأمن.
كما ان عجز العمل العربي ما هو إلا انعكاس لتهالك المؤسسات العربية وعلي رأسها مؤسسة القمة والتي تنعكس بدورها على تهرؤ وتجزئة الأمن القومي العربي وايضاً لعدم وجود اتفاق على درجة ما تمثله إسرائيل من تهديد كما أنه لا يوجد اتفاق علي مدي ما تمثله إيران أو تركيا من تهديد للأمن القومي ولا يخفي ان هناك عوامل أخري مهمة ساهمت في تعميق ازمة النظام العربي وتردي أوضاعه.
العجز العربي
فمن ناحية أولى تجاهلت الدول العربية محاولات الكيان الصهيوني لتجاوز الطوق العربي والحصار الدولي على كيانه ومارست الصمت علي النجاحات التي حققها من خلال ما عرف "بسياسة القفز فوق الحواجز الاقليمية" وتمكينه من الاستمرار في سياسات ربط الدولة العبرية بأوثق العلاقات مع القوي الاقليمية الرئيسية بل واقامة جسور أمنية واقتصادية وسياسية تساعد على التخفيف من وطأة الحصار العربي والارتخاء وعدم التعامل بجدية إزاء التوجهات الخارجية الصهيونية الهادفة ليس فقط للانطلاق الصهيوني والتغلغل في قارتي آسيا وافريقيا وانما تفتيت واضعاف والاضرار بعلاقات الأمة العربية مع دول القارتين الآسيوية والافريقية وحرمان العالم العربي من أي مكسب معنوي سياسي أو مادي يمكن ان يشكل سندا للقضايا والحقوق العربية.
ومن ناحية ثانية سمح العجز العربي بدخول تركيا طرفا مباشراً في القضايا العربية كلها صحيح ان تزايد الاهتمام التركي بتمتين العلاقات مع الدول العربية يعود لجملة اعتبارات مركبة تدخل فيها العوامل الاستراتيجية والتحديات المشتركة إلا ان الأمر الملفت هو تقدم الموقف التركي على مواقف الدول العربية لاسيما في الصراع العربي الإسرائيلي والعدوان على غزة وفرض الحصار على شعبها الأمر الذي ادي إلى اتساع شعبية قيادات الدولة التركية حيث ظهرت بمظهر أكثر عروبة من بعض الدول العربية.
والحقيقة ان التراخي في تصفية بؤر التأزم وعدم التعامل بجدية مع تداعياتها ينذر بتفاقمها ولا يسمح برفاهة بقاء الوضع على ما هو عليه فالمؤكد ان ما تعانيه الأمة من ازمات وما تواجهه من تحديات لم ينشأ بسبب فقر الامكانات المادية أو ضعف في القوة البشرية أو بسبب الافتقار إلي عوامل التقدم ومقومات الحضارة ولكن يرجع ذلك في الاساس إلي تخلي الأمة العربية عن اسباب التمكين في الارض واستسلامها امام مخططات اعدائها مما هيأ الفرصة كي ينقضوا عليها ويمزقوا دولها وشعوبها وينهبون مقدراتها وثرواتها ويتحكمون في مستقبلها.
د. عمرو أبوالفضل