صفقة القرن ليست اتفاقية جديدة بين المتخاذلين في الصف الفلسطيني والانظمة العربية العميلة ، وانما اتفاقية معدّلة للاتفاقيات السابقة خلال سبعين عاماً التي وقعت مع الكيان الصهيوني المحتل .
قصة صفقة القرن ..الماضي والحاضر
تنا - خاص
15 Jul 2018 ساعة 16:50
صفقة القرن ليست اتفاقية جديدة بين المتخاذلين في الصف الفلسطيني والانظمة العربية العميلة ، وانما اتفاقية معدّلة للاتفاقيات السابقة خلال سبعين عاماً التي وقعت مع الكيان الصهيوني المحتل .
صفقة القرن حول تسوية القضية الفلسطينية واقرار السلام بين الفلسطينيين والكيان "الاسرائيلي" ، بكل ما تحتويه من تنازلات سياسية لصالح الكيان المحتل مصدرها دول عربية وفي مقدمتها النظام السعودي وخاصة في عهد ولي العهد الحالي محمد بن سلمان الذي اعترف بحق وجود كيان مستقل لليهود الى جانب زياراته السرية للكيان الصهيوني واللقاءات العلنية بين انور عشقي الضابط السابق في المخابرات السعودية مع كبار المسؤولين السياسيين والامنيين "الاسرائيليين" منهم من تلطخت يداه بدم الشعب الفلسطيني والذي حرّف بوصلة العدو من الكيان المحتل الى ايران الاسلامية التي وقفت دوما منذ تأسيسها الى جانب الحقوق الفلسطينية وفصائل المقاومة ، هذه الصفقة بكل ما تشمله ليست بجديدة على الشعب الفلسطيني ولا على الشعوب الاسلامية التي اعتادت على هذه الالاعيب ، ولا نريد هنا ان ندخل في تفاصيل هذه الصفقة التي اصبح واضحا للجميع بانها وضعت لتصفية القضية الفلسطينية وانهاء الصراع الفلسطيني "الاسرائيلي" دون استيناف اياً من حقوق الشعب الفلسطيني مثل حق عودة اللاجئين وحل الدولتين و....
ان ما نريد ان نؤكد عليه هو ان "صفقة القرن" عبارة عن حركة تساومية بطيئة بدأت بعد هزائم الجيوش العربية امام المحتل الصهيوني عام 1948 ، وخلال السبعين عاما مرت هذه الحركة بعدة مراحل من تساوم وخذلان وتقديم تنازلات سرّية واحدة تلو الاخرى خوفاً من غضب الشعوب العربية والاسلامية التي كانت على اهب الاستعداد لتتحرك وراء جيوشهم العربية لتحرير فلسطين والقدس الشريف من دنس المحتلين الصهاينة ، كما شاهدنا ذلك في الحرب الـ 1948 كيف التحق جموع المتطوعين بالجيوش العربية ولولا خيانة بعض قادة العرب ومشاركة الدول الكبرى الى جانب الجيش "الاسرائيلي" لكانت فلسطين قد تحررت .
كثير من الدول العربية وفي خصوص القضية الفلسطينية استخدمت اسلوب الخداع وامتصاص غضب شعوبها كلما طالبت تلك الشعوب من حكوماتها التحرك الجاد للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير ارضهم المحتلة ، فبادروهم بالبيانات الرنّانة والاجتماعات المغلقة وان تحرير الارض ات لا محال منه ولكن وبعد ان تهدئ المشاعر والحماس الثوري للشعوب تعود الاوضاع الى سابقتها لاعداد سيناريو جديد لقبول واقع الاحتلال بتدريج الى جانب اصرارهم في الدفاع عن حوق الشعب الفلسطيني على الورق وفي الخطابات دون اي تقدم في استرجاع ولو متر واحد من الارض المحتلة واياً من ابسط الحقوق الاولية للشعب الفلسطيني .
هذا الاسلوب المتدرج والبطيئ للاعتراف بالكيان الصهيوني ، استمرت به الدول العربية خاصة تلك التي خضعت للارادة الامريكية وعلى رأسها النظام السعودي الذي لم يقدم دولارا واحدا ورصاصة واحدة للشعب الفلسطيني للدفاع عن حقوقه المغصوبة ، استمرت بتلك السياسات الى يومنا هذا .
لنراجع التاريخ ، ففي عام 1964 عندما قررت الجامعة العربية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية "فتح" كممثل للشعب الفلسطيني في كفاحه لتحرير ارضه واسترجاع حقوقه المغصوبة ، اشترطت انذاك الجامعة العربية على رئيس المنظمة انذاك الراحل ياسر عرفات بان يتخلى عن الكفاح المسلح ضد المحتل "الاسرائيلي" وعندما لم يلتزم بهذا الشرط واستمرت العمليات المسلحة من قبل مجاهدي منظمة التحرير اعتقلت احدى الدول الخليجية الراحل ياسر عرفات لمدة شهرين .
هذا الحادث يكفي ليكشف لنا نوايا الدول العربية منذ اكثر خمسين عاما في كيفية التعامل مع القضية الفلسطسينية وكيف ان قادة اكثر الدول العربية خاصة الدول الخليجية كانوا يبرمجون ويخططون لانهاء القضية الفلسطينية والقبول بواقع الاحتلال "الاسرائيلي" لان وحسب تصريحات احد امراء الخليج الفارسي بان الدول العربية غير قادرة على المواجهة العسكرية مع "اسرائيل" .
استمر التخادل حتى جاء دور معاهدة "كامب ديفيد" بين مصر والكيان الصهيوني والاعتراف الرسمي بهذا الكيان من قبل حكومة انور السادات ، الذي وعدته امريكا بتحسين وضعه الاقتصادي فيما اذا اقر السلام مع "اسرائيل" واعترف بهذا الكيان المحتل . والى يومنا هذا ومصر لم تشهد تحسنا في وضعها الاقتصادي ، وقد نسى انور السادات انذاك ما قاله الراحل جمال عبد الناصر بانه "لا يمكن الاعتماد على وعود الولايات المتحدة " .
في معاهدة "كامب ديفيد" كما يذّكرنا التاريخ لم تكن مصر انور السادات هي الوحيدة في هذه المساومة والخذلان العربي ولم تكن هي البادئة في هذا الاتفاقية الغير متكافئة ، بل العرّاب الواقعي في هذه المعاهدة الخيانية هي دولة المغرب .
في كتابه "الفرص السانحة" الذي الفه الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون عام 1992 للميلاد ، یقول بان "اسرائيل" لم تنفذ ايا من البنود المتفق عليها في معاهدة "كامب ديفيد" الى هذا التاريخ اي تاريخ تأليف الكتاب "14 عاما مضت على المعاهدة انذاك" ، ويعترف نيكسون بانه لا يمكن الاعتماد على تعهدات ووعود الكيان "الاسرائيلي" . كل ذلك كان يعلمه العرب ولكن استمروا في المساومة وتقديم التنازلات واحدة تلو الاخرى .
ومن الاتفاقيات التي ابرمت بين السلطة الفلسطينية والكيان المحتل "اتفاقية اوسلو" عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الراحل ياسر عرفات وشمعون بيريز وزير خارجية "اسرائيل" وبحضور الرئيس الامريكي "بيل كلينتون" ، اعترف به عرفات بحق "اسرائيل " كدولة في العيش بسلام وامان واعطاء حكم ذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة لمدة خمس سنوات للوصول الى حل نهائي .
واليوم وبعد ان اثبتت فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية جدارتها وقدرتها العسكرية والروحية لمواجهة العدو "الاسرائيلي" وفشل الماكنة العسكرية الصهيونية في القضاء على ظاهرة المقاومة الاسلامية الجديدة في المنطقة خلال عدوانها في على كل من لبنان وغزة واخيرا دعمها وسندها للجماعات الارهابية في سوريا ، ارتبكت الدوائر العربية منة هذه الظاهرة التي اخذت بالتصاعد والتساع في المنطقة وسرّمن عجلة التساوم بل التطبيع مع الكيان الصهيوني ، خاصة من جانب النظام السعودي .
ولكي تعد الارضية المناسبة للتطبيع بدأت بتصنيف فصائل المقاومة وكل داعميهم في قائمة الارهاب واهمها حماس وحزب الله وانصار الله اليمني والحشد الشعبي العراقي وكافة فصائل المقاومة الفلسطينية وكثير من الاحزاب والجمعيات التي كانت ولا زالت تدافع عن محور المقاومة ، وذلك لاسقاط شرعية اي عمل مقاوم وجهادي ضد المعتدي "الاسرائيلي" ، والقاء رؤية متشائمة بالنسبة للمقاومة لدى الشعوب المسلمة ونشر بذر اليأس من مواجهة العدو الصهيوني وان السبيل الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية هو الحل السياسي والاعتراف بواقع الاحتلال بعد سبعين عاماً من كفاح لا طائل منه ، حسب تعبير الانظمة العربية المتخاذلة .
بقلم : محمد إبراهيم رياضي
رقم: 343302