QR codeQR code

بين حق الاختلاف وضرورة الوحدة(1)

هاني ادريسي كاتب وباحث من المغرب، عضو اتحاد الكتاب العرب

27 Oct 2010 ساعة 0:35

الوحدة مطلب الأمة و مزاعم التكفيريين لا تغير من واقعه شيئا وطبعا إن التقريبيين والوحدويين هم غالبية الأمة بلا شك؛ وهذا ما يثير حنق الطغمة التكفيرية البائسة المعزولة المنفّرة والمدلسة في كل أحاديثها وأخبارها ، التي لم يحصد منها العالم الإسلامي إلا الذّل والهوان والتخلف والإرهاب والتآمر على مصيره.


اختيارات الإنسان الفكرية ليست حائلا بالضرورة دون نشدان توحّد الأمة وصيانة مصيرها من عبث العصبيات التكفيرية. إذ ليس هناك حدود لاختيارات الإنسان الفكرية. ولذا دعوت دائما إلى الاقتصاد في الاعتقاد والغلو في التفكير. ذلك لأن الاعتقاد بما أن موضوعه غير نظري فهو يقتضي اقتصادا، أما التفكير فهو يتطلب نفوذا في أقطار السماوات والأرض، فلا حدود له. 

نحن لسنا ضدّ الغلو حينما يكون غلوّا في التفكير المسلح بالعقل، بل نحن ضدّ الغلوّ في الاعتقاد الذي هو تمثّل لما تقررت منزلته تحت النظّر. إن موضوع الوحدة والتقريب بين المسلمين لا علاقة له باختيارات المسلم المعرفية. فليس أمام المسلمين سوى أن يسعدوا داخل اختلافهم وتعدديتهم أو يشقوا بفرقتهم ولن يحققوا الغرض. فلا بديل لهم عن الوحدة والتقارب. صحيح أننا ندرك أن العالم العربي يشعر بضعف قاتل وحساسية مفرطة تجاه النمو المضطرد للعالم الشيعي وقدراته. ولا ندري هل وجب أن يتوقف الشيعة عن نموهم وتقدمهم حتى لا يظن بهم الظنونا؟! مع العلم أن تطور المجال الشيعي هو قوة للإسلام وللعرب وللسنة إن هم غيّروا نظرتهم وتخلّصوا من دائي الشيعوفوبيا والإيرانوفوبيا. فهما مرضان فتّاكان أفقدا بعض العرب صوابهم وفوّت عليهم الكثير من الفرص والإمكانيات. مع أننا لا نجد هذا الهذيان الشيعوفوبي حاضرا لدى تركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية الإسلامي السنّي، والذي يعقد تحالفا خاصا مع إيران، كما لا نجد هذا الخوف المرضي لدى سوريا العربية التي وحدها تقود الصمود العربي ضد إسرائيل، ناهيك عن أطراف عديدة مثل باكستان وماليزيا وأندونيسيا و قطر وعمان وحتى والكويت والبحرين الإمارات نفسها تربطها علاقات خاصة تختلف في مستوياتها لكن لا تخرج عن حدّها الموضوعي والمقنع .
 
هناك إثنان فقط يشعرون بالرعب من العالم الشيعي اليوم: شرذمة ارتضت لنفسها نهج التكفير للمسلمين و تحاول تعميم رأيها السوداوي في العالم الإسلامي عبثا، وهم أخطر على المسلمين السنّة قبل الشيعة، كما دلّ تاريخهم الدّموي على ذلك. وهناك إسرائيل وحلفاؤها في الخارج والداخل الذين لا يميزون في حربهم على العالم العربي والإسلامي بين سنييه وشيعته، لأنّ علم الكلام ليس علمهم. وهو التواطؤ الموضوعي الذي نستشعره من خلال التحولات في الاستراتيجيا الخارجية للمنطقة. 

فحينما تصبح المعارك الطائفية مطلبا للاستراتيجيا الإسرائيلية والأمريكية، تحلّ الروح الخبيثة فورا في التيار التكفيري فيصبح له أبواق وضوضاء ؛ فهي خلايا انحطاط نائمة في العالم الإسلامي جاهزة للفتنة تحت الطلب. وبينما كانت غزّة تنتظر كسرا نضاليا للحصار، سعت تلك الطغمة إلى كسرها تحت رعاية إحدى جمعياتها لإقامة مؤتمر طائفي في غزّة. وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها استثمارا في عرض إحدى أمّهات المؤمنين، لا تهمهم سمعة الرسول الأكرم(ص)، وهكذا أرادوا أن يستغلوا الأمر في نشر الفتنة التي أرادوا لها أن تبدأ من غزّة المحاصرة التي لم يقدموا لها سوى الفتنة والتآمر على مقاومتها وليس النصرة. 

