إن مطالب الاردنيين منطقية وعقلانية وراقية ومستشعرة للمسؤولية لكن الاستهتار بها أو الالتفاف حولها أو تقزيمها أو تجاهلها أو اتهامها او اخراجها عن حقيقتها لن يسهم في استقرار الوطن، بل سيغري برفع وتيرتها وسقوفها ربما بما لا يطيقه الوطن.
بقلم: سالم الفلاحات*
الواقع الأردني بعين الحقيقة
وكالـة أنبـاء التقريـب (تنـا)
11 Mar 2011 ساعة 21:10
إن مطالب الاردنيين منطقية وعقلانية وراقية ومستشعرة للمسؤولية لكن الاستهتار بها أو الالتفاف حولها أو تقزيمها أو تجاهلها أو اتهامها او اخراجها عن حقيقتها لن يسهم في استقرار الوطن، بل سيغري برفع وتيرتها وسقوفها ربما بما لا يطيقه الوطن.
حراك شعبي عربي واسع وغير مسبوق منذ عقود طويلة، يستحق أن يسمى ثورة حقيقية قابلة للانتشار والتعميم، بعد نجاح الثورة التونسية والمصرية، واستمرار الثورة الليبية وحجم الاصرار الشعبي عليها وتحريرها ثلاثة ارباع الارض الليبية، رغم التضحيات الكبيرة المتمثلة بالدم الشعبي الطاهر، وتقلص سيطرة القذافي ومرتزقته الى جحور محدودة تتناقض يوماً بعد يوم.
ولن يغني عن الأنظمة المتشبثة بالسلطة بلا مقومات، محاولات التعتيم الاعلامي والاصلاحات الشكلية المحدودة، أو الرشاوى التي تقدمها لشرائح في شعوبها، أو القول بأن ظروف الدول التي جرت وتجري فيها الثورات مختلفة تماماً عن ظروف دولهم.
ولا شك أن ازدياد وعي الشعوب على حجم معاناتها من الظلم والحرمان، ووجود تجارب ناجحة في الثورات، وامكانية النجاح والتحرر، وتطور تكنولوجيا الاعلام الذي يجعل كل ما يحدث في أي قطر عربي بين يدي المواطن العربي في كل مكان وعلى جناح السرعة بالصورة والصوت.
هذه وغيرها توفر للثورات العربية القطرية المتوقعة فرصا كبيرة للنجاح يدركها الحكام تماما حتى لو تظاهروا بغير ذلك.
والاردن ليس استثناءً من هذه الحالة، وما الذي يجعله استثناءً وهو من أكثر الشعوب العربية وعياً، ولعل معايشته الحثيثة للقضية الفلسطينية بكل مفرداتها السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية بوقت مبكر ومتصل ومباشر، أضافت له وعياً آخر ونضوجاً مبكراً، واذا ما أضيف له ممارسات الحكومات المتعددة المتعاقبة التي استنفذت حقها من الوعود العرقوبية المتكررة على مر السنين، حيث يشهد المواطن عاماً بعد عام المزيد من التردي الاقتصادي وارتفاع المديونية بصورة لا يمكن تفسيرها على وجه مقبول، وعجز الموازنات السنوي، وضيق العيش الذي اتسعت شريحته وتنوعت أشكاله، ثم كثرة القوانين التي أدت الى مصادرة حريته وتشويه ارادته.
وما تفسير أن ينطق الصامتون بالعادة، وأن يصرخ الصابرون، وأن يحتج حتى الذين يصنفون على معسكر الموالاة والتبعية والثقة العمياء؟
ما معنى أن يتحدث بالفم الملآن عدد من الشخصيات الرسمية التي شغلت مناصب عليا في الدولة؟ ومنهم ضباط كبار في الجيش والأمن لم يغادروا العمل الا قبل فترة وجيزة لا يستطيع أحد أن يزاود على وطنيتهم وانتمائهم وحبهم للأردن.
ثم ما معنى احتجاجات العمال المتكررة وصرخاتهم المتكررة؟
وما معنى تظاهر المعلمين والتي أطاحت بوزراء في الحكومة لمحاولة استرضائهم ووعدهم بنقابة لهم بعد استهجان وانكار وتسخيف للمطالبة وادعاء عدم قانونيتها؟
وما معنى ان يعتصم الاعلاميون مطالبين برفع اليد الامنية عن عملهم؟
وما معنى اعتصامات ومظاهرات العشائر الاردنية في مناطق كثيرة؟ مرًة بسبب الواجهات العشائرية المسلوبة والمستملكة والمباعة لجهات أخرى وشركات تجارية دون إعلام أو اشعار، ومرةً للمطالبة باستنقاذ مصادر رزقهم من الانهيار بسبب ارتفاع اسعار الأعلاف ونحوها.
أو الاحتجاجات بسبب ارتفاع اسعار المحروقات الجنوني وارتفاع نسبة الضرائب عليها.
أو ما تفسير الانفلات في بنية النسيج الاجتماعي وانتشار ظواهر القتل على أبسط الأسباب؟
والعنف الاجتماعي الجامعي والرياضي الذي وصل حد الظاهرة مما يرهق المجتمع والدولة والاستقرار والأمن ويجعل الجميع مستفزاً حائراً لا يدري ما الذي جرى له.
ما معنى ينادي الكثير من أبناء المجتمع وعلى مختلف المستويات الى لقاءات واسعة وتدارس ما يجري والخروج بمشاريع متعددة أقرب للصيحات والصرخات والاستغاثات والتحذير من الكارثة لا قدر الله؛ حتى خرج الى العلن بعض هذه التحذيرات، ممن كانوا يوما في صلب مطبخ القرارات العليا في الدولة.
ومما يؤسف له أن بعض المستفيدين من إبقاء الوضع بعيداً عن الاصلاح والمعالجة والاستدراك، خوفا على تبدل الظروف والبيئات التي لا تمكنهم من الاستفراد بمقدرات الوطن وسلب حقوق المواطنين، حال تولي الناس الشرفاء شؤونهم وادارة مقدراتهم وامتلاك القرار السياسي لدولتهم في الشؤون الداخلية والخارجية.
هؤلاء يصرون على تقديم صورة مغايرة لرأس الدولة للواقع ومصادمة للمنطق ومستهترة بكل المعطيات الملموسة على أرض الواقع، مستخدمين كل وسائل التضليل المتطورة وتسطيح المشكلات الحقيقية، وتشويه المطالب الشعبية واتهامها، واختراع مسوغات كاذبة للتحذير من الاصلاح الجذري والحقيقي الذي يناسب الوضع العام ويقرأ ما يجري في البلاد العربية بعيون مفتوحة ومبصرة ثاقبة.
إن هؤلاء الذين يجهدون أنفسهم لتغطية الشمس بالغربال، أشد ضررا على الوطن والمواطنين من أي عدو خارجي لأنهم كطبيب يوهم المريض أنه سليم معافى حتى يقتله المرض وهو لا يدري.
إن الاعتماد على صمت الشعوب وصبرها وايهام النفس بامكانية تضليلها وخداعها أو ربما تخويفها وارهابها أو شرائها، أو شراء الوقت، أو الاعتماد على ضعف ذاكرة الشعوب، وهمٌ لا يسمن ولا يغني من جوع.
إن مطالب الاردنيين منطقية وعقلانية وراقية ومستشعرة للمسؤولية لكن الاستهتار بها أو الالتفاف حولها أو تقزيمها أو تجاهلها أو اتهامها او اخراجها عن حقيقتها لن يسهم في استقرار الوطن، بل سيغري برفع وتيرتها وسقوفها ربما بما لا يطيقه الوطن، وسيفتقد الوطن هؤلاء الذين أسهموا بالتضليل والمخادعة ولن يراهم، كحال غيرهم من أمثالهم في أقطار عربية أخرى، لا يمثل لهم الوطن شيئاً الا المنفعة الشخصية فقط، الفرصة سانحة وفي الوقت متسع حتى الان، وكل من يسهم في إضاعة هذه الفرصة حتى باصلاحات شكلية هو عدو الوطن الحقيقي لا يريد له الخير.
_________________________________
*باحث اردني
رقم: 42143