الخطاب العربي الإسلامي توافق في عصور من الزمن التاريخي. و غلب على أمره حقباً من التاريخ فتفارق. و ما بين حدي هذه المعادلة : التوافق, و التفارق ولدت المعضلة العربية الإسلامية, و دخلت السياسات الأجنبية بينهما, و تحول العمل العربي عن مشارفه الإسلامية, و الإسلامي عن مشارفه العربية فضعف الاثنان لمصلحة الغرب الإمبريالي و الصهيونية المتنكبة متن هذا الغرب و المسخرة له تسخيراً كاملاً للعمل ضمن مشروعها الإحلالي, و الإجلائي و العنصري, و الإرهابي على أرض العرب فلسطين, و ما لاتزال تحتله من سورية, و لبنان من أرض عربية كذلك.
و حين تبدلت صورة النظام الدولي في أعقاب المتغيرات الدولية الدراماتيكية التي انتهت عام ١٩٩١ من القرن الماضي و خرج الاتحاد السوفييتي و منظومته الاشتراكية من أسيا و أوروبا الشرقية و الوسطى, تبدلت مع هذه الصورة – في الذهن الغربي الليبرالي صورة العدو الدولي حيث لم تعد الشيوعية عدوّاً سياسياً و اقتصادياً و ايديولوجياً للغرب الليبرالي وشرع صانع القرار في أمريكا, و المحالف له في أوروبا, و الصهيونية على رأسهما بتصنيع عدوٍ دولي لا يمكن إلا أن يكون كي تتحقق في الجيوبوليتيك الأمريكيّة الأهداف التالية:
أولاً : كي تتفلّت أميركا من حلّ حلف الناتو بعد أن تمّ حلّ حلف وارسو الشيوعي. لكون أمريكا إن خرجت عسكرياً من أوروبا فلن تعود إليها, و عليه فقد احتلت يوغسلافيا لتؤمّن لنفسها البقاء الدائم على الأرض الأوروبية كقاعدة عسكرية لها تنطلق منها للانقضاض على أية دولة تريدها في العالم.
ثانياً : كي تقنع الأوروبيين بأن صورة العدو الدولي لم تنتهِ, و هنالك عدو محتمل قادم سيهدد أوروبا و معها أمريكا و بقية دول الأرض هو العدو الأصولي. و العدو الأصولي خصصوه لاحقاً بالإسلام وكأن الأديان الأخرى السماوية, وغير السماوية خلو من هذه الأصولية. ثم أصبحنا نستمع في المصطلح الغربي الليبرالي إلى الأصولية الإسلامية : الأفغانية, والعربية, والإيرانية إلى غير ذلك, وأصبحنا نستمع إلى دول شر, ومحور الشر, وكأن تصنيف العالم حق لأمريكا, ودوائرها وحسب.
ثالثاً : كي تمهد للنظام الدولي الذي تريده, فهو – من وجهة نظرها – ليس نظاما دوليا متوافقا عليه وإنما نظام دولة يفرض دوليا باسم نظام دولي. وعليه فأميركا استهدفت تصدير نظامها ومعه منظومة القيم الإثنولوجية الأمريكية التي تدعيها أميركا بأنها صالحة لأن تكون إيديولوجية كونية جديدة.
رابعاً : كي تدمج ما بين نظام الدولة الذي تستهدف فرضه حتى يؤمن لها سيادة كاملة على العالم خلال القرن الحادي والعشرين – كما وضعت البرنامج لذلك مجموعة أميركا القرن الجديد ومعها مؤسسة راند المعروفة – ونظام العولمة المرافق له حيث تم لإعلان عنه منذ العام ١٩٩٣, وولف بطريقة يفهم معها بأنه نظام أمركة بكل معنى سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي وحقوقي وإنساني.
خامساً : كي تهيئ العالم – تحت عقيدة السوق الحرة – إلى اندماج كوني ضمن مقولة القرية الكونية الصغيرة للكمبيوتر معتقدة بأن هذا الانتقال إلى النظام الكوني, ورفع عوامل الوجود البشري من الأرض إلى الفضاء ستكون معه نهاية محتمة لكل دولة قومية, وسيادة, وجغرافية, وعلم, وتاريخ, وخصوصية وهوية ومن هنا أظهرت أميركا مشروعها التفكيكي العالمي الذي استهدف إعادة هيكلة الدول, ومؤسسات الشرعية الدولية حتى تكون هي أكبر دولة عالمية جغرافية, وسكانا, واقتصاد, وقوة.
سادساً : كي تمكن لإسرائيل ومشروعها الصهيو/إمبريالي في المنطقة العربية الذي بات يتحول من مشروع قوي يخشى منه إلى مشروع محاصر من محيطه القريب والبعيد, العربي, والإسلامي يخشى عليه. ولذا فقد استخدمت أمريكا, ولا تزال, كامل طاقتها الجيوسياسية في المنطقة العربية حتى تحمي المشروع الصهيوني وآخرها احتلال العراق, وممارسة الضغوط على العرب والمسلمين الذين حملوا راية المقاومة, ومارسوها, وحققوا فيها من القوة الرادعة ما جعل إسرائيل تخسر زمام المبادرة في الشرق العربي والأوسط, وتتحول إلى دولة مسجلة على قيد الزوال.
فإذا كانت هذه هي الأهداف الأمريكية في الجيوبوليتكا الأمريكية على صعيد منطقتنا العربية و الإسلامية أفلا تحرضنا هذه الأهداف لأن نبحث في الجيوبوليتكا العربية و الإسلامية المقابلة من منظور، أن كل فعل مخطط له, يستهدفنا حاضراً و مستقبلا, أمماًُ, و دولاً قومية، ألا يستدعي منا وقفة تأمل, و إدارة فعل حتى نحمي أنفسنا من المخططات التي تزمع إخضاعنا, أو استتباعنا, أو استباحة أرضنا, و خيراتنا, و أماني شعوبنا؟!!
في مقال الثاني نتكلم عن هذا المخطط