هكذا وفي أرض الكنانة تنتصب فضائية مشبوهة جمعت كل جاهل وقميء يحاورون أنفسهم ويشفون غليل أحقائدهم بالسب والشتم للمسلمين من دون حسّ مهني ولا نضج فكري ولا علم شرعي؛ فضائية تكفيرية بامتياز، هي ما جعل شيخ الأزهر الدكتور الطيب يصدم تهريجهم بفتوى تنبض بالمسؤولية وتضع عصى في عجلة الفتنة. ولم نجد في فضائيات الطرف الآخر من يملك أن يسب ويكفر طائفة من المسلمين وإن مارس نوعا من الاختلاف في الرأي. لأن الذي يتحمّل مسؤولية هذا البؤس الفتنوي ليس مجموعة الحمقى الذين كاد أن يرفع عنهم القلم أو شرذمة من الانتهازيين الذين يتاجرون في مصير الأمة وهم فئات لا تخفى على ناظر متفحص، بل المسؤولية تتحملها الدوّل التي تسمح بقيام فضائيات تكفّر المسلمين بصريح العبارة وبوقاحة لا نظير لها.
 
إننا ندرك أن مثل هذا لا محالة سينشئ ردود فعل لدى الطرف الآخر. وهكذا جميعا وجب أن ندرك سبب تمرّد بعضهم في الآونة الأخيرة وتجرّئهم على رموز المخالفين لهم، كردّ فعل على ما عاشوه ويعيشونه من استهتار بتراثهم ورموزهم وهضم لحقوقهم حتى أنهم شملوا بالسبّ واللعن رموز الشيعة أيضا، الذين رغم ما يكال لهم لا زالوا أوفياء لمصلحة الأمة وحرصا على مصير المسلمين جميعا. ومن هنا لا أرى في ما ذهب إليه السيد مجتبى الشيرازي والشيخ ياسر حبيب سوى ردّ فعل على هذا الأمر، إذ يحتاج الإنسان أن لا يسمع ولا يلهي نفسه باستفزازات التكفيريين حتى لا تتمكن منه غريزة ردّ الفعل. وما كادت تستدرجنا تلك الاستفزازات لكي نقع في محذور الطائفية التي عفانا الله من سورتها ولم يعد لنا من ردود فعلها سوى حجرا نلقمه لصناعها الفاشلين. لم يعد العالم الإسلامي غبيّا حتى تلعب بمصيره الحضاري شرذمة من الأعراب القمّل صنّاع وحراس هزائمنا، بل العالم الإسلامي يعد بأجيال لا تفيد معها رعونة التكفيريين الذين هم أدوات العدو الخارجي لتكريس انحطاط الأمة السياسي والديني والحضاري. 

نعم ندرك أن العالم الشيعي الذي هو جزء من العالم الإسلامي ووجب أن يكون كذلك من دون فروق، يمتلك من القوة والإمكانات لو أن عصبة التكفير امتلكت ثلتها أو أقلّ من ذلك لأبادت المسلمين عن بكرة أبيهم. فداخل هذا العالم يغلب موقف الوحدة والتسامح وروح المسؤولية تجاه عموم المسلمين. وقد أثار عجبي أنني في العالم الشيعي أسمع الحديث عن الأمة الإسلامية أكثر مما أسمعه في مناطقنا التي لم تفطم بعد عن أن تقسم المسلمين إلى فسطاطين ما أنزل الله بهما من سلطان. وحينما نقف على حقيقة اقتناع الناس من مختلف الطبقات والمستويات والحساسيات بفكرة ما أو نهج ما، فذلك دليل على أنه يملك شيئا أبعد من أن يكون مجرد جاذبية مغشوشة.
 
