الكل في فلسطين المحتلة من مسلم ومسيحي ندد بشدة بقرار منع الاذان حيث تجسدت الوحدة الفلسطينية في هذا المجال من خلال رفع الاذان في كنائس الناصرة والقدس ، ولكن المؤسف والذي اثار غضب المسلمين والفلسطيين خاصة هو الموقف المخزي لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي حيث اكتفت هاتين المؤسستين كالمعتاد باصدار بيانات تنديد واستنكار .
أسامة العرب
كلّ يوم يمرّ في هذه الدنيا، يكتشف فيه العالم أجمع مدى قباحة الوجه الحقيقي لـ"إسرائيل" ونهجها العنصري تجاه المجتمعات الأخرى، إذ إنه ليس من حق أيّ كان في العالم أن يقيّد حرية عبادة الآخرين، وأن يمنعهم بالقوة من تأدية واجباتهم الدينية. ففي 14 شباط 2014 أدلت "يوليا شترايم" من حزب "إسرائيل بيتنا" نائبة رئيس بلدية حيفا بتصريح شبّهت فيه صوت الأذان بـ«أصوات الخنازير البرية» داعيةً إلى منع الأذان في مساجد الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي 13 تشرين الثاني 2016 أقرّت اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريعات مشروع قانون منع الأذان في مساجد القدس والمسجد الأقصى والمناطق القريبة من المستوطنات وداخل أراضي فلسطين عام 1948، والذي تقدّم به عضو الكنيست عن حزب «البيت اليهودي» موتي يوغاف، وسيتمّ عرضه على «الكنيست» للمصادقة عليه. كما يمنح هذا القانون الشرطة «الإسرائيلية» صلاحية استدعاء المؤذّنين والأئمة للتحقيق معهم، واتخاذ إجراءات جنائية ضدّهم وفرض غرامات مالية عليهم.
إلا أنّ منع الأذان في مساجد الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يشكّل انتهاكاً عنصرياً سافراً لحرية عبادة المسلمين وحسب، وإنما واحداً من أخطر القرارات "الإسرائيلية" العنصرية، لكونه يأتي ضمن خطّة ممنهجة لإكمال تهويد القدس وكلّ فلسطين. ولهذا، ندّد وزير الأوقاف والشؤون الدينية يوسف ادعيس بقرار منع رفع الأذان، معتبراً أنّ هذا القانون يعبّر عن عنصرية تجاوزت الأبعاد السياسية لتصل إلى أبعاد دينية تنذر المنطقة كلها بحرب دينية، من خلال المساس بحرية المعتقدات ووسائل التعبير عنها كما كفلته الشرائع السماوية والقوانين الدولية. وأكد أنّ هذا العمل ينضح تطرفاً وعنصرية تجاه أبناء الديانة الإسلامية في القدس، وقال إنّ «هذه المصادقة لن تغيّر من الواقع الديني لمدينة القدس وحرية المعتقدات بها، بل ستجعلنا أكثر التزاماً بمقدساتنا وممتلكاتنا الوقفية، التي تعبّر عن هويتنا وثقافتنا الوطنية والسياسية».
كما قال المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، إنّ هذا القرار يأتي ضمن سياسة التعسّف والقمع «الإسرائيلي» والتدخل في شؤون العبادة، والاعتداء على الشعائر الدينية في الأراضي الفلسطينية بأكملها. كما أنه يأتي استمراراً لسياسة حرق المساجد وهدمها وإغلاقها، محذراً من تبعات هذه الممارسات الخرقاء التي ستجرّ المنطقة إلى عواقب وخيمة تتحمّلهما سلطات الاحتلال. وبدوره، ندّد المطران عطا الله حنا، بمنع الأذان، مشيراً إلى أنه على جميع الكنائس في القدس أن تستنكر كلّ المحاولات الصهيونية بمنع صوت الأذان بالمساجد، مؤكداً أنّ الوحدة بين الفلسطينيين لن تتزعزع في وجه هذا الاحتلال البغيض وممارساته التعسّفية التي تنتهك الحرمات.
وقد تجسّدت الوحدة الوطنية الفلسطينية بأبهى حللها عندما خرج صوت الأذان من الكنائس الفلسطينية لا سيما كنائس الناصرة والقدس، في رسالة إلى المحتلّ مفادها أنّ مَن يزعجه صوت أذان المساجد عليه الرحيل فوراً لأنّ فلسطين ستظلّ للفلسطينيين المسيحيين والمسلمين. كما عرّى هذا الموقف دولة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، مظهراً حقيقة كيانها العنصري والإجرامي المزيّف، ومبرهناً أنّ فلسطين كانت وتبقى الأنموذج المثالي الوحيد للتعايش بين الأديان. ولهذا، قال مفتي القدس السابق الشيخ تيسير التميمي، إنّ هنالك موقفاً ينبعث من وحدة وطنية متماسكة فلسطينية، ولا يمكن أن نُمكّن الاحتلال من أي مقدسات سواء إسلامية أو مسيحية، مؤكداً أنّ «فلسطين هي مسرى النبى محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد المسيح عيسى عليه السلام، وحينما تتعرّض فلسطين لتهديد مقدساتها الإسلامية والمسيحية يقف الفلسطينيون صفاً واحداً للدفاع عنها».
