عصر ارادة الشعوب اذن، مقاومة للمحتل، وثورة على الحاكم الظالم - حارس المصالح الغربية، عصر انطلق قطاره، ولا اعتقد أن بالامكان ايقافه، مهما كانت المناورات والمحاولات الغربية والصهيونية... فهل تكون الحرية المستعادة الطريق الصحيحة لتحرير فلسطين...
>>
امين حطيط
إيران.. لبنان.. تونس.. مصر.. و...؟ عصر إرادة الشعوب..
وكالة أنباء التقريب (تنا)
2 Feb 2011 ساعة 22:58
عصر ارادة الشعوب اذن، مقاومة للمحتل، وثورة على الحاكم الظالم - حارس المصالح الغربية، عصر انطلق قطاره، ولا اعتقد أن بالامكان ايقافه، مهما كانت المناورات والمحاولات الغربية والصهيونية... فهل تكون الحرية المستعادة الطريق الصحيحة لتحرير فلسطين...
بعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى، رست المنطقة العربية والاسلامية في معظمها، ولنقل معظم الشرق في اليد الغربية على شكل استعمار أو انتداب، وبعد ان انتهت الحرب العالمية الثانية، طور الاستعمار الغربي شكل سيطرته على المنطقة باقامة نظام المصالح الغربية، الذي تبلور بمنح استقلال شكلي للدولة المنتدب عليها، أو المستعمرة من قبله، ثم وضع لها انظمة حكم تأتي باشخاص يتولون «حراسة المصالح الاجنبية» في أوطانهم، مع اطلاق يدهم في تلك البلاد نهبا وسلبا للثروات، وقمعا للحريات، وبدل ان يقمع الاجنبي بجيشه وقواته المسلحة الشعوب الاخرى، فقد اقام عليها زبانية من أبناء جلدتها، تنفذ من الظلم والقمع ما لا تصل اليه الجيوش المستعمرة ذاتها.
وفي ظل نظام المصالح الأجنبية، هذا وحراسها الذين أطلق عليهم ألقاب ملك أو أمير أو شيخ أو رئيس، تمكن الغرب من إبقاء هيمنته وسلطته وحكمه الخفي على الشعوب، الى حد الغاء ارادتها، وامتلاك ثرواتها. فاذا استنفد الحارس – المتحكم، أو ارتقى الاحتقان الشعبي الى حد الانفجار، كان الغرب يوحي أو يسهل أو يوعز الى الجيش، أو يترك له بمبادرة تحركها وطنيته، ان ينقلب على السلطة القائمة، ثم يحتوي الصيغة الجديدة فيشجّعها على اقامة ديكتاتورية قمعية، اسوأ من السالفة، وبعدها يرسي الحكم على قانون طوارئ، يستبيح لنفسه بموجبه كل حقوق المواطن والانسان. وقد ادى نظام «حراس المصالح الأجنبية « هذا، الى تكريس تجزئة البلدان، وسد السبل امام استثمار الشعوب لثرواتها، وتخبطها في مراتب التخلف والتحجر، وتحويلها الى مجتمعات استهلاكية لمنتوجات الغرب، من كل الانواع المادية والمعنوية الفكرية. فبات الفرد أو المجتمع هنا يستهلك السلعة الغربية والفكرة الغربية، ويقلد الغرب في اللباس والسلوك، و»يفتخر» بأنه يتكلم اللغة الاجنبية، مهملاً لغته... انه التغريب والغاء الذات والتنازل عن كل شيء تقريبا، لينعم الغرب بثرواتنا، ويتربع «الحارس لمصالحه « على عرش استعباد الشعب.
في ظل هذا الواقع، حاولت شخصيات واحزاب، ثم حركات وطنية، التمرد على هذا النظام، واستعادة الحرية والثروة، وكان بعضها ينجح أحياناً، ويقيم نظام حكم وطني، سرعان ما يتسلّل اليه الأجنبي فيفسده، ويحتويه، أو يشن عليه حرباً فيسقطه أو يلغيه أو يعزله، وتكون النتيجة اعادة الجميع الى بيت الطاعة الغربية. قلة من الأنظمة التي نجت من تلك السيطرة كسورية مثلاً، اما معظم الأنظمة فقد ضاعت جهودها الى الحد الذي يئست فيه الشعوب من الحركات الجزئية، أو الانتفاضات النخبوية، فحاولت التغيير بصيغ أخرى.
وكانت التجربة الجديدة في ايران في العام ١٩٧٩، حيث خرج الشعب رافضا لنظام حراس المصالح الاجنبية، مطالبا بالحرية والاستقلال واستعادة الهوية الوطنية، وما ان نجحت الثورة الاسلامية، بقيادة الامام الخميني، حتى حاول الغرب على عادته ان يحتويها، مقدما رسائل «حسن نية» تجاهها تمثَّلت بعدم استقبال الشاه المخلوع، لكن وعي الشعب وقيادته اجهضا المحاولة، برد بليغ عبر احتلال الطلاب الايرانيين وبمبادرة عفوية منهم، السفارة الاميركية في طهران، لأنها برايهم مركز القرار الفعلي في ايران-الشاه، وكان احتلال السفارة هذا، اشعاراً للغرب بان سياسة احتواء «الانقلابات»، أو مصادرة الثورات، لن تنجح في ايران لأن الشعب لا تصادر ارادته. وكما رد الغرب على جمال عبد الناصر في مصر سنة ١٩٥٦، بحرب عليه في ما عرف بحرب قناة السويس، أو العدوان الثلاثي (بريطانيا ـ فرنسا ـ «اسرائيل») كانت حرب صدام حسين على ايران، بقرار اميركي وتمويل من «حراس المصالح الغربية « ـ الحكام العرب في الخليج الفارسي . حرب كانت في حقيقتها تهدف الى اجهاض الثورة، أو على الاقل حصر آثارها، ومنع تصديرها بما يطيح بالحراس- الحكام. وقد نجحت الحرب في جانب وفشلت في جوانب، اما نجاحها، فقد كان بشكل خاص في عرقلة انتشار افكارها، دون ان تمنع ذلك. واذا كانت افدح الخسائر التي سببتها سياسة الهيمنة الغربية، ونظام حراس المصالح الغربية، قيام «اسرائيل» على جزء من أرض العرب والمسلمين في فلسطين، فان اهم ما يسجل للثورة الايرانية، هو رفضها لـ»إسرائيل» رفضا مطلقاً، واعتماد سياسة مواجهتها ومقاومتها حتى الزوال.... علماً بأن المقاومة تلك، كانت قد بدأت، ثم كبت في العام ١٩٨٢، ثم انطلقت في لبنان شعبية واسعة، متعددة المنطلقات الفكرية والعقائدية، الى أن انتصرت في العام ٢٠٠٠، مسجّلة أول انتصار تام على عدو محتل. وهكذا، ما ان انطوى القرن العشرين، حتى كانت قد رسخت في التاريخ لصيقة بسلوك شعوب المنطقة، سمتان رئيسيتان هامتان:
ـ ثورة شعبية تقتلع الحاكم ـ الحارس لمصالح الغرب «لإقامة نظام حماة المصالح الوطنية».
ـ مقاومة شعبية تواجه احتلال القوى الأجنبية... مقاومة تحرّر الأرض وترسي سيادة الشعب عليها.
وبهذا يمارس الشعب سيادته ويفرض قراره بالتحرّر والتحرير. وبعد ايران، كان لبنان الشاهد الفعلي على نجاح سياسة التحرير الشعبي، وتجاوز الانظمة الرسمية ووهنها، وخضوعها للارادة الاجنبية..
لقد أدى نجاح المقاومة في التحرير في لبنان، الى تفاقم مأزق الغرب حيال الشعوب التي تنشد الحرية، ورفع درجة الرد لإجهاض مفاعيلها، واذا كانت حرب الخليج الفارسي الأولى في العام ١٩٩١ تعويضاً عن فشل احتواء الثورة الايرانية وعن عجز صدام في خنقها، ما ادى الى تنفيذ انتشار عسكري غربي في الخليج الفارسي ، يقيم جداراً على الحدود الغربية لايران، ثم استتبع ذلك بانتشار في افغانستان، ثم العراق، لمحاصرة ايران، فان حرب العام ٢٠٠٦ على لبنان، بعد وضع اليد على القرار اللبناني بشكل محكم في العام ٢٠٠٥ عبر خديعة ما سمي «ثورة الارز» كانت الرد على نجاح المقاومة في تحرير الارض وطرد «إسرائيل». لكن المقاومة وشعبها اجهضا الرد. وكانت المحصلة العامة للسلوك الغربي وبوضوح كلي، اخفاق قاتل، وفشل مبين... ونستطيع القول بكل طمأنينة، ان الغرب عمل لثلاثة عقود من الزمن لمنع الشعوب المشرقية من ممارسة حقها في التحرّر والتحرير، بلجوئه الى كل الوسائل: الحرب غير المباشرة، والحرب المباشرة، والاحتلال المقنع والاحتلال الفعلي، والثورات الكرتونية الوهمية، لكن النتيجة كانت وبوضوح: ارادة الشعب هي التي تنتصر....قاعدة تكرّست نظريا وعملياً، وبات من شبه المستحيل تغييرها.
والآن يتفاقم مأزق الغرب مجدَّداً، عندما تنفجر في إفريقيا العربية ارادة الشعب التغييرية، لقد فرحت أميركا بانجازها الاستراتيجي الكبير بتقسيم السودان، متكئة على ما تدعيه كذبا «حق تقرير المصير، فجاءها الرد المزلزل من تونس، التي أطلقت ثورتها بشكل عفوي، ومن غير قيادة فعلية أو تخطيط أو تنظيم مسبق.. بل كانت ترجمة للقواعد العامة للثورات الشعبية التي تنطلق متدرِّجة في مراحل أربع، شعور بالظلم الواقع، وعدم احتمال الألم غير المشروع، ثم اطلاق الصرخة التي تكسر الخوف، وأخيراً النزول الى الشارع والميدان، والعمل على تغيير الحال بعد امتلاك الشجاعة والاستعداد للتضحية من أجل ذلك. وهذا ما حصل في ايران سابقاً، وهذا ما سجل في تونس ضد نظام حكم عمل على الغاء الهوية التونسية، وسحق الشخصية الوطنية، وفرض العبودية على الشعب التونسي، بحرمانه من ابسط حقوق الانسان، مع نشر الفساد وممارسة الاقصاء والتهميش، وتعميم البطالة.. ما ولَّد انفجار الثورة التي أطاحت بالنظام فاتحة عهداً جديداً في البلاد، اثار ريبة الغرب، وقلقه، فسارع على عادته الى الاحتواء، وجاء الأميركي لتنفيذ المهمة.. ولكن هل ينجح؟؟؟ اني اشك لان العصر تغير واذا كان الفرد يحتوى ويستتبع، فان الشعب الذي يمارس إرادته يستعصي على الاستتباع والاحتواء، عندما يطلق صرخته ويمتلك قراره.
والأمر ذاته يتكرّر الآن في مصر.. مصر التي أخرجها حاكمها من أمتها، وجعلها قاعدة حراسة للمصالح الصهيو ـ اميركية، ومارس السلوك الديكتاتوري ذاته.. قانون طوارئ، قمع، سجون، فساد، بطالة، افقار... ظلم قاد الى الانفجار فالثورة، التي يعوِّل عليها لاعادة مصر الى أمتها، وهي حرة متحرِّرة من القيود الغربية، مصر التي يكون فيها المواطن الحر القادر على العمل والكسب الحلال...
إنه عصر ارادة الشعوب اذن، مقاومة للمحتل، وثورة على الحاكم الظالم - حارس المصالح الغربية، عصر انطلق قطاره، ولا اعتقد أن بالامكان ايقافه، مهما كانت المناورات والمحاولات الغربية والصهيونية... فهل تكون الحرية المستعادة الطريق الصحيحة لتحرير فلسطين...
الدكتور امين حطيط
رقم: 38760