محمّد لواتي : رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي
إيران تقف على رصيد من التاريخ السياسي والإيديولوجي يصعب اختراقه ثمة حقائق تبدو للكثير على أنها مجرد رؤى مُتاحة في الأوقات المُتآكلة لكنها بالنظر إلى جوهرها تبدو أشبه بما هو كائن خلف الستار ويبحث عمن يخرجه إلى دائرة الضوء أو على الأقل إلى دائرة البحث والاستفهام.. ليست حقائق الصراع التي نتحدّث عنها بين أميركا ومحور المقاومة هي مجرّد مشاعر تجاه مَن يرافقنا في الحياة أو مَن يكون من نصيب رؤيتنا.
هذا الأمر هو الأبسط والأسهل بالنظر إلى الحقائق الأخرى التي ستظل تشغل بالنا مثل متى يمكن أن يكون هذا المحور ضمن ثورة الواقع ومعياره الخالد؟ هذا ممكن لكن للأسف الكثير من الدول العربية اليوم تائه في الأحلام بحثاً عن الأكثر منها والوقت يضيع في أعزّ أيامه بدل الالتفاف حول المقاومة كطريق للخروج من أزماته، بل إن هناك من يظن أن الاحتراف السياسي هو من نصيب ذلك الذي يقفز على حقائق الواقع والثابت فيه، (النموذج السعودية والإمارات العربية) وهو لا يعي أن ذلك يؤدّي في النهاية إلى الأخذ بسلم الأهواء على حساب الحقيقة وما يتبعها من أخطاء ملازمة لها، والنهاية قد تكون متبوعة بالانكسار المُبرمَج لها بل والقاضي على كل أحلامها، إن دُعاة التطبيع والمُتآمرين على محور المقاومة، في أغلب الأحيان يتم ذلك بالاستهلاك السياسي وبالدوران بين خطاب مُلقى بلا هدف وبين خطاب مُنتظَر بلا تحديد مُحدّد، وهذا هو الخطأ الذي ترتكبه السعودية اليوم بوعي مُسبَق منها أو بغير وعي.
الأكيد، أن العالم العربي هو الآن أمام تهافت الزمن بلا زمن، لأن الخرافة تكاد تسيطر على خياله وتأخذ منه النصيب المهم من طموح شعبه المشروع، فالثقافة السياسية حين تُصاب بالنكسة على المستوى الفكري، وتتسلّل إلى العقول تعطي الغش كحاصل نهائي لما نؤمن به، وبالتالي لماذا العداء لإيران؟. والأكيد أنّ إيران دولة إسلامية لها وزنها ورؤيتها المُتميّزة إسلامياً وعسكرياً وحضارياً، في منطقة تعصف بها رياح التدويل سياسياً وعسكرياً، وتتمتّع بعدّة خيارات في مواجهة الرؤية الأميركية ذات النزعة الاستعلائية أو التجزيئية، فإيران الآن بقوّتها العسكرية وبالتحالف الاستراتيجي مع روسيا وبمحور المقاومة هي قوّة إقليمية في مواجهة الزحف الأميركي نحوها والاستعداء المُبرمَج للمنطقة ككل، وبالتالي فإن روسيا تنظر إلى إيران على أنها قوّة إقليمية ذات بُعد استراتيجي مهم- وبالتالي أيضاً- لا يمكن التخلّي عنها، مثلها مثل سوريا، إيران أيضاً تقف على رصيد من التاريخ السياسي والإيديولوجي يصعب اختراقه، وتمتلك من التمايز الاجتماعي أيضاً ما لا تمتلكه أية دولة في عالم اليوم بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، تمايزاً يجعلها في منأى عن التصدّع تحت أي تأثير خارجي، ولا داعي هنا للحفر في مسيرة الفكر الشيعي والمُنعرجات التي أوصلته إلى تأسيس دولته، الإمام فيها يمثّل المرجعية النهائية لأي صراع داخلي أو خارجي.
