هي حالة من الشماتة والتشفي التي تظللها سعادة غامرة بما جري للحزب الديموقراطي الأمريكي من خسارة علي مستوى مجلس النواب في ضوء نتائج الانتخابات التي جرت في الولايات المتحدة اليوم الثالث من الشهر الحالي .. لسان حال معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية يُثني علي الشعب الأمريكي الذي أعطي درساً لحزب الرئيس الذي أدار ظهره لإسرائيل .. ويرفع من أسهم رئيس وزرائها الذي لم يخضع لسياسات واشنطن المعادية لها .. ويتنبأ بأن يلقي باراك أوباما كل العنت داخلياً وخارجياً علي امتداد الأشهر الباقية له في البيت الأبيض، حتى تحين لحظة خروجه منه مهزوماً مخذولاً ..
قبل أن يوجه الرئيس الأمريكي الدعوة لزعماء وقيادات الحزبين الديموقراطي والجمهوري للاجتماع به في الثامن عشر من الشهر الحالي لتبادل وجهات النظر وتحديد نقاط التلاقي حول أولويات أجندة الرئيس، سارعت الصحف الإسرائيلية بالقول أن الحزب الجمهوري يستعد لعرقلة هذه الأجندة .. وقال بعضهم أن الأمر لن يقتصر علي ما هو آتي كمشروع تمديد العمل بقانون الإعفاءات الضريبية الذي تنتهي مدته الحالية أوائل العام المقبل، بل سينسحب هذا الموقف علي ما قد اتخذه من قرارات وأشهرها قانون الرعاية الصحية ..
الصفعة التي تلقاها الرئيس في رأي الكاتب عوفر شيلح ستؤثر سلباً علي صلاحياته في إدارة شئون البلاد خاصة علي المستوي الداخلي، فلن يستطيع بعد الآن أن يمرر قانون إلا إذا جاء متطابقا مع سياسات الحزب الجمهوري والنخب المحافظة .. ولن يتمكن من الحصول علي الميزانيات التي يراها ضرورية للحكومة الفيدرالية لتغطية تكاليف خططه ومشروعاته داخلياً وخارجياً إلا إذا استجاب لتوجهات الغالبية الجمهورية في مجلس النواب ..
يري الكاتب أن التصويت الجماهيري الذي أتي بهذه الغالبية الجمهورية، يوازي حجب الثقة عن إدارة أوباما الديموقراطية، التي لم تنجح داخلياً في دفع عجلة الاقتصاد بالقدر الذي يتوافق وتطلعات شرائح المجتمع المختلفة وبالتالي لم توفر لهم فرص العمل الذي تساعد علي هبوط مؤشر البطالة عن مستواه المتصاعد ولم تخفض من حجم الدين العام كما وعدت، ولم توفق خارجياً في استعادة مكانة الولايات المتحدة التي قالت دعاياتها أنها تأثرت سلباً بسياسات الإدارة الجمهورية التي ورثت منها المسئولية ..
يؤكد مجموعة من كتاب صحيفة إسرائيل اليوم أن الرئيس اوباما سيضطر من الآن فصاعداً للتعاون مع مجلس نواب " معظمه معادي لسياساته " مما قد يدفعه إلي وقف برنامجه الإصلاحي الاجتماعي والاقتصادي ومن ثم وقف العدد الأكبر من مشاريع قوانينه التي تعهد ضمن برنامجه الانتخابي بالعمل علي إنفاذها ..
عدد كبير من وسائل الإعلام رأي أوباما في ضوء هذه النتائج " شخصية " منقطة عن الواقع الأمريكي .. وانه " مثقف " أكثر منه رجل دولة .. وأنه كان من الخطأ في المقام الأول انتخاب رئيس أمريكي أبوه مهاجر اسود، واسمه ليس أمريكيا بمعني الكلمة ..
أما شموئيل روزنر فيتوافق مع الآخرين أن الرئيس الأمريكي ارتكب عدد من الأخطاء التي حكمت عليه بالموت سياسياً وفق نتائج الانتخابات النصفية ..فهو إلي جانب عدم تمكنه من حلحلة الملف الاقتصادي، لم يفرض رؤية صائبة فيما يتعلق بسياسات واشنطن الخارجية علي مستوى الحلفاء ولا علي مستوى القضايا الساخنة، حتى وعده بالانسحاب من العراق أصبح مشكوكاً فيه علي مستوى التركيبة السياسية الداخلية وأيضا من زاوية تأثير طهران الذي عطل تشكيل حكومة هذا البلد منذ ثمانية أشهر حتى الآن .. ذلك التأثير الذي يري الكاتب انه يصب في مصلحة " تعنت إيران حيال ملفها النووي " ..
