مقال للدكتورة ندى حسون، استاذة اللغة والأدب الفارسي في جامعة دمشق.
بروين اعتصامي نموذجاً للشاعرة الملتزمة
وکالة انباء التقریب (تنا) – دمشق
13 Mar 2011 ساعة 0:29
مقال للدكتورة ندى حسون، استاذة اللغة والأدب الفارسي في جامعة دمشق.
ولدت بروين اعتصامي عام ۱۹۰۶ في تبريز وهي ابنة يوسف اعتصام الملك آشتياني المترجم والصحفيّ المعروف ، الذي غادر تبريز مع أسرته إلى طهران بسبب انتخابه للدورة الثانية لمجلس الشورى الوطني وكانت بروين في السادسة من عمرها.
بدأت تعلم العربية والفارسية في كنف أسرتها ، ودرست في المدرسة الأمريكية كما تلقت بعض الدروس على يد معلمين خصوصيين.
ظهر اهتمامها بالشعر والأدب منذ البدايات وبدأت بنظم الشعر في الثامنة من عمرها ونشرت أول قصيدة لها في مجلة " بهار " وهي في سن الرابعة عشرة، ولاقت تشجيعاً عند أهل الأدب.
كان لترددها على محافل الأدب – التي كان لوالدها علاقة بها – أثره في تقوية ذوقها وتنمية موهبتها الشعرية ، وكانت تلتقي في تلك المحافل بملك الشعراء بهار الذي كتب فيما بعد مقدّمة ديوانها مما جعلها في مصاف کبار شعراء العصر الحديث ، كما كان يحضر تلك المحافل علي أكبر دهخدا، نصر الله تقوي ، إقبال آشتياني ، وسعيد نفيسي.
كان والدها يترجم قطعاً جذابة من الكتب الأجنبية إلى الفارسية ويشجع ابنته على نظمها ، مما زاد اهتمامها بالشعر والأدب وأوصلها في النهاية إلى الشاعرية.
تزوجت عام ۱۹۳۴ من أحد أقارب والدها وذهبت إلى كرمانشاه ، ولعدم وجود توافق أخلاقي مع زوجها ، انفصلت عنه بعد شهرين من الزواج وعادت إلى طهران ، وكان لهذه التجربة أثرها في شعرها . توفيت عام ۱۹۴۱ بمرض الحصبة ولم تكن قد تجاوزت الخامسة والثلاثين.
نشأ في المحيط الأدبي والثقافي خلاف حول شعر بروين اعتصامي؛ فبعضهم عدّها نموذج المرأة العفيفة الملتزمة ، والبعض الآخر قال إنّها لم تؤدّ رسالتها كامرأة في مرحلة اشتدّت فيها الحاجة إلى التوعية وكلّ من الطرفين له أسبابه.
ويمكن الجمع بين الرأيين بسهولة حيث إنّها تقف على طرفيّ نقيض من الشاعرة فروغ فرخزاد ؛ فقد أظهرت بروين في شخصيتها وشعرها هوية المرأة الإيرانية التقليدية في حين أن فروغ فرخزاد كانت نموذج المرأة العصرية المتحررة . فكان من الأولى الطاعة التامة والتسليم إزاء التقاليد ومن الثانية العصيان والاعتراض على النظام الذكوري والسعي لإثبات الهوية المستقلة كامرأة.
فأولئك الذين دافعوا عن بروين هم أنصار النموذج التقليدي للمرأة الإيرانية ، وهؤلاء يرون المرأة أماً بالدرجة الأولى وزوجة في الدرجة الثانية ، ومن كانوا مخالفين فإن السبب في مخالفتهم هو الصورة التي تقدمها عن المرأة والتي لاتروق لأنصار تحرر المرأة بالمفهوم العصري .
إن ديوان أشعار بروين هو الأثر الوحيد الذي خلّفته ، ونلمح في شعرها ثلاثة موضوعات أساسيّة :النصيحة والموعظة : وهي موضوع أغلب القصائد ، والأمومة وهي موضوع أكثر المسمطات ، والفقر وعجز الطبقات الدنيا وهو موضوع أغلب القطعات التي جاءت إما بشكل تقليدي أو على شكل مناظرة .
لا شك بأن شعر بروين لم يکن تقليداً للقصيدة التراثية ، بل هو محاولة لبعث الشعر الکلاسيکي الفارسي من خلال بناء نهضة أدبية حديثة للتعبير عن مستجدات العصر و تطعيمها بينابيع التراث الاسلامي الاصيل. و قد تميز أسلوبها بالوضوح المُفعم برصانة شعر شعراء القرنين الخامس و السادس للهجرة، حيث تأثرت بأسلوب ناصر خسرو و سعدي الشيرازي من القدماء، و من المتأخرين الکبار فقد کانت مُعجبة بملك الشعراء بهار ، کما ترك علي اکبر دهخدا الأديب و اللغوي المعروف بصمات علی قصائدها وكذلك إيرج وشهريار . و من البديهي أن حفظها لقصائد فردوسي، ناصرخسرو، جلال الدين الرومي المولوي، نظامي، منوچهري، أنوري و فرخي و غيرهم من النجوم اللامعة في سماء الشعر الإيراني أتاح لها الفرصة للتأثر بأعمالهم و أدبهم.
إن نجاح بروين في خلق تمازج و تلاحم بين المفاهيم الكلاسيكية الفارسية و صياغتها بألحان مستمدة من التراث الاسلامي جعلها تقف بشموخ في قمة الأدب النسوي المعاصر و تحوز بجدارة لقب« سيدة الشعر الايراني المعاصر».
كانت بروين امرأة جعلت الشعر هدفاً للإصلاح الأخلاقيّ والاجتماعيّ ، صورت آلام الناس وما يعتلج في صدورهم ، ونشدت الحياة السعيدة لشعبها ، خاضت موضوعات سياسيّة واجتماعيّة وشعبيّة ، وكانت نموذجاً للمرأة المسلمة الحرّة الجريئة . أحبّ الناس نبل مقاصدها واستقطب أسلوبها القصصيّ الوعظيّ المتلقّين حتى لقّبها البعض بـ " لافونتين العصر ".
اتبعت بروين في قصائدها أسلوب ناصر خسرو وفي مقطعاتها أسلوب أنوري كذلك تأثرت بسعدي فنجحت في إنزال الشعر من أرستقراطيته ليكون ترانيم على شفاه الفقراء والمعدمين . وبذلك فإنّ أشعارها يظهر فيها الأسلوبان الخراساني والعراقي ، وقد انسجما بشكل أعطى أسلوباً مستقلاً جديداً.
كانت أكثر قطعاتها بأسلوب المحاورة أو مايسمّى في المصطلح الأدبيّ " المناظرة " ، وقد عرف هذا الأسلوب في إيران قبل الإسلام ، وتعدّ مناظرة " الشجرة الآشوريّة " أو مناظرة " النخل والماعز " نماذج من العصور الوسطى للشعر الفارسيّ . ومايميّز مناظرات بروين هو الحديث عن مسائل الحياة اليومية ودقة النظر وغزارة المادة الأخلاقية .
أمّا عن طرفيّ المناظرة عندها فهما إنسانان كاللصّ والقاضي ، العاقل والسكران ؛ أو حيوانان كالهرّة والأسد ، والأفعى والنحلة ، والذئب والكلب ؛ أو شيئان كالبصل والثوم ، والكرباس والألماس ، والجوهر والحجر ، والوردة والندى . وهكذا كانت المناظرة تتخذ حالة تمثيلية ، وإضافة إلى ذلك نجد أحياناً ظاهرة التشخيص وإضفاء الشعور على الجماد.
اقترضت بروين مضامين شعرها من الآخرين – على الأغلب – وقلّما نجد لديها المضمون البكر المبتدع ، لكنّ ما يميّز عملها هو شكل التصرّف في المضامين وكيفيّة إخراجها.
عاشت بروين في أيّام ملأى بالفوضى ، وقد طرح الاختناق السياسيّ والمصاعب الاجتماعيّة لأيّامها في شعر أغلب الشعراء بشكل مستتر أو ظاهر ، فعكس شعرها الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة غير المرغوبة – كما طرح مسائل أخلاقيّة وبيّن الحرمان العاطفيّ خاصّة لدى جيل الشباب .
تقول في قصيدة بعنوان كيمياء العلم :
يقول العارفون : العلم والفنّ كيمياء ، وتلك الفضّة من هذه الكيمياء أصبحت ذهباً.
لن تستطيع شراء الوقت الماضي ثانية ، لاتبع الحيرة ، فهذا الجوهر النقيّ لايقدّر بثمن.
ارجع من ذلك الطريق الذي كان خالياً من السائرين ، لتخش ذاك الآدميّ الذي تعرفه أكثر من الجنّ.
إنّك تصبح أكثر من العقيق الموجود في الأرض بالفضيلة ، وبالعلم تطير أعلى من الطائر في الجوّ.
لم يدعك أحد بالحرّ لأنّك أسير الخاطر بالطمع حيناً ، ومقيّد بالهوى حيناً آخر .
وفي إحدى مناظراتها التي تحمل عنوان " غصن بلاثمر " تقول :
أسمعتم تلك القصّة : ناح شجر الحور يوماً في البستان من جور الناس ، أن لم يبق منّي جذر ولاغصن ولاساق من فأس الحطاب ومنشار النجار .
لمن أحكي هذا ؟ مع كوني شاهق العلوّ جعلتني يد القدر منقلباً فجأة .
قال له الفأس : مهلاً ! فهذا جرمك ، فالموسم قد حلّ وليس فيك ثمر .
حتى الليل لم يغب صوت الفأس عن الآذان ، وحتى الصباح تجمّع في ذلك البستان حطب كثير . وعندما أشعل القرويّ تنوره من ذاك الحطب قال الحور ثانية :
آه ! لقد صرت حطباً وشعلة الدنيا ، احترقت أعضائي – كذلك – في النار .
فمن احتراقي أنوح وأبكي دائماً ، ومن يحرقوه يبكي مثلي أيضاً .
ضحكت الشعلة أن ممن تشكو ؟ فعدم إثمارك هو ماجعلك حقيراً هكذا .
غصنك المتعالي بلاثمر لم يكن جزاؤه في النهاية غير الاحتراق .
لافائدة اليوم من الحديث عن الأمس ، ويجب الكلام عن هذه السنة لاعن السنة الماضية .
ومن مناظراتها التعليميّة مناظرة قطرتيّ الدم اللتين قطرت إحداهما من قدم قالع شوك والثانية من يد ملك ، حيث تظهر فيها مناصرة المعذبين في المجتمع وانتقاد غياب المساواة والعدالة الاجتماعية . تقول فيها :
أما سمعت ماحدث بين قطرتيّ الدم عند المناظرة يوماً ؟
قالت إحداهما للأخرى : أنت دم من ؟ فأنا رشحت من يد ملك .
قالت الأخرى : أنا قطرة من دم قالع شوك ، رشحت من ألم الشوك الذي غاص في قدمه كالإبر .
أجابت : كلانا من مصدر واحد ، فقد رشحنا من الألم مع أنّ كلّاً منّا من جسد مغاير .
ألف قطرة من الدم في القدح ذات لون واحد ، وتفاوت الشريان والوريد ليس مؤثراً .
مالذي ينجم عنّا ونحن قطرتان صغيرتان ؟ تعالي لنصبح قطرة كبيرة .
لنتّفق معاً في دروب الكدّ والعمل ، وهكذا يصبح السائرون آمنين من كلّ خطر .
قالت ضاحكة : بيننا فرق كبير ، فأنت من يد ملك وأنا من قدم عامل ، فلمرافقة شخصي والاتحاد معه سعادة هي دمع اليتيم ودمّ المعذّب .
أنت أتيت من فراغ القلب والعشرة ، وأنا من انحناء الظهر وتعب الوسط .
أنت أصبحت حمراء من صفاء الخمر ، وأنا من أذى الشوك وحرقة الكبد .
إنّ ألف شخص يشترونني بملك حقيقي لأني صرت جوهراً في معدن القلب .
في قيد العبوديّة يصبح هؤلاء العبيد أحراراً ، لو أنّهم حرّكوا الريش والجناح شوقاً للخلاص .
لن يحتمل اليتيم والأرملة والعجوز العذاب إلى هذا الحدّ لو اشتعلت شرارة في بيوت المعتدين
لن يقتل كلّ سافل الخلق بغير حقّ لو سأل كلّ ولد عن قاتل أبيه .
شجرة الظلم والجور لم تكن لتورق أو تثمر لو أنّ يد المجازاة ضربتها بالفأس .
الفلك العجوز ماكان ليخيط لباس الظالم لو لم تكن بطانته من الصبر والسكوت .
لو قتلوا سيّء الطويّة لما جلس مكانه من هو أسوأ منه عنوة .
ولعلّ مناظرة السكير والعاقل هي أشهر مناظراتها حيث تنتقد فيها الواقع الاجتماعي فتقول :
صادف المحتسب سکيراً في الطريق
فجذبه من قميصه
قال السکير: هذا قميص أيها المحتسب و ليس لجاماً
قال: فمالي أراك أيها السکير تسير مُتأرجحاً؟
أجاب: ليس الخلل في مشيتي , بل في الطريق الوعرة.
قال: فلابد من استدعائك الی المحکمة
أجاب: ان القاضي نائم فلنذهب صباحاً
قال: منزل الوالي قريب ، تعال نقصده
أجاب: ألا تعلم بأن بيت الوالي خمارة ايضاً؟
قال: اذن فعلی العقلاء أن يُقاضوك
أجاب: فائتني بعاقل ... و أين هو
دافعت بروين عن العمال و الکادحين و حثتهم علی المطالبة بحقوقهم حيث تقول:
ايها العامل!
الی متی تحفر روحك تحت لهيب الشمس؟
و کم أراک تريق من ماء وجهك لأجل لقمة العيش
لماذا ترزح تحت وطأة الذل و الحر و التراب
و ليس أجرك سوی نظرة حقد و عتاب
ايها العامل!
طالب بحقك المهدور
و لا تخشی الملك و الامير
انهض وقيّد الشيطان و المتکبر
فنور الشمس لا يُحجب بغربال
امتاز شعر بروين بالبعد عن الغرور و الايمان بان الارض تتسع للجميع مهما تباينت رؤاهم و اتجاهاتهم ، لقد کانت أيقونة متعددة المواهب و الثقافات نهلت من منابع الاسلام العذبة و تأثرت بالمدارس الفکرية الاوروبية و کانت محارَبة من قبل جلاوزة النظام الشاهنشاهي شأنها شأن کل صاحب قضية و مما زاد في الحرب ضراوة إنتسابها الی أسرة عريقة و نشوئها في بيت ثقافي .
وهكذا كانت بروين صاحبة أدب إنساني رفيع ، وكانت جراح المستضعفين محفورة في وجدانها ، و ربما لم يوجد في الشعر الفارسي من اهتم بمتطلبات الطفل الاجتماعية و النفسية مثل بروين اعتصامي، حيث نری ذلك في قصائدها: دموع اليتيم، الفقيرة، سيئة الحظ، القلب الجريح، المعاناة الاولی، صاعقتنا ظلم الاغنياء و غيرها.
أمّا من الناحية الفنية ، فقد كان لشعرها ألقه الخاصّ على المستويين العاطفي و اللغوي ؛ فقد استطاعت في أغلب الأحيان العبور بالقارئ من المسير العاطفي الذي عبرته بحيث يقع كلامها في قلبه ، ومن الناحية اللغوية كانت لغتها سهلة سلسة مع تمكنها في الوقت نفسه من الإمكانات اللغوية لعصرها .
كانت صورها الخيالية مأخوذة – غالباً – من الشعر الكلاسيكي ، لكنها كشهريار حاولت أن تخرج هذه الأجزاء والعناصر الكلاسيكية في تراكيب جديدة وهذاً أيضاً امتياز لشعرها.
وفي صور المناظرات التي هي أكثر أشعارها نجاحاً ، استخدمت العناصر الكلاسيكية بشكل أقل حتى إن البعض قالوا إن خيال أشعار بروين يقوم على لغة الأشياء والحيوانات ، وجميع العناصر الشعرية لمناظراتها – أصلاً – هي أكثر حداثة وفنية ، وإن نجاحها الأدبي في المناظرات هو أحد أسباب خلود اسمها.
أما الشكل الخارجي لشعرها ، فهو شكل تقليدي عدا مواضع استثنائية مثل اى گربه ، اى مرغكـ ، ياد ياران ، ونغمه صبح ؛ فإن موسيقا شعرها تتناسب مع الاستخدام الصحيح والفنی المناسب للوزن والقافية ، وذي الوقع الجميل على الأذن والمتناسب مع سائر أجزاء الشعر وخاصة المضمون . كما أن أكثر الأوزان التي استخدمتها لطيفة ومناسبة للمضامين الأخلاقية.
ومن الجدير بالذكر أن بروين لم تكن من شعراء الغزل ، كما أنّه لايمكن اعتبارها شاعرة سياسية – اجتماعية. حتى الأشعار القليلة لها ذات المعنى السياسي – الاجتماعي لیست سیاسیة ، ولعل أبلغ لقب لها هو القول إنها شاعرة أخلاقية، تلك الخلاق التقليدية التي يقوم أساسها قبل كل شيء على العرفان ، ثم على الفلسفة الزهدية التي تشبه فلسفة الغزالي الذي كان يحاول وضع الأخلاق مكان اللذة. ولانشعر في شعرها إلا بالقليل من طعم الأخلاق الحديثة . قال عنها زرين كوب : " بروين قبل كل شيء شاعرة تربية وشاعرة أخلاق ، لكنها تربية وأخلاق مبنية على الفكر العرفاني " .
انتشرت شائعات قوية حول جنس كاتب هذه الأشعار ، وجزم الكثيرون بأن الكاتب " رجل " ، وقد كذّبت بروين هذه الشائعات في العدد الأخير من السنة الثانية لمجلة " بهار " . والسبب في هذه الشائعات هو اللغة والنظرة الرجولية اللتان تمتعت بهما أشعارها . فلو تصفحنا ديوانها لوجدنا أنّ الموعظة والنصيحة هي اللون الغالب على القصائد وهذا من خصائص الكتابة الرجولية . كما أنّ النزعة العقلية والاعتماد على التفكير هما الغالبان في شعرها ، إضافة إلى قوة اللغة ورصانتها وحدّة اللهجة ووقوفها في مبارزة المستكبرين من أجل الحق والعدل. وكذلك عدم إفادتها من العناصر النسويّة وعنايتها بالعناصر الجماليّة التي هي من خصائص الكتابة النسويّة ، وأهم من ذلك عدم طرح العشق بمعناه المتعارف عليه في شعرها أبداً ، وهو الأمر الذي يتوقّعه الرجال من امرأة . ومن جهة أخرى لم يتقبّل الكثير من الشعراء منافسة المرأة لهم في الساحة الشعريّة لذا عدّوا الناظم لهذه الأشعار رجلاً آخذين بالظاهر دون تعمّق وتحليل من وجهة نظر علم النفس الذي يؤكّد الروح الأنثوية في هذه الأشعار .
ومن يحلّل أشعارها بدقّة لايشك في صحّة انتساب هذه الأشعار لامرأة؛ فقد اختصّت ثمان قصائد من ديوانها بوصف الأطفال الأيتام وتعاستهم ، ورغم أنّها لم تنجب إلا أنّ قطعاتها تتحدّث عن الأمومة ، وحسّ الأمومة موجود في فطرة المرأة . كما أنّ عمق النظرة والدقّة والنظر إلى ما وراء الأشياء والحديث عن تبعية المرأة في كل مناسبة من خصائص الكتابة النسائيّة وهذه الأمور تعبّر المرأة عنها بشكل مختلف عن الرجل . ويختصّ أكثر من ۷۰ بيتاً في ديوانها بوصف النساء المسنّات الفقيرات والأرامل المحرومات ، وتصوّر ذلك بأحاسيس لطيفة. وهذا مالا نجده في شعر الرجل . ونلاحظ كذلك حديثها عن كيفية سلوك المرأة مقابل زوجها ومسائل المرأة في بعض من أشعارها ولاسيما " فرشته انس " و " نهال آرزو " و " زن در ايران ".
ومن المعروف أن مسائل المرأة من الموضوعات المطروقة في عصر المشروطيّة ومابعده ،وليس غريباً أن تتناول بروين التي نشأت في هذا الجوّ الفكريّ والثقافيّ موضوعاً كهذا ، إلا أنّها كانت مختلفة في تناولها لهذه الموضوعات .فتطرقت إلى الشؤون التربوية والأخلاقية حيث رأت في المرأة شريكاً لايستغني الرجل عنه ، فلايمكن خوض معترك الحياة دون وقوف المرأة إلى جانب الرجل . ومثل المرأة والرجل كمثل السفينة والربان ، فإذا كانت السفينة محكمة وكان ربانها حكيماً لاخوف من الطوفان والإعصار .
ومن بين خمسة آلاف بيت ضمّها ديوانها لم تكتب عن نفسها سوى قصيدة واحدة أوصت بنقشها على شاهدة قبرها وهي :
هذا التراب الذي تنامين فيه
هو نجم بروين وخطها
إن صاحبة الشعر واللحن الحزين
ترجو اليوم قراءة سورة الفاتحة لاغير
المحبون هم من يذكرها
والقلب الذي لايعشق لايحب
مهما كنت وتكون
آخر المطاف هنا تكون
ومهما أوتيت من طغيان أيها المغرور
فعندما تصل إلى هذا المقرّ
تكون بائساُ وخاسراً
إن بروين اليوم تحلّق كالفراشة
وكلّ من يرى هذا
يرى عين الحقيقة.
رقم: 42314