کتب الباحث السوری "يوسف بحصاص" مقال فی موقع "سوريانيوز" الالکترونی السوری تحت عنوان "مأساة الزعيم الآلهة" بشاءن المشاکل التی یواجهها حالیا معمر القذافی.
القذافی و مأساة الزعيم الآلهة
وکالة انباء التقریب (تنا) – دمشق 16/3/2011
16 Mar 2011 ساعة 12:22
کتب الباحث السوری "يوسف بحصاص" مقال فی موقع "سوريانيوز" الالکترونی السوری تحت عنوان "مأساة الزعيم الآلهة" بشاءن المشاکل التی یواجهها حالیا معمر القذافی.
و نقل مراسل وکالة انباء التقریب فی سوریا عن المقال انه خُلقت الزعامة لكل فئة من فئات المجتمع , بل أكثر من ذلك يمكن القول أنها سائرة على كافة الكائنات الحية , من النحل حتى الطير في السماء , مروراً بقطعان الغنم والجمال والبقر . لتنتهي عند الإنسان .... وتبدأ الزعامة بأثنين , وتنتهي بأمة .
فعندما كتب ( دانييل ديفو ) D.Defoe روايته الشهيرة ( روبنسون كروزو ) R.Crusoe , جعل من الثنائي روبنسون ورفيقه ( جمعة ) في الجزيرة التي لجأ إليها بعد تحطم مركبه , زعيماً ومزعوماً عليه , بصرف النظر أكانت هذه الزعامة مُعلنة أو خافية على الناظر أو السامع . وهكذا دواليك فلقد احتوت الحياة بكل مستوياتها وفئاتها هذا التقسيم .. فالمنزل له زعيم .. والمدرسة لها زعيم ... وهلم جراً .
تناول كثير من الكتاب والمنظرين والفلاسفة صفات الزعيم في حالات الطوع والفرض . والتقى الجميع حول بعض الصفات التي تجعل من الزعيم زعيماً فعلياً , وكان أولها الإيمان بما يدعو إليه , والصدق في الدعوة بطريق الحكمة , والحكمة المفعمة بالشجاعة بعيداً عن الإسفاف والاستعراض , واستمالة الشعب بحرارة العاطفة وصدقها , وبرودة المنطق الآني اللازم في الأوقات الصعبة .
بعض الزعامات التي منحت لذاتها قدسية خاصة , أفضت إلى كوارث ونكبات على شعوبها وأمتها . فهي انتسبت إلى السماء , وحكمت باسم الإله , وهي التي تصنع الأقدار . فزعامة هتلر وإن كانت بادئ ذي بدء صانعة لمجد الأمة الألمانية , إلا أنها انزلقت في مزالق التعالي والتصنيف , وكلما كانت الأمور تزداد تأزماً , كان هتلر يزدادا صلفاً وتفرداً . ففرض على رومل شرب السم , في مشهد تراجيدي يصور مسرحاً من مسارح جبروت الآلهة . وازداد ظُلماً , إلى حين أتى يومه , فأحرق نفسه بعد أن أحرق الحلفاء بلاده .. نعم الآلهة تحرق ذاتها ولا تترك العدو يأسرها , ربما أمره الوحي بفعل ذلك ؟! .
لقد تحول كل من هتلر وموسوليني وأيضاً لينين وحتى نهرو من زعيم طوعي إلى سلطة في الحكم , بعد أن دانت لهم شعوبهم بفضلهم على الأمة , والبعض آثر أن يبقى زعيماً روحياً دون سلطة كما فعل غاندي .
ولكن الشيء الغريب هو في تحول تلك الزعامة إلى مرحلة الآلهة التي خدمتها كاريزما ( Charisma ) الشخص ليحول تلك الكلمة إلى نوع من أنواع القداسة . وقد يكون سبب ذلك الشعوب ذاتها , التي رأت في صورة الزعيم نموذجاً أكبر من البشر وأصغر من الآلهة . يقول عالم الاجتماع الألماني ( ماكس فيبر ) Max Weber عن كاريزما الزعيم " إنها الصفة التي تيسر للرجل الواحد التأثير الخارق في الناس , وحفز الجماعات إلى أن تتجمع خلفه وتسير حيث سار , بدون ميزة تفوق ميزات أتباعه , وبدون اعتزازه بالانتماء إلى فئة من فئات الحكم , وبدون أي منصب شغله أو يشغله يرفع من قدره " .
لقد قدم زعيم ليبيا نموذجاً مغايراً لتلك الكاريزما .. فالقدسية عند هذا الرجل لا يفسرها منطق ,لا عُرف , ولا يُعرف لها منبع سابق من منابع القوى . لقد حمل هذا الرجل شخصية انفرد بها دون أقرانه , بما فيها من سخط وحقد وتعالي ليس على شعبه فقط بل على العالم أجمع . لقد رأى في نفسه أنه إلهاً فوق البشرية , تؤيده قوى خفية من خلف الحجب , حتى ظن أنه ما اختير زعيمأً إلا لأنه آلهة . لقد تحدى القذافي كل النظم والقوانين والدساتير في حالة استثنائية غريبة .
وإن كان الزعماء عبر التاريخ قد حققوا شيئاً ووقفوا وقفات شامخة تجاه ما يهدد شعوبهم , أو مواجهة العدو ومؤيدينه مثل ( جراكي ) Gracchi في روما القديمة , أو ( القديس فرنسيس ) St Francis في إيطاليا , أو ( كرومويل ) Cromwel في بريطانيا , أو ( روبسبيير ) Robespier في فرنسا , إلا أن القذافي لم يكن هذا الزعيم الذي يرقى إلى مصاف هؤلاء وغيرهم . لقد تهاوى هذا الصنم أمام كل التحديات التي كان يرفع في وجهها العصا مهدداً ومتوعداً . فتخلى عن برامج الأسلحة .. وسلم متهمي تفجير الطائرة فوق لوكيربي ... وصفح عن ممرضات ما يعرف بقضية أطفال الإيدز ... وقدم تعويضات خيالية لضحايا الطائرة ( ۲.۷ ( مليار دولار .... وكل ذلك على حساب شعب كان قدره أن تحكمه الآلهة . نعم تلك الآلهة التي تصبغ على الشعب بركة السماء .. لقد قال الزعيم الهندي ( نهرو ) J.Nehruذات وحي سماوي " ... وعندئذ جمعت كل هؤلاء الرجال ووضعتهم حفنة في كفي , وقمت فكتبت وصيتي على صحيفة السماء بحروف من نجوم " .
نعم إنه الزعيم المقدس الذي ينتسب إلى السماء زوراً , ويدعي أنها تشركه في صنع الأقدار على الأرض , ولكن القذافي نسي أو تناسى أن كثيراً من تلك الزعامات انتهت إلى كوارث أحاقت بها وبشعوبها . ولكن المأساة أن الآلهة لا تموت إلا عندما تقترب من الحقيقة المرة وتدركها , فإيكاروس تخيل يوماً أنه قادر على الطيران ولكن الشمس أذابت شمع جناحيه فوقع في البحر وانتهى.
رقم: 42732