كان حلماً أن يمتلك السوريون إذاعة وطنية سورية مستقلة عن الانتداب الفرنسي وتحقق الحلم بعد صبر وانتظار ومحاولات لكن مثل كل الأحلام والأماني لم تكتمل مؤسسة الإذاعة السورية دفعة واحدة، بل ربما شابها بعض النواقص والعيوب.
ما المطلوب من الإذاعة السورية ؟ 1957
وکالة انباء التقریب (تنا) – دمشق 21/4/2011
21 Apr 2011 ساعة 14:52
كان حلماً أن يمتلك السوريون إذاعة وطنية سورية مستقلة عن الانتداب الفرنسي وتحقق الحلم بعد صبر وانتظار ومحاولات لكن مثل كل الأحلام والأماني لم تكتمل مؤسسة الإذاعة السورية دفعة واحدة، بل ربما شابها بعض النواقص والعيوب.
بمناسبة مرور خمس سنوات على صدور مجلة الإذاعة، احتفل الإذاعيون بطريقتهم الراقية بهذه المناسبة التي اعتبروها وقفة للمراجعة وكشف الحساب أمام مسؤولياتهم، وقدموا رؤيتهم لما تم انجازه، وركزوا على نقاط الخلل والسلبيات التي يجب تجاوزها.
المهم في المراجعة، هو الإصرار على المضي بطريقة مهنية تجسد الروح الوطنية التي ترى في الوطن كياناً واحداً مهما تنوعت فئاته وشرائحه ومهما تباينت مطالبها وآمالها
في الخمسينيات من القرن الماضي، كان الإعلام يسير باتجاه واحد، من الدولة غالباً ـ أو الجهة صاحبة الوسيلة الإعلامية ـ إلى الجماهير ولم يكن شائعاً ما بات منتشراً من نظريات الاتصال التي تركز على تبادل المعرفة ووجهات النظر لأجل الحفاظ على تواصل يمكن أن ينتج صورة أكثر وضوحاً عما تعانيه المجتمعات البشرية وما تأمل به، عبر تعدد منابر ووسائل الاتصال وتنوعها وشمولها.
ورغم ذلك نرى جديراً بالاهتمام الرؤية النافذة التي تملكها أصحاب القرار آنذاك والتي تقتضي أن يلعب الإعلام دوراً صاهراً وموحداً للمجتمع عبر اهتمامه بنقل ومناقشة هموم وواقع وأماني كل مناطقه وأبنائه مع التذكير بأنه كان للإذاعة دوراً توجيهياً وتثقيفياً واضحاً نظراً لقلة وسائل الإعلام والاتصال حينها، ومحدودية انتشار التعليم عموماً.
اخترنا عرض هذه الرؤية لدور الإذاعة ومهامها، التي قدمها الدكتور شكري فيصل * ، من بين عدة مقالات انتقادية لواقع الإذاعة السورية، تناولت نقداً ورؤية جديدة لموظفي الإذاعة والإعلاميين ودورهم في تقصي الحقائق وتجسيد المصداقية والاستقلالية والتعبير عن الرأي العام.
الاذاعة السورية العدد ۹۶ أيلول ۱۹۵۷*
"يبدو لي أن الإذاعة لن تكون وحدها، بل يجب أن لا تكون بعد خمس سنوات، يجب أن يواكبها التلفزيون فنحن مقبلون على الأخذ بهذا التطور، رضينا أم أبينا، فمن الخير لنا أن نبكر في ذلك إذا كنا سنحسن الاستفادة منه".
وحين يكون عندنا التلفزيون فلن يسمع المواطنون أصواتاً ولكنهم سيشهدون دروساً عملية قيمة وسيشهد كل امرأة وكل طفل وكل رجل، وهو في بيته كل الذي يمكن أن يساعد على تطويره الفكري وعلى تجلية الغموض في حياته الذهنية سيكون التلفزيون حين نحسن استعماله، أسلوباً خيراً من أساليب التثقيف العام، لا تستغني عنه أمة.
وفي خلال خمس سنوات لن تكون الإذاعة دائرة ضعيفة الصلة بالدوائر الأخرى حولها. ولن تقتصر علاقاتها بدوائر الدولة على هذا الوجه الرسمي، ولكنها ستكون كالإخطبوط، صلات بكل دوائر الدولة وتعاوناً معها على غرضها التثقيفي والتوجيهي العام إن صلاتها لن تكون حديثاً عن الدولة في أسبوع ولا عن نشاط إحدى الوزارات مثلاً ، ولكنها ستكون تعاوناً على برنامج واسع يستطيع أن يتعرف منه المواطنون على كل شيء وأن يفهموا كل شيء.
إن الإذاعة ستكون في هذه الصورة التي سنتمناها صلة ما بين الناس وما بين كل الأجهزة الفعالة في كل دوائر الدولة وحين ذلك يعيش المواطنون كما تعيش الدولة في مستوى واحد.
وفي خلال خمس سنوات ستكون الإذاعة كذلك من نحو آخر صوت الناس وصورة الناس إنها لن تبقى شيئاً يهبط عليهم بالخبر أو الأغنية أو الحديث، لكنها ستكون أداة يجد فيها الناس طريقهم إلى الذي يريدون فتتولى الإذاعة التعريف بهم وطرح مشاكلهم، وعرض قضاياهم، حتى يتحسس المواطن في كل مكان مشكلات اخوانه وأساليب معيشتهم في كل مكان، فتعرف دمشق ما الذي يعاني إخواننا في الجزيرة، ونعرف في القرية ماذا في المدينة، ونعرف في المناطق الخضراء هموم أطراف الصحراء، ويبدو لي وأنا في بيتي ـ مع الراديو والتلفزيون ـ كل مواطن في وطني على صورته، وكل قطعة أرض على حقيقتها، وأحيا وأشارك أهلي في كل جزء من الأرض أعيادهم ومشاكلهم ووجودهم مشاركة قوية.
وبصورة موجزة تنعتق الإذاعة في خلال السنوات الخمس من النطاق الرسمي إلى النطاق الشعبي حتى تكون المسرح الذي يلتقي عليه الوطن والمواطنون جميعاً متجهين إلى غايتهم الكبيرة.
ولا أنسى ضرورة تطوير إمكانيات الإذاعة نفسها ففي خلال السنوات المقبلة يجب ألا تبقى في هذا البناء الضيق ويجب أن يكون كل موظف كفء قد قام بدورة تدريبية في البلاد العربية أو الأجنبية إن بقاء موظفي الإذاعة القادرين في هذه الغرف المقفلة وراء مناضدهم يجعل إنتاجهم رتيباً، وهو في ضرره يعادل بقاء الموظفين غير الأكفاء.
يقولون أن الإذاعة صوت سورية، فدعوني أقل لكم إنها صوت سورية بالنسبة إلى السوريين هنا ولكنها بالنسبة إلى العالم الخارجي كله ليست مجرد صوت وإنما هي وجه سورية وعقلها أسلوبها في التفكير ومنهجها في الحياة. هي سورية الماضي والحاضر والمستقبل هي سورية في الداخل وفي المحيط الدولي علاقات وصداقات ومشاركات.
فإذا نحن فهمنا الإذاعة كذلك عرفنا كيف نخطط للسنوات المقبلات وحينذاك لن تكون الإذاعة متكأ للوزراء وأولي الأمر، ولا محطة تجارب للأصوات والأفكار، ولا مستودع تسجيلات، ولا جسراً يعبر عليه المحظوظون إلى الدرجات العلى لن تكون شريطاً يرفع وشريطاً يوضع ولكنها ستكون كخلية النحل عملاً دائباً متجدداً."
* مجلة الإذاعة السورية
صدر العدد الأول منها في الأول من أيلول ۱۹۵۳
أصبح اسمها مجلة " هنا دمشق " ثم تحول إلى " فنون" التي ما زالت تصدر حتى اليوم بهذا الاسم عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
وهي مجلة نصف شهرية، مكونة من ۴۸ صفحة، تحتوي على الصور والرسوم بالأبيض والأسود، ما عدا الغلاف الذي كان ملوناً. مديرها المسؤول " أحمد عسة " وهو المدير العام لدار الإذاعة وقتذاك.
أما رئيس تحريرها فهو الصحفي سعيد الجزائري.
وعن الهدف من إصدارها، كتب " أحمد عسة " نتوخى أن تجمع بين البساطة والأناقة في الإخراج، وأن تكون متنوعة المواضيع، معنية عناية خاصة بالشؤون الإذاعية، لتسد شيئاً من الصحافة الاختصاصية ـ الشاملة. وتهدف هذه المجلة إلى أن تكون مجلة الأسرة... ومن سياسة المجلة نشر الكثير مما يذاع في الإذاعة، والكثير الكثير مما لم يذع ولم ينشر. والمجلة تنفرد بنشر مختلف برامج الإذاعة السورية، وتتبع هذه البرامج للإطلاع على نقدها الموضوعي.
نشرت للعديد من الكتاب والشعراء ورجالات الثقافة في سورية وخارجها
* شكري فيصل (۱۹۱۸ـ ۱۹۸۵)
ولد في دمشق، تخرج من جامعة الملك فؤاد الأول ( جامعة القاهرة الآن) وحصل منها على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها.
عمل مدرساً في جامعة دمشق، وفي جامعتي بيروت والمدينة المنورة
كان عضواً في مجلس الأمة أيام الوحدة بين سورية ومصر
كان عضواً في مجمع اللغة العربية
كان عضواً في جمعية البحوث والدراسات
من مؤلفاته:
ـ مناهج الدراسة الأدبية
ـ الأدب والغزو الفكري
ـ الصحافة الأدبية وجهة جديدة في دراسة الأدب المعاصر وتاريخه
تنا – مکتب سوریا
رقم: 46787