تعتقد اوساط دبلوماسية أنّ النظرة الأميركية من حزب الله قد تتغيّر مع الأخبار التي تصلها عن تمكّنه من دحر عناصر "جبهة النصرة" في غضون أيّام معدودة، وعن أنّه سيكون قادراً على ربح المعركة في نهاية المطاف، والقضاء على كلّ الإرهابيين والمتطرّفين الرابضين عند الحدود اللبنانية- السورية على طول السلسلة الشرقية البقاعية.
دوللي بشعلاني
تترقّب دول الخارج معركة الحسم التي تقوم بها المقاومة في جرود عرسال البقاعية للقضاء على الإرهاب الى جانب الجيش الذي يعمل على حماية البلدة وأهلها والنازحين السوريين في المخيمات القائمة فيها. وفيما أصبح في القسم الثاني من المرحلة الأولى من معركته وبات على قاب قوسين لإنهاء وجود «جبهة النصرة» في الجرود، يتجه فيما بعد الى المرحلة الثانية والأصعب للتخلّص من عناصر تنظيم «داعش» والمواقع التي يحتلّها في المنطقة.
وتقول أوساط ديبلوماسية أنّ أنظار دول الغرب تتجه نحو هذه المعركة، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي يزور رئيس الحكومة سعد الحريري على رأس وفد عاصمتها واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترامب وعدد من كبار المسؤولين للبحث في مسائل عدّة تتعلّق بمكافحة الإرهاب وعودة النازحين والعقوبات الأميركية على «حزب الله» وحلفائه، وتسليح الجيش اللبناني وما الى ذلك. وتعتقد الاوساط أنّ النظرة الأميركية من الحزب قد تتغيّر مع الأخبار التي تصلها عن تمكّنه من دحر عناصر «جبهة النصرة» في غضون أيّام معدودة، وعن أنّه سيكون قادراً على ربح المعركة في نهاية المطاف، والقضاء على كلّ الإرهابيين والمتطرّفين الرابضين عند الحدود اللبنانية- السورية على طول السلسلة الشرقية البقاعية.
علماً أنّ الموقف الأميركي من تنظيم «داعش» وفكرة القضاء عليه عسكرياً، لا يزال ملتبساً، فوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وفي تسريبات سابقة، أكّدت أنّ بلادها هي التي خلقت هذا التنظيم وتدعمه عسكرياً ومالياً مع بعض الدول العربية، بهدف إنهاء المقاومة في المنطقة، لا سيما منها «حزب الله» في لبنان المدعوم من إيران، و»حماس» في الأراضي الفلسطينية كونهما يُقلقان الوجود الإسرائيلي. فيما أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مرات عدّة، خلال عهده، أنّ التحالف الدولي الذي تقوده بلاده سيقضي على الإرهاب لا سيما على تنظيم «داعش»، غير أنّه لم يُفلح رغم كلّ الضربات العسكرية التي قام بها على عناصره ومواقعه في العراق وسوريا. ومن ثمّ جاء الرئيس الحالي ترامب ليعيد تأكيد هدف بلاده وهو القضاء على الإرهاب، إلاّ أنّ شيئاً لم يتحقّق بفضل الولايات المتحدة الأميركية أو التحالف الدولي، ولا حتى روسيا التي ضربت مرات كثيرة.
ولهذا، فإذا كانت النيّة الفعلية لدى الولايات المتحدة هي القضاء على «داعش» من دون مقابل، تضيف الاوساط، أو فرض الشروط على إيران أو النظام السوري خلال المفاوضات لإيجاد الحلّ الشامل للأزمة السورية، فإنّ ما يقوم به الحزب لا بدّ وأن يكون محط تقدير وإعجاب من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي. ولكن تدخّل الصواريخ السورية في المعركة من الجانب السوري قد تجده الدول الأخيرة عاملاً غير مساعد لمعركة الحزب، فقد يقلب معادلة أنّ الحزب يستطيع الإنتصار على الإرهاب بمفرده، من وجهة نظرها، ولهذا قد يكون لدى واشنطن مأخذ على هذا الأمر، قد تُسجّله أمام الوفد الرسمي اللبناني.
