وكالة أنباء التقريب (تنا): مناخات التفاؤل بإتمام المصالحة بين فتح وحماس لم تدم طويلاً، فالجلسة الأخيرة الحاسمة التي كانت مقررة في العشرين من الشهر الماضي في دمشق، أرجئت حتى إشعار آخر، والسبب كما تقول الأطراف: رغبة فتح في تغيير مكان الاجتماع، وإصرار حماس على إجرائه في مكانه المقرر، وإن صحت هذه الرواية حقاً، فإن طلب فتح ورفض حماس، لا يقل أحدهما سوءاً و "لامسؤولية" عن الآخر.
في الأنباء أن مشادة بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الفلسطيني محمود عباس وقعت على هامش قمة سرت حول المقاومة والمفاوضات والغطاء وشبكة الأمان، قادت فتح لتغيير موقفها، وطلب نقل الاجتماع إلى بيروت أو أي مكان آخر، وهو ما رفضته حماس، ورأت فيه "ذريعة" لتراجع فتح عن توافقات سابقة، ليدخل الجانبان في "حفلة" تلاوم وتبادل اتهامات، قد لا تنتهي قريباً.
من جهتنا نعتقد أن "الانتكاسة" التي أصابت جهود المصالحة لا يمكن أن يكون سببها خلافا حول مكان الاجتماع، كما أن المشادات السورية - الفلسطينية، التي لا تخلو قمة أو اجتماع عربي منها، باتت مشهداً متكرراً في السياسة الفلسطينية والعربية، لا يكفي وحده لتعطيل المصالحة أو استئخارها، والأرجح أن هناك تطورات هامة، ربما تكون وقعت هنا أو هناك، تتحمل المسؤولية عن هذا التعثر.
وفقاً لمصادر عدة، فإن "رسالة أمريكية _ إسرائيلية" قاطعة في وضوحها، حطّت على مكاتب كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الفلسطينيين في رام الله، مفادها أن "فتح ملف الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية خط أحمر" ، وأن حماس في الضفة، يجب أن تظل في بؤرة "مهداف" الأجهزة الأمنية والتنسيق الأمني، لا أن تكون جزءا من السلطة والأجهزة وهيئات الإشراف عليها، وأن ذهاب السلطة بعيداً على هذا الطريق، سيفضي إلى وضع السلطة وأجهزتها في دائرة "العدو" بالنسبة لإسرائيل.
على الضفة الأخرى، تقول المصادر ذاتها: أن "هرولة" حماس للمصالحة، وخلو خطابها التصالحي من أي مضمون سياسي، وتركيزها على "النقاط الأربع" المتصلة بالانتخابات لجنة ومحكمة والأجهزة فكاً وتركيباً، في الوقت الذي تظهر فيه السلطة أعلى درجات الاستعداد للتفريط بـ"أقدس مقدسات" الفلسطينيين، من حق العودة إلى "إنهاء الصراع" مرورا بـ"إسقاط المطالبات التاريخية"، وعطفاً على التمهيد للاعتراف بـ"يهودية الدولة"، أمر من شأنه أن يلقي بظلال كثيفة من الشك على "صدقية" التزام الحركة، وجنوحها لتغليب مصالح فئوية ـ سلطوية ضيقة، على حساب المصالح الوطنية العليا وما يوصف بـ"البرنامج المقاوم".
الضغوط على السلطة للتراجع عن فتح ملف الأمن مع حماس، أثمرت تعثراً على جولات الحوار والمصالحة، وقد لعبت "دوائر أمنية ومخابراتية" فلسطينية وربما إسرائيلية ودولية دورها في إعادة تقديم "خطر حماس" على ما عداه من أخطار وأولويات، وفي هذا السياق جاء الكشف عن "أكبر مستودع للسلاح لحماس وكتائب القسام في الضفة"، هدفه ضرب السلطة والمس بالتزاماتها الأمنية، هكذا قال المسؤولون الأمنيون في رام الله، وقد حقق هذا الاكتشاف غرضه، إذ أعاد الاعتبار "للتنسيق الأمني"، وأدخل العلاقة بين "جنرالات الاحتلال" وجنرالات السلطة" مرحلة متقدمة من "العيش والملح" ، فها هم أرفع عشرة ضباط أمن فلسطينيين، يطوفون بصحبة جنرالات الاحتلال في متحف رابين في رامات أفيف، ويتناولون طعام الغداء في الطابق العلوي لأبراج عزرائيلي في تل أبيب، ومن نوافذ المطعم كان يمكن رؤية مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية، وعلى وقع الانخاب المتبادلة، تم استذكار جوانب "العظمة" و"العمق الاستراتيجي" في شخصية اسحق رابين، ولا شك أن نداءاته لجنوده بـ"تكسير عظام" أطفال انتفاضة الحجارة، كانت حاضرة بقوة في "نادي الضباط الأصدقاء".
تعثر آخر جولة من جولات المصالحة، لا يمكن أن يكون سببه خلافا على المكان، ثمة قوى عديدة ، لا مصلحة لها بالمصالحة، وثمة مصالحة لم تنضج شروطها بعد، وقد لا تنضج أبداً بين هذه المكونات والأطراف الذاهبة في طرق متغايرة، وسيبقى الحال على هذا المنوال، حتى تبرز على الساحة الفلسطينية، قوى قادرة على فرض أجندة مختلفة، وشق طريق استراتيجي بديل أمام الشعب والحركة الوطنية.