إلى جانب من يقف الله.. "السنـة" أم "الشيعـة" ؟
أحمد الشرقاوي
قد يبدو هذا السؤال استفزازيا إلى حد ما، لأنه يضع طائفتين من المسلمين على طرفي نقيض، ليس في السياسة فحسب، بل في الدين على وجه الخصوص، وفي أهم أصل من أصوله، ونقصد بذلك ما له علاقة بعقيدة التكفير، وهو سؤال لا يمكن تجنبه بسبب ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من فرقة مفتعلة وصراع مدبر بليل، ولا نقصد التعميم، بل توصيف واقع قائم لم يعد من الممكن تغطيته بغربال..
لأنه عندما يصل الأمر إلى هذا المستوى من التكفير والإلغاء والإقصاء في حق طائفة كبيرة مؤمنة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقضائه وقدره خيره وشره، نصبح أمام عدوّين لا يبدو التقريب بينهما في الدين ممكنا إلا إذا ألغى طرف الطرف الآخر، وهذا هو ما تعمل عليه “السعودية” جاهدة اليوم من خلال محاولاتها المستميتة لمحاصرة الهلال الشيعي وضربه، وترفض أية دعوى للحوار الديني في إطار ما يعرف بالتقريب بين المذاهب، بالرغم من أن الصراع بينهما هو سياسي بامتياز.
ومرة أخرى لا نريد أن نعمّم، لأن المقصود باستعمالنا هنا لمصطلح “السنة” هو “السلفية الجديدة” بكل أنواعها وتلويناتها المختلفة الدعوية والجهادية، والتي اخترقت الإسلام السني الأصولي الأشعري السمح والمعتدل واختزلته في التيار الوهابي كما فعلت من قبل مع المذاهب السنية التاريخية حيث ألغتها وحلت محلها على أرض الواقع بين الناس من خلال حملات الدعوة المباشرة وغير المباشرة عبر الفضائيات التي تدخل البيوت من دون استئذان، ولم يعد الحديث عن “السنة” بمفهومها “الأصولي” القديم إلا ترفا فكريا لتبرير شرعية بعض الأنظمة الدينية في المنطقة على قلتها، بل حتى الأزهر أذعن للوهابية وسلم لها زمام الزعامة الدينية، في ما لم يعد لجامعة القرويين وجامعة الزيتونة من دور أو إشعاع يذكر وتحولوا إلى معالم تاريخية ليس إلا.
لقد سبق وتناولنا مسألة تكفير الوهابية للشيعة ووصمهم بالمجوس والرافضة وما إلى ذلك في مقالات سابقة، وتابعنا كيف أن الأزهر نفسه وتحت سطوة الدولار ذهب نفس المذهب مستغلا موقعه الرمزي للتأثير على الشعوب العربية بهدف تخويفها مما يسمونه بـ"التشيع"، والأمثلة في ذلك أكثر من أن تحصى ولا فائدة من إعادة سردها في هذا المقام..
ولعل آخر تقليعة طلع علينا بها مفتي الوهابية ورئيس ما يسمى بـ"كبار العلماء" عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الأحد، وصفه لشيعة إيران بـ"النبتة النجسة"، لأنهم "أعداء بيت الله الحرام ورسول الله" وفق زعمه، معللا ذلك بالقول، إن تجمعات الشيعة عند بيت الله الحرام لقراءة الأدعية ومراسم البراء التي يتم من خلالها تجديد الولاء لله ورسوله والمؤمنين والبراءة من المشركين والمنافقين كما حث عليها القرآن، تعتبر من البدع المجوسية في عرف الوهابية التي تدين بالولاء لأمريكا وإسرائيل.. جاء ذلك لتبرير سبب رفض الرياض شروط طهران للحج هذا العام بعد الكوارث الكبيرة التي عرفها هذا الموسم في السنوات الماضية، كان آخرها ما حدث في الموسم السابق وأدى إلى مقتل آلاف ضيوف الرحمن بسبب أخطاء جسيمة في التنظيم لا يقبلها عقل.
*** / ***
والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل مسلم عاقل ومسؤول هو: – هل يعتبر الشيعة فعلا كفارا كما يقول شيوخ الوهابية والسلفية الجديدة الدعوية و "الجهادية"؟..
هذا السؤال طرحته على عديد المسلمين في أوروبا والمغرب في إطار بحث خاص قمت به مؤخرا بطلب من جهة أوروبية رسمية، خصوصا في بروكسل ولندن ومدريد وطنجة، واكتشفت أن عديد الشباب من أصل مغربي اعتنق العقيدة الشيعية الجعفرية، وعددهم في تزايد كبير، ليس لأن إيران تروج للتشيع في أوساطهم كما تفعل الوهابية، بل لأن الناس بدأت تبحث عن الحقيقة من نفسها، سواء في الإنترنت أو الفضائيات أو كتب التراث.. والسبب وفق ما يقول البعض، أنه ثبت بشهادة مراكز الدراسات والبحوث وتقارير صحفيين غربيين كبار، أن أصل الإرهاب الذي لا يقدس الحق في الحياة ولا حرية التفكير والرأي هو الفكر السلفي الوهابي، في حين لم نسمع أن شيعيا فجر نفسه في الناس لسبب من الأسباب، دينيا كان أم سياسيا، والحقيقة، أن الإعلام الغربي لعب دورا محوريا في هذا التحول في الوعي لدى شريحة لا بأس بها من المهاجرين، في حين أن شبابا من الجيل الجديد يقود حملة تنوير نشطة لانقاد الجالية المسلمة من هذا الفكر الهدام الذي انتشر كالإيدز في صفوف المسلمين في العالم العربي وأوروبا.
بعض تجار الحرف الذين يشتغلون أبواقا عند "آل سعود" يحاولون تبرئة "الوهابية" من الإرهاب ويقولون أنها فكر سلفي معتدل ويتهمون إيران بنشر الطائفية والإرهاب في المنطقة بسبب ظلم "الشيعة" لـ"السنة" في العراق وسورية، ووصل بهم العهر حد اتهام طهران ودمشق بالوقوف وراء تأسيس "داعش، وكأن الناس أغبياء يصدقون كل ما يقال لهم من دجل، ولا يتحدثون عن ما يحدث لشيعة المنطقة الشرقية في شبه الجزيرة العربية ولا عن شيعة البحرين ولا الزيديين في اليمن، وكأن هؤلاء ليسوا مواطنين أصحاب حقوق بل طابور خامس يعمل لحساب إيران وفق زعمهم، وبالتالي لا يستحقون المساواة والعدل.. وللتنصل من مسؤوليتهم يتهمون الإرهابيين الذي فجروا في باريس وبروكسل مؤخرا بأنهم ينتمون للسلفية الجهادية التي لا علاقة لها بالسلفية الوهابية وفق زعمهم.
غير أن الواقع يفضح زيف ادعائهم، بدليل، أن عديد الشباب “السعودي” قام مؤخرا بحملة منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد مجموعة من الدعاة الوهابيين كالشيخ عائض القرني والشيخ محمد العريفي والشيخ سعد البريك والشيخ صالح الفوزان، حيث اتهموهم بالبدع والغلو والتحريض على الإرهاب وشق صف المسلمين والإتيان بأفعال تتنافى مع العقيدة الأصولية "السلفية"، كما اتهموا نظام "آل سعود" بالتحالف مع أمريكا و”إسرائيل” ضد العرب والمسلمين.. وهو الأمر الذي دفع بعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المطلق للخروج دفاعا عن شيوخ الوهابية واعتبارهم علماء أفاضل يحبون الله ورسوله ويحبون بلدهم ويدافعون عنه من أعداء يتربصون به شرا، مشيرا إلى إيران وحزب الله، ومذكرا بمحاولة اغتيال تعرض لها الشيخ القرني في الفلبين حيث رفض الناس الاستماع لهرطقاته وطردوه بقسوة.
كما لاحظ شيوخ "ال سعود" تحوّل جذري كبير لدى شباب أندونيسيا الذي بدأ يعتنق العقيدة الشيعية ويرفض دعاة الوهابية، الأمر الذي أثار جنون آل سعود الذين أنفقوا مليارات الدولارات على نشر الفكر الوهابي في أندونيسيا كما سبق وأشار الرئيس أوباما، ليفاجؤوا اليوم بأن صرحهم الذي شيدوه بالكذب والتضليل بدأ يتهاوى، وأن المجتمعات في آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا بدأت تكتشف الإسلام المحمدي الأصيل وتعتنق المذهب الجعفري أفواجا، دون أن تكلّف إيران نفسها عناء بعث الدعاة وشراء ذمم الحكام بالمال الحرام كما كانت تفعل "السعودية" منذ عقد السبعينيات للسماح لحاخاماتها بنشر جهلهم وفكرهم الفاسد الذي أساء للإسلام وسمعة المسلمين أيّما إساءة، والنتيجة ها نحن نراها ماثلة أمام أعيننا من خلال مشاهد الدماء والأشلاء والخراب الذي طال الإنسان والحضارة والعمران.
والذين يدّعون من كتبة "آل سعود" أن الإرهاب لا علاقة له بسلفيتهم الوهابية "المعتدلة كما قال جمال خاشقجي هذا الأسبوع في جريدة الحياة، نحيلهم إلى ما قاله الشيخ محمد العنزي والإمام السابق لجامع أبي يوسف بالرياض، والذي أعلن قبل أسبوع أنه ترك المنهج الوهابي التكفيري وتاب إلى الله، وأقسم بغليظ الأيمان أن “داعش” تتبع حرفيا مناهج الوهابية “السعودية” التعليمية في كل جرائمها، وأن ‘آل سعود’ ما زالوا يصرّون على تلقين الأطفال في المدارس والشباب في المعاهد والجامعات نفس الفكر التكفيري الإلغائي بالرغم من علمهم أن الإرهابيين يمتحون من هذا المنبع التخريبي الخبيث، واصفا عاهل المملكة سلمان بن عبد العزيز بـ”المجرم الذي قتل أطفال اليمن وسوريا والعراق بدعمه المطلق للوهابية والتكفيريين”، وبأنه يقدم الأموال لـ”نتنياهو” بهدف التآمر على إيران وسورية وحزب الله.. متسائلا: – “ماذا فعل أطفال اليمن يا سلمان لكي يكون هذا مصيرهم؟.. واليوم وزير خارجيتك يسمي الحوثيين بالجيران.. فمن كان المستهدف بحربك الظالمة إذن؟”.. وبذلك شهد شاهد من أهلها.. ونكتفي بهذا القدر حتى لا نطيل، فالشهادات في هذا المضمار أكثر من أن يختزلها هذا المقال المقتضب.
*** / ***
وعودة إلى موضوع التشيع في أوروبا وشمال إفريقيا، بعض الشباب الذيم قابلتهم في لندن قالوا لي.. “لقد تغيرت الأمور كثيرا خلال العقد الأخير في بريطانيا، وعديد المسلمين هنا – خصوصا من شمال أفريقيا – غيروا من منهج السنة إلى منهج الشيعة بعد أن اكتشفوا الحقيقة”..
وحين سألته عن نوع الحقيقة التي اكتشفوها، قال ما يلي:
انظر إلى ما وصلت إليه إيران اليوم من تقدم علمي وتكنولوجي.. هل كان هذا ممكنا لو لم تتوفر لذلك الأرضية الفكرية الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، خصوصا على مستوى المفاهيم والقيم والأخلاق والمناهج، وفق رؤية مستقبلية واضحة ومشروع حضاري يركز في جوهره على مسألة الاستثمار في الإنسان الإيراني كقيمة بغض النظر عن عقيدته أو مذهبه أوطائفته؟.. وقارن ذلك بحال العالم العربي اليوم، هل ما زال هناك شيئ اسمه الدولة الوطنية أو الثقافة القومية المشتركة أو حتى العقيدة والفكر الديني الواحد؟.. وأين صرفت خيرات المسلمين ومقدراتهم منذ عقود حتى الآن؟.. هل ترى في الوطن العربي شيئا اسمه تنمية وتقدم وازدهار؟.. ولا أريد الحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فكل إناء بما فيه ينضح..
لقد نجحت أمريكا بمعية بريطانيا و”السعودية” في تدمير هذا الرصيد المشترك الذي كان يعول عليه في العالم العربي لإقامة نوع من الوحدة ولو في شقها الاقتصادي كما فعلت أوروبا برغم توفر الوطن العربي على كل مقومات النجاح، ولم تقف النخب السياسية والدينية والفكرية في وجه هذا الطوفان الجارف.. وهذا يعني أن التغيير لا يمكن أن يأتي من هذه الأنظمة العميلة الفاسدة ولا من أحزابها ونخبها، بل من الشعوب، والبداية يجب أن تكون بتغيير الفكر وتصحيح العقيدة لأنه أساس الإقلاع نحو المستقبل أو القبوع في الانحطاط والبحث عبثا عن حلول من ثقافة القبور أو من النماذج الغربية المستوردة والتي أثبتت فشلها في المجتمعات المسلمة.
