لم تكن مطامع السعودية في اليمن جديدة، بل تعود إلى ستينات القرن الماضي. فبينما كانت «الجبهة القومية» تقاوم الاحتلال البريطاني في سبيل الاستقلال الذي تحقق في الـ 30 من نوفمبر 1967، كانت السعودية تقوم بتحقيق مكاسب على أرض جنوب اليمن قبل الاستقلال.
المطامع السعودية في الجنوب اليمني
تنا
4 Dec 2018 ساعة 17:09
لم تكن مطامع السعودية في اليمن جديدة، بل تعود إلى ستينات القرن الماضي. فبينما كانت «الجبهة القومية» تقاوم الاحتلال البريطاني في سبيل الاستقلال الذي تحقق في الـ 30 من نوفمبر 1967، كانت السعودية تقوم بتحقيق مكاسب على أرض جنوب اليمن قبل الاستقلال.
رشيد الحداد
أعاد الكثير من الباحثين عداء السعودية للثورات اليمنية في شمال اليمن وجنوبه في ستينات القرن الماضي، إلى مخاوف حكامها من تصدير الثورة للمملكة، إلا أن عداء الرياض تجاوز ذلك، إلى العداء لمشروع الوحدة اليمنية. لكن الكثير من المعطيات والأدلة على الأرض، تشير إلى أن ذلك العداء يعود إلى تقاطع اهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر وكذلك مشروع الوحدة مع مطامع السعودية التوسعية في الأراضي اليمنية.
«الجبهة القومية الجنوبية» التي اتخذت الكفاح المسلح خياراً وحيداً لمقاومة المحتل البريطاني حتى نيل الاستقلال في جنوب اليمن، كان من أبرز أهدافها طرد المستعمر الأجنبي وإسقاط الحكم السلاطيني، واسترجاع الأراضي والثروات المسلوبة وتحقيق وحدة الشعب في إقليم اليمن. تلك الأهداف وجدت فيها السعودية خطراً سيداهمها في حال نيل الاستقلال في الجنوب، فعمدت خلال فترة الكفاح المسلح في الجنوب ضد الإنجليز إلى توطيد تواجدها العسكري في شرورة اليمنية وفي الوديعة التي تقع في حدودها الشمالية لحضرموت، بعد أن ضمتها بريطانيا أثناء ترسيم حدود الجنوب مع السعودية مطلع ستينات القرن الماضي إلى الجنوب، ورفضت الاعتراف باي وجود سعودي فيها.
بعد أشهر من نيل الجنوب الاستقلال، وجلاء أخر جندي بريطاني، واختيار «الجبهة القومية»، الرئيس قحطان الشعبي، كأول رئيس لدولة الجنوب المستقلة التي حلت محل دولة السلاطين الاتحادية الموالية للإنجليز، انشغلت «الجبهة القومية» وقواتها في مهمة توحيد الجنوب، وإنهاء السلطنات التي صنعتها بريطانيا في المناطق الجنوبية والشرقية، وتزامن ذلك مع حدوث انقلاب ابيض في شمال الوطن على الرئيس السابق عبدالله السلال في نوفمبر من نفس العام، وهو ما تسبب بتراجع خطوات توحيد اليمن.
وفي عام 1970 عاد الحديث عن الوحدة، إلا أن السعودية كانت قد نجحت في اختراق النظام الجمهوري في الشمال من خلال إعادة التيار الملكي الموالي لها إلى السلطة في صنعاء عبر اتفاقيات سلام، فوقف ذلك التيار حائلاً دون حدوث تقارب بين الشمال والجنوب متهماً النظام الجنوبي بـ«الماركسي»، ليتطور الخلاف إلى دعم الجنوب «للجبهة الوطنية» المسلحة في الشمال التي كانت من ابرز مطالبها تقليص النفوذ السعودي وتحقيق الوحدة الوطنية. إلا أن الجبهة أوقفت عملياتها العسكرية ضد الدولة، خلال فترة الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي كاد أن يعلن الوحدة مع الرئيس سالم ربيع علي سالمين، في الـ 12 من أكتوبر 1977، أي قبل يوم من اغتيال الحمدي المدبر من قبل السعودية. لتعود «الجبهة الوطنية» مرة أخرى إلى التصعيد العسكري في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي حقق الوحدة مع الرئيس السابق علي سالم البيض في 22 مايو 1990، وهو ما اغضب السعودية التي بذلت كافة الجهود لإفشال الوحدة لما تشكله من تهديدٍ على مصالحها ومطامعها في اليمن. وكان موقف الرياض مع الانفصال في حرب صيف 1994 واضحاً، ولاتزال الرياض تقف في صف مناهض للوحدة حتى اليوم بطرق مباشرة وغير مباشرة.
مطامع السعودية في الجنوب
حاولت دولة الجنوب المستقلة بقيادة أول الرئيس، قحطان الشعبي، بعد أشهر من الاستقلال حل الخلاف سلميا حول شرورة والوديعة وابدت استعدادها لتشكيل لجنة يمنية جنوبية ـ سعودية لبحث موضوع الحدود بين البلدين، إلا أن مطالب السعودية كانت بضم شرورة إلى أراضيها، فتصاعدت الخلافات بعد أن فقدت الرياض الكثير من اذرعها في الجنوب وخصوصاً سلاطين حضرموت، لتندلع أول حرب جنوبية مع السعودية في 27 نوفمبر 1969، حينما أقدمت قوات جنوبية على مهاجمة «مركز الوديعة الحدودي» الذي استحدثته السعودية في عمق الأراضي اليمنية ، وتقدمت تلك القوات باتجاه شروره لاستعادتها وتجاوزت منطقة قرن الوديعة لتصل إلى مشارف مدينة شروره، إلا أن السعودية اعتبرت الحرب «ماركسية»، واستعانت بـ«الإسلاميين» لمساندة قواتها. وبقيادة الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، الذي قاد القوات السعودية، استعادت السيطرة على الوديعة ومناطق واسعة في شرورة خلال مواجهات عسكرية استمرت عدة أيام واخضعتها بالقوة لسيطرتها.
الضم والإلحاق
تلك الأطماع لم تتوقف بل استغلت المملكة حالة عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته دولة جنوب اليمن سابقاً خلال السبعينيات والثمانينيات، لتضم أراضي يمنية واسعة كانت تابعة لحضرموت ومحافظتي المهرة النفطيتين وتلحقها بارضها معتمدة على آلية الاستقطاب لضم سكانه المناطق الحدودية إليها، من خلال منحهم جنسيات سعودية وتابعيات امتيازات مالية، لتتوغل في عشرات القرى الواقعة على حدودها الشرقية، ونظراً لذلك كادت أن تندلع حرب سعودية-يمنية في ديسمبر عام 1994، أثناء قيام قوات سعودية باستحداث نقاط ومواقع في منطقة الخراخير التابعة للمهرة والتي أصبحت اليوم سعودية بالكامل، والتمدد في شرورة التابعة لحضرموت، إلا أن تدخل سوري ومصري مع قيادة البلدين نزعت فتيل التوتر .
سياسة الضم والإلحاق السعودية تجاه اليمن، ومطامعها الاستعمارية، انكشفت اليوم بجلاء، فالرياض لم تكتفِ بضم عشرات المناطق المهرية إلى ارضيها وإلحاق مناطق واسعة في الربع الخالي، وفي مناطق تابعة لحضرموت لأراضيها، بل تسعى اليوم للسيطرة على محافظة المهرة بشكل كامل تحت أكثر من ذريعة كذريعة مكافحة التهريب، وإعادة الأعمار، ومساعدة المتضررين من إعصار «لبان» الذي ضرب المهرة الشهر الماضي، مستخدمة القوة ضد أبناء المحافظة الرافضين لوجودها العسكري على أراضيهم. ويشار إلى أن الوجود الإماراتي قابل للرحيل بأي لحظة بقوة إرادة احفاد ثوار أكتوبر ونوفمبر ولكن التوغل السعودي أخطر بكثير بحكم الجيرة، فالرياض تسعى لاحتلال أبدي في ارض الجنوب.
رقم: 382345