لم تكد تكشف التقارير الصحفية الأميركية عن توجه الرئيس دونالد ترامب نحو عدم المصادقة على الاتفاق النووي حتى شنّت الصحف الأميركية والغربية عموماً هجوماً عليه مستبقة القرار المرتقب الأسبوع المقبل بوصفه بـ"الحماقة الخطيرة" مبيّنة العواقب التي قد تنتج عنه لجهة عزل الولايات المتحدة الأميركية وإحداث انقسام بينها وبين حلفائها.
رغم التهديدات الأميركية تبدو أوروبا متمسكة بالاتفاق النوويبعد كشفها عن قرار ترامب المرتقب بشأن الاتفاق النووي نقلاً عن مصادر مطلعة على خطته، عنونت صحيفة"واشنطن بوست" افتتاحيتها بـ"حماقة ترامب الخطيرة بشأن الاتفاق النووي" وتحت هذا العنوان قالت إن الإجماع داخل فريق الأمن القومي دفع بترامب إلى التراجع عن تهديده المتواصل بالانسحاب من الاتفاق النووي لكنها رأت أنه سيشرع في ممارسة لعبة خطيرة لا طائل منها أشبه بلعبة حافة الهاوية مع طهران من خلال رفض إعادة التصديق على الاتفاق.
وقالت الصحيفة إن "مثل هذا الإعلان ينطوي على خداع ويمكن أن يؤدي إلى مسار قد يتسبب بإنهاء الاتفاق" مشيرة إلى أن معظم مؤيدي قرار ترامب لا يفضلون الخروج من الاتفاق من خلال إعادة فرض العقوبات.
ورأت الصحيفة أن التهديد الأميركي الضمني بالانسحاب سيبدو أجوفاً في ظل مواصلة إيران امتثالها للاتفاق داعية الكونغرس إلى عدم الانسياق لحماقة ترامب من خلال تغيير الوضع الراهن الذي بالرغم مما فيه من عيوب يحول دون نشوب أزمة نووية، على حدّ تعبيرها.
وفي مقالة أخرى حملت توقيع ديفيد اغناطيوس وجّه الأخير سؤالاً لصقور الإدارة الأميركية في ما يتعلق بإيران "لماذا ستقبل أي دولة بعد اليوم توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة إذا كانت الأخيرة ترفض المصادقة على اتفاق يلتزم به الطرف الآخر".
العلاقات مع أوروبا في خطر
دق ناقوس الخطر من قبل "واشنطن بوست" على ما يبدو مرتبط بجوانب كثيرة منها ما هو مرتبط بعلاقاتها مع حلفائها الأوروبيين. فقد نقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى في إحدى الدول الأوروبية الثلاث التي وقعت على الاتفاق أن خطوة ترامب يمكن أن تؤدي إلى انهيار النظام العالمي المتعدد الأقطاب واصفاً الأمر بالأزمة الكبيرة، فيما نقلت عن آخر قوله "لن نتبع خطى ترامب في التنصل من التزاماتنا الدولية في هذا الاتفاق" مشيراً إلى أن أيا من دول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرين ستقدم على ذلك بما فيها الدول التي وقعت على الاتفاق.
وتابعت الصحيفة الأميركية أن الأوروبيين يصرون على أن كل من تحدثوا إليه داخل الإدارة الأميركية باستثناء ترامب نفسه أعرب عن معارضته لقرار الأخير بعدم المصادقة، لكنهم وصلوا إلى استنتاج بأن قراره كان مفروغاً منه وبالتالي حوّل هؤلاء انتباههم نحو الكونغرس حيث إنه حتى بعض الجمهوريين ممن لطالما عارضوا الاتفاق أعربوا عن قلقهم من أن إعادة فرض العقوبات قد تزيد الأمر سوءاً.
وقال أحد المسؤولَين الأوروبيين اللذين تحدثا إلى الصحيفة "ما فهمناه أن الكونغرس لا يميل باتجاه نسف الاتفاق من خلال التصويت على عقوبات فورية" مضيفاً نقلاً عن موظفي الكونغرس أن لا شيء تقرر بعد.
بالرغم من ذلك أعرب المسؤول نفسه عن القناعة بأنه سيتم تقديم مشروع قانون في الكونغرس في هذا الاتجاه من قبل عضو مجلس الشيوخ الجمهوري السيناتو توم كوتن متوقعاً أن يتسبب الأمر بأزمة في أوساط الجمهوريين حيث لا أحد يريد أن يظهر بموقع المدافع عن إيران أو أوباما.
وتابع المسؤول نفسه أنه "حتى لو لم يقتنع الزعماء الأوروبيون فإن رجال الأعمال الأوروبيين هم أكثر عرضة للعقوبات الأميركية في حال واصلوا التعامل مع إيران، أما إذا فشلت الإدارة الأميركية في ذلك فإنها لا شك ستجبر على القيام بعمل ما ولدى الولايات المتحدة القدرة على تدمير البنية التحتية النووية لإيران. وإذا قرروا إعادة بنائها يمكن تدميرها مرة أخرى إلى أن يفهموا ذلك.
واستحضرت الصحيفة ما قاله السفير الفرنسي لدى واشنطن جيرار آرو حين ذكر "الأصدقاء الأميركيين" بأنه كان على أوروبا أن تتحمل لسنوات طويلة عبء الخسائر المادية الناجمة عن العقوبات على إيران منذ فرضت عليها حيث كانت لا تملك الولايات المتحدة أي علاقة تجارية معها.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي في جنيف أن الأوروبيين يبحثون خيار إحياء اللوائح التي كان يستخدمها الاتحاد الأوروبي من أجل حماية شركاته وافراده من العقوبات الأميركية الثانوية في التسعينيات.