إننا نسقط في امتحان ثقافة احترام المختلف من هاهنا. وبالفعل من هاهنا فقط يتضّح إن كنّا حضاريين حقّا أم بقايا متوحشين في الأزمنة الحديثة. وفي هذا نعتبر كل مبادرة وكل محاولة تسعى للفهم والتقارب مهمّة ومحترمة بلا شكّ. ولا يحتاج الأمر إلى قلّة نوايا المغرضين في تأوّل كلامنا على نحو فاسد، لأننا لا نقصد في نقدنا أشخاصا بل نصف حالات قائمة. كما أن التحرّش بالآخر بحقد ليس طبعنا ولا أخلاقنا. ولا أخفي أنني لم أقرأ و لا أقرأ لأي مغربي حتى الآن في مجال التقريب أو محاولة تفسير المختلف لأنني لا أجد أي جديد في ذلك فضلا عن أنها محاولات مبتدئة جدّا في هذا المجال بالنسبة لإسلامييه الذين ينطلقون من خلفية اعتقادية لا تحليلية؛ وبالتالي لن تخلو من تساهل وتسطيح واجترار الموجود، ولأنها صناعة لم ترس بعد على قوائم من حديد في صقعنا؛ فضلا عن أنها صناعة لا تفيد من كانت المقارنة نهجا في حياته كلها والتأمّل المتجرّد في تراث المختلف اختيارا جادّا لم يسبقنا إليه سابق. 

فالقمش في تراث الآخر وممارسة الانتقاء أمر لا يعني لدينا شيئا لأننا ندرك ذلك التراث والطريق الأمثل والمشروع للتعاطي مع متونه التي فيها المعتبر وغير المعتبر. فهذا كما أكدنا مرارا لن يعلمنا إيّاه من سلك مسلك الخصومة ضد هذا التراث أو سلك مسلك ترجيح ملّته عليه. لكنّني أذكّر مرّة أخرى أنّني كنت ولا زلت متواضعا في هذا الحجاج لأن ما فعلته حتّى الآن هو أنّني عرّفت بوجهة نظر مدرسة مخالفة ولم أقم بمقارنة ولا حتى بتعريف مدرسة أمارس اختلافي المشروع والمعرفي معها كما لدي فيها ملاحظات معرفية ليس هاهنا محلّها. وكان من المنتظر ممن كان قلبه على مصلحة الأمة ووحدتها أن يقدّر هذا الموقف لأنه لا يردّني عن ذاك الحجاج راد من ضعف اقتدار أو لومة لائم أو مهارة في تعرية ما للمحاجج المغشوش من عورات مذهبية قاتلة؛ إن البيت من زجاج فافهم. ولأن زاويتي هذه ليس غرضها ما تنطوي عليه نوايا المغرضين بل هي زاوية فكر أستدرج فيها أحيانا لبيان شبهات ينفثها من لا شغل لهم غير الفتنة. يحدث بين الفينة والأخرى أن أقرع من خلالها رؤوس شرذمة ممن ختم الله على قلوبهم من التكفيريين المفلسين حتى لا يظنوا أن العلم انتهى عند آرائهم القاصرة. فلو شئنا لبسطنا حولها حديثا إلى يوم يبعثون وبهت عندها الذي كفر. 

إنني أنأى بنفسي أن أبسّط حديثا مبسطا وأمامي قرون من الحجاج والنقاش العريض الطويل الذي لم يؤدّ إلى نتيجة. إنّنا إذن في موضوع مختلف يهمّ مصلحة الأمة. لأنّنا لا نريد لهذا التجديف أن يحدث ردود فعل في العالم الشيعي الذي لا يزال يصبر على الكثير من الإهانات والتجديف في حقّه ومعتقداته من قبل شراذم تتسكع على موائد العم سام. وهم في قرارة أنفسهم يدركون ما يتمتع به هؤلاء من ضمير ومسؤولية في حفظ الأمة، لذا يقولون فيهم كل شيء ولا يبالوا. وهذا مطلب شرعي جدا: أن تفكر مسلما مهما كان اختيارك المذهبي. وطبعا إن التقريبيين والوحدويين هم غالبية الأمة بلا شك؛ وهذا ما يثير حنق الطغمة التكفيرية البائسة المعزولة المنفّرة والمدلسة في كل أحاديثها وأخبارها ، التي لم يحصد منها العالم الإسلامي إلا الذّل والهوان والتخلف والإرهاب والتآمر على مصيره. وهذه الطغمة بلا شكّ هي طغمة ستكون هي الخاسر الأكبر في أي حرب طائفية في المشرق العربي، لأنها لا تملك سوى أن تكون ظاهرة صوتية. وهي تدرك أن العقلاء لا يجارونها في فتنتها الخطيرة. وها هي بعد أن كفّرت المسلمين السنة واتهمتهم بالضلال والبدعة ومخالفة التوحيد في الألوهية والربوبية وحملت عليها حملاتها المشهودة، هاهي تختفي وراءهم لتقحمهم في فتنة لا علاقة لهم بها.
 