هذا بينما يتوقع زلمان شوفال بشكل مباشر أن يزداد التأييد لسياسات إسرائيل داخل مجلسي النواب والشيوخ في السنتين القادمتين، خاصة وان الغالبية الجمهورية في مجلس النواب من وجهة نظره تعني زيادة عدد الأعضاء من أصدقائها داخل لجانه النوعية مثل السياسة الخارجية والأمن والإرهاب والميزانية .. ويتنبأ أن يكون التنسيق المتوقع بين الطرفين ( الإدارة الديموقراطية والأغلبية الجمهورية ) لصالح إسرائيل وسياساتها علي مستوى كافة الملفات التي تجمعها وواشنطن علي مستوى الشرق الأوسط ككل ..
- اتفاقات جزئية مع الطرف الفلسطيني تؤدي فيما بعد لإطار اتفاق نهائي ..
- دعم لمواقفها إزاء قضايا إقليمية إيرانيه وسورية وحتى تركية ..
يقولون أن السياسة الخارجية قد تكون هي دائرة الحركة الأوسع للرئيس الأمريكي لأنه يمسك بغالبية مفاتيح آلياتها بعيداً عن سطوة المجلس النيابي إلا فيما يتعلق بالميزانيات اللازمة لتنفيذها .. مما يسمح له باتخاذ مواقف قد لا تتوافق مع قناعات الأغلبية النيابية، كما فعل الرئيس بيل كلنتون حين علق قانون نقل مقر السفارة الأمريكية إلي القدس عام ١٩٩٥ رغم أن القانون حصل علي موافقة ٣٤٧ عضو بمجلس النواب و ٩٣ عضو بمجلس الشيوخ ..
ما يهمنا هنا هو التساؤل الذي يطرحه البعض في إسرائيل وهنا في أوروبا ..
كم سيعطي أوباما من وقته في السنتين القادمتين لمشكلة الشرق الأوسط ؟؟ هل يتمكن رئيس وزراء إسرائيل من جني ثمار سياساته الذي تميزت بالتعالي تجاه الرئيس الأمريكي وإدارته منذ مارس ٢٠٠٩ ؟؟ هل سيجد نتنياهو التأييد الذي كان يفتقده بعد أن حاز الحزب الجمهوري الغالبية التي كان يفتقدها طوال أكثر من عام ونصف ؟؟ ..
ازعم أن الفرصة مواتية لليمين الإسرائيلي خلال زيارة نتنياهو الأسبوع القادم لواشنطن ضيفاً مشاركاً في المؤتمر السنوي " للجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة / إيباك American – Israeli Public Committee Affairs / AIPAC " لكي يبعث برسالة محددة وواضحة وقاطعة للرئيس اوباما يؤكد فيها علي النقاط التالية ..
- استعداد حكومته لاستكمال مسيرة المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، دون التزام بوقف البناء في المستوطنات / المستعمرات ..
- أن تتجه مسيرة التفاوض نحو إبرام اتفاق مؤقت حول الحدود والأراضي التي يمكن أن تقام عليها الدولة الفلسطينية وما يستلزمه ذلك من تبادل لأراضي وتأجير لأخرى ..
- ضرورة الفصل نهائياً بين ملف المفاوضات بشكلها هذا، والملف النووي الإيراني الذي يجب أن يتوافق فقط مع احتياجات الأمن الإسرائيلية وليس وفق المصالح الأمريكية ..
قد يري بعض الكتاب والمحللين في هذا الموقف نوع من الابتزاز السياسي المفضوح، ربما .. ، ولكن الأمر برمته ليس كذلك بالنسبة للحزب الجمهوري ولا بالنسبة للحكومة الإسرائيلية .. لأن القواعد الديموقراطية التي يرتضيها كل منهما تسمح له باستخدام كل الأوراق التي بين يديه ليفرض رؤيته السياسية ومن ثم مشاريعه المستقبلية، فإذا صحت التوقعات التي تقول أن الحزب الجمهوري يستعد لتعطيل أجندة الرئيس الإصلاحية اجتماعياً واقتصادياً !! فلن يكون مستغرباً أن يقف أعضاؤه مؤيدين لمخططات اليمين الإسرائيلي العنصري المحتل الذي ينوي ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية من ناحية ويخطط لتغير خريطة منطقة الشرق الأوسط من ناحية أخري ..
تقول حقائق التاريخ الأمريكي الحديث أن عدد من رؤساء الجمهوريات الذين فقدوا الغالبية النيابية التي أتت بهم إلي البيت الأبيض نتيجة الانتخابات النصفية، أحرزوا نجاحات هامة ولم تكن متوقعة، وأشهر من يضربون به المثل الرئيس ترومان عام ١٩٤٦ والرئيس كلنتون عام ١٩٩٤ .. وبذلك يمكن صياغة السؤال السابق كما يلي .. هل ستنجح حكومة إسرائيل في فرض سياسة التسويف والمماطلة بهدف تنفيذ مخططات فرض الواقع علي كافة الأطراف المؤثرة في ملف صراعها ككل ؟؟ أم سيتمكن الرئيس أوباما من تنفيذ مخططاته هو التي وعد أن تنتهي بقيام دولة فلسطينية ؟؟ ..