شهد هذا الأسبوع تصريحين مثيرين للجدل في تونس، يتعلق الأول بتحذير قيادي بارز في الحزب الحاكم من حكم إسلامي يمتد لقرن للبلاد في حال قرر التونسيون التصويت لصالح حركة "النهضة" في الانتخابات البلدية، أما الثاني فهو لرئيس حكومة فرنسي سابق دعا بلاده لمساعدة تونس كي لا يكتسح الإسلاميون السلطة بطريقة "ديمقراطية"!
حسن سلمان
وكان بُرهان بسيّس المكلف بالشؤون السياسية في حزب "نداء تونس" الحاكم حذر من أن عدم انتصار "المشروع الوطني" الذي قال إنه حزبه يمثله، سيؤدي إلى حكم حركة النهضة، التي قال إنها تمثل الإسلام السياسي، لتونس مدة مئة عام.
بسيس ليس القيادي الأول في الحزب الحاكم الذي حذّر من فوز حركة "النهضة"، فقد تبعه أيضا تصريح أشد من قيادي آخر في الحزب هو عبد العزيز القطّي الذي اعتبر أن فوز النهضة سيشكّل خطرا على البلاد، على اعتبار أن الحركة الإسلامية ستعم عل إحياء "مشروعها" المتمثل في وضع دستور جديد سيحول تونس إلى بلد يُحكم باشريعة الإسلامية ويقوّض جميع المكتسبات التي نالتها المرأة في تونس.
وقد نسمع لاحقا أصواتا أخرى من "نداء تونس" تحذّر من نجاح "النهضة" في الانتخابات البلدية، معتمدة مبدأ "فزاعة الإسلاميين" الذي سبق أن استخدمه "النداء" في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة وقد نجح فيه إلى حد كبير، لكن يبدو من المستبعد أن تنجح هذه الوصفة مجددا في تونس، وخاصة أن عددا كبيرا من التونسيين يعتقدون أن "نداء تونس" خان ثقتهم واستخدمهم مطية ليصل إلى السلطة، ومن ثم القاههم جانبا وعاد للتحالف مع من يفترض أنه "خطمه السياسي والإيديولوجي"، وليس ثمة ضمانات لعدم التحالف بين الخصمين/الحليفين السياسيين، ففي السياسة المصالح وحدها هي التي تحكم وليس ثمة أعداء أو أصدقاء دائمون كما يقول ونستون تشرشل.
وإذا كان من البديهي تحوّل خطاب "النداء" تجاه "النهضة" تبعا لحسابات انتخابية، فإنه من غير المبرر أن نشهد تصريحا مثيرا للجدل من رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق جون بيير رافاران، اعتبر فيه أن تونس تمثل امتدادا للأمن القومي لبلاده، ودعا لـ "مساعدتها" للحلول دون اكتساح الإسلاميين للسلطة و "غزوهم" للحكم ديمقراطيا.
تصريحات رافاران المستفزة سبقتها زيارة أكثر استفزازا للسفير الفرنسي أوليفيي بوافر دارفور (والذي يلقّبه البعض بالمقيم العام الفرنسي) لهيئة الانتخابات التونسية والتي قالت إن الزيارة جاءت للتأكيد على "الدعم الفرنسي" للمسار الديمقراطي في تونس.
لا شك أن تصرّف المسؤولين الفرنسيين وتصريحاتهم تجاه تونس تؤكد جليا أن باريس ما زالت تتعامل مع تونس كـ"محمية" فرنسية، ألم يقل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن تونس ستكون "قاعدة جديدة لتعليم اللغة الفرنسية"؟
لكن لماذا هذا النفاق الفرنسي تجاه الإسلاميين في تونس؟ فبالأمس أكد ماكرون أن تونس أثبت كذِب النظرية التي تؤكد استحالة التعايش بين الديمقراطية والإسلام، وقبله أكد فرانسوا أولاند أن الدستور التونسي الجديد يؤكد أن الاسلام يتماشى تماما مع الديموقراطية، حتى أن رافاران نفسه سبق أن احتفى برئيس حركة "النهضة
" الشيخ راشد الغنوشي بمكتبه في باريس عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
بعض المحللين يعتبرون أن المصالح هي من تحرك خيوط السياسية الفرنسية، فالخطاب السياسي الذي أشاد سنوات عدة بالسياسة الحكيمة للرئيس السابق زين العابدين بن علي وقدم له دعما كبيرا، انقلب فجأة بعد الثورة ليشيد بالديمقراطية التونسية وينتقد النظام الديكتاتوري السابق مسايرا المزاج العالمي المؤيد لثورة الياسمين، حيث قال بوريس بويون الذي عينته فرنسا مباشرة بعد الثورة في كانون الثاني/يناير 2011، إن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي كلّفه بفتح "صفحة جديدة" مع الشعب التونسي بعد ثورة الياسمين.
نحن إذا أمام خطابين متناقضين تجاه الإسلاميين في تونس، الأول داخلي تحركه نزعة انتخابية من "حليف لدود" يرغب بتشويه الطرف الآخر أملا في اكتساح الانتخابات المقبلة، وهو ما يمهد الطريق لعودة الاستقطاب الثنائي والانقسام في البلاد. وخارجي تحرّكه المصالح لبلد لم يتخلص من "عقدته" الاستعمارية تجاه منطقة لم تخرج كثيرا عن نفوذه السياسي والاقتصادي، ولذلك هو مستعد دوما لتبديل الحلفاء أو "التابعين" لضمام استمرار هذا النفوذ. وبغض عما سلف، فإن نتيجة الانتخابات البلدية المُقبلة قد تساهم بشكل كبير في معرفة الأطراف التي ستسود المشهد السياسي التونسي خلال العقد المقبل على الأقل.