فالتكفيريون الذي كفّروا الشيعة هم أنفسهم من كفّر الأشاعرة والصوفية والمالكية المتأخرين وأتباع المذاهب الأربعة، وقد شعروا اليوم بالإفلاس. لقد كان رأيي ولا يزال أن استيعاب المختلف ونهج المقارنة الموضوعي لم يكن يوما ثقافة تكفيرية مهما تسترت خلف السنة العريضة التي تمثل غالبية العالم الإسلامي الذي تتهمه شرذمة شاذة من التكفيريين بالضلال. نتمنّى أن تتطور الثقافة المقارنية عندنا لكي نخرج من سلفويتنا وسلبيتنا وتوحشنا تجاه الآخر، فهذا هو المطلوب. ولنترك الأستاذية البائسة التي يتمثلها كوكبة من الدعاة الفاشلين تجاه المذاهب المخالفة في فضائيات الفتنة الطائفية. فلا العرعور المعرعر يفقه في المقارن ولا دمشقية المتمشدق يعرف أصول الخلاف ولياقته الموضوعية ولا باقي الكوكبة المتسافلة بالنقاش إلى تدليس المدلسين سوى نثارات جاهلية وعصبية وبؤس خِلقي وخُلقي. فلست من عالمهم، بل أنا من عالمك ومن بيئتك ومن ثقافتك لكنني رفضت الشوفينية والطائفية والعرقية والحواجز الصلبة التي يصطنعها زبانية الإرهاب الفكري والثقافي والديني. 

لا تحاول أن تجعل منّي أجنبيا دخيلا، فأنا من وطن قدّم فيه آباؤنا دماءهم في معارك التحرير والمقاومة ضد الاستعمار ربما لم يكن آباء بعض التكفيريين سوى خونة وعملاء للحماية. لست سوى كائن متحرر وثائر على عصبيتك واستهتارك بالآخر. فحتما ستجعل منّي أجنبيا لأنني خالفتك نظرتك التعسفية وحاولت أن أكون إنسانا لأمارس تسامحي مع الآخر. فكيف تدور "الدارة" ليعلمنا غير المتسامحين المتقوقعين دروسا في التسامح وكيف تدور الدائرة ليعلّمنا أبناء الخونة وعملاء الاستعمار دروسا في الوطنية. إننا لا نزايد على أحد، فلم يا ترى يسعى حتى صغار القوم أن يزايدوا علينا بالوطنية ويتأستذوا فوق رؤوسنا بجهلهم وبساطة المحتوى. 

إن حديثي منذ البداية يسعى لإدخال طائفة من المسلمين في حظيرة الإسلام، بينما تسعى شرذمة قليلة إلى إخراجها من الإسلام ـ وكأنّ الإسلام دين اصطنعه أبوهم ـ أو تأبيد خطئها بتمجيد طريقتنا الأثيرة دائما وتأكيد معصومية اختياراتنا كما لو أننا خلقنا على صواب وسنموت على صواب والآخر مخطئ مسبقا. إننا نمارس طفالتنا بامتياز حينما نتشبت كأطفال بآرائنا وأحيانا نتوسل بالشقاوة والبكاء والضجيج لإقناع الآخر بأنه على خطأ ونحن على صواب؛ يريدون من المختلف أن يقول لهم : بابا ، خلاص .. استسلمنا أنتم على حقّ.. هل أعجبكم ذلك؟ هذه نزعة طفالية مرضية حينما يتمثلها الكبار. لذا نقول إنكم لا تملكون الحقيقة كما تعتقدون، بل أنتم كسائر أبناء هذه الأمة ليس لكم إلا أن تدافعوا عن آرائكم رأيا مقابل رأي ولا تحتكروا الإسلام ولا كل قيمه. لا توجد في طريقة هؤلاء مهما تحايلوا وخاتلوا وتلوّنوا سوى المنطق نفسه: أنا على صواب وأنت على خطأ. ولا أخفي أنني قلّما أنتبه لما يقال عندنا لأنني أعرف أنه ليس سوى صدى لما يقال هنا أو هناك، لذا أستهدف في حديثي العالم الإسلامي والسلفية في عقر دارها ومراكزها وشخوصها الكبار ولا أعني صيصان السلفية ونابتتها من المقلدة الذين طلع عليهم النهار متأخرا. 