في المقابل، يرى المراقبون السياسيون أنّ معركة الجرود التي فُتحت هذه المرة يجب أن تنتهي مع مغادرة أو القضاء على آخر عنصر من المتطرّفين فيها الى أي تنظيم انتمى، ولا سيما على مقاتلي «داعش» كونهم يستقرّون في الجبهات الخلفية من الجرود. فإنّ ترك أي بقعة جغرافية أو أي موقع للإرهابيين، متى تقرّر إنهاء المعركة قبل أن تنتهي بشكل حاسم ومؤكّد في القضاء على جميع الإرهابيين، من شأنه أن يُعيدهم الى الجرود، وبأعداد أكبر. لهذا ليس من مجال لترك الثغرات، على غرار ما فعلت إسرائيل لدى انسحابها من لبنان، إذ تركت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا محتلّة لكي تبقى موطىء قدم لها، تستخدمها لتهدّد أمن المنطقة الجنوبية وتحديداً «حزب الله»، فيما لم يتمكّن المجتمع الدولي من إجبار إسرائيل على الإنسحاب من هذه الأراضي التي لا تزال تحتلّها رغم كلّ القرارات الدولية ذات الصلة.
فالمعركة إذاً لن تتوقّف، بحسب الأوساط نفسها، إذ لا يمكن أن تتراجع المقاومة والجيش في منتصف الطريق، مهما بلغ حجم الضغوطات التي يُتوقّع حصولها، لا سيما من بعض الدول التي تدعم «داعش» مالياً وعسكرياً، بحجّة التفاوض أو إيجاد الحلّ المناسب أو ما شابه. فالقرار قد اتُخذ بضرورة إنهاء التنظيمات الإرهابية، لا سيما بعد أن جرى دحرهم من الرقّة والموصل، ولهذا فلا يُمكن أن تُصبح جرود عرسال مقرّاً لهم بعد أن جرى القضاء عليهم في دول الجوار، وبعد أن جرى تفريغها من وجودهم.
وبرأي الاوساط، فإنّ إنقاذ لبنان من هذا الوجود الإرهابي من شأنه أن يعيد الهدوء والاستقرار ليس فقط الى هذا البلد، بل الى الدول الأوروبية أيضاً التي تسرّب اليها الارهابيون من دول المنطقة، على مراحل، وعبر طرق مختلفة. ولكن لأنّ بعض الإنتحاريين لا زالوا يختبئون فيها، وينتظرون التعليمات لتنفيذ الهجمات الإرهابية، تخشى، في الوقت نفسه، بأن يُكثّفوا هذه الهجمات بعد أن أصيبوا بالخيبة في الجرود، ليثبتوا لدول العالم أنّهم لا زالوا موجودين وقادرين على إخافة الجميع.
لهذا، لا بدّ وأن تترافق معركة الحسم في جرود عرسال، بحسب المراقبين، مع خطط طوارىء تنفّذها الدول الأوروبية لمنع حصول أي اعتداء إنتحاري في أي منها، ما يجعل الخسارة عنوان المرحلة المقبلة بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش». كذلك فإنّ التمكّن من القضاء على قادة هذا التنظيم من شأنه جعل عناصره يضيعون ويتفتّتون فيتوقّفون عن القيام بأي اعتداء بشكل إعتباطي.
وأكّدت الاوساط، أنّ وقف التمويل من مال ومعدّات عسكرية بعد قطع الطرقات المؤدية لذلك، لا بدّ وأن يجعل الكثيرين يعيدون النظر في فكرة الإستمرار مع المتطرّفين، أو العودة الى بلادهم وقطع أي صلة تربطهم بهم. وما تمّ كشفه في أحد كهوف جرود عرسال من قبل عناصر المقاومة، من أموال مكدّسة بالعملات الأجنبية من يورو ودولار يؤكّد أنّ بعض الدول الغربية تقف وراء تنظيم «داعش»، فهل وافقت على رفع يدها عنه، وهل ستتوقّف بالتالي عن مدّه بالتمويل، والبدء بمفاوضات تؤدي الى حلّ نهائي للأزمة السورية يوقف النزيف والتداعيات في دول الجوار؟