ولكنّنا نأسف كيف اكتفت جامعة الدول العربية الأربعاء الماضي فقط، بإدانة قرار منع الأذان في مساجد فلسطين، ومن ضمنها المسجد الأقصى، والإشارة إلى أنّ تصعيد الاستفزازات بهذه القرارات غير المبرّرة والتي تثير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تعني ضرب حرية العقيدة في الصميم. كما نأسف أيضاً كيف اكتفت منظمة التعاون الإسلامي بإدانة القرار وتأكيد أنّ استمرار مثل هذه الممارسات العنصرية من شأنها أن تقود إلى إذكاء الصراع الديني والتطرف والعنف في المنطقة، داعيةً المجتمع الدولي وخاصةً مجلس الأمن، إلى تحمّل مسؤولياته تجاه وضع حدّ لهذه الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة والمتكرّرة ضدّ الأماكن المقدّسة.
ولستُ أدري، هل ذهب الحياء من الوجوه، أم سقطت الأقنعة المزيّفة؟ فأين هي قرارات القمم العربية والإسلامية الرادعة؟ وأين الحرص على قضية فلسطين والقدس ومقدساتها؟ وأين هي لجنة الدفاع عن المسجد الأقصى؟ لا بل أكثر من ذلك، يدعو «النتن ياهو» المَجمَع اليهودي لزعزعة أساسات الأقصى وهدمه، تمهيداً لإقامة الهيكل المزعوم مكانه، ولا نسمع للعرب صوتاً أو حسّاً! ولو صادف وصدر عنهم بيان استنكار أو شجب فلا فائدة منه، ولا ترجمة ميدانية لمفاعيله؟ فيما تستمرّ «إسرائيل» بأسرلة الضفة والقدس واعتقال أطفالها وتهويد مقدّساتها؟
أكثر من ذلك، وفي هذا الوقت بالتحديد، نستغرب كيف تسمح بعض الدول العربية التي لا تخجل من نفسها، للمسؤولين الإسرائيليين بأن يطلّوا من على شاشات تلفزتها للتحريض على المقاومين؟ أو لبثّ سموم الفتنة بين العرب والإيرانيين؟ أو بين السنة والشيعة؟ وألم يروا بأن محور المقاومة هو الوحيد الذي يدافع اليوم عن عروبة وسنّة فلسطين؟ وبأنه الوحيد الذي يقدّم الدعم المادي والمعنوي لمختلف فصائل المقاومة؟ أم أنّ بيانات استنكارهم وشجبهم هي التي ستطلق عشرات آلاف الأسرى العرب من السجون الإسرائيلية؟ أم أنّ شكواهم للهيئات الأممية هي التي ستحمي المقدسات وتصون الأعراض وتعيد الحقوق المسلوبة في كلّ من القدس والضفة وغزّة؟ وفيما يسعى الاحتلال ولوبياته اليهودية الضاغطة لمحاربة حركات المقاومة وتفكيكها والتضييق عليها واغتيال قيادييها، تكاد تغيب عنهم الحلول؟ فلا شكّلوا رافعة لدعم انتفاضة الشباب الفلسطيني ولتصعيد المواجهة في القدس والضفة تأهّباً لمخططات الصهيونية التهويدية، ولا حرصوا على إظهار الهوية الفلسطينية ومواجهة محاولات تفريغ القدس المحتلة من مظاهرها الدينية الحقيقية؟ ولا حتى سعوا لإطلاق إمام المسجد الأقصى القابع في سجون الاحتلال منذ شهور عديدة؟ ولهذا، فلا ريب بأن نسمع الفلسطينيين يقولون بأنّهم لم يعودوا يعوّلون سوى على القلوب الحيّة لشعبهم المظلوم للتحرّر، ولا ريب أن نرى الأطفال تحارب بالحجارة والسلاح الأبيض الغطرسة الإسرائيلية، ساعيةً بدمائها البيضاء لترسّخ حقها المهدور في أرضها ومقدساتها، والذي لا ولن يسقط لا بالتقادم ولا بالتسويات المذلّة.
وها هي اتفاقية أوسلو مضى عليها 23 عاماً، ولم تحمل سوى المزيد من التقهقر والعذاب للشعب الفلسطيني، ومن بين كلّ التسويات المذلّة التي وقّعها العرب مع العدو لم نرَ واحدة منها استطاعت أن تعيد لهم شيئاً يذكر من حقوقهم المسلوبة، ولا نخطئ إنْ قلنا بأنّ العدو لم يذق طعم الهزائم المتكرّرة إلا على يد المقاومة اللبنانية مدعومة من محور المقاومة، لا سيما بعدما استعاد اللبنانيون أرضهم بشرف وبدون مقابل، فلا اتفاقيات استسلام وقّعت ولا سفارات «إسرائيلية» غُرست. وها هو ابن الجنوب يتنزّه في عقر داره حراً أبياً مستقلاً، وهذا وحده كفيلٌ بجعل سائر فصائل المقاومة تسير على الدرب نفسه. فتعالوا لنتغلّب معاً على هذا الوهم الكبير الذي اسمه «إسرائيل»، ولنريهم كيف تصنع الانتصارات!
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً