استعجل الرئيس الامريكي باتخاذ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم بين ايران ومجموعة الدول الستة (5+1) في الظروف الحالية التي تعاني منها السياسة الامريكية من خذلان وتراجع في منطقة الشرق الاوسط ، خاصة في سوريا والعراق بعد الهزائم التي منيت بها صنيعتها "داعش" وفشل المخطط التقسيمي للعراق والمنطقة ، وذلك بفضل جهود ومساعي والدور المؤثر للجمهورية الاسلامية في المنطقة وتضحيات مقاتلي تيار المقاومة من لبنان والى العراق وحلفائهم في المنطقة .
الخطأ الاكبر التي ارتكبتها الادارة الامريكية في تعاملها مع الملف النووي الايراني من جانب ومع ايران كدولة قوية ومؤثرة في المنطقة هو انها راهنت في هذا التعامل على الدول الخليجية وربطت مصيرها مع دول لا حولة لها ولا قوة .
لدينا وقفة قصيرة وملاحظات مع قرار ترامب وتصريحاته حول الانسحاب من الاتفاق الدولي المعروف بخطة العمل المشتركة الشاملة ، وكذلك الرد الايراني على لسان الرئيس روحاني .
ملاحظات ما جاء في قرار ترامب :
1 – الاتفاق النووي مع ايران تم بين الدول الكبرى وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وروسيا ، بعد عقد من الزمن وبعد اطيمنان جميع هذه الدول بمصداقية ايران وسلمية نشاطها النووي . والامر المهم في هذا الاتفاق هو تصويت مجلس الامن عليه يوم 20 يويلو 2015 والغاء جميع العقوبات على ايران ، والخروج منه يأتي بعد التأكد من عدم التزام ايران ببنود هذا الاتفاق ، وهذا لم يحصل باعتراف المنظمة الدولية للطاقة الذرية لاكثر من مرة وباعتراف جميع اطراف هذا الاتفاق .
اذن في مثل هذه الحالة يعتبر قرار ترامب الانسحاب من هذا الاتفاق انتهاك صارخ لاتفاق دولي يحق للطرف الاخر اي الجمهورية الاسلامية الاحتجاج على امريكا في مجلس الامن ومقاضاتها في المحاكم الدولية .
2 – ايران اعلنت مرارا وعلانية ان المفاوضات النووية مع الدول الستة هي فقط وفقط حول النشاط النووي واثبات سلميته والتزام ايران بعدم التسليح النووي ولا علاقة هذه المفاوضات في احداث المنطقة ودور ايران فيها او الخلافات المتجذرة بين ايران وامريكا .
اذن فتذرع ترامب بدعم ايران للارهاب وتدخلها في شؤون دول المنطقة خارج نطاق هذا الاتفاق ، كما اكدت عليها ايران مراراً والمحت بها بعض الدول ومنها روسيا . ويعتبر تذرّع ترامب بهذه الحجج دلالة على انه يفتقد لدلائل حقوقية وقانونية للخروج من هذا الاتفاق . وهذ الذرائع دليل اخر على انتهاك الولايات المتحدة لهذا الاتفاق الدولي .
3 – ترامب ومنذ وصوله الى مسند الرئاسة عمل على استفزاز ايران وتحريضها حول الشأن النووي ليضطر ايران على اتخاذ موقف غير عقلائي ويجبرها على الخروج من هذا الاتفاق من جانب واحد لتتخذ سائر الدول موقف مضاد لايران وتهيئة الارضية المناسبة لمواجهة ايران من قبل المجتمع الدولي واعطاء ذريعة للكيان الصهيوني مهاجمة ايران .
4 – قرارترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي كاتفاق دولي وجه صفعة موجعة لاعتبار الولايات المتحدة اقليميا ودوليا ، ويؤدي الى عدم الوثوق بهذه الحكومة في اي مفاوضات مستقبلية مع اي دولة ويضعف مكانتها وموقعها لدى شعوب العالم الاسلامي .
5 – القرار جاء بعد يوم من اعلان فوز تحالف المقاومة في الانتخابات البرلمانية في لبنان وثلاثة ايام قبل الانتخابات التشريعية في العراق واحتمال فوز القوائم الشيعية المؤيدة لايران ومحور المقاومة .
6 - ترامب وللتغطية على خسائره السياسية امام سياسة ايران المحنكة في المنطقة ، اتهمو ايران بدعمها للجماعات الارهابية حيث اعتبر الحشد الشعبي وباقي فصائل المقاومة في العراق وكذلك حزب الله اللبناني وانصار الله اليمنية بالجماعات الارهابية ، بينما جميع الوثائق والدلائل الميدانية اثبتت وتثبت دعم وتسليح الولايات المتحدة وبعض حلفائه الخليجيين للجماعات الارهابية في سوريا والعراق وخاصة تنظيم "داعش" الارهابي .
7 - الولايات المتحدة وبعد تعرضها لفشل سياسي وعسكري في اي منطقة في العالم خاصة وان كانت هذه المنطقة ضمن العالم الاسلامي وبالاخص منطقة الشرق الاوسط الجارة للكيان الصهيوني ، سعت لاتخاذ مواقف تعيد لها مكانتها وهيبتها وموقعها كقوة عالمية كبرى .
واما ما جاء في موقف الرئيس الايراني حسن روحاني :
1 – قلنا ان الولايات المتحدة ومعها الكيان "الاسرائيلي" والسعودية حاولوا مرارا استفزاز ايرن لاتخاذ مواقف متشددة وغير منطقية تخرجها عن نطاق الاتفاق النووي ، وتعطي ذريعة للدول المعارضة لهذا الاتفاق مهاجمة ايران والضغط عليها سياسيا واقتصاديا ولربما عسكريا لاسقاط الجمهورية الاسلامية .
ولكن الموقف الذي اتخذه الرئيس الايراني روحاني امس الثلاثاء 8 مايو / ايار 2018 خيّب امال هذه الدول بقراره العقلائي والسليم بالحفاظ على الاتفاق النووي ما دامت سائر الاطراف باقية ملتزمة ومحافظة عليه .
2 – قرار الحفاظ على الاتفاق النووي مع سائر الاطراف من دون امريكا يعتبر رسالة الى الدول الاوروبية اولا ودول العالم ثانيا ان الولايات المتحدة ليست صاحبة القرار النهائي في اي مفاوضات او عهود دولية وقد ولى هذا الزمن ان تربط دول العالم قرارها النهائي بتأييد او رفض الولايات المتحدة ، والمعنى الاخر من هذا الموقف للرئيس روحاني انه ليس من حق امريكا ان تتخذ مواقف احادية الجانب في التوافقات الدولية خاصة تلك التي صوت عليه مجلس الامن للامم المتحدة .
ويعتبر قرار روحاني اجراء مفاوضات مع الاطراف الاخرى للاطمأنان على مواقفهم من الاتفاق النووي هل مع الموقف الامريكي ام معى الموقف الايراني يعتبر ضربة موجعة لهيبة ومكانة امريكا عالميا لان ايران تسعى من خلال هذا المسعى ان تعزل امريكا عالميا وتثبت مصداقية الجمهورية الاسلامية وتعاطيها مع العالم .
3 – كلام الرئيس الايراني دلل على ثبات وعزم واستعداد ايران على مواجهة اي سيناريو بشأن الاتفاق النووي وعلى اي مستوى ، ولكن في نفس الوقت لم يخرج عن الاعراف الدولية ولم يتخذ موقف عاطفي او تحريضي ضد اي دولة او جهة دولية ما عدا الولايات المتحدة حيث اعتبرها روحاني بالطرف الطفيلي التي خرجت من مجموعة الدول الستة الموقعة على خطة العمل المشترك الشاملة حول النشاط النووي الايراني .
4 – روحاني كان يتكلم بوثوق وطمأنينة وكأنه لم يحصل مفاجئ حيث قال ان ايران كانت تتوقع لمثل هذه المواقف من الرئيس الامريكي ، وطمأن الشعب الايراني على ان هذا الانتهاك الامريكي لا يؤثر على الوضع الاقتصادي والمعيشي ، وهذا يعني ان ايران اتخذت جميع الاجراءات اللازمة لمواجهة مثل هذا السيناريو .
5 – الرئيس روحاني رمى الكرة في الملعب الاوروبي لاتخاذ قراره النهائي من الاتفاق النووي بعيدا عن الاملاءات الامريكية موجها رسالة اليهم بان لا يربطوا قرارهم بالقرار الامريكي وان يكونوا مستقلين في قرارهم لان العالم يتجه الى تعدد الاقطاب ومعارضة القطب الواحد .
بقلم : محمد إبراهيم رياضي