إلى ذلك باكستان أيضاً بمواقفها الأخيرة الرافضة لأي احتواء أميركي، إن حالها تشبه الحال الإيرانية، بأقل مواجهة، فقد خرجت بدورها من حفر التاريخ باتجاه الواقع وتناقضاته بحثاً عن موقع عالمي في معترك الأحداث، و تمكّنت بأقصر مسافة من بناء قوّتها النووية، إنهما إذن، معاً قوّتان إقليميتان في إطار جغرافي إسلامي يتميّز بالتحدّي الصلب ضد أميركا وبالتحديد ضد رؤيتها الاستعلائية.
لقد حاولت أميركا ولا زالت إلى جانب دول الخليج (الفارسي) قمعهما اقتصادياً، وسياسياً، وبأدوات الفكر التكفيري الوهّابي، فما استطاعت. إذن، غياب القوّة القليمية الإسلامية في إطار موحّد أمام الأحداث التي تعصف بالمنطقة بسبب الهيمنة الأميركية لعقود مضت وارتباط البعض فيها بالقوى الأميركية يُعدّ خطأ قاتلاً ضد مفهوم التضامن العربي الإسلامي في عالم يقوم فيه كل شيء على التكتلات الاقتصادية، والعسكرية، ثم إن حضور أميركا في المنطقة بقواعد عسكرية منظورة وغير منظورة يوحي بأن عداء دول الخليج لإيران قائم على تثبيت فكر الآخر (الأميركي) بالانغلاق على الذات الإسلامية، بل وترفض الرأي الآخر المُتقارب معها إسلامياً وعربياً بناء على منظور طائفي (النموذج الوهّابية).
إن التقارُب الحضاري في عصر العولمة الأميركية صار أكثر من ضرورة، ولكن ينبغي ألا يكون إقصائياً وأن يأخذ من السياقات التاريخية للأحداث المُتشابهة أهم منطلقاته، إن أوروبا الآن على عتبة الاتحاد الكامل، في حين العالم الإسلامي لازال بعيداً بل إنه يعيش الورشة تلو الأخرى للتشتيت رغم الحاصل الديني الذي يغطي كل مفاهيمه ومُصطلحاته. ولو نظرياً لدى دول الخليج(الفارسي)، لقد تجاوزت أميركا بعضاً من أخطائها بالاتفاق النووي رغم امتعاض دونالد ترامب من سوء تقدير لعواقبه على إسرائيل ودول المنطقة، وثمة فرق بين مَن يرى فيه التحدّي الإيراني الصلب وبين مَن يرى فيه الخطأ القاتل ضدّه تشويهاً لواقع الحال، إن الذين رحبوا بالاتفاق النووي مع إيران هم الأغلبية الفاعِلة في الساحة الدولية والاقليمية، لكن الرافضين هم الأكثرية في التشويه للحقائق والمُتفاعلين مع الإجرام السياسي الأميركي وعلى رأسهم السعودية وإسرائيل وهم - بالتأكيد - لا يمتلكون أي تأثير واعِد وفاعِل على الساحة الدولية والإقليمية خاصة السعودية. إن دولاً مثل: سوريا والجزائر يمكن توصيفهما ضمن الدول المؤثّرة في المحور الناشئ بنسب متفاوتة ومنفردة مع الأسف.
سوريا تواجه رياح التغيير في الشرق الأوسط وفق معادلة سياسية عنوانها عالم مُتعدّد الأقطاب مع الاحتفاظ بالثابت والتعامل مع الُمتغيّر وفق معطيات الواقع وآلياته، والجزائر تحاول تخطّي مسارات العنف الدموي في العالم العربي بالمُصالحة وتوحيد الرأي العربي حولها قصد الخروج من النفق المُظلم الذي أحدثته خرافة "الربيع العربي "المشؤوم.