شكلت القضية الفلسطينية محوراً أساسياً في أعمال الدراما السورية منذ السبعينيات، ولم يقتصر الأمر على الدراما وإنما انسحب إلى السينما بما فيها الأفلام الروائية الطويلة والوثائقية ووجدت إضاءة لها في أفلام"دوكس-بوكس" للدورة الرابعة- مختارات دولية مثل فيلم (أبي من حيفا)، يتطرق بصورة عامة إلى معاناة الفلسطينيين المهجّرين منذ 1948، الذين تشتتوا في أصقاع الأرض، وعانوا آلام التشرد وسكنتهم ذكريات موجعة لطفولة قاسية وخطت فيها عذابات الرحيل سطوراً دامغة، لاتستطيع السنوات أن تخفف من آثارها.
و نقل مراسل وکالة انباء التقریب فی سوریا عن صحیفة "البعث" السوریة، ان الفيلم يعرض قصة المصور عمر شرقاوي مع والده والصراع الذي يعيشه إزاء تصرفاته النزقة وعصبيته فيعود إلى قصة حياته.. ليتحاور معه حول الرحيل المفجع في عام ۱۹۴۸، حينما طلب والده من أمه أن تجمع الحقائب بسرعة ومضوا في سيارة مسرعة فسقطت إحدى الحقائب أثناء الطريق، هذه المأساة تركت نقطة سوداء في حياة الأب جعلته يعيش في دوامة مزاجية صعبة، تفسر سلوكياته تجاه أولاده والمحيطين به..
النقطة الثانية التي عالجها الفيلم هي صعوبة المواجهة بين الماضي والحاضر، إذ قرر والد عمر السفر إلى حيفا أربع مرات وكل مرة يشتري تذكرة الطائرة بثمن باهظ ثم يتراجع خشية مواجهة الماضي فيصر عمر إلى اصطحابه برحلة لمدة أسبوع إلى دمشق ومنها إلى حيفا، يحاول الأب الرفض بذريعة صحته المتعبة لكن عمر يصر، ويمضيان معاً ويترك عمر العنان للكاميرا لتصوّر بحرية شوارع دمشق والمطار ويزور من تبقى من عائلته ويطّلع على شجرة العائلة ويتجول في أرجاء دمشق القديمة والأسواق الشعبية.. وتتوقف الكاميرا لترصد دقائق محزنة إزاء زيارة الأب قبر والده والبوح عن معاناته وغربته مع كل الفلسطينيين والحلم بتحقيق السلام المنشود والحنين إلى الوطن المفقود.. ثم تمضي الكاميرا إلى متابعة الجزء الأخير من الفيلم حينما يصلان إلى القدس ويصليان في المسجد الأقصى ثم يمضيان إلى حيفا لرؤية منزل العائلة القديم الذي يقف شامخاً فوق تلة لم تستطع قذائف الصهاينة أن تقصفه، وإنما تركت جدرانه محترقة ونوافذه مهدَّمة وصعدا من الواجهة الأمامية لتحطم الدرج ووجد الأب نفسه في لحظة المواجهة مع الماضي ليرى أن أرضية المنزل كما هي، القرميد الخارجي ما زال موجوداً، وتتداعى إليه صور الماضي يسمع صوت أمه تناديه ويشعر بروح والده في كل ركن من أركان المنزل، يتذكر أخوته وأهله وجده وأفراد عائلته وينتهي الفيلم بهذه المواجهة التي هرب منها الأب طيلة حياته.
يتميز الفيلم بعرض وثائق حقيقية لمشاهد قتل الأطفال والقصف وسفك الدماء وقتل المدنيين أثناء حصار غزة وعلى الرغم من أن طابع الفيلم تسجيلي إلا أنه كان غنياً بالمؤثرات الإخراجية مركزاً على الموسيقا التصويرية المؤثرة التي اقتصرت على عزف آلة منفردة حيناً وعلى الآهات الغنائية حيناً آخر.. وكان للإضاءة دور كبير في إظهار بعد متوافق على الحدث ما بين العتمة والمتوهجة، وأضاف عمر مساحة خاصة للكاميرا تظهر الغيوم والقمر المنبعث بين ضبابها.
الفيلم كان ناطقاً بالدانماركية وفي بعض اللقطات التي تعود إلى الفلاش باك باللغة العربية، وبالإطار العام كان حزيناً جداً ومؤثراً وينحو بالمتلقي نحو مساحة زمنية تعبّر عن أوجاع الفلسطينيين من خلال السرد السينمائي والمؤثرات الإخراجية والتقنيات الحديثة والاحساس المؤلم بفجاعة الرحيل .
يذكر أن الفيلم حاز على جائزة لجنة التحكيم وجائزة الجمهور في مهرجان دبي ۲۰۱۰ وجائزة أفضل فيلم تسجيلي- جوائز روبرت الدانمارك وشارك في مهرجان غوانجو التسجيلي الصين ۲۰۱۰ ومهرجان كوبنهاجن التسجيلي الدانمارك ۲۰۱۰.
ومن المعروف أن عمر شرقاوي ولد عام ۱۹۷۱ في كوبنهاغن لأم دانماركية وأب فلسطيني.
يعمل مصوراً وأخرج فيلمه الروائي الأول مع السلامة جميل ۲۰۰۸
«أبي من حيفا» وهو من إنتاج الدانمارك ۲۰۰۹ مدته ۵۲ دقيقة، مترجم إلى العربية والانكليزية.