وقال مسؤول تنفيذي في إحدى كبريات الشركات المتعددة الجنسيات "إن أي اتفاق من دون الولايات المتحدة سيكون هشاً للغاية" مشيراً إلى الأمر يصبّ في مصلحة المحافظين في إيران ومن شأنه أن يساهم في نقل السلطة إليهم.
من جهتها عسكت صحيفة "غارديان" البريطانية موقف كبار رجال الأعمال وأصحاب الشركات الأوروبية التي سبق أن بدأت العمل مع إيران قائلة إن هؤلاء يسعون للحفاظ على الاتفاق النووي بمعزل عن التهديدات الأميركية.
ونقلت عن بعض من هؤلاء قولهم إنهم مستعدون للقيام بكل ما في وسعهم من أجل إنقاذ الاتفاق النووي في حال انسحبت الولايات المتحدة منه.
وفي هذا السياق لفتت الصحيفة إلى أن وكالة ائتمان الصادرات الدنماركية وسّعت ضمانات التصدير إلى طهران حيث وقعت اتفاقاً مع وزارة المالية الإيرانية يسمح لها بمنح ضمانات مالية بقيمة 100% للشركات المستعدة لتصدير مواد دانماركية إلى إيران حتى لو أعيد فرض العقوبات. كما أن "دانسك بنك" المصرف الأكبر في الدنمارك وقع اتفاقاً مع 10 مصارف إيرانية.
ونقلت "غارديان" عن المسؤولين في الوكالة أن هناك قناعة تامة بأن الأوروبيين سيتمسكون بالاتفاق وإلا لما جرى تقديم هكذا أنواع من الضمانات.
دنيس روس: على الإدارة الأميركية تقديم حجج منطقية لإقناع الآخرين بقرارها
في مقالة له في "وول ستريت جورنال" قال المسؤول السابق في الأمن القومي الأميركي وأحد أبرز الصقور في الإدارات الاميركية السابقة دنيس روس "إن عدم مصادقة ترامب على الاتفاق لا يعني بالضرورة إلغاءه بل سيشكل ضغطاً على الكونغرس من أجل اعادة فرض العقوبات التي سبق أن رفعت عن ايران كجزء من الاتفاق" مضيفاً أنه "في حال أقدم المشرعون على ذلك لن تكون الولايات المتحدة قادرة على الالتزام بتعهداتها في اطار الاتفاق".
وقال روس إن مصير الاتفاق مرتبط أيضاً بالتبرير الذي ستقدمه الادارة الأميركية لدى اعلان رفض المصادقة عليه. إذ إن الاكتفاء بالحديث عن عدم امتثال ايران كما يقول ترامب ينطوي على مشكلة رئيسية نظراً لكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية سبق أن قالت إن ايران وفت بالتزاماتها كما أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قال الكلام نفسه. وبالتالي من المحتمل أن تسوق الإدارة الاميركية سببين لعدم المصادقة على الاتفاق: الأول أن الوكالة الدولية غير قادرة على تفتيش المنشآت العسكرية الايرانية. والثاني استمرار تطوير ايران لصواريخها البالستية. لكن أي من الحجتين وفق روس لن تقنع الأعضاء الآخرين في مجموعة الخمسة زائداً واحداً.
لذلك يوصي روس الإدارة الأميركية بالتأكيد أنها ليست بصدد الخروج من الاتفاق النووي وانها لا تطلب من الكونغرس إعادة فرض العقوبات، قائلاً "يجب عليها بدلاً من ذلك أن توضح أنها لن تقبل بسلوك إيران الخطير وان الهدف من عدم المصادقة تحذير العالم بأنه في مرحلة ما ما بين الستة اشهر والسنة المقبلة ستخرج الولايات من الاتفاق في حال لم تتم معالجة مسألة التجارب البالستية وسلوك ايران السيء في المنطقة".
روس رأى أن الإدارة الأميركية لا تزال تملك نفوذاً أقله على حلفاء الولايات المتحدة مشيراً إلى أن الزعماء الاوروبيين لا يريدون خروج الولايات المتحدة من الاتفاق لكن قدرتهم على المناورة محدودة سياسياً نظراً لكون ترامب لا يحظى بشعبية في بلدانهم. وبالتالي فإن تجاوبهم مع البيت الأبيض في ما يتعلق بخطوته تجاه إيران يبدو صعباً إلا في حال غيّر ترامب لهجته وأكد أن الولايات المتحدة تعمل مع الاوروبيين ولن تخرج من الاتفاق. ورأى روس أن البريطانيين والفرنسيين والألمان سيأخذون هذا الكلام على محمل الجد على نحو أكبر في حال عيّن ترامب مبعوثاً موثوقاً من أجل التوصل الى مواقف مشتركة معهم.
وخلص روس إلى أن تقديم حجج منطقية للأوروبيين أمر في غاية الأهمية قائلاً إن "الايرانيين سيحاولون تقسيم مجموعة الخمسة زائداً واحداً لعزل الولايات المتحدة. وسيلعبون على وتر المخاوف من استئناف برنامجهم النووي في حال أنهت الولايات المتحدة الاتفاق".