من الواضح أن "إسرائيل" منزعجة تماماً مما يحدث في قطاع غزة، سيما في ظل العبر التي استخلصتها من حرب لبنان الثانية ومن حرب غزة الأخيرة، حيث إن القاعدة الحديدية التي باتت تل أبيب ملتزمة بها، هي العمل على عدم تمكين حركة حماس من الحصول على صواريخ قادرة على تهديد الجبهة الداخلية المدنية والبنية الصناعية داخل "إسرائيل"
وكالة أنباء التقيب (تنا)
تصادف حلول الذكرى الأليمة للحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، مع إعلان رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي جابي إشكنازي أنه أصدر تعليماته باستهداف عناصر وكوادر حركة حماس لأول مرة منذ انتهاء الحرب الأخيرة، حيث أن "إسرائيل" ترى أن حركة حماس لم تعد فقط تغض الطرف عن المجموعات الصغيرة التي تقوم بإطلاق القذائف الصاروخية، بل إنها في بعض الأحيان تشجعها على إطلاق هذه القذائف.
وهناك في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية من يرى أن عناصر الجناح العسكري لحركة حماس "كتائب عز الدين القسام"، يقومون بالمشاركة في إطلاق الصواريخ. ويستدل الإسرائيليون على ذلك باستخدام صواريخ "جراد" في عمليات القصف، على اعتبار أنه لا يوجد فصيل فلسطيني يملك مثل هذه الصواريخ، إلا حركة حماس. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل "إسرائيل" جادة في تنفيذ عمل عسكري ضد قطاع غزة؟ وإن كانت الإجابة بالإيجاب، فما هي الظروف التي تدفع "إسرائيل" لشن هذا العمل؟
من الواضح أن "إسرائيل" منزعجة تماماً مما يحدث في قطاع غزة، سيما في ظل العبر التي استخلصتها من حرب لبنان الثانية ومن حرب غزة الأخيرة، حيث إن القاعدة الحديدية التي باتت تل أبيب ملتزمة بها، هي العمل على عدم تمكين حركة حماس من الحصول على صواريخ قادرة على تهديد الجبهة الداخلية المدنية والبنية الصناعية داخل "إسرائيل"، على اعتبار أن هذا تحول استراتيجي يشكل تهديداً ينذر بتغيير موازين القوى القائمة بين الجانبين، وفي حال حصلت حماس على مثل هذه الصواريخ، فإنه يتوجب عليها أن تدرك أن استخدامها في قصف الأهداف الإسرائيلية سيدفع "إسرائيل" لتوجيه ضربة قاصمة للحركة. وقد هدد رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست ووزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز بأنه في حال أطلقت حماس صواريخ بعيدة المدى على العمق الإسرائيلي، فإن "إسرائيل" ستعمل على إسقاط حكمها فوراً.
وإذا أردنا أن نحكم على نوايا "إسرائيل" تجاه حركة حماس استناداً إلى هذا المعيار، فإنه يمكن القول إن "إسرائيل" لن تشن عمل عسكري كبير ضد الحركة، على اعتبار أنه حتى لو كانت الادعاءات الإسرائيلية بشأن حصول حماس على صواريخ بعيدة المدى، فإن الحركة لم تستخدم هذه الصواريخ حتى الآن بعد الحرب. لكن "إسرائيل" يمكن أن تشن حملة عسكرية كبيرة على قطاع غزة، في حال أسفرت عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف التي تقوم بها الحركات الصغيرة عن التسبب في قتل عدد كبير من المستوطنين، عندها من المؤكد إن "إسرائيل" سترد بعمل عسكري كبير.
يحرص الصهاينة على القول إنهم لن يراعوا ما جاء في تقرير "غولدستون" عندما يقررون شن عمل عسكري كبير ضد قطاع غزة، لكن هذا لا يعدو كونه مادة للاستهلاك المحلي، فـ"إسرائيل" تدرك حجم الضرر الهائل الذي مسها سياسياً وإعلامياً، بل إنه أفقدها أوراق استراتيجية كانت رابحة جداً، مثل علاقتها مع تركيا، وبالتالي يمكن القول إن "إسرائيل" عندما ستشن الحرب القادمة فستأخذ بعين الاعتبار عدم التسبب في سقوط عدد كبير من المدنيين، لكن من الواضح حتى طابع قطاع غزة والكثافة السكانية التي تعد الأعلى في العالم ستجعل من أي عمل عسكري مهما كان حذراً مقترناً بسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين.
وأيا كانت الخيارات التي ستتجه إليها "إسرائيل"، فإنه من المؤكد بالنسبة لمعظم النخب الصهيونية أن محصلة الحرب الأخيرة على القطاع كانت سلبية جداً، لدرجة أن دراسة أجرتها هيئة اركان الجيش الإسرائيلي قد اعتبرت أنه في الوقت الذي يمكن اعتبار حرب لبنان الثانية فشلا تكتيكيا لـ"إسرائيل" وانتصار استراتيجي، فإن الحرب على غزة هي انتصار تكتيكي وفشل استراتيجي. من هنا فإن معظم النخب الصهيونية تحذر من مغبة الرهان على عوائد حملة عسكرية جديدة على القطاع.
على الصعيد الفلسطيني، فإن ذكرى الحرب تحل في ظل حضور عدد من المؤشرات السلبية جدا، فبعد عامين على الحرب لا يبدو أن الفلسطينيين قد استخلصوا العبر المطلوبة، فالتنسيق بين الفصائل يكاد يكون معدوما، علاوة على أن الفصائل الفلسطينية لا تحتكم إلى استراتيجية موحدة، بل إنه من المؤلم أن الكثير من عمليات إطلاق القذائف تتم بدافع مناكفة حركة حماس وإحراجها، بل توريطها في مواجهة مبكرة مع "إسرائيل"، حيث تعي الفصائل أن "إسرائيل" قررت منذ زمن بعيد أن ترد على أي عملية تقوم بها الفصائل الصغيرة باستهداف حركة حماس، على اعتبار أنها التي تسيطر على مقاليد الأمور في القطاع.
ومن الواضح أن الأضرار التي تلحقها القذائف التي يتم إطلاقها على "إسرائيل" بالمستوطنات ضئيل جداً، حيث يسقط معظمها في مناطق فارغة، لكنها مع ذلك تمنح "إسرائيل" مسوغاً لضرب قطاع غزة وتوجيه ضربات مؤلمة للبنى التحتية المدنية، علاوة على استهداف حماس وتحديداً جهازها العسكري، ومواقع التدريب التابعة له. لكن المعطى المثير للقلق يتلخص بازدواجية المواقف الصادرة عن حركة حماس، فالقيادة السياسية ممثلة في عضو المكتب السياسي للحركة الدكتور محمود الزهار أعلنت التزامها بالتهدئة مع الاحتلال، في حين أن الذراع العسكرية، ممثل بالناطق بلسانه "أبوعبيدة" نفى ذلك.
وبغض النظر عن التبريرات التي تعطيها الحركة لتفسير هذا التضارب، فإنه يبدو من خلال ما تقدم أن هناك تباينا بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. والأصل أن تكون هناك استراتيجية واضحة وواحدة للحركة من مسألة العمل المسلح، سيما أن الأمر يتعلق بقضية حساسة جداً ويترتب عليها الكثير من التبعات الخطيرة، علاوة على أن مثل هذا الأمر يجعل المتربصين بالحركة يطرحون الكثير من التساؤلات حول وحدة الحركة وموقفها، ويضفي صدقية على الكثير مما يتم تسريبه في بعض الأحيان من أن هناك تباينات داخل "حماس".