لماذا كل هذا الغضب والسخط من قبل وزير خارجية امريكي عمل طوال مسؤوليته في المجال المخابراتي ولم يمارس العمل السياسي ولم يفطن الاعراف الدبلوماسية حينما يتحدث مع خصومه . وكما قال الرئيس الايراني حسن روحاني ان بومبيو كان موظف في الـ (سي اي ايه) وتصريحاته لا تعبر عن شخصية دبلوماسية لانه يتحدث عن ملف قد مضى عليه 15 عاماً وباسلوب غير دبلوماسي .
عندما يطرح وزير الخارجية الامريكي شروطه على ايران وبهذا الاسلوب وكأنه يملي اوامره على احد موظفيه ونسى ان ايران اليوم قد تحولت الى قوة اقليمية معترف بها اقليميا ودوليا وما من ازمة في المنطقة الا واضطرت القوى الكبرى التشاور مع الجمهورية الاسلامية لمعالجة تلك الازمات وايجاد مخرج سلمي لها ، العراق وسوريا وافغانستان ولبنان وحتى في الاونة الاخيرة اليمن مع وجود الغطرسة السعودية ، خير دليل على ذلك .
نستطيع ان نخلص الشروط التعجيزية الامريكية على ايران في ثلاث محاور :
1 – وقف النشاط النووي
2 – الصواريخ الباليستية
3 – الدور الاقليمي لايران
الملف النووي الايراني
بالنسبة الى النشاط النووي نسى او تنسى بومبيو ان ايران ومجموعة الدول الستة في مفاوضاتهم النووية قبل 15 عاما والتي دامت نحو 12 عاماً قد تخطت كل الشكوك حول نشاط ايران النووي السلمي واعترفت بحق ايران في تخصيب اليورانيوم ، حينها كانت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة تطالب بوقف النشاط النووي الايراني كليا وحتى الغاء المواد الدراسية الجامعية الخاص بالعلوم النووية ، ولكنها فشلت واضطرت للاعتراف بحق ايران في النشاط النووي السلمي خاصة من الجانب الامريكي مباشرة خلال عملية تفاوضية كانت سرية في وقتها مع الجانب الايراني في سلطنة عمان .
الامر الاخر في هذا المجال ان المفاوضين الغربيين ومن خلال فريق المفتشين الذي كانت امريكا عضو في هذا الفريق اطلعوا على كامل تفاصيل الانشطة النووية الايرانية حيث التفتيش لم يكن محدود لبعض الدفعات بل تكرر لمئات الدفعات . فكيف اذن لهذا الوزير المتخلف والبعيد عن الاعراف الدبلوماسية ان يكرر الشكوك التي مضت عليها 15 عاما وخلصت بتوافق اممي صادق عليه مجلس الامن للامم المتحدة .
وهنا لا بد ان نشير الى نقطة قانونية وهي بما ان الاتفاق النووي مصادق عليه من قبل مجلس الامن لماذا اذن سكت على انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق الذي يعتبر انتهاك صارخ لتوافق اممي ، بدون اي دليل مقبول . فلو ان هذا الانسحاب كان من جانب ايران لاحتشدت المواقف الدولية وفي مقدمتها الامم المتحدة ضدها ولإتهمت ایران بانتهاك التوافقات الاممية .
الدور الاقليمي لايران
بومبيو نسى ان المفاوضات النووية التي بدأت عام 2003 بين ايران والقوى الغربية لم تستطع انذاك ان تحد من دور ايران الايجابي في المنطقة مع انها انذاك لم تكن تملك القوة العسكرية الحالية ولا دورها الاقليمي الفعلي المعترف بقوته وتأثيره اقليميا ودوليا خاصة بعد مساعدتها دول الجوار في حربهم ضد ابشع تنظيم ارهابي عرفه العالم الاسلامي مدعوم امريكا وسعوديا .
ولربما الامر الذي اغضب الوزير الاستخباراتي الامريكي هو ان الضغوط الامريكية السياسية والاقتصادية والتحريض الاقليمي والعالمي ضدها لم يؤثر على تخلي ايران عن ثوابتها واستراتيجيتها في دعمها للشعوب المضطهدة وفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان .
وفي هذا السياق لا بد ان نشير الى امر مهم وهو ان الدور الايراني لم يقتصر على تأثيره الايجابي في ازمات دول الجوار وتعاونه مع هذه الدول في كل المجالات وترسيخ هذا التعامل الاخوي بسبب وجود المشتركات الحضارية والدينية بين شعوب المنطقة ودعوات ايران للحفاظ على امن واستقرار المنطقة بدون تدخل الدول الاجنبية ، وانما تخطى هذا التعاون وتحول اليوم وبرغبة واصرار دول الجوار الى تحالف يهدد المصالح الامريكية والصهيونية .
لذا فقد شهدت المنطقة وبفضل الدور الايراني في العقد الاخير بعض التغيرات في موازين القوى ازعج الادارة الامريكة وعملائه من بعض الدول الخليجية ، اهمها التعاون الحثيث شبه التحالف بين ايران وتركيا وروسيا من جانب وبين هذه الدول الثلاثة والعراق من جانب اخر ومن المؤكد ان سوريا سوف تنظم الى هذا التحالف بعد ان تخرج من ازمتها المفتعلة منتصرة .
ولذا نستطيع ان نجزم في هذا المجال ان احد الامور التي ازعجت الادارة الامريكية واغضب وزيرخارجيتها الجديد هو اشراك ايران في الفريق المشرف على تحیید مناطق الاشتباك ووقف اطلاق النار ، ومشاركتها الفعالة لحل في العملية التفاوضية للملف السوري مع كل المحاولات التخريبية التي مارستها امريكا والسعودية ضد ايران على انها تدعم الارهاب في سوريا .
ومما لاشك فيه انه هدف الولايات المتحدة من زج الجماعات الارهابية في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا هو تقسيم هذه الدول الى دويلات عرقية واثنية ، ومما لاشك فيه ان احدى الدول التي تصدت لهذا المشروع هي الجمهورية الاسلامية وحلفائها من محور المقاومة . فمن الطبيعي ان تنزعج دولة تعتبر نفسها قوة عظمى لها عملاء كثر في المنطقة من ان تتحدى لمشروعها دولة مستقلة من العالم الثالث .
وفی سیاق الحديث عن التحالفات الجديدة في المنطقة وفقدان امريكا لاصداقائها بسبب سياساتها المتغطرسة قال المرشح المستقل للرئاسة التركية وزعيم حزب "الوطن" "دوغو بارينتشاك" قبل يوم ان العلاقات مع روسيا وسوريا والعراق وايران من اولويات سياسته ، مشيرا الى ان تركيا خرجت من السيطرة الامريكية وتتجه صوب اوراسيا وتتعامل مع ايران وروسيا ، معتبرا ان هذه السياسة غيرت موازين القوى في الشرق الاوسط وزعزع من الهيمنة الامريكية في المنطقة لذلك تحاول امريكا التصدي للتحالف بين تركيا وايران وروسيا . واکد فيما اذا خرجت تركيا من حلف الناتو والتحقت بحلف اوراسيا سوف يأمر بخروج القوات الامريكية وطائراتها الحربية من قاعدة انجرلينك .
وفيما اذا تحقق تصريح المرشح الرئاسي التركي يعني ان امريكا ستفقد احد قواعدها المهمة في المنطقة وسيضعف في نفس الوقت موقعها في الشرق الاوسط ويعزز من مكانة وقوة التحالف الاوراسي .
مما لا شك فيه ان هذه التحالفات الجديدة سوف تضعضع من الدور الامريكي في المنطقة مع تزايد الغضب العربي والاسلامي ضدها بسبب دعمها المستمر لجرائم الكيان الصهيوني ودعمها للجماعات الارهابية في العراق وسوريا واحتلاله المستمر لافغانستان ودعمه للسعودية في عدوانها الغاشم على اليمن ، وتواطئه ضد الربيع العربي في كل من مصر وتونس وليبيا .
ومن الاحداث الراهنة التي اغضب الادارة الامريكية الى هذا الحد ليصب وزير خارجيتها الاستخباراتي جام غضبه على ايران وشعبه المقاوم ، هو عدم تجاوب الاتحاد الاوروبي مع الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي خاصة الدول الاوروبية الثلاثة اي فرنسا وبريطانيا والمانيا واعلانهم المؤكد والمستمر بالحفاظ على هذا الاتفاق ، مما ادى الى اعتراف الصحافة الامريكية بفشل هذا الانسحاب فصحيفة "فورين بوليسي" التي تؤثر على صانعي القرار في واشنطن تقول في هذا المجال "يبدو ذلك هو واقع الحال قطعاً في وقت نرى فيه الاتحاد الاوروبي الان يسارع الى حماية ايران من العقوبات الامريكية ، وبدل من زيادة الضغط على ايران وجعلها تقوم بمعالجة بعض المواد التي حددها ترامب ، اخذ الاتحاد الاوروبي ينظر الان الى الوسائل المادية التي يمكن ان تكون في غير متناول سلطات واشنطن فستطبق احدى الوكالات القانون الاوروبي ضد الشركات الموجودة في الخارج ضمن رد بالمثل على اجراءات تتخذها واشنطن ضد الشركات غير الامريكية ".
ولهذا السبب يبحث بومبيو عن حلفاء جدد في القارة الاوروبية لتقف الى جانب امريكا ضد ايران كما جاء في تصريحه عندما اعلن عن الشروط المضحكة على الجمهورية الاسلامية للتفاوض من جديد حول الملف النووي والعلاقات الثنائية .
تبعات التصعيد الامريكي الاخير
مما لا شك فيه ان التصعيد الامريكي الاخير الذي صدر اما من الرئيس ترامب او وزير الخارجية بومبيو له تبعات سلبية على الموقف الامريكي في المنطقة ومصالحها في العالم فيما اذا تجاوز التصعيد حد الشعارات ليأخذ شكلا عسكرياً ضد ايران .
وهنا نلخص اهم هذه التبعات :
1 – تماسك الشعب الايراني بوحدته اكثر من اي وقت مضى ودفاعه عن نظامه .
2 – تعاطف غالبية ما يسمى بالمعارضة الايرانية في الداخل والخارج دفاعا عن سيادة الارض الايرانية امام اي هجوم عسكري .
3 – تشديد الخلاف الامريكي الاوروبي .
4 – تعزيز وتقوية تحالفات غرب اسيا .
5 – عدم الوثوق بالولايات المتحدة في اي تفاوض اممي او اقليمي .
6 - ارتفاع اسعار النفط ليصل لربما الى 100 دولار للبرميل الواحد .
7 – استخدام ايران اوراقها القوية في كل انحاء العالم وتهديد مصالح الدول المعتدية عن طريق اصداقائها في العالم .
كتب : محمد ابراهيم رياضي - مسؤول القسم العربي في وكالة "تنا"