التحديات والمضايقات التي تواجهها الاقليات الاسلامية في بريطانيا قد زادت قياساً مع العاما الماضي بسبب التطورات الامنية والسياسية والاعمال الارهابية للجماعات المتشددة التكفيرية التي جرت في الاشهر الماضية .
>>
المسلمون في الغرب: بين تحدّي الإسلاموفوبيا والدّور التّجديديّ
تنا
2 Aug 2017 ساعة 10:26
التحديات والمضايقات التي تواجهها الاقليات الاسلامية في بريطانيا قد زادت قياساً مع العاما الماضي بسبب التطورات الامنية والسياسية والاعمال الارهابية للجماعات المتشددة التكفيرية التي جرت في الاشهر الماضية .
قاسم قصير
الزائر لبريطانيا في هذه الأيّام، قياساً على زيارة سابقة قبل عام تقريباً، يشعر بأنّ الأمور تغيرت خلال العام الذي مضى، فالتحدّيات زادت كثيراً، بسبب التطورات الأمنية والسياسية التي جرت في الأشهر الماضية من حوادث عنف واعتداء، سواء تلك التي استهدفت البريطانيّين من قبل عناصر متشدّدة تنتمي إلى تنظيمات إسلامية متطرفة، أو تلك الأحداث والاعتداءات العنصرية التي استهدفت البريطانيين المسلمين ومساجدهم من قبل عناصر يمينيّة متطرفة، ما زاد نسبة الإسلاموفوبيا في بريطانيا بخاصّة، وفي الغرب بعامّة، مع أن بريطانيا تمثل نموذجاً مهماً للمجتمعات الغربية التي يلعب فيها البريطانيون من أصول إسلامية أو عربية أو أفريقية أو آسيوية، دوراً فاعلاً في المجتمع وفي مختلف المجالات.
وزيادة مشاعر الإسلاموفوبيا في الغرب، هي الّتي دفعت منتدى الوحدة الإسلامية في لندن إلى إقامة مؤتمرين شاملين؛ الأوّل تحت عنوان: الإسلام وحملات التشويه، والثاني حول الحوار الإسلامي - المسيحي وجدوى هذا الحوار وآفاقه، وذلك ما بين 21 و25 يوليو(تموز) الجاري، وقد شارك في هذين المؤتمرين، حشد من الشخصيات الإسلامية والمسيحية من مختلف الاتجاهات، ومن دول متعددة (بريطانيا، فرنسا، كندا، مصر، العراق، إيران، لبنان، المغرب والجزائر).
وأهميّة هذين المؤتمرين، أنهما شهدا نقاشات معمّقة وصريحة حول التحدّيات التي تواجه المسلمين بشكل عامّ، وفي الغرب بخاصّة، إضافةً إلى الإشكالات التي تواجه الحوار الإسلامي - المسيحي، كما تناول المؤتمر الأول القضايا الإسلامية المختلفة، ولا سيما القضية الفلسطينيّة، وما يتعرض له المسجد الأقصى من مخاطر في هذه الأيام، وما يتعرض له دين الله من محاولات دؤوبة للتشويش على رسالته السّمحة وإنسانيّته المتميّزة. وقد ركّز المشاركون على تشجيع مبادرات العمل المشترك بين المسلمين كأمّة واحدة اختارها الله لتبليغ رسالته للبشريّة كافّةً، وتأكيد ضرورة التصدّي للظواهر السلبيّة التي ألصقت بالدين من بعض أبنائه والكثير من أعدائه.
وشارك العديد من العلماء والمفكرين من بلدان عديدة في النقاش الثريّ الهادف إلى طرح تصورات حول ما يمكن عمله للحفاظ على قداسة الدين في النفوس، وإزالة الحواجز التي تحول دون استفادة الناس كافّة من توجيهات السّماء. تطرقت محاور المؤتمر إلى التحدّيات والتهديدات التي تهدّد الوجود الإسلامي في الغرب، وعبّرت عن تجارب ثرية في ميدان التفاعل الحضاري والتعاون الثقافي بين المسلمين وسواهم من شركاء الوطن الغربي. ولم تخل المناقشات من سخونة وتوتّر في بعض الحالات، نظراً إلى ما تنطوي عليه مواقف الفرقاء من اختلاف، وخصوصاً إزاء بعض القضايا السّاخنة التي تعصف بالأمّة. مع ذلك، كان الجميع ينطلق من رغبة حقيقيّة في استشراف مستقبل العمل الإسلامي المشترك، بعد أن تهدأ العواصف المفتعلة، وتستقرّ رمال السياسة العربية المتحركة.
كانت المناقشات تعبيراً عن عمق شعور المشاركين بأوضاعهم غير المتوازنة إزاء الدّول الكبرى ذات الأثر في المنطقة العربية. كان هناك تعدّد مذهبيّ واضح، أضفى على المؤتمر قيمة معنويّة نادرة، وعمَّق الشعور بتفاؤل المشاركين حول مستقبل العمل الإسلامي المشترك، وخصوصاً في فضاءات الحريّة وحقوق الإنسان والانتماءات الفكرية والأيديولوجيّة.
إنّ هذه المؤتمرات، وما تطرحه من أفكار، وما يجري فيها من مناقشات، إضافةً إلى التواصل المباشر مع الشخصيات الفكرية والفعاليات الإسلامية المقيمة في الغرب، تؤكّد المخاطر التي يواجهها المسلمون في هذه البلاد، والتي تزداد يوماً بعد يوم. لكن في الوقت نفسه، فإنّ هذه المؤتمرات، وما يقوم به المسلمون من أنشطة متنوّعة لمواجهة هذه التحدّيات، والسعي لتقديم صورة رائدة عن الإسلام والمسلمين، وتعزيز التواصل مع أهل الديانات الأخرى، والقيام بأنشطة حواريّة واجتماعيّة وفكريّة مشتركة، كلّ ذلك يؤكّد أنّ هناك فرصة كبيرة يمكن الاستفادة منها من قبل المسلمين في الغرب، وبدلاً من أن يتحوّل الوجود الإسلامي إلى قوة سلبيّة كما يحاول البعض تصويره، يستطيع المسلمون ومؤسّساتهم وهيئاتهم المتنوّعة، أن يقدّموا النموذج الأفضل للإسلام والمسلمين، ولعلّ تطبيق بعض مقرّرات هذه المؤتمرات، ومتابعة الجهود التي بذلتها مؤسّسات أخرى، كالمجلس الإسلامي الأوروبي للإفتاء، يساهم بشكل كبير في الردّ على موجة الإسلاموفوبيا، بل يحوّل هذه الهجمة إلى فرصة كبيرة للتّعريف بحقيقة الإسلام وقيمه ومشروعه الحضاريّ التجديديّ والروحيّ، وهذا ما يحتاجه العالم اليوم.
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.
رقم: 277739