کتب "رحيم هادي الشمخي" أكاديمي وكاتب عراقي مقال حول سقوط الشعر العربی نشر فی صحیفة "البعث" السوریة.
سقوط الشعر العربي
وکالة انباء التقریب (تنا) – دمشق 5/4/2011
5 Apr 2011 ساعة 16:33
کتب "رحيم هادي الشمخي" أكاديمي وكاتب عراقي مقال حول سقوط الشعر العربی نشر فی صحیفة "البعث" السوریة.
و اضاف الشمخی فی المقال، بعد آخر قصيدة أطلقها المربديون في بغداد، تحول الشعر العربي إلى زمن هو أشبه بكابوس الأمراء من الفقراء والشعراء العرب، زمن يتّمته حرب الخليج في تلك الحقبة من الصراع الدامي بين العرب والعرب، التي وقفت حائلاً ومانعاً بين الشعراء الذين أعطوا لبغداد مربدها على مدى عشرات السنين، وبين الشعراء الذين باعوا (بابل) بالدولار.
هؤلاء المثقفون المشردون بين مجد الشعر ومجد الدولار هم القتلى والقتلة، تحت سماء هذا الوطن الملبدة بالخيانة والسقوط، وهم مصدر القلق الكبير، ومصدر هزيمة الأمة والثقافة العربية.
مثقفون آخرون أكلت إوزاتهم (البيروسترويكا) وانهاروا وهم يلتهمون شطائر (الماكدونالد) الطازجة وخطاب المديح الأمريكي، هؤلاء الأحياء بين أسمال الفقراء، يبحثون تحت أعلام أوطانهم عن مقابر لهم بين النظريات الاشتراكية التي أبادتها القوة الرأسمالية الزرقاء.
إن النظرية الرأسمالية لم تكن إطلاقاً نظرية شعبية، ولكنها بمنهجها تشكل نظرية (رأس القوة) فهي تعمل على (الترغيم) دون الاستفتاء عليه، وتتعدد مصادر نفوذها بمدى سيطرتها على المال ورجال الأعمال والساسة المأجورين وتجارة السلاح و الفيتو.
إن أول صالة للقمار في أول دولة رأسمالية، قد أطاحت بأول نظام اشتراكي في العالم، يحتسي (الفودكا) في العراء، ويجر رجله الخشبية باتجاه المنطقة العربية!.. نظام فقدت إحدى رجليه معامل أوروبا الشرقية التي رفعت على مباني وزارات خارجيتها العلم الأمريكي فوق مزقة علم (الاتحاد السوفييتي).
أنظمة ولّت، ونظام عالمي جديد قد حل بالبسكويت الأمريكي، والكاكاو الصهيوني والحليب الفلسطيني، وسوف يدرك النظام العربي، الذي يخاف الغضب الجماهيري اليوم من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، يدرك تماماً أنه كان يغطس أنفه في الماء المكروه.
لقد انتظر العرب المؤرخ العجوز طويلاً، ولم يدركوا أنه منذ عام ۱۹۴۸ قد قفل ما كتب وغادرهم آسفاً إلى روما، حاملاً معه قلمه ومحبرته وقنينة نبيذه الأحمر، وقد غادر بعد حرب الخليج ليستوطن في أمريكا بلد المصادر الموثوقة والشاهدة على مذبحة الديمقراطية في الوطن العربي.
من سيؤرخ إذاً بعد رحيل التاريخ عنّا؟
لكننا حتماً سنقرأ يوماً وبعد هذه الانتصارات (المفجعة) في احتلال العراق العربي مشروع الاستيطان الصهيوني لفلسطين الحبيبة، وأن البعض من العرب هم أشبه بالقمل الأفريقي الشرس والسمج المنتشر بين أفراد قبيلة (المندلاي) التي تقطن (أرض السد) أسوأ مكان في العالم، ذلك لأن (العرب) وأنا منهم يخافون مخابراتهم التي صنعوها بنقودهم ويخافون قنابلهم التي اشتروها بنقودهم، ويخافون عملاءهم الذين اشتروهم بعرق السوس، ويصدقون إذاعاتهم وصحفهم التي حرروا أخبارها وتوّجتهم عام ۱۹۶۷، ويخافون المشنقة القادمة التي يصنعونها الآن في واشنطن، نخاف ونخشى كل ذلك لأننا لم نخف على تاريخنا منا، ولم نصنع من الكتاب حضارة.
ولأننا أشبه بقمل قبيلة (المندلاي) فإننا عراة من كل شيء و(ملط) نرى بعضنا هكذا أثناء النوم والزحام، وأثناء إدارتنا الندوات والحوارات الفكرية والثقافية في الملعب العربي بين حين وحين، متكئين على كتاب التاريخ المسوس، ونتفلسف على الحضارات الغائبة والحضارات الحية، متواضعين ومتغطرسين على الغرب، ولم ندرك ونحن عراة من كل شيء أنهم يلعبون بنا بالشطرنج في أكبر صالات القمار السياسي.
تعيش الرأسمالية لأنها طهّرت أمريكا من الفكرة العابثة في رأس المال الزنجي، وأطفأت نيران الهنود الحمر إلى الأبد، وألجمت ياسر عرفات بكوفيته المشهورة كي يستريح الطفل الفلسطيني من عناء البحث عن حجارة حوّلها الصهاينة إلى تفاح.
يافا التي سقطت كامرأة بتول، وحيفا التي غادرها المرحوم محمود درويش بالعرائس والقصائد.
بعد هزيمة الثقافة العربية وسقوط الشعر العربي بين بابل وبلقيس وزنوبيا أجد نفسي بحاجة إلى منقذ يضمد جراح الشعر العربي، بين حيطان بابل التي رممها العراقيون وأطاح بها اليانكيون ودنسها الأمريكيون بالقوة، أقف أمام جلالة المشهد مفزوعاً على الحلم الذي روته لنا نازك الملائكة وأدونيس ونزار قباني، وأندهش لموت السياب المؤقت ولملامس عائشة الناعمة في قصائد البياتي.
نعم، نعم لقد سقط الشعر العربي، ومات أكثر الشعراء العرب، وبقيت قصيدة الحكام العرب.
تنا – مکتب سوریه
رقم: 44801