لقد رددنا قبل سنين عديدة، على كبارهم من أمثال الجبهان وإحسان إلهي ظهير وغيرهما ولم يعد من المحرز أن نناقش مقلدتهم من العراعرة والمتمشدقين وضاربي أخماس بأسداس. أفلا يخجل المقلدة أن يبارزونا بما رددناه على شيوخهم في نقاش قديم لم يعاصروه. وهل ليس لنا من وقت لكي نمضغ في الشبهات وقد بححنا في ردّها. أم يجدون راحتهم وهوايتهم في الضجيج واللجاج أما جماهير لا تحسن التحقيق، لأنهم لا يحسنون إلاّ العيش على تكفير المسلمين ومواجهة صريح الأدلة بتأوّلات سفيهة. لا يوجد سليفي مغربي واحد يملك رأيا خاصا جديدا سوى تقليد بليد ممضوغ "ممرمد" لشيوخ نجد هداهم الله إلى الصواب.
 
كما أن حديثي عن الوحدة والتقريب يستحضر كبار العلماء والمفكرين من هذه الأمة في الأزهر الشريف والزيتونة والقرويين والنجف وقم وباقي العواصم والمراكز العلمية في العالم الإسلامي، وطبعا لا نتحدث عن خوارج الأمة الذين هم قلة قليلة لا يعتد برأيها، ولا مجال لإقناعها، إذ عجز علي بن أبي طالب عن إقناعها. ولقد أجبنا بإشارات تغني اللبيب عن كل شبهاتهم لكن لات حين مناص، حتى نسوا حظّا مما ذكّروا وعادوا إلى مضغ الشبهات نفسها كما لو لم نتطرق إليها: فالأسطوانة مشروخة والأحجية والتدليس لا ينتهي، لأن المطلوب من هذه الشرذمة لا التفكير ولا الإقناع بل الضوضاء والتشويش إلى يوم يبعثون : فلنتركها على هوايتها إلى يوم يبعثون. ولن نمنحها وظيفة على حساب وقتنا والتزاماتنا تتزلّف بها إلى دهاقنة الفتنة ومراكزها.
 
والمطلوب أن تمضي الوحدة بين المسلمين إلى نهايتها، ولنقذف برأي التكفيريين الحاقدين الهمل الرعاع إلى مزبلة التاريخ، لنفعل ذلك كسنة وشيعة. مع أننا نتمنّى لهم الهداية إلى الرشاد وأن يملأ الله قلوبهم محبّة بعد أن ملئت سمّا وحقدا وظلاما على المسلمين. فهم في اعتقادنا مسلمون باغون على إخوانهم، ما لم يقعوا في نصب، ولا تهمنا جنتهم ولا نارهم بل يهمنا أن نكشف عن الشبهات التي ينثرونها في العالم الإسلامي تجاه المسلمين المختلفين معهم كذريعة لتكفيرهم وإخراجهم من الملّة و لزرع الفتنة في العالم الإسلامي وتفويت المصلحة على المسلمين في التقدم والتنمية والتضامن. 

وعليه ، أردنا أن نساهم ببعض الأفكار حول التقريب بين المسلمين؛ لا يردعنا عن هذا الواجب ضوضاء الأقلية المتعصبة وتشغيبها، من أتباع الدرعي والحرّاني التي جمعهم ذات مرّة محمد علي باشا تحت شجرة، مسائلا إياهم بما معناه : إن كانت تكفيكم شجرة واحدة فلم تحرمون المسلمين من جنة عرضها السماوات والأرض. فرحمة الله واسعة وجنته عريضة، والإسلام واسع يدخله كل من نطق الشهادتين. إننا ندرك لعبة التكفيريين الذين يخدعون الأمة بنشر الفتنة والتهريج ونفث الكذب على من خالفهم الرأي من هذه الأمة. وإذا كانوا مستعدين لخدمة أسيادهم في تمزيق العالم الإسلامي كما كانوا دائما، فإننا نواجه ظلاميتهم بتنوير المسلمين، كما نواجه فتنتهم بإحباط مؤامراتهم. فإننا نعتقد أن مكرهم ضعيف. لذا فحديثنا كان ولا يزال موجها إلى عقلاء الأمة جميعا بكل أطيافهم، أما شرذمة التكفير الظاهر منهم والباطن، فإهمالهم أولى.


رقم: 29500

رابط العنوان :
https://www.taghribnews.com/ar/article/29500/بين-حق-الاختلاف-وضرورة-الوحدة-1

وكالة أنباء التقريب (TNA)
  https://www.taghribnews.com