*** / ***
مجموعة أخرى من الشباب قابلتها في بروكسل فقالوا لي.. المشكلة أن الغرب لا يريد للعرب وحدة ولا نهضة ولا حد أدنى من التوافق والتلاقي، والشعوب العربية هي من تدفع ثمن أخطاء حكامها الذين كرسوا حياتهم لخدمة الاستعمار في حلته القديمة والجديدة، أجهضوا مشروع العروبة بالأمس واليوم يحاربون الإسلام بتواطؤ مكشوف من الحكام العملاء، وما دام الغرب هو من أوصلهم للسلطة فيستطيع بالتالي الإطاحة بهم كلما حاول أحدهم السير في الاتجاه المعاكس لسياساته.. وبالمحصلة، ها نحن نراهم يعملون على تشويه عقيدة الناس بعد أن اختزلوا كل المذاهب الإسلامية في الفكر الوهابي الفاسد وادعوا أنه فكر ينتمي إلى السلفية التي تمثل الإسلام الصحيح، وإذا كان ما يقولونه في هذا الباب صحيحا، فلماذا قال فيهم الشاعر العراقي الكبير أحمد مطر: "تسعة أعشار الإيمان في طاعة أمر السلطان، حتى لو صلّى سكران، حتى لو قتل الغلمان، حتى لو أجرم أو خان، حتى لو باع الأوطان، أنا حيران… فإذا كان.. فرعون حبيب الرحمن.. والجنة في يد هامان.. فلماذا نزل القرآن !؟؟".
إن أمريكا لا تريد للمسلمين لا إسلام القرآن ولا إسلام علي ولا إسلام عمر، بل تريد لهم إسلاما مُشوّها إلى أقصى الحدود عن الإسلام المحمدي الأصيل، صنعوه واختزلوه في "الوهابية" التي فرخت ما أصبح يعف بـ"السلفية الجديدة" على سنة ما يعرف في أمريكا بـ"المحافظين الجدد"، ومن باب التضليل قالوا للناس أنها تمثل الأصولية النقية على نهج السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، فيما الحقيقة أنها سلفية وهابية وإخونجية بريطانية صنعتها بريطانيا قديما وتولت أمريكيا اليوم الترويج لها..
ولم يجدوا من مدخل لتخريب عقول الشباب وبيعهم الوهم للتعويض عن اليأس غير شعار وإقامة الخلافة على نهج النبوية وتطبيق الشريعة، وأن الطريق إلى هذا الأمل يمر عبر “الجهاد” في الداخل، لأن جهاد المرتدين مقدم على جهاد الكفار، الأمر الذي يتطلب حكما هدم كل الأنظمة الديكتاتورية العلمانية والدينية القائمة وتطهير المجتمعات الجاهلية من الشرك والبدع الضالة ليعود الناس إلى الصراط المستقيم بحد السيف..
ورسالة هذا الإسلام الأمريكي الجديد تكمن في دفع الناس إلى الانهيار والكفر بالإسلام تحت وطأة عقيدة التوحش التي فاقت ما عرف به الخوارج قديما، بحيث أصبح هدف دواعش "السعودية" اليوم قتل المدنيين الأبرياء غير المحاربين وتدمير العمار والقيم والثقافة وطمس الحضارة والتاريخ.. وبعد الهدم يأتي البناء بحيث يتم استبدال كل ذلك بعقيدة العولمة، لما توفره من حرية ورفاهية، فتعفي الشعوب من همّ الانشغال بقضايا الدين والسياسة، وتنقل الشرعية والسيادة إلى مراكز الشركات العابرة للقارات حيث تصنع السياسات والدين والثقافة والقيم ونمط العيش والاستهلاك.. إنها نهاية التاريخ التي يصبح فيها المواطنون مجرد عبيد يسمون زبناء يتمتعون بحرية الاختيار بين السلع والمنتجات دون أن يكون لهم حق اتخاذ القرار بشأن النموذج السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يرغبون فيه وفق ثقافتهم ونمطهم الحضاري الخاص.. وبذلك تصبح الليبرالية المتوحشة والمعولمة هي الدين الجديد، والرب هو الدولار، والوطن هو العالم الافتراضي الفسيح، والعشيرة هي الشركة التي تشتغل فيها إن كان لك حظ ووفقت في الحصول على رقم تأجير تستبدل به اسمك وتذوّب فيه شخصيتك.
وحول حجم الطائفة الشيعية في بلجيكا قالوا: إن أتباع أهل البيت المقيمين ببلجيكا كثيرون ويتزايدون باستمرار، وهم منظمون ولهم مؤسستان كبيرتان: “مؤسسة الرضا” و”مؤسسة الرحمن”، ولديهم متحدثون رسميّون باسمهم مع السفارة المغربية والحكومة البلجيكية، ثم أضافوا: لا مشكلة لدينا مع إخواننا السنة، فنحن لا نروج للمذهب الشيعي لتأسيس طائفة منغلقة على نفسها بقدر ما نقدم التشيع لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، كحالة روحية دينية وثقافية تهم الجميع، والسنة هم أيضا محبون لآل البيت ومن يقول عكس ذلك فهو جاهل بالدين ويسعى للفتنة بين المسلمين، أما الاختلاف فهو حول بعض الطقوس والفروع التي لا تؤثر في الأصول ليصل الأمر حد تكفير جهة لأخرى، ولا ننكر أن هناك خلافا لكن في مجال السياسة، وهو أمر يخضع للعقل، لأن العقلانية تقتضي الابتعاد عن المسائل الروحية الدينية النقية وعدم إنزالها إلى مستنقع السياسة الآسن، ونرفض كل من يحرض على الفتنة حتى لو كان شيعيا، هذه هي قيمنا وأخلاقنا، ولا يمكن الحكم علينا بما يفعله بعض المندسين الممولين من الخليج، فليس كل من هب ودب يمكن أن يُنصّب نفسه داعية كما هو الحال مع دواعش العصر، ونحذر المسلمين من بعض الدعاة المنافقين الذين يتوجهون للمسلمين بالخطاب المتطرف عبر الإنترنت ويدعون أنهم يمثلون الشيعة ليسيئوا لنا، هؤلاء منافقون مأجورون، وبعضهم ممول من الكويت تحديدا.
*** / ***
مجموعة أخرى من الشباب قابلتها في مدريد، وسألتهم عن إسلام الجالية في بلد الكنيسة المسيحية، فقالوا: ما عاد الشعب الإسباني يؤمن بالكنيسة كما كان الحال من قبل، سنة 2006 كان هناك 75 % من الإسبان ينتمون إلى الكنيسة، اليوم هذا العدد نزل إلى أقل من 20 %، لكن هذا لا يعني أن الشعب الإسباني أصبح ملحدا، بل بالعكس أغلبية من تخلوا عن الكنيسة يؤمنون بالله، لكنهم يرفضون أن يكون بنيهم وبينه وسيط، عديد الإسبان اعتنقوا الإسلام والعدد يتزايد كل جمعة، ومنهم عدد لا بأس به آمن بالعقيدة الشيعية، لأن الناس هنا لا يؤمنون بالتبعية العمياء ولا بإسلام "الوراثة"، بل بالقناعة والاقتناع..
وع سنة المسلمين في بروكسل، بدأ عديد الإسبان يتشيعون، خصوصا بعد تفجيرات مدريد وباريس وبروكسل الأخيرة، ويرفضون الاستماع لشيوخ السلفية القديمة، والذين تبين أن 4 من كل خمسة منهم يشتغلون لصالح المخابرات المغربية والإسبانية ليتصيدوا التكفيريين، هذا علما أن أمريكا والغرب الأطلسي هم من صنعوا الإرهاب ويقولون أنهم يحاربونه، لكن في الحقيقة هدفهم هو تنفير الناس من الدين، ومشكلتهم مع "لشيعة" أنهم ليسوا إرهابيين، لذلك لا يستطيعون التضييق عليهم، بل على العكس، هم مرتاحون لهذا التحول وإن كان لا يزال بطيئا، بالرغم من أن اليمين المسيحي المحافظ يخاف من تمدد هذا التيار، وأمريكا وبريطانيا وفرنسا لا يريحهم هذا التحول لأنه يمثل البديل الحضاري الصاعد والمنافس لحضارتهم المادية التي دخلت مرحلة الأفول، ويسعون بكل الوسائل والسبل لتخريب إيران من الداخل، والتأثير على بعض الشيعة ليشكلوا الضد النوعي لشيعة إيران كما فعلوا مع الأصولية السلفية فحوّلوها إلى "سنة" ضد "السنة"، ويقومون بنفس الشيء التحريض في العراق لخلق ظروف حرب شيعية – شيعية بين أتباع قم وأتباع النجف، والأمر في الغرب لا يختلف عن ما يحدث في المشرق العربي حيث يسعون لإقامة ما أسماه سماحة السيد بـ”شيعـة السفـارة” على أساس مبدأ “فرق تسد”.
وها نحن نرى أن الوهابية اليوم تكفّـر كل من يخالفها العقيدة والرأي فتتهمه بالإرهاب بما في ذلك "السلفية الجهادية" الوهابية والإخونجية، بل والصوفية أيضا فما بالك بالشيعة والمقاومة كحزب الله.. ومن وجهة نظر عديد الشباب المُتنوّر، الحل لا يكمن في الصدام بين الشيعة والسنة أو السنة والسنة أو الشيعة والشيعة، بل في إعادة بناء الفكر على أسس جديدة، لأنه لا يمكن أن نتحدث عن مجتمع إسلامي أو أمة إسلامية في غياب القاعدة الأساسية التي هي الناس، وإرادة الناس من إرادة الله لأنها هي التي تفرض خياراتها سواء لجهة طبيعة الدولة أو النظام أو القوانين، لا العكس كما هو حاصل اليوم في الدول العربية حيث تفرض القرارات من فوق إلى تحت بسبب الجهل والفقر والتخلف والظلم والفساد، وهذه كانت أهم العوامل التي أفرزت ظاهرة الإرهاب، والإرهاب لا يمكن القضاء عليه إلا بتحرير العقل وتصحيح العقيدة بموازاة تطهير الأرض من رجس هذا الشر الذي لا تنفع معه مراجعة ولا حوار.
انظر اليوم، هناك أكثر من مليار مسلم سني في العالم ومقدار ثلث هذا العدد مضاف إليه من الشيعة، لكن المهم هو في النوع لا في الكم، لأن الله يحب المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف . ونحن نرى اليوم أن قلة مؤمنة وقوية كحزب الله مدعومة من إيران هزمت أقوى جيش صهيوني في المنطقة لم تقدر عليه جيوش الدول العربية مجتمعة، وأنقذت سورية من السقوط في يد التكفيريين، وانظر ماذا فعل أنصار الله بـ"آل سعود" حيث مرغوا أنفهم في التراب، وانظر ماذا فعل الحشد الشعبي بأمريكا بالأمس وبالتكفيريين اليوم برغم ما يتعرض له من تكالب ومحاولات إقصاء..
من هنا يحق لنا التساؤل: إلى جانب من يقف الله؟.. ومن نصره الله ومن هزمه؟.. وبالتالي، من في المنطقة اليوم يمثل الإسلام المحمدي الصحيح ومن يمثل الإسلام الأمريكي الفاسد ويدافع عن الطاغوت؟.. إيران أم "السعودية"؟.
*** / ***
في طنجة، كانت لي فرصة لقاء بعض الشباب الذي اعتنق التشيع، سألتهم عن وضعهم في المغرب فكان الجواب، أن الأمور تغيرت نسبيا نحو الأحسن، فالدولة اعترفت بنا أخيرا بعد محاولات حثيثة وحصلنا على ترخيص رسمي للعمل تحت الشمس، وهو اعتراف مزدوج بوجودنا كمذهب رسمي يحق له العمل الدعوي ونشر كتبنا وإقامة نشاطاتنا الثقافية من جهة، والسماح لنا بحرية ممارسة شعائرنا الدينية دون تضييق من جهة ثانية، وقد أثار هذا الأمر فقهاء الوهابية وبعض الشباب المتعصب الذي يهاجمنا بقسوة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعية ويحرض ضدنا ويزعم أنه لا يحق لنا ممارسة عملنا في بلاد يعتنق أهلها المذهب المالكي الذي هو المذهب الرسمي للدولة، هذا في ما الشعب المغربي مشهود له بحب آل البيت، والمغاربة يحيون منذ غابر الأزمان كربلاء في ذكرى عاشوراء، ويبني الأطفال الأكواخ في الأحياء ويشعلون فيها النيران لتذكير الناس بحرق اليزيد بن معاوية للكعبة.
وما يجهله هؤلاء الرافضون لوجودنا بشكل رسمي، هو أن أمير المؤمنين هو أمير الجميع مسلمين ويهود ومسيحيين ومسلمين سنة وصوفية وشيعة، وقد جاء الترخيص لنا في إطار احترام الدولة لحرية المعتقد لدى مواطنيها، وبعد أن تبين أن التطرف خطر على أمن المغرب واستقراره، ما حدى بالدولة لتعديل المناهج التربوية ومراجعة المقررات الدينية نحو التسامح والاعتدال والانفتاح.. وهذا أمر سيأتي أكله بعد حين لا محالة.
لكن ما يجهله هؤلاء السلفيون الجدد، يمكن تلخيصه في أمور ثلاثة:
* الأمر الأول، أن أمير المؤمنين هو من سلالة آل البيت حيث يرقى نسبه الشريف إلى الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهم السّلام وفق ما تؤكده شجرة النسب الرسمية بكل تدرّجاتها.
* الثانية، أن من كان نسبه الشريف ينحدر من آل البيت فلا يمكن أن يمنع من أراد من شعبه التشيع وممارسة عقيدته بحرية ما دام الإسلام يكفل للإنسان حرية المعتقد، كما أن المسلم لا يكون مؤمنا إذا لم يكن محبا لآل البيت الكرام، لقوله تعالى في محكم كتابه (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّركم تطهيراً) ومعلوم أن هذه الآية الكريمة نزلت في خمسة هم: النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين سلام الله عليهم. أمّا الآية: (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نَزِد له فيها حُسناً)، فهي تؤكد على نفس السياق الأول للآية السالفة، فقد سئل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: مَن قرابتك هؤلاء الذين وجب علينا مودتهم؟ فقال: (علي وفاطمة وابناهما)، وبالتالي من لا يحب آل البيت لا يكن لهم المودة خلافا لأمر الله روسوله.
* الثالثة، لا صلاة لمسلم مهما كانت عقيدته أومذهبه أو طائفته أو تياره أو مدرسته أو ملته إذا لم يختم الشهادة في عبادته بالصلاة على محمد وآل محمد، وبالتالي كيف يعقل أن يكفر البعض الشيعة وهم أتباع آل البيت.
أما الخلاف السياسي فلا شأن لنا به، فكل أمة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ولا نسأل عم ما كانوا يفعلون، وعلينا أن لا نخلط بين الدين والسياسة، صحيح أنهما لا ينفصلان لارتباط العمل في الدنيا بالحساب في الآخرة، لكن لكل مجاله ومرتبته، ومجال الدين القلب حيث تشرق الروح بنور ربّها، في حين أن مجال السياسة هو العقل، لأنه بالعمل العقلاني تجلب المصالح، لكن ليس على حساب الأخلاق.
ومن ينتقدنا بسبب اتباع سنة آل البيت بدل سنة الفقهاء نقول له أن سنة آل البيت هي سنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، لا سنة السلف من الفقهاء، بدليل قوله خطيبا في أمته وفق ما أورده زيد بن الأرقم (أنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور. ثم قال: وأهل بيتي، اذكّركم الله في أهل بيتي). وعن أبي ذر الغفاري قال: (ألا إن مَثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك).
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته). ويقول ابن كثير وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بغدير خم (إني تاركٌ فيكم كتاب الله وعثرتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض).
وأخرج الطبراني في الكبير قوله (نظر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال: أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم).
*** / ***
وللإشارة، فالحديث الذي أخرجه الطبراني هو الذي استوحينا منه عنوان هذا المقال، ويعني بالعربي الفصيح، أن كل من عادى آل البيت وشيعة آل البيت إنما يعلن الحرب على رسوله، وفي هذه الحالة فالله لن يكون إلى جانبه بل إلى جانب من يحبون آل بيت الرسول الهادي ويدافعون عن سنته التي زورها فقهاء بنو أمية لتمكينهم من الاستحواذ على السلطة باسم شرعية مزيفة، وها نحن اليوم نرى أن الوهابية سارت أيضا على نهجهم لتدمير الإسلام المحمدي الأصيل بمساعدة اليهود والغرب الأطلسي اعتقادا من سدنتها أنها ستصبح زعيمة العالم الإسلامي بمحاربتها للمسلمين وتآمرها على دينهم وأوطانهم وشعوبهم، وتحالفها مع الصهاينة واستقوائها بأمريكا من جهلها وغبائها..
إلا أن الله يمهل ولا يهمل، يملي لهم وعذابه شديد، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله..
المصدر : بانوراما الشرق الاوسط