کتب الباحث "مأمون الحسيني" مقال فی صحیفة "الوطن" السوریة تحت عنوان "الفلسطينيون: بين درب المصالحة المغلق وحواف الهاوية".
الفلسطينيون:
بين درب المصالحة المغلق وحواف الهاوية
وکالة انباء التقریب (تنا) – دمشق 28/3/2011
29 Mar 2011 ساعة 0:51
کتب الباحث "مأمون الحسيني" مقال فی صحیفة "الوطن" السوریة تحت عنوان "الفلسطينيون: بين درب المصالحة المغلق وحواف الهاوية".
و قال الحسینی فی المقال، بخلاف المأمول والمرجو، تداعى المشهد الفلسطيني الذي كان يتجه نحو محاكاة الثورات العربية، في نسختيها التونسية والمصرية، عقب نزول الشباب إلى شوارع الضفة الغربية وقطاع غزة للمطالبة بإنهاء الانقسام، وانتقل إلى حواف الهاوية بعد أن قررت إسرائيل تصعيد الأوضاع الميدانية وارتكاب سلسلة مجازر في قطاع غزة، بذريعة الرد على إطلاق فصائل فلسطينية صواريخ محلية الصنع وصواريخ «غراد» على بعض المستوطنات القريبة من القطاع ومدينتي أسدود وبئر السبع، وانفجار عبوة ناسفة بالقرب من إحدى الحافلات في مدينة القدس أوقعت قتيلة بريطانية وعدد من الجرحى، ما عنى للكثيرين بأن باب المصالحة الوطنية التي أرادت الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين فتحه بقوة صوت الشارع والفعاليات الشعبية، سيبقى مغلقاً حتى إشعار آخر، وأن أبواب احتمالات التصعيد الأمني والعسكري، وربما السياسي المتعلق بأولويات إسرائيل الإستراتيجية التي صيغت على خلفية نجاح بعض الثورات العربية، وبالأخص المصرية، وتاليا، بسيناريوهات الحلول المقترحة للخروج من المأزق، قد باتت مشرعة أمام مختلف الاحتمالات.
ومع أن التوجه الإسرائيلي نحو شن عدوان جديد على قطاع غزة، على غرار ما حدث قبل نحو عامين، أو توجيه ضربات جوية وبرية لفترة زمنية معينة، وفق ما رجَح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي منح جيشه الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية، في موازاة العدوان الجوي والمدفعي المتواصل، يبدو مفهوماً تماماً، على رغم الحذر الواضح حيال التورط في حرب جديدة على القطاع بسبب الحالة الإقليمية الملتهبة، والموقف المصري المستجد الذي عبَر عنه وزير الخارجية نبيل العربي، إذ لا يخفى أن إسرائيل التي لم تكن يوماً بحاجة إلى أي ذرائع للعدوان على الفلسطينيين والعرب وكل «الأغيار»، والتي أربكتها «الثورات العربية» وحملتها على إعادة النظر في أولوياتها الإستراتيجية وعقيدتها الأمنية، معنية بانتهاز الفترة الانتقالية وحال الفوضى والانقسامات وعدم قدرة أي من الدول العربية التي تتمحور أولوياتها حول الاستقرار الأمني وتحسين الأوضاع الاقتصادية، على خوض حرب ضد إسرائيل في المدى المنظور، ومن ثم، استكمال إجراءاتها الاحتلالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولاسيما في القدس التي أكد تقرير أممي صدر أخيراً أن الوجود الفلسطيني فيها يتعرض لـ«حرب إبادة» حقيقية، على حين قال تقرير آخر لمركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إن الاحتلال يخطط لطرد ۵۵ ألف مقدسي، ورفع منسوب إقرار القوانين العنصرية التي تمهد الطريق أمام تهجير فلسطينيي ۱۹۴۸، والتي كان آخرها القانون المسمى «قانون النكبة» الذي أقرته الكنيست الإسرائيلية قبل أيام، كما أنها معنية بتذكير الفلسطينيين، وبالأخص قيادة حركة «حماس» أن يدها ما زالت طويلة، ولن تتورع عن ارتكاب المجازر المتكررة في حال عدم الالتزام بالتهدئة الفلسطينية المجانية التي ترفضها حركة «الجهاد الإسلامي»، وتذكير العرب الذين ثاروا على أنظمتهم السابقة، بضرورة التزام أنظمتهم الجديدة بالاتفاقيات المبرمة معها، وكذلك تذكير العالم وأقطابه الفاعلة بأنها ما زالت دولة فوق القانون، وأنها غير مستعدة لدفع أي أثمان تفرضها الاستحقاقات الإقليمية والدولية التي تدب على الأرض.
إلا أن الأكثر بروزا في هذه الرسائل الإسرائيلية الدموية المرشحة للتصعيد، هو محاولة قطع الطريق على عملية المصالحة الفلسطينية التي عادت للطفو على سطح المشهد الفلسطيني بعد تحرك الشباب الفلسطيني المطالب بإنهاء الانقسام كشرط واجب التحقق لإنهاء الاحتلال، وكذلك بعد إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الرابعة والعشرين للمجلس المركزي الفلسطيني، استعداده التوجه إلى غزة من أجل الاتفاق مع قيادة «حماس» على تشكيل حكومة من شخصيات مستقلة وكفء للتحضير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، وإعادة إعمار ما تم تدميره في القطاع، حيث لم تخف إسرائيل امتعاضها الشديد واستعدادها لفعل ما يلزم لإجهاض أي مبادرة بهذا الخصوص، إلى حد مطالبة نتنياهو السلطة الفلسطينية «الاختيار ما بين السلام مع حركة حماس والسلام مع إسرائيل».
على الضفة الأخرى، لم يجد معظم المراقبين في عملية التصعيد وإطلاق الصواريخ الذي لجأت إليه حركة «حماس» بعد نحو عامين من التهدئة، سوى محاولة لتنحية ووأد عملية المصالحة الفلسطينية التي اكتسبت زخماً جديداً بعد التحركات الشبابية الفلسطينية المطالبة بإنهاء الانقسام، واستجابة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للدعوة التي وجهها إليه رئيس حكومة «حماس» في غزة إسماعيل هنية لزيارة غزة وإجراء محادثات للمصالحة على مستوى رفيع، وهي الدعوة التي يبدو أنها لم تكن موضع توافق داخل «حماس»، بدليل مسارعة الحركة، وعلى لسان أكثر من مسؤول، وفي مقدمهم هنية نفسه، إلى رفع سقف مطالبها السياسية والأمنية، واشتراط التوجه نحو «حوار وطني شامل» يناقش جميع الملفات، بما في ذلك قضية الشراكة السياسية، ووجود قيادة وطنية مشتركة للشعب الفلسطيني، واعتراف بنتائج الانتخابات التي نظمت في ۲۵ كانون الثاني (يناير) ۲۰۰۶، ناهيك عن المطالبة بعقد مؤتمر شعبي للبحث في مستقبل القضية والنظر في تطورات الوضع الفلسطيني، وذلك قبل الحديث عن أي حكومة جديدة!!
هذه الحسابات المشوشة، والتي تندرج في إطارها عملية قمع التظاهرات الشبابية التي انطلقت في غزة يوم ۱۵/۳ الجاري للمطالبة بوضع حد للانقسام المدمر، وعدم السماح لوفد الرئاسة الفلسطينية الأمني الذي كان ينوي التمهيد لزيارة عباس بالقدوم إلى غزة، اصطدمت، في واقع الأمر، بعقبتين أساسيتين: الأولى، هي التصعيد الإسرائيلي، المغطى دولياً، والذي وصل إلى حدود ارتكاب المجازر وإبداء الاستعداد لتنفيذ عمليات اغتيال ضد بعض القيادات الفلسطينية، وشن عدوان جديد على القطاع، وهو ما أخذته «حماس» على محمل الجد، بدليل إعلان حكومتها العمل وفق خطة طوارئ عليا، وإخلاء الوزارات والمؤسسات والأجهزة الأمنية، وإجراء رئيسها إسماعيل هنية اتصالات داخلية وخارجية لتجنيب القطاع مواجهة جديدة مع إسرائيل. والثانية، هي أن سيناريو الاشتباك المحدود الذي قدَر أنه قابل للاحتواء، انطلاقاً من حقيقة سقوط الصواريخ على أراض خالية، خرج عن السيطرة بدخول فصائل وجماعات أخرى على الخط، وبالأخص حركة «الجهاد الإسلامي» التي وجهت صواريخها البعيدة المدى على مدينتي أسدود وبئر السبع.
وعليه، وبدلاً من التناغم مع التطورات الإقليمية النوعية وحراك الشارع العربي الذي يعيد الاعتبار لصوت الأكثرية الساحقة من الشعب، ويوجه رسالة شديدة الوضوح إلى الفلسطينيين مفادها بأنهم وحدهم من سيدفع فاتورة استمرار الانقسام والتمزق، وعوضاً عن المضي قدماً باتجاه تحقيق المصالحة التي كانت «حماس» نفسها قد نظمت لها تظاهرات حزبية في مدينة غزة، قبل التحرك الشبابي، ها هو الشعب الفلسطيني يدفع نحو مزيد من التفتيت في ظل الشعارات غير القابلة للتسويق لدى أكثرية الفلسطينيين وقواهم الوطنية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والاقتصادية المدعوة لمواصلة التحرك والكفاح للدفاع عن خيار وحدة الأرض والشعب والقضية، وعن المشروع والأهداف الوطنية والنظام السياسي الديمقراطي التعددي.
تنا – مکتب سوریا
رقم: 43924