محمد باقر ياسين
حال السعودية كحال بقية الدول التي تعاني من الغازية الحديثة التي تفتك بالدول من دون استخدام السلاح، فتحصد الأرواح وتشتت شمل الأسر وتضع المجتمع على أعتاب الإنهيار. الغازية هنا هي المخدرات التي تتفشى ببلد له طابعه الخاص، يضم قبلة المسلمين وقبر نبيهم، وهو بلد يدّعي ملوكه خدمة الحرمين الشريفين. كما تروج صحف الرياض لمزاعم بأن "محور المقاومة يقوم بكسب الأموال من الزراعة والتجارة بالمخدرات"، وذلك بهدف التعمية على ما يحصل داخل المملكة، التي تعتبر ثالث مستهلك في العالم للمخدرات ولم تسلم أي شريحة من شرائح المجتمع السعودي من التورط بهذه الآفة، حتى أصابت "أمراء" المملكة. فما هو واقع المخدرات في المملكة؟ وما مدى تأثيره على المجتمع السعودي؟ وهل هناك من أمل في التعافي منها؟
واقع المخدرات في السعودية
تشير آخر الاحصاءات العالمية بأن السعودية هي ثالث دولة مستهلكة في العالم للمخدرات، وهذا ما يؤكده إحصاء وزارة الداخلية السعودية، حيث لا يكاد يوم يخلو من ضبط كميان من المخدرات، وهذا إن دل على شيء فهو يدلّ على عدم اكتراث المهربين بقوات الأمن، وكذلك على مدى تفشي ظاهرة تهريب وترويج المخدرات في السعودية. ورغم العقوبة القاسية (الاعدام) التي تفرضها السلطات هناك، الا أن قضايا تهريب المخدرات تزداد عاماً بعد آخر. على سبيل المثال في عام 2016 ألقي القبض على 1776 شخصاً بتهمة المخدرات، أما في عام 2018 فقد ألقي القبض على 4841 متهما جميعهم سعوديون، أي أن عدد المقبوض عليهم تضاعف 3 أضعاف تقريباً في عامين فقط، حيث يتم القبض على 13 مهرباً يومياً. هذا المؤشر البسيط يبين لنا حجم غزو تجار المخدرات للمملكة، ولو أنها لم تكن سوقاً قوياً لما تجرّأ هؤلاء على الاقدام على هذه الأفعال. وإذا فصّلنا المضبوطات من ناحية الكمية، نجد أنه في عام 2018 تم ضبط 83 مليون حبة كبتاغون، أي ما يوازي 3 أضعاف عدد سكان المملكة، كما تم ضبط 28 طناً من الحشيش و90 كلغ من مادة الهيروين، اضافة إلى كميات من أنواع مخدرات أخرى.
تأثير تعاطي المخدرات على المجتمع السعودي
إذا قمنا بتفنيد تأثيرالمخدرات على المجتمع السعودي سنكتشف المصيبة الكبرى. إذ إن تعاطي المخدرات لم يفرق بين طفل وشاب ورجل وامراة. وإذا دخلنا إلى المجتمع السعودي وقسمنا التعاطي على المناطق، فتأتي في المقدمة منطقة جيزان 29.3% تليها الحدود الشمالية 29.1% ومكة المكرمة 28.7%. وهنا يجب على من يدعي خدمة الحرمين الشريفين أن يخجل، حيث أن الدولة التي تدعي ريادتها العالم الإسلامي في قلب قبلة المسلمين وقرب بيت الله الحرام، يتم تعاطي المخدرات بهذه النسبة المهينة لحكام السعودية.
نسبة تعاطي الذكور للمخدرات في السعودية تصل إلى 54% من مجمل المتعاطين، بينما شكلت الإناث نسبة 46% منهم، والكارثة أن 77% من المتعاطين هم من طلاب المدارس والجامعات، 71% منهم من عمر12- 18 سنة حيث سجل أصغر متعاطي تم ضبطه عمر 8 سنوات، فكميات تعاطي المخدرات في ازدياد عاماً بعد آخر، وقد وصلت إلى النخب في المجتمع السعودي.
أما إذا نظرنا إلى الجرائم التي يسببها تعاطي المخدرات في المملكة، فنجد أن 40 % من الجرائم التي ترتكب في المملكة هي تحت تأثير الإدمان حسب إحصائية (مجمع الأمل)، أما القضايا التي تتعلق بترويج وتهريب وتعاطي المخدرات فقد زادت 210 % خلال 15 سنة، والأدهى من ذلك أن كل جريمة تقع في المملكة يقوم الاعلام بتبريرها كون مرتكبها مختل عقليا أو تحت تأثير المخدرات وكأن هذا يبرر ارتكاب الجريمة. ومن المعروف أن المجتمع السعودي لديه تحفظ شديد إزاء الحديث عن المدمن، ممّا يجعل إمكانية العلاج أصعب لان أغلب الأسر تتستر على المدمنين، لكي لا يلحق بعائلتهم السمعة السيئة. ومن يتجرأ ويبلغ عن تعاطي أحد أفراد عائلته ويضعه في مركز للعلاج لا يحصل على النتيجة المرجوة نتيجة تسرب المدمنين الى أماكن قريبة من مراكز العلاج لكي يحصلوا على المخدرات مرة أخرى.
من هنا، إنّ آخر من يحق له إتهام غيره بالتجارة والترويج وتعاطي المخدرات هي المملكة العربية السعودية، فعلى صعيد التجارة وتهريب المخدرات "أمير الكبتاغون" في السجون اللبنانية خير شاهد، وعلى صعيد التعاطي الأرقام أوردناها وتدل على حالة المجتمع السعودي الغارق بالمخدرات. والارقام التي وردت هي لكميات ضبطت فما بالك للكميات الفعلية التي يتم تعاطيها في أحياء بعيدة عن أعين الدولة كحي النسيم في الرياض على سبيل المثال. إن استمرار ارتفاع مستوى تعاطي المخدرات في السعودية ينذر باقتراب إنفجار مجتمعي سيؤدي إلى إنهيار ما في السعودية عاجلا